المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ يوسف أبو سنينة من المسجد الأقصى بتاريخ 2/5/2008م وفق 26 ربيع ثاني 1429 هجري


admin
06-01-2009, 10:28 AM
خطبة الجمعة للشيخ يوسف أبو سنينة من المسجد الأقصى بتاريخ 2/5/2008م وفق 26 ربيع ثاني 1429 هجري

<EMBED src=2008-05-02-1429-04-26.wav width=612 height=44 type=audio/wav>

بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة من المسجد الأقصى المبارك

أُلقيت هذه الخطبة يوم الجمعة وَفق 26/4/1429هـ وفق 2/5/2008مـ في المسجد الأَقصى وقد أَلقاها الشيخ يوسف عبد الوهاب محمود أَبو سُنَينة إمام ومدرس وخطيب في المسجد الأَقصى حماه الله من أهل الكفر آمين.

الخطبة الأولى
الحمد لله الغفور الذي ستر بستره وأَجمل، الشكور الذي عَمَّ ببره وأجزل، الرحيم الذي أَّتم إحسانه على المؤمنين وأكمل، فسبحانَ مَنْ أقبل بجوده وبرّه على مَنْ رجع إليه وأقبل، ورأى زلة المسيئ فعامله برأفته وتجاوز عنه برحمته وأمهل، وجعل للقبول والفضل أوقاتاً ليتدارك المقصرُ ما ضيع وأهمل، نحمده على ما أَنعم وأكرم وتفضل، ونشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة عبدٍ خضع لهيبته وتذلل، ونشهد أَن سيدنا محمداً عبدُه ورسولهُ الذي أوحى إليه بالكتاب ونزّل، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وأرض اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن الستة الباقين من العشرة المفضلين وعن أهل بدرٍ وأحدَ وأصحابِ الشجرة، وعن جميع الصحابة أجمعين، ومن سار على أثرهم إلى يوم الدين، وأرض عنا معهم برحمتك وفضلك وجودك وأحسانك يا رب العالمين، أما بعد:
عباد الله:
إنما وُضع المنبرُ في كل يوم جُمُعةٍ ليتدارس المسلمون أحوالهم ويتعلموا أمور دينهم ويحلوا مشاكلهم وفق منهج الله تعالى. والواجب على كل واحد منا أَنْ يجتهد من أجل نصرة هذا الدين ونصرة المسلمين، تحت راية واحدة، فلا خداع ولا استغلال، لا مكر ولا أحتيال، لا لف ولا دوران، شعارٌ واضحٌ لا محيد عنه يرسم معالَمِهُ قولُ الله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف12: 108).
عباد الله:
أستدعى أحد الحكام عَلَماً من أعلام الأمة الصادقين وقال له: (إما أنْ تقلع عن تلقين تلاميذك هذه الأفكارَ -ويعني تعاليم الأسلام – وإلا أرسلت من يُغلق المسجد الذي تنفث فيه هذه السُمومَ ضدنا....)، عجباً لهؤلاء، أحكام الإسلام الربانية أصبحت سُموماً، هل سمعتم بذلك يا عباد الله؟ أتدرون بماذا أجاب الشيخ الجليل؟ إنك لا تستطيع ذلك، أما قرأت قول الله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة2 :114) وأستشاط الحاكمُ غضباً وقال: وكيف لا أستطيع ذلك؟ فقال الشيخ: (الداعيةُ المسلمُ يدعوا إلى الله في كل مكان، فإذا كنتُ في عُرس علمتُ المحتفلين، وإذا كنتُ ما في مأتمٍ وعظت المعزين، وإنْ جلستُ في وسيلةِ سفرٍ علُمت المسافرين، وإن دخلتُ السجن أرشدتُ المسجونين، أما علمتَ أنَّ يوسف علية السلام قد نشر دعوة الله وهو في السجن أما قال الله على لسانه: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (يوسف12 :39)، وإنْ قتلتموني ألهبتم مشاعر المؤمنين، وخير لك أيها الحاكمُ ألا تتعرض للأمة في دينها وعبادتها ومساجدها)، هذا هو موقفُ علماءِ الأمة، ثبات وقوة وعزيمة وعلم، عطاء وعمل وجهد وأجتهاد، هداية ورحمة ومحبة وبيان.
عباد الله:
لا مكان للأمة الضعيفة بين الأُمم، الأمة القوية التي تربي شبابها على الخير والمحبة، تربي شبابها على طاعه الله وطاعة رسوله، تربي شبابها على ذكر الله والوقوف بين يدي الله بخشوعٍ وخضوعٍ وتذلل، الأمة القوية تبني أَجيالاً أقوياءَ لا يعرفون تقليد الأجانبِ في ملابسهم الخليعة ولا إقامة الحفلات المليئة بالمعاصي والأثام، ولا يدعون إلى التبرج الساخر ولا يبيعوا أدواتِ الكفر والعصيان، ولا يُضيعون أوقاتهم، بل يحسبون حسابهم لكل شيء ويعلمون أنَّ العمر قصير وسوف يُحاسب المسلم.
أيتها المسلمة:
أتقي الله، وحافظي على ما أوجب الله عليك في دينك، وحافظي على أمانتك، وما أسترعاكِ الله عليه من حقوق الزوج، عوّدي أولادك على طاعة الله، وأداء الصلاة والصدق والأمانة، ومكارم الأخلاق، حذريهم من الكذب والغيبة والنميمة والخيانة، والسبابُ والفسوق والعصيان، إتقي الله في جيرانك، وأحذري من الوقوع في أعراض المحصنات الغافلات المؤمنات، لا تخرجي في الأسواق متبرجة متعطرة، لا تزاحمي الرجال، لا تسرفي في حفلات الزواج، تذكري قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأةُ خمسها، وصامت شهرها، وحفِظتْ فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها أدخلي الجنة من أيَّ أبواب الجنة شئتِ).
أيتها المسلمة:
تعلمي من السيدة الشريفة الصالحة نفيسةَ رضي الله عنها، كانت زاهدةً تقيةً نقيةً، تقوم الليل، وتصومُ النهار حتى قيل لها: ترفقي بنفسكِ لكثرة ما رأوا منها، فقالت: كيف أَرفق بنفسي وأَمامي عقبةٌ لا يقطعها إلا الفائزون؟ فحجت ثلاثين حجةً وكانت تحفظ القرآن وتفسيره، توفيت رحمها الله وهي صائمة فالزموها الفطر، فقالت: واعجباه، أنا منذ ثلاثين سنة أسال الله تعالى أن القاه صائمه أَأُفطر الأن هذا لا يكون، وخرجت من الدنيا وقد انتهت قراءتها إلى قوله تعالى: (قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ...) (الأنعام6: 12).

عباد الله:
أخرج أبن ماجة عن عُبَيدْ الله بن مْحِصنٍ الأنصاريّ رضي الله عنه قال: قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (منْ أصبح منكم مُعافىً في جسده، آمناً في سربه، عندَهُ قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا). فيا أَيها المسلم أجعل ثقتك بالله قوية وتذكر دائماً أنك عبد من عباد الله، فإن الله يعلم السر وأخفي، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وإذا كنت فاعلاً فأنظر نظر الله أليك، وإذا كنت ساكتاً فإنظر علم الله فيك. قال الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (طه20: 46). وتذكروا يا عباد الله أَنَّ الرجالَ ثلاثة: رجل شُغل بمعاشه عن معاده فهذا هالك، ورجل شغل بمعاده عن معاشه فهذا فائز، ورجل أشتغل بهما فهذا مخاطرٌ مرةً له، ومرةً عليه.
عباد الله:
الأزمة عندنا ليست أَزمةَ مالٍ، أو ثروة، وإنما هي أزمةُ الثقةِ بالله تعالى، أزمة الإعتماد على الله، أزمة التوكل على الله، ولو أننا وثقنا بالله وتوكلنا عليه لهانت علينا الدنيا وما فيها.
عباد الله:
نتحدث عن الثقة في مجتمع ضعفت فيه الثقة بالله، في مجتمع ضعفت فيه الثقة بالله، فهذا يقول مالي، وذاك يقول سلطاني، ومنهم من يقول قوتي وجاهي، ومنهم من يقول علمي وليس منهم من يقول: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) (النحل16: 53)، ليش منهم من يقول: (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (هود11: 56)، ليس منهم من يقول: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (القصص28: 24)، نفوس أعتلت ثم اهتزت، فأضطربت، ولذلك قلَّت ثقتها في خالقها، فأصبح الواحد يقول: ماذا أصنع غداً؟ هل يأتيني رزقي غداً؟ ماذا أفعل لأولادي وقد كثروا؟ وماذا أصنع لأعباء الحياة وقد أزدادت؟ وكأننا لم نقرأ قوله تعالي: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (الذاريات51: 22-23). وقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات51: 56-58).
عباد الله:
قال أهل المعرفة: عانق الفقر، وتوسد الصبر، وعادِ الشهوات، وخالف الهوى، وأفزع إلى الله في جميع أمورك يهب الله لك خمساً: الشكر والرضا والخوفَ والرجا، والصبرَ على البلا.
أيها المسلمون:
والكل منا في هذه الأيام يشكوا من الغلاء وأرتفاع الأسعار، إنها سياسة مبرمجة لأَعدائكم فوسائل الضغط كثيرة، ومنها تجويعُ الناسِ حتى لا يبحث الواحد منا إلا عن لقمة العيش، وبنفس الوقت نحن على أنفسنا، ونستغلُ بعضنا بعضاً، ونحتكر على أنفسنا، والغش منتشر بينا، والرحمة أنتزعت من قلوبنا، ولا أحدَ يرحم منا، منا من بعمل لأشهر طويلة ويكد ويتعب في تعليم وتربية الأَجيال ولا تُدفع لهم اجورهم، فأَين أَصحاب الضمائر الحية، توظفون الموظف ليدرس في المدارس ولا تدفعون لهم شيئا، وأذا دفعتم تدفعون بالقطارة، أهذه سياسة لمحاربة التعليم في بلدنا؟ لماذا تدفعون المرتباتِ المرتفعةِ لمن يسهر على خراب ودمار ِ العبادِ والبلاد؟.
عباد الله:
سئل الحسن البصريّ رحمه الله، ما سر زهدك في الدنيا يا تقي الدين؟ فقال: أربعة أشياء:
1- علمت أَنَّ رزقي لا يأخذه غيري فأطمئن قلبي.
2- وعلمت أَنَّ عملي لا يقوم به غيري فأشتغلت به.
3- وعلمت أنَّ الله مطلع عَلَيَّ فأستحييت أن يراني على معصية.
4- وعلمت أنَّ الموت ينتظرني فأعددت نفسي للقاء رب العالمين.
عباد الله:
يقول الله تعالى في الحديث القدسيّ: (يا أبن آدم: عليك الجُهدُ وَعَليَّ الوفاء، وعليك الصبرُ وعَلَيَّ الجزاء، وعليك السؤالُ وَعَلَيَّ العطاء، وعليك الإملاء وَعَلَيَّ الكتابة، وعليك الدعاءُ وَعَلَيَّ الإجابة، وعليك الشكرُ وَعَلَيَّ الزيادة وعليك التوبه وعلي القبول).
عباد الله:
توجهوا إليه بقلوب صادقة، طهروا قلوبكم لمناجاة ربكم، وأدعو الله وأَنتم موقنون بالأجابة فيا فوز المستغفرين أسنغفروا الله.

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي تفرد بالعزّ والجلال وتوحَّد بالكبرياء والكمال، وأَذل مَن أعتز بغيره غاية الإذلال، وتفضل سبحانه على المطيعين بلذيد الإقبال، نحمده على ما اولى من الإفضال، ونشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا نفاذ لملكه ولا زوال، ونشهد أّنّ سيَّدنا محمداً عبدُه ورسوله، الذي أيده بالمعجزات وزينه بأشرف الخصال، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة دائمة بالغدُوِّ والآصال أما بعد:
أيها المسلمون:
المتتبعُ السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط عامة، وفي منطقتنا العربية خاصة، يرى عن كثب أَن أمريكا تجيد فن الخداع والمراوغة والتضليل، وتمنى الشعوب بالأحلام والوعود الكاذية، وهي في الحقيقة تجلب الويلات والدمارَ والبؤسَ والشقاءَ لشعوب المنطقة، أنظروا إلى العراق فبعد خمس سنوات من الإحتلال البغيض، هل تحققت الوعودُ الأمريكيةُ بالأمن والحرية والديمقراطية للشعب العراقيّ؟ تناحر وأنقسامات، وأستلاب للثروات، ونزاعات طائفية، وقتل وتشريد. ومع أقتراب نهاية ولاية أي رئيس أمريكيّ نجد البيانات عن أعتزام هذا الرئيس او ذاك يأيجاد حل عادل لقضية الصراع العربيّ الإسرائيليّ، سيما قضية شعبِنا الفلسطينيّ، والتي تدخل عامها الستين في هذا الشهر. وها نحن نسمع اليوم بأنَّ الرئيس الحاليّ، والذي تقترب نهاية ولايتة، سيعمل على تحقيق ما أسماه حل القضيةِ الفلسطينية حلاً عادلاً، يمنح الفلسطينين حق إقامة دولة قابلة للحياة، ويُحقق لشعوب المنطقة الأمنَ والأستقرار، والتأكيد في الوقت ذاته على عمقِ العلاقات الأمريكية الأسرائيلية، وأنَّ أسرائيل ستبقى الحليفَ الأقوى والأهمَ لها في المنطقة. وأنتهت ولاياتُ رؤساءِ أمريكيين سابقين عدة، وذهبت وعودهم أدراج الرياح، وبقيت شعوب المنطقة وخاصة شعبنا أسيرَ الظلمِ والأحتلال والأوهام. ولكنَ ما يلفت النظر أيها المسلمون هو أَنه مجرد أن تنتهي ولاية أي رئيس حتى تنقلب وجهة نظره وتصريحاته السياسية عن القضية الفلسطينة رأسا على عقب، وإذا به يتحول إلى داعية سلام، ويتباكى على الحقوق الفلسطينية، ويعترف بالظلم والأجحاف الذي يلحق بالشعب الفلسطينيّ، وهكذا دَواَلَيْك، سنوات وسنوات من القهر والذل والتشريد والتشرذم، ترادفها المزيد من الأوهام والأنتظار الممل والوعود الكاذبة، والأحلام الخيالية.
أيها المسلمون:
وهكذا فقدت القضية الفلسطينة الوجة الحقيقيَّ للصراع، وفي الذكرى السنوية الستين للمأساة فقدت قضيتنا كل مقومات وأساسيات الدفاع عن الوطن السليب، والحق المنشود، وأختلفت المعايير، وتغيرت وجهات النظر، وأنقسمنا على أنفسنا، وبات الصديقُ عدواً، والعدو صديقاً، وباتت سفاسف الأمور قضايا جوهرية، يسعى الفلسطينيون إلى حلها كخطوة على طريق السلام، فالبعض يرى بأنّ التهدئة ورفعَ الحصارِ عن غزة هو الطريق إلى السلام، والبعض يرى أنّ تخفيف معاناة الفلسطينين وإزالة بعض الحواجز سيدفع عملية المفاوضات إلى الامام، وأصوات خجولة تتساءل عن المستوطنات، وتحديد أَيّ منها شرعية وأًي منها عشوائية، أما القضايا الجوهريةُ الأساسية ، فأصبحت مجردَ شعارت، وأصبحت قضية التوطين أو التعويض تطغى على قضية حق العودة للمشردين والمعذبين، وقد صدأت الأفكار كما صدأت مفاتيح البيوت.
أيها المسلمون:
أَما القدس، فأنها تبكي حاضرها المؤلم وتندب مستقبلها الغامض، وقد تخلى الأهل عن نصرتها، والمسجدُ الأقصى مهوْى أفئدةِ المسلمين في بقاع الأرض فهو يئن تحت وَطأة الأحتلال ولا مغيث، القدس أَيها المسلمون أَنهكها الحصار الخانق، ومزقها الجدار، وطغى عليها الأستيطان، وسئمت الشعارات الفارغة، سئمت التباكي على عروبتها وإسلاميتها، وشاع فيها الفساد وحب الذات، والغلاء الفاحش المنتشر أزهق أرواح سكانها، وللأسف الشديد أنتهز بعضنا الفرصة للأحتكار وتخزين المواد الغدائية ورفع الأسعار بشكل رهيب، وتناسوا أَنَّ القناعة كنز لا يفنى، وتركوا التوكل على الله تعالى وأنَّ الأرزاق مكتوبة، وعززوا مفهوم الأنانية والتكالب على الحياة، وتشبهوا بمن نزل منهم قول الله تعالى: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ....) (البقرة2: 96). إتقوا الله في أَنفسكم يا عباد الله، دعوكم من ذل الحياه، وتوجهوا الى عزكم بعبادة الله.
أَيها المسلمون:
يا من تدفعون ثمن صمودكم وتضحياتكم دماءً زكية تراق على ثرى فلسطين الطهور، فبيوتكم تُهدم وتُدمر، وأراضيكم تجرف وتصادر، وأحوالكم سيئة، فمتى تدركون أنّ وحدتكم هي رمز عزتكم وبقاءكم؟ متى تدركون أنَّ حلّ قضيتكم لن يكون بالأعتماد على الوعود الكاذبة والأحلام الخيالية؟ أو مِن أروقة الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، أعلموا علم اليقين أَنَّ حَلَّ قضيتنا لن يكون إلا بالاسلام، فوطنوا أنفسكم بالعودة إلي شرع الله، أقيموا دولة الأسلام على منهاج النبوة، وحدوا صفوفكم وطهروا قلوبكم من الغل والحسد والشحناء والبغضاء وسفك الدماء، وإياكم والتلاعبِ في دينكم، فهو أساس هزيمتكم وقهركم، (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (التحيم66: 6)، (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة5: 2)، وتناسوْ خلافاتكم، يكتب لكم الثبات والنصر بأذن الله تعالى، أتعظوا وشدوّا أَزر بعضكم بعضاً أعينوا الملهوف، وصِلوا الأرحام، وأطعموا الطعام، وأتصلوا بالملك العلام تدخلوا الجنة بسلام. يقول الحق جَلَّ وعلا: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ * نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الحجر15: 45-49).

الـــدعــاء

اللهم إنا نتوجه إليك في هذه الساعة المباركة أن تنصر الإسلام وتعز المسلمين،
اللهم أنصر جيوش المسلمين وأهلك الكفرة والملحدين، وأرفع راية الأسلام خفاقة في ربوع فلسطين.
اللهم قوِّ قلوبنا على طاعتك، وأعنا على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك،
اللهم إرحم شهداءِنا وإجعل مثواهم الجنة يا رب العالمين،
اللهم أَطلق سراح أَسرانا المسلمين
وفك أسرهم وأرحم ضعفهم وشد أزرهم وأحسن خلاصهم وكن معهم برحمتك يا أَرحم الراحمين،
اللهم عليك بالظالمين،
اللهم فرق جمعهم وشتت شملهم وأجعل الدائرة عليهم وأجعلهم عبرةً لغيرهم،
اللهم أشرح صدورنا ويسر أُمورنا يَسِّر أرزاقنا، وأختم بالصالحات أعمالنا،
اللهم أغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك قريب مجيب الدعوات.
عباد الله:
إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاءِ ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فأذكروا الله الجليل يذكركم وإشكروه على نعمهِ يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.