المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة للشيخ محمد حسين من المسجد الأقصى بتاريخ 22/6/2001 م وفق 3 ربيع ثاني 1422 هجري


admin
05-12-2009, 01:52 PM
تاريخ الخطبة: 3 ربيع ثاني 1422 وفق 22/6/2001م
عنوان الخطبة: المسلمون ووراثة الأرض
الموضوع الرئيسي: الرقاق والأخلاق والآداب
الموضوع الفرعي: آثار الذنوب والمعاصي
اسم الخطيب: محمد أحمد حسين
ملخص الخطبة
1- موعود الله للمسلمين بوراثة الأرض وسيادتها. 2- صور من تمكين الله لرسله وأوليائه. 3- الذنوب هي سبب الهزيمة والذلة. 4- خوف السلف من ذنوبهم أشد من خوفهم من عدوهم. 5- شيوع المنكرات في مجتمعات المسلمين وآثار هذه الذنوب. 6- دعوة للاستمساك بدين الله في مواجهة مكر اليهود وطغيانهم.
الخطبة الأولى

أما بعد: فيقول الله في محكم كتابه العزيز: http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/start-icon.gifوَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذّكْرِ أَنَّ ٱلأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّـٰلِحُونَ http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/mid-icon.gif إِنَّ فِى هَـٰذَا لَبَلَـٰغاً لّقَوْمٍ عَـٰبِدِينَ http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/mid-icon.gif وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَhttp://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/end-icon.gif [الأنبياء:105-107].
أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، ذكرت كتب التفسير أن المراد بالعباد الصالحين الأمة الإسلامية، وهذا القول يؤيده سياق الآيات، فقد جاء بعد ذكر الأرض والعباد الصالحين البلاغ للقوم العابدين وهم أتباع المبعوث رحمة للعالمين سيد الأولين والآخرين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
فهو صلى الله عليه وسلم رحمة لأمته بإنقاذها من الكفر والضلال والجهل إلى الإيمان بالله وعبادة قيوم السماوات والأرض، واستحقاق وراثة الدنيا والفوز بالآخرة، وهو رحمة بالمعرضين، يرفع المسخ والخسف عنهم.
ولقد ربط الله تعالى استحقاق الوراثة في هذه الأرض بالصلاح والعبادة والطاعة، وهذه سنة الله في استخلاف الأمم، ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
ولو استعرضنا سيرة رسل الله عليهم الصلاة والسلام في الدعوة وحمل الرسالة لوجدنا الإنكار والإعراض من المشركين وحربهم على الرسل وأتباعهم، ومحاولة استئصالهم من الأرض، ولكن هذا الإيمان والصلاح الذي يتبعه العابدون يقود إلى وراثة الأرض والتمكين للدين، وهذا شأن رسالات التوحيد على امتداد سلم البشرية، ولنا في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم أوضح دليل وأسطع برهان، فقد تحولت جزيرة العرب في أقل من ربع قرن من الزمان إلى منارة للهداية والإيمان وجذوة نور، إلى دولة الإسلام التي ضمنت للمسلمين وحدة وعزة، ولغيرهم حياة وأمناً في ظل مبادىء العدل وسماحة الإسلام واحترام كرامة الإنسان.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، لقد حقق سلفنا الصالح نصاب استحقاقهم لوراثة الأرض بصلاحهم وطاعتهم لله، فعبدوا الله بما شرَعه وأحبه، وآثروا رضوان الله وطاعته على سخط الشيطان وحزبه، وقهروا شهوات أنفسهم في مرضاة الله، واستمعوا لبلاغ الله بآذان واعية وقلوب خاضعة وجوارح مشتغلة بذكر الله وعبادته، فكانوا فرسان النهار عُباد الليل، يخشون المعصية أشد من خشيتهم للعدو، ليقينهم أن المعاصي تحُول دون توفيق الله وتأييده ولعلمهم الجازم بأن النصر بيد الله، http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/start-icon.gifوَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِhttp://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/end-icon.gif [آل عمران:126]، وهو جائزة يمنحها الله لعباده الصالحين.
ولعل في وصية الفاروق عمر لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما - وقد كان سعد قائداً لجيش المسلمين - ما يميط اللثام عن منهاج استحقاق وراثة الأرض على امتداد الزمان وكأني بالفاروق عمر رضي الله عنه يهتف بالمسلمين اليوم بقوله: (أما بعد، فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا هذه القوة، لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا بالقوة، فإنا لم ننتصر عليهم بفضلنا ولم نغلبهم بقوتنا، اسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألوه النصر على عدوكم).
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، إنها جيوش المعاصي تفتك بجسم الأمة اليوم أشد من فتك جيوش أعدائها http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/start-icon.gifوَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍhttp://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/end-icon.gif [فاطر:45]، فهل تركت أمتنا ذنباً أُهلكت به الأمم السابقة إلا اقترفته؟
فقد شاعت المنكرات بكل أنواعها من زنا وربا وأكل أموال الناس بالباطل وقتل النفس بغير حق، وشاع السفور والتبرج وتشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، وتفشت ظاهرة الإدمان وشرب المسكرات وتعاطي المخدرات، حتى أصبحت هذه المادة السامة سلعة للتجارة فتكت بأخلاق أبناء الأمة، وغدت ظاهرة سلبية في مدينتنا المقدسة تقتل مروءة الجيل وانتماءه إلى عقيدته وأرضه، وقد تسربت المعصية حتى في عملية البيع والشراء، فراح الجشعون المتاجرون بأقوات الشعب يبيعون السلع الضارة التي انتهت مدة صلاحيتها مما يضر بصحة المواطنين في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها ديارنا المباركة, وكأني برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اخترق تحذيره سمع الزمان والمكان يخاطب الأمة ويحذرها من المعاصي فيما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((كيف أنتم إذا وقعت فيكم خمس، وأعوذ بالله أن تكون فيكم أو تدركوهم، ما ظهرت الفاحشة في قوم قط يعمل بها فيهم علانية إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، وما منع قوم الزكاة إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، وما بخس قوم في المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، ولا حكم أمراؤهم بغير ما أنزل الله إلا سلط عليهم عدوهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما عطلوا كتاب الله وسنة نبيه إلا جعل الله بأسهم بينهم))<SUP><SUP>[1]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2001-06-22.htm#_ftn1).
لعل هذه المعاصي وقعت في أمتنا ووقع أكثر منها، ونعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونسأل الله العافية، فاتقوا الله يا عباد الله لعلكم تفلحون.
جاء في الحديث الشريف عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل يبسط يديه بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يديه بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها))<SUP><SUP>[2]</SUP></SUP> (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2001-06-22.htm#_ftn2).



<HR align=justify width=33 SIZE=1>[1] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2001-06-22.htm#_ftnref1) أخرجه ابن ماجه في الفتن [4019]، والبيهقي في الشعب (3/197)، وصححه الحاكم (4/540)، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني بمجموع طرقه في السلسلة الصحيحة [106].

[2] (http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/2001-06-22.htm#_ftnref2) أخرجه مسلم في التوبة (2759).



الخطبة الثانية
الحمد لله الهادي إلى الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن اقتدى واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
وبعد:
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، إن أقوى عُدة تواجهون بها هذا العدوان المستمر عليكم وعلى أرضكم هي اتباع أوامر الله بالطاعة والصبر والبعد عن المعاصي والثبات على العقيدة والإيمان حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
واعلموا أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، ابعثوا الأمل في النفوس فإن عدوكم أولى باليأس منكم، وقد أثبتم للعالم أجمع أنكم أصحاب حق ولم تفرطوا فيه مهما بلغت التضحيات ومهما اشتدت الظلمات، فدولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة.
ولقد أصاب القائل:
أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
أيها المرابطون في هذه الديار المباركة، يا من سجلتم سفر الكرامة في تضحياتكم بدماء شهدائكم وعذابات أبنائكم المعتقلين وأنّات الجرحى ودموع الأيتام والثكالى، وأنتم تواجهون هذه الحرب المعلنة على شعبنا وعلى أرضه ومقدساته ومقدراته ومؤسساته الرسمية والأهلية وكل بُنى الصمود من مقومات تحتية للنيل من إرادة الصمود لدى هذا الشعب التي غدت عصيَّة على كل آلات البطش والغطرسة التي يمارسها الاحتلال يومياً.
لم يكتفِ الاحتلال باجتياح أو استباحة المدن والقرى والمخيمات وهدم البيوت وتشريد أهلها، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، بل حوّل كل مدينة وقرية ومخيم إلى سجن كبير فيه إيذاء جماعي لكل أبناء الشعب، أطفاله وشيوخه ونسائه ورجاله، وغدت أوصال الوطن مقطعة في معازل تعيد للذاكرة الإنسانية ذاكرة التمييز العنصري الكائن في القرن الماضي.
إن شعبنا الذي قدم ويقدم كل يوم كوكبة من الشهداء الذين يقضون برصاص الغدر والحقد يروون ثرى الوطن بدمائهم الزكية لم تفتت أعضاءه الحواجز والعوازل والمداهمات والاعتقالات والاغتيالات، ولن تحول دون الوصول إلى هدفه بالتحرير ورحيل الاحتلال، فلا راحة للمحتل دون تحقيق آمال شعبنا المرابط المكافح، ولله در القائل:
فلم أرى حياً صابروا مثل صبرنا ولا كافحوا مثل الذين نكافح
فمزيداً من الصبر والمصابرة، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، فإن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسراً، ولن يغلب عسر يسرين.
كونوا جميعا يا بنيَّ إذا اعترى خطب ولا تتفرقوا آحـادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا
والله تعالى يقول: http://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/start-icon.gifيٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونhttp://www.al-msjd-alaqsa.com/Khotb_Eljoma'a/end-icon.gif [آل عمران:200]، صدق الله العظيم.