منتدى المسجد الأقصى المبارك

منتدى المسجد الأقصى المبارك (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/index.php)
-   آيات القرآن الكريم (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/forumdisplay.php?f=65)
-   -   الفاتحة 001 - آية 002 - الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=3793)

admin 05-23-2010 11:33 AM

الفاتحة 001 - آية 002 - الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
 
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مرحبا بكم معنا في المسجد الأقصى المبارك
سورة 001 - الفاتحة آية رقم 002 - الحمد


الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
صدق الله العظيم

admin 12-02-2010 03:00 PM

تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق 1-5
 
تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق 1-5

قال أبو جعفر: معنى: { الـحَمْدُ لِلَّهِ }: الشكر خالصاً لله جل ثناؤه دون سائر ما يُعْبَد من دونه، ودون كل ما برأ من خـلقه، بـما أنعم علـى عبـاده من النعم التـي لا يحصيها العدد ولا يحيط بعددها غيره أحد، فـي تصحيح الآلات لطاعته، وتـمكين جوارح أجسام الـمكلفـين لأداء فرائضه، مع ما بسط لهم فـي دنـياهم من الرزق وغذاهم به من نعيـم العيش من غير استـحقاق منهم لذلك علـيه، ومع ما نبههم علـيه ودعاهم إلـيه من الأسبـاب الـمؤدية إلـى دوام الـخـلود فـي دار الـمقام فـي النعيـم الـمقـيـم. فلربنا الـحمد علـى ذلك كله أولاً وآخراً.

وبـما ذكرنا من تأويـل قول ربنا جل ذكره وتقدست أسماؤه: { الـحَمْدُ لِلَّهِ } جاء الـخبر عن ابن عبـاس وغيره:

حدثنا مـحمد بن العلاء، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، قال: حدثنا أبو روق عن الضحاك، عن ابن عبـاس، قال: قال جبريـل لـمـحمد: «قل يا مـحمد: الـحمد لله».

قال ابن عبـاس: الـحمد لله: هو الشكر، والاستـخذاء لله، والإقرار بنعمته وهدايته وابتدائه، وغير ذلك.

وحدثنـي سعيد بن عمرو السكونـي، قال: حدثنا بقـية بن الولـيد، قال: حدثنـي عيسى بن إبراهيـم، عن موسى بن أبـي حبـيب، عن الـحكم بن عمير وكانت له صحبة قال: قال النبـي صلى الله عليه وسلم: " إذَا قُلْتَ الـحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العَالـمِينَ، فَقَدْ شَكَرْتَ اللَّهَ فَزَادَكَ "

قال: وقد قـيـل إن قول القائل: الـحَمْدُ لِلَّهِ ثناء علـى الله بأسمائه وصفـاته الـحسنى، وقوله: «الشكر لله» ثناء علـيه بنعمه وأياديه.

وقد رُوي عن كعب الأحبـار أنه قال: الـحمد لله ثناء علـى الله. ولـم يبـين فـي الرواية عنه من أيّ معنـى الثناء الذي ذكرنا ذلك.

حدثنا يونس بن عبد الأعلـى الصدفـي، قال: أنبأنا ابن وهب، قال: حدثنـي عمر بن مـحمد، عن سهيـل بن أبـي صالـح، عن أبـيه، قال: أخبرنـي السلولـي، عن كعب قال: من قال: «الـحمد لله» فذلك ثناء علـى الله.

وحدثنـي علـيّ بن الـحسن الـخراز، قال: حدثنا مسلـم بن عبد الرحمن الـجرمي، قال: حدثنا مـحمد بن مصعب القرقسانـي، عن مبـارك بن فضالة، عن الـحسن، عن الأسود بن سريع، أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: " لَـيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَـيْهِ الـحَمْدُ مِنَ اللَّهِ تَعالـى، ولِذَلِكَ أَثْنَى علـى نَفْسِهِ فَقالَ: الـحَمْدُ لِلَّهِ "

قال أبو جعفر: ولا تَـمَانُع بـين أهل الـمعرفة بلغات العرب من الـحكم لقول القائل: الـحَمْدُ لِلَّهِ شكراً بـالصحة. فقد تبـين إذ كان ذلك عند جميعهم صحيحاً، أن الـحمد لله قد يُنْطَق به فـي موضع الشكر، وأن الشكر قد يوضع موضع الـحمد، لأن ذلك لو لـم يكن كذلك لـما جاز أن يقال الـحمد لله شكراً، فـيخرج من قول القائل «الـحمد لله» مُصدَّر «أشكُر»، لأن الشكر لو لـم يكن بـمعنى الـحمد، كان خطأ أن يصدر من الـحمد غير معناه وغير لفظه.

-1-

فإن قال لنا قائل: وما وجه إدخال الألف واللام فـي الـحمد؟ وهلاَّ قـيـل: حمداً لله ربّ العالـمين قـيـل: إن لدخول الألف واللام فـي الـحمد معنى لا يؤديه قول القائل «حمداً»، بإسقاط الألف واللام وذلك أن دخولهما فـي الـحمد منبىءٌ علـى أن معناه: جميع الـمـحامد والشكر الكامل لله. ولو أُسقطتا منه لـما دلّ إلا علـى أن حَمْدَ قائلِ ذلك لله، دون الـمـحامد كلها. إذْ كان معنى قول القائل: «حمداً لله» أو «حمدٌ الله»: أحمد الله حمداً، ولـيس التأويـل فـي قول القائل: { الـحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَـمِينَ } تالـياً سورة أم القرآن أحمد الله، بل التأويـل فـي ذلك ما وصفنا قبل من أن جميع الـمـحامد لله بألوهيته وإنعامه علـى خـلقه، بـما أنعم به علـيهم من النعم التـي لا كفء لها فـي الدين والدنـيا والعاجل والآجل.

ولذلك من الـمعنى، تتابعت قراءة القراء وعلـماء الأمة علـى رفع الـحمد من: { الـحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العَالَـمينَ } دون نصبها، الذي يؤدي إلـى الدلالة علـى أن معنى تالـيه كذلك: أحمد الله حمداً. ولو قرأ قارىء ذلك بـالنصب، لكان عندي مـحيلاً معناه ومستـحقّاً العقوبة علـى قراءته إياه كذلك إذا تعمد قراءته كذلك وهو عالـم بخطئه وفساد تأويـله.

فإن قال لنا قائل: وما معنى قوله: الـحمد لله؟ أَحَمَد اللَّهُ نفسَه جل ثناؤه فأثنى علـيها، ثم عَلَّـمناه لنقول ذلك كما قال ووصف به نفسه؟ فإن كان ذلك كذلك، فما وجه قوله تعالـى ذكره إذا:

{ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ } (الفاتحة1: 5)

وهو عز ذكره معبود لا عابد؟ أم ذلك من قـيـل جبريـل أو مـحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقد بطل أن يكون ذلك لله كلاماً.


قـيـل: بل ذلك كله كلام الله جل ثناؤه ولكنه جل ذكره حمد نفسه وأثنى علـيها بـما هو له أهل، ثم عَلَّـم ذلك عبـاده وفرض علـيهم تلاوته، اختبـاراً منه لهم وابتلاء، فقال لهم: قولوا «الـحمد لله ربّ العالـمين» وقولوا:
{ إياك نعبد وإياك نستعين } (الفاتحة1: 5)
فقوله: إياك نعبد، مـما عَلَّـمَهم جل ذكره أن يقولوه ويدينوا له بـمعناه. وذلك موصول بقوله الـحمد لله ربّ العالـمين، وكأنه قال: قولوا هذا وهذا.


فإن قال: وأين قوله: «قولوا» فـيكون تأويـل ذلك ما ادّعيت؟ قـيـل: قد دللنا فـيـما مضى أن العرب من شأنها إذا عرفت مكان الكلـمة ولـم تشك أن سامعها يعرف بـما أظهرت من منطقها ما حذفت، حَذْفُ ما كفـى منه الظاهر من منطقها، ولا سيـما إن كانت تلك الكلـمة التـي حذفت قولاً أو تأويـل قول، كما قال الشاعر:

واعْلَـمُ أنَّنـي سأكُونُ رَمْساإذَا سارَ النَّوَاعجُ لا يَسيرُ
فَقالَ السَّائلُونَ لِـمَنْ حَفَرْتُـمْفَقالَ الـمُخْبرُونَ لَهُمْ وَزيرُ


-2-

قال أبو جعفر: يريد بذلك: فقال الـمخبرون لهم: الـميت وزير، فأسقط «الـميت»، إذ كان قد أتـى من الكلام بـما يدل علـى ذلك. وكذلك قول الآخر:

ورَأيْتِ زَوْجَكِ فـي الوَغَىمُتَقَلِّداً سَيْفـاً وَرُمْـحَا


وقد علـم أن الرمـح لا يتقلد، وأنه إنـما أراد: وحاملاً رمـحاً. ولكن لـما كان معلوماً معناه اكتفـى بـما قد ظهر من كلامه عن إظهار ما حذف منه. وقد يقولون للـمسافر إذا ودّعوه: مُصَاحَبـاً مُعافـى، يحذفون سِرْ واخْرُجْ إذْ كان معلوماً معناه وإن أسقط ذكره. فكذلك ما حُذِف من قول الله تعالـى ذكره: { الـحمدُ لِلَّهِ ربّ العَالـمينَ } لـمَّا عُلِـم بقوله جل وعزّ:

{ إياك نَعْبُد }

ما أراد بقوله: الـحمد لله ربّ العالـمين من معنى أمره عبـاده، أغنت دلالة ما ظهر علـيه من القول عن إبداء ما حُذف.


وقد روينا الـخبر الذي قدمنا ذكره مبتدأ فـي تنزيل قول الله: { الـحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العالَـمِينَ } عن ابن عبـاس، وأنه كان يقول: إن جبريـل قال لـمـحمد: قل يا مـحمد: الـحمد لله ربّ العالـمين. وبَـيَّنا أن جبريـل إنـما عَلَّـمَ مـحَمَّداً صلى الله عليه وسلم ما أُمِر بتعلـيـمه إياه. وهذا الـخبر ينبىء عن صحة ما قلنا فـي تأويـل ذلك.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { رَبّ }.

قال أبو جعفر: قد مضى البـيان عن تأويـل اسم الله الذي هو «الله» فـي «بسم الله»، فلا حاجة بنا إلـى تكراره فـي هذا الـموضع. وأما تأويـل قوله «رَبّ»، فإن الربَّ فـي كلام العرب متصرف علـى معان: فـالسيد الـمطاع فـيها يدعى ربًّـا، ومن ذلك قول لبـيد بن ربـيعة:

وأهْلَكْنَ يَوْماً رَبَّ كِنْدَةَ وابنَهوَرَبَّ مَعَدّ بـينَ خَبْتٍ وعَرْعَرِ


يعنـي ربّ كندة: سيدَ كندة. ومنه قول نابغة بنـي ذبـيان:

تَـخُبُّ إلـى النُّعْمانِ حَتَّـى تَنالَهُفِدًى لَكَ منْ رَبَ طَريفي وتالِدِي


والرجل الـمصلـح للشيء يدعى رَبًّـا. ومنه قول الفرزدق بن غالب:

كانُوا كسَالِئَةٍ حَمْقاءَ إذْ حَقَنَتْسِلاءَها فـي أدِيـمٍ غَيْرِ مَرْبُوبِ


يعنـي بذلك فـي أديـم غير مصلـح. ومن ذلك قـيـل: إن فلاناً يَرُبُّ صنـيعته عند فلان، إذا كان يحاول إصلاحها وإدامتها. ومن ذلك قول علقمة بن عبدة:

فكنْتَ امْرَأً أفْضَتْ إلَـيْكَ رِبـابَتـيوقَبْلَكَ رَبَّتْنـي فَضِعْتُ رُبُوبُ


يعنـي بقوله أفضت إلـيك: أي وصلت إلـيك ربـابتـي، فصرت أنت الذي ترب أمري فتصلـحه لـما خرجتُ من ربـابة غيرك من الـملوك الذين كانوا قبلك علـيّ، فضيعوا أمري وتركوا تفقده. وهم الرُّبوب واحدهم رَبٌّ والـمالك للشيء يدعى رَبّه. وقد يتصرّف أيضاً معنى الرب فـي وجوه غير ذلك، غير أنها تعود إلـى بعض هذه الوجوه الثلاثة.

فربنا جل ثناؤه، السيد الذي لا شِبْه له، ولا مثل فـي سؤدده، والـمصلـح أمر خـلقه بـما أسبغ علـيهم من نعمه، والـمالك الذي له الـخـلق والأمر.

-3-

وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله جل ثناؤه رَبّ العالَـمِينَ جاءت الرواية عن ابن عبـاس.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، قال: حدثنا أبو روق عن الضحاك، عن ابن عبـاس، قال: قال جبريـل لـمـحمد: «يا مـحمد قل الـحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العالَـمِينَ». قال ابن عبـاس: يقول قل الـحمد لله الذي له الـخـلق كله، السموات كلهن ومن فـيهن، والأرَضون كلهن ومن فـيهن وما بـينهن، مـما يُعلـم ومـما لا يُعلـم. يقول: اعلـم يا مـحمد أن ربك هذا لا يشبهه شيء.

القول فـي تأويـل قوله [تعالـى]: { ٱلْعَـٰلَمِينَ }.

قاله أبو جعفر: والعالـمون جمع عالـم، والعالَـم جمع لا واحد له من لفظه، كالأنامِ والرهط والـجيش ونـحو ذلك من الأسماء التـي هي موضوعات علـى جماع لا واحد له من لفظه. والعالَـم اسم لأصناف الأمـم، وكل صنف منها عالَـم، وأهل كل قرن من كل صنف منها عالَـم ذلك القرن وذلك الزمان، فـالإنس عالـم وكل أهل زمان منهم عالَـم ذلك الزمان. والـجن عالَـم، وكذلك سائر أجناس الـخـلق، كل جنس منها عالـم زمانه. ولذلك جُمِع فقـيـل «عالَـمون»، وواحده جمع لكون عالَـم كل زمان من ذلك عالَـم ذلك الزمان. ومن ذلك قول العجاج:

فَخِنْدِفُ هامَةُ هَذَا العالَـمِ


فجعلهم عالـم زمانه. وهذا القول الذي قلناه قولُ ابن عبـاس وسعيد بن جبـير، وهو معنى قول عامة الـمفسرين.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، قال: حدثنا أبو روق عن الضحاك، عن ابن عبـاس: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } الـحمد لله الذي له الـخـلق كله، السموات والأرض ومن فـيهن وما بـينهن، مـما يُعلـم ولا يُعلـم.

وحدثنـي مـحمد بن سنان القزاز، قال: حدثنا أبو عاصم، عن شبـيب، عن عكرمة، عن ابن عبـاس: ربّ العالـمين: الـجنّ والإنس.

وحدثنـي علـيّ بن الـحسن، قال: حدثنا مسلـم بن عبد الرحمن، قال: حدثنا مصعب، عن قـيس بن الربـيع، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، فـي قول الله جل وعزّ: ربّ العالـمين: قال: ربّ الـجن والإنس.

وحدثنا أحمد بن إسحاق بن عيسى الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا قـيس، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، قوله: { رَبِّ #1649;لْعَـٰلَمِينَ } قال: الـجن والإنس.

وحدثنـي أحمد بن عبد الرحيـم البرقـي، قال: حدثنـي ابن أبـي مريـم، عن ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبـير، قوله: { رَبِّ العالَـمِينَ } قال: ابن آدم، والـجن والإنس كل أمة منهم عالَـم علـى حِدَته.

وحدثنـي مـحمد بن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفـيان، عن مـجاهد: { الـحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَـمِين } قال: الإنس والـجنّ.

وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، عن سفـيان، عن رجل، عن مـجاهد: بـمثله.

-4-
وحدثنا بشر بن معاذ العقدي، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة: { رَبِّ العالَـمِينَ } قال: كل صنف: عالَـم.

وحدثنـي أحمد بن حازم الغفـاري، قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى، عن أبـي جعفر، عن ربـيع بن أنس، عن أبـي العالـية، فـي قوله: { رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال: الإنس عالَـم، والـجن عالَـم، وما سوى ذلك ثمانـية عشر ألف عالـم، أو أربعة عشر ألف عالـم هو يشك من الـملائكة علـى الأرض، وللأرض أربع زوايا، فـي كل زاوية ثلاثة آلاف عالـم وخمسمائة عالـم، خـلقهم لعبـادته.

وحدثنا القاسم بن الـحسن، قال: حدثنا الـحسين بن داود، قال: حدثنا حجاح، عن ابن جريج، فـي قوله: { رَبِّ العالَـمِينَ } قال: الـجن والإنس.

-5-


admin 12-18-2010 08:06 PM

تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق 1-2
 
تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }


الحمد والمدح أخوان، وهو الثناء والنداء على الجميل من نعمة وغيرها. تقول: حمدت الرجل على إنعامه، وحمدته على حسبه وشجاعته. وأمّا الشكر فعلى النعمة خاصة وهو بالقلب واللسان والجوارح قال:

أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ منِّي ثلاثةيَدِي ولِسَانِي والضَّمِيرَ المُحَجَّبَا


والحمد باللسان وحده، فهو إحدى شعب الشكر، ومنه قوله عليه[الصلاة و] السلام:

(2) " الحمد رأس الشكر، ما شكر الله عبد لم يحمده " وإنما جعله رأس الشكر؛ لأنّ ذكر النعمة باللسان والثناء على موليها، أشيع لها وأدلّ على مكانها من الاعتقاد وآداب الجوارح لخفاء عمل القلب، وما في عمل الجوارح من الاحتمال، بخلاف عمل اللسان وهو النطق الذي يفصح عن كلّ خفي ويجلي كل مشتبه.

والحمد نقيضه الذمّ، والشكر نقيضه الكفران، وارتفاع الحمد بالابتداء وخبره الظرف الذي هو «لله» وأصله النصب الذي هو قراءة بعضهم بإضمار فعله على أنه من المصادر التي تنصبها العرب بأفعال مضمرة في معنى الإخبار، كقولهم: شكراً، وكفراً، وعجباً، وما أشبه ذلك، ومنها: سبحانك، ومعاذ الله، ينزلونها منزلة أفعالها ويسدّون بها مسدّها، لذلك لا يستعملونها معها ويجعلون استعمالها كالشريعة المنسوخة، والعدل بها عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبات المعنى واستقراره. ومنه قوله تعالى:

{ قَالُواْ سَلَـٰماً قَالَ سَلَـٰمٌ } [هود11: 69]،

رفع السلام الثاني للدلالة على أنّ إبراهيم عليه السلام حياهم بتحية أحسن من تحيتهم؛ لأن الرفع دال على معنى ثبات السلام لهم دون تجدّده وحدوثه. والمعنى: نحمد الله حمداً، ولذلك قيل: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }؛ لأنه بيان لحمدهم له، كأنه قيل: كيف تحمدون؟ فقيل: إياك نعبد. فإن قلت: ما معنى التعريف فيه؟ قلت: هو نحو التعريف في أرسلها العراك، وهو تعريف الجنس، ومعناه الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد من أنّ الحمد ما هو، والعراك ما هو، من بين أجناس الأفعال. والاستغراق الذي يتوهمه كثير من الناس وهم منهم. وقرأ الحسن البصري: { ٱلْحَمْدُ ِللَّهِ } بكسر الدال لإتباعها اللام. وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة: { ٱلْحَمْدُ ِللَّهِ } بضم اللام لإتباعها الدال، والذي جسرهما على ذلك ـ والإتباع إنما يكون في كلمة واحدة كقولهم منحدر الجبل ومغيرة ـ تنزل الكلمتين منزلة كلمة لكثرة استعمالهما مقترنتين، وأشف القراءتين قراءة إبراهيم حيث جعل الحركة البنائية تابعة للإعرابية التي هي أقوى، بخلاف قراءة الحسن.

الرب: المالك. ومنه قول صفوان لأبي سفيان: لأن يربني رجل من قريش أحب إليّ من أن يربني رجل من هوازن. تقول: ربه يربه فهو رب، كما تقول: نمّ عليه ينمّ فهو نمّ. ويجوز أن يكون وصفاً بالمصدر للمبالغة كما وصف بالعدل، ولم يطلقوا الرب إلا في الله وحده، وهو في غيره على التقيد بالإضافة، كقولهم: رب الدار، ورب الناقة، وقوله تعالى:
-1-

{ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبّكَ } [يوسف12: 50]،
{ إِنَّهُ رَبّى أَحْسَنَ مَثْوَايَ } [يوسف12: 23].


وقرأ زيد بن علي رضي الله عنهما: { رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } بالنصب على المدح وقيل بما دل عليه الحمد لله كأنه قيل: نحمد الله رب العالمين.

العالم: اسم لذوي العلم من الملائكة والثقلين، وقيل: كل ما علم به الخالق من الأجسام والأعراض. فإن قلت: لم جمع؟ قلت: ليشمل كل جنس مما سمي به. فإن قلت: هو اسم غير صفة، وإنما تجمع بالواو والنون صفات العقلاء أو ما في حكمها من الأعلام. قلت: ساغ ذلك لمعنى الوصفية فيه وهي الدلالة على معنى العلم.
-2-

admin 12-18-2010 08:16 PM

تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق 1-3
 
تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق 1-3

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


القراءة: أجمع القراء على ضمّ الدال من الحمد وكسر اللام من لله وروي قي الشواذ بكسر الدال واللام. وبفتح الدال وكسر اللام. وبضم الدال واللام. وأجمعوا على كسر الباء من رب. وروي عن زيد بن علي فتح الباء ويحمل على أنه بيَّن جوازه لا إنه قراءة.

اللغة: الحمد والمدح والشكر متقاربة المعنى والفرق بين الحمد والشكر أنَّ الحمد نقيض الذم كما أنَّ المدح نقيض الهجاء. والشكر نقيض الكفران. والحمد قد يكون من غير نعمة والشكر يختص بالنعمة إِلا أن الحمد يوضع موضع الشكر ويقال: الحمد لله شكراً فينصب شكراً على المصدر ولو لم يكن الحمد في معنى الشكر لما نصبه فإِذا كان الحمد يقع موقع الشكر فالشكر هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب التعظيم ويكون بالقلب وهو الأصل ويكون أيضا باللسان وإنما يجب باللسان لنفي تهمة الجحود والكفران وأما المدح فهو القول المنبئ عن عظم حال الممدوح مع القصد إِليه (وأما الرب) فله معان (منها) السيد المطاع كقول لبيد:

وَأَهْلَكنَ قِدْماً ربَّ كِنْدَةَ وَابْنَهورَبَّ مَعَدّ بَينَ خَبتِ وَعَرْعَرِ


أي سيد كِندة (ومنها) المالك نحو قول النبي لرجل: " أرَبّ غنم أم رَبّ أبل " فقال من كلّ ما آتاني الله فأكثر وأطيب.

(ومنها) الصاحب نحو قول أبي ذؤيب:

قَدْ نَالهُ رَبُّ الكِلاَبِ بِكَفِّهِبِيْضٌ رِهابٌ رِيْشُهُنَّ مُقَزَّعُ


أي صاحب الكِلاب (ومنها) المرِبّب (ومنها) المصلح واشتقاقه من التربية يقال ربيته وربيته بمعنى وفلان يرب صنيعته إذا كان ينمّمها ولا يطلق هذا الاسم إلا على الله ويقيد في غيره فيقال رب الدار ورب الضيعة و(العالمون) جمع عالم والعالم جمع لا واحد له من لفظه كالنفر والجيش وغيرهما واشتقاقه من العلامة لأنه يدل على صانعه, وقيل: إنه من العلم لأنه اسم يقع على ما يعلم وهو في عرف اللغة عبارة عن جماعة من العقلاء لأنهم يقولون جاءني عالم من الناس ولا يقولون جاءني عالم من البقر وفي المتعارف بين الناس هو عبارة عن جميع المخلوقات وتدل عليه الآية

{ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ *قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } [الشعراء26: 23-24]

وقيل إنه اسم لكل صنف من الأصناف وأهل كل قرن من كل صنف يسمى عالماً ولذلك جمع فقيل عالمون لعالم كل زمان وهذا قول أكثر المفسرين كابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم وقيل العالم نوع ما يعقل وهم الملائكة والجن والإنس وقيل الجن والإنس لقولـه تعالى:


الإعراب: الحمد رفع بالابتداء والابتداء عالم معنوي غير ملفوظ به وهو خلوُّ الاسم من العوامل اللفظية ليسند إليه خبر وخبره في الأصل جملة هي فعل مسند إلى ضمير المبتدأ وتقديره الحمد حقَّ أو استقر لله إِلا أنه قد استغنى عن ذكرها لدلالة قولـه لله عليها فانتقل الضمير منها إِليه حيث سدّ مسدّها وتسمى هذه جملة ظرفية هذا قول الأخفش وأبي علي الفارسي وأصل اللام للتحقيق والملك, وأما فتح الدال فعلى المصدر تقديره أحمد الحمد لله أو أجعل الحمد لله إلا أن الرفع بالحمد أقوى وأمدح لأن معناه الحمد وجب لله أو استقرَّ لله وهذا يقتضي العموم لجميع الخلق وإذا نصب الحمد فكان تقديره أحمد الحمد كان مدحاً من المتكلم فقط, فلذلك اختير الرفع ومن كسر الدال واللام أتْبَعَ حركة الدال حركة اللام ومن ضمهما أتْبَعَ حركة اللام حركة الدال وهذا أيسر من الأول لأنه اتبع حركة المبني حركة الإعراب والأول اتبع حركة المعرب حركة البناء واتبع الثاني الأول وهو الأصل في الإتباع والذي كسر أتبع الأول الثاني وهذا ليس بأصل, وأكثر النحويين ينكرون ذلك لأن حركة الإعراب غير لازمة فلا يجوز لأجلها الاتباع ولأنّ الاتباع في الكلمة الواحدة ضعيف نحو الحُلم فكيف في الكلمتين.
-1-

وقال أبو الفتح بن جني: في كسر الدال وضم اللام هنا دلالة على شدة ارتباط المبتدأ بالخبر لأنه اتبع فيهما ما في أحد الجزءين ما في الجزء الآخر وجعل بمنزلة الكلمة الواحدة نحو قولك: أخوك وأبوك, وأصل هذه اللام الفتح لأنّ الحرف الواحد لاحظّ له في الإعراب ولكنه يقع مبتدأ في الكلام ولا يبتدئ بساكن فاختير له الفتح لأنه أخفّ الحركات. تقول: رأيت زيداً وعمراً قالوا ومن عمراً - مفتوحة - وكذلك الفاء من فعمراً إِلا أنهم كسروها لأنهم أرادوا أن يفرقوا بين لام الملك ولام التوكيد إذا قلت: إن المال لهذا أي في ملكه وأن المال لهذا أي هو هو.

وإِذا أدخلوا هذه اللام على مضمر ردوها إلى أصلها وهو الفتح قالوا لك وله لأن اللبس قد ارتفع وذلك لأن ضمير الجر مخالف لضمير الرفع إِذا قلت إن هذا لك وأن هذا لأنت إِلا أنهم كسروا مع ضمير المتكلم نحو لي لأن هذه الياء لا يكون ما قبلها إِلا مكسوراً نحو غلامي وفرسي وهذا كله قول سيبويه وجميع النحويين المحققين وليس من الحروف المبتدأ بها مما هو على حرف واحد حرف مكسور إِلا الباء وحدها وقد مضى القول فيه وأما لام الجزم في ليفعل فإِنما كسرت ليفرق بينها وبين لام التوكيد نحو ليفعل فاعلم و { رب العالمين } مجرور على الصفة والعامل في الصفة عند أبي الحسن الأخفش كونه صفة فذلك الذي يرفعه وينصبه ويجرُّه وهو عامل معنوي كما أن المبتدأ إِنما رفعه الابتداء وهو معنى عمل فيه واستدلَّ على أن الصفة لا يعمل فيه ما يعمل في الموصوف بأنك تجد في الصفات ما يخالف الموصوف في إعرابه نحو أيا زيد العاقل لأن المنادى مبني والعاقل الذي هو صفته معرب ودليل ثان وهو أن في هذه التوابع ما يعرب بإعراب ما يتبعه ولا يصح أن يعمل فيه ما يعمل في موصوفه وذلك نحو أجمع وجمع وجمعاء ولما صحَّ وجوب هذا فيها دلَّ على أن الذي يعمل في الموصوف غير عامل في الصفة لاجتماعهما في أنهما تابعان.
-2-

وقال غيره من النحويين العامل في الموصوف هو العامل في الصفة ومن نصب رب العالمين فإِنما ينصبه على المدح والثناء كأنه لما قال الحمد لله استدل بهذا اللفظ على أنه ذاكر لله فكأنه قال اذكر رب العالمين فعلى هذا لو قرئ في غير القرآن رب العالمين مرفوعاً على المدح أيضاً لكان جائزاً على معنى هو رب العالمين قال الشاعر:

لا يَبْعُدَنْ قَوْمِي الَّذيْنَ هُمُسُمُّ العِداةِ وآفَةُ الجُزْرِ
النَّازلينَ بِكلّ مُعْتَرَكٍوالطيِّبْون معاقِدُ الأُزْرِ


وقد روي النازلون والنازلين والطيبون والطيبين والوجه في ذلك ما ذكرناه, و { العالمين } مجرور بالإضافة والياء فيه علامة, وحرف الإعراب وعلامة الجمع والنون هنا عوض عن الحركة في الواحد وإِنما فتحت فرقاً بينها وبين نون التثنية تقول هذان عالمان فتكسر نون الاثنين لالتقاء الساكنين, وقيل إِنما فتحت نون الجمع وحقها الكسر لثقل الكسرة بعد الواو كما فتحت الفاء من سوف والنون من أين ولم تكسر لثقل الكسرة بعد الواو والياء.

المعنى: معنى الآية أن الأوصاف الجميلة والثناء الحسن كلها لله الذي تحق له العبادة لكونه قادراً على أصول النعم وفاعلاً لها ولكونه منشئاً للخلق ومربيّاً لهم ومصلحاً لشأنهم, وفي الآية دلالة على وجوب الشكر لله على نعمه وفيها تعليم للعباد كيف يحمدونه.
-3-

admin 12-18-2010 08:22 PM

تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق 1-2
 
تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق 1-2


أما قوله جل جلاله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } فاعلم أن الحمد إنما يكون حمداً على النعمة، والحمد على النعمة لا يمكن إلا بعد معرفة تلك النعمة، لكن أقسام نعم الله خارجة عن التحديد والإحصاء، كما قال تعالى:

{ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [إبراهيم14: 34]

ولنتكلم في مثال واحد، وهو أن العاقل يجب أن يعتبر ذاته، وذلك لأنه مؤلف من نفس وبدن؛ ولا شك أن أدون الجزءين وأقلهما فضيلة ومنفعة هو البدن، ثم إن أصحاب التشريح وجدوا قريباً من خمسة آلاف نوع من المنافع والمصالح التي دبرها الله عزّ وجلّ بحكمته في تخليق بدن الإنسان، ثم إن من وقف على هذه الأصناف المذكورة في «كتب التشريح» عرف أن نسبة هذا القدر المعلوم المذكور إلى ما لم يعلم وما لم يذكر كالقطرة في البحر المحيط، وعند هذا يظهر أن معرفة أقسام حكمة الرحمن في خلق الإنسان تشتمل على عشرة آلاف مسألة أو أكثر، ثم إذا ضمت إلى هذه الجملة آثار حكم الله تعالى في تخليق العرش والكرسي وأطباق السموات، وأجرام النيرات من الثوابت والسيارات، وتخصيص كل واحد منها بقدر مخصوص ولون مخصوص وغير مخصوص، ثم يضم إليها آثار حكم الله تعالى في تخليق الأمهات والمولدات من الجمادات والنباتات والحيوانات وأصناف أقسامها وأحوالها ـ علم أن هذا المجموع مشتمل على ألف ألف مسألة أو أكثر أو أقل، ثم إنه تعالى نبه على أن أكثرها مخلوق لمنفعة الإنسان، كما قال تعالى:

{ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [الجاثية45: 13]

وحينئذٍ يظهر أن قوله جل جلاله: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } مشتمل على ألف ألف مسألة، أو أكثر أو أقل.


أنواع العالم وإمكان وجود عوالم أخرى:

وأما قوله جل جلاله: { رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } فاعلم أن قوله: { رَبّ } مضاف وقوله: { ٱلْعَـٰلَمِينَ } مضاف إليه، وإضافة الشيء إلى الشيء تمتنع معرفتها إلا بعد حصول العلم بالمتضايفين، فمن المحال حصول العلم بكونه تعالى رباً للعالمين إلا بعد معرفة رب والعالمين، ثم إن العالمين عبارة عن كل موجود سوى الله تعالى، وهي على ثلاثة أقسام: المتحيزات، والمفارقات، والصفات. أما المتحيزات فهي إما بسائط أو مركبات، أو البسائط فهي الأفلاك والكواكب والأمهات، وأما المركبات فهي المواليد الثلاثة، واعلم أنه لم يقم دليل على أنه لا جسم إلا هذه الأقسام الثلاثة، وذلك لأنه ثبت بالدليل أنه حصل خارج العالم خلاء لا نهاية له، وثبت بالدليل أنه تعالى قادر على جميع الممكنات، فهو تعالى قادر على أن يخلق ألف ألف عالم خارج العالم، / بحيث يكون كل واحد من تلك العوالم أعظم وأجسم من هذا العالم، ويحصل في كل واحد منها مثل ما حصل في هذا العالم من العرش والكرسي والسموات والأرضين والشمس والقمر، ودلائل الفلاسفة في إثبات أن العالم واحد دلائل ضعيفة ركيكة مبنية على مقدمات واهية؛ قال أبو العلاء المعري:ـ
-1-

يا أيها الناس كم لله من فلكتجري النجوم به والشمس والقمر
هين على الله ماضينا وغابرنافما لنا في نواحي غيره خطر


ومعلوم أن البحث عن هذه الأقسام التي ذكرناها للمتحيزات مشتمل على ألوف ألوف من المسائل، بل الإنسان لو ترك الكل وأراد أن يحيط علمه بعجائب المعادن المتولدة في أرحام الجبال من الفلزات والأحجار الصافية وأنواع الكباريت والزرانيخ والأملاح، وأن يعرف عجائب أحوال النبات مع ما فيها من الأزهار والأنوار والثمار، وعجائب أقسام الحيوانات من البهائم والوحوش والطيور والحشرات ـ لنفد عمره في أقل القليل من هذه المطالب، ولا ينتهي إلى غورها كما قال تعالى:


رحمة الله تعالى بعباده لا تنحصر أنواعها:
-2-

admin 12-18-2010 08:27 PM

تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق 1-5
 
تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق 1-5

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


القراء السبعة على ضم الدال في قوله: الحمد لله، هو مبتدأ وخبر. وروي عن سفيان بن عيينة ورؤبة ابن العجاج أنهما قالا: (الحمد لله) بالنصب، وهو على إضمار فعل. وقرأ ابن أبي عبلة: (الحمد لله) بضم الدال واللام إتباعاً للثاني الأولَ، وله شواهد، لكنه شاذ، وعن الحسن وزيد بن علي { الحمد لله } بكسر الدال إتباعاً للأول الثاني.

قال أبو جعفر بن جرير: معنى { ٱلْحَمْدُ للَّهِ }: الشكر لله خالصاً، دون سائر ما يعبد من دونه، ودون كل ما برأ من خلقه، بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد، ولا يحيط بعددها غيره أحد، في تصحيح الآلات لطاعته، وتمكين جوارح أجسام المكلفين لأداء فرائضه، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق، وغذاهم من نعيم العيش من غير استحقاق منهم ذلك عليه، ومع ما نبههم عليه ودعاهم إليه من الأسباب المؤدية إلى دوام الخلود في دار المقام في النعيم المقيم، فلربنا الحمد على ذلك كله أولاً وآخراً. وقال ابن جرير رحمه الله: الحمد لله ثناء أثنى به على نفسه، وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه، فكأنه قال: قولوا: الحمد لله. قال: وقد قيل: إن قول القائل: الحمد لله: ثناء عليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وقوله: الشكر لله، ثناء عليه بنعمه وأياديه، ثم شرع في رد ذلك بما حاصله أن جميع أهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلاً من الحمد والشكر مكان الآخر، وقد نقل السلمي هذا المذهب أنهما سواء عن جعفر الصادق وابن عطاء من الصوفية، وقال ابن عباس: الحمد لله: كلمة كل شاكر، وقد استدل القرطبي لابن جرير بصحة قول القائل: الحمد لله شكراً، وهذا الذي ادعاه ابن جرير فيه نظر، لأنه اشتهر عند كثير من العلماء من المتأخرين أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية، والشكر لا يكون إلا على المتعدية، ويكون بالجنان واللسان والأركان؛ كما قال الشاعر:

أَفادَتْكُمُ النَّعْماءُ مِني ثَلاثَةً:يَدِي وَلِسانِي والضَّمِيْرَ المُحَجبا


ولكنهم اختلفوا أيهما أعم، الحمد أو الشكر؟ على قولين، والتحقيق أن بينهما عموماً وخصوصاً، فالحمد أعم من الشكر من حيث ما يقعان عليه؛ لأنه يكون على الصفات اللازمة والمتعدية، تقول: حمدته لفروسيته، وحمدته لكرمه، وهو أخص؛ لأنه لا يكون إلا بالقول، والشكر أعم من حيث ما يقعان عليه؛ لأنه يكون بالقول والفعل والنية كما تقدم، وهو أخص لأنه لا يكون إلا على الصفات المتعدية، لا يقال شكرته لفروسيته، وتقول: شكرته على كرمه وإحسانه إليّ. هذا حاصل ما حرره بعض المتأخرين والله أعلم.

وقال أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري: الحمد نقيض الذم، تقول: حمدت الرجل أحمده حمداً ومحمدة، فهو حميد ومحمود، والتحميد أبلغ من الحمد، والحمد أعم من الشكر، وقال في الشكر: هو الثناء على المحسن بما أولاه من المعروف، يقال: شكرته، وشكرت له، وباللام أفصح.
-1-

وأما المدح فهو أعم من الحمد؛ لأنه يكون للحي وللميت، وللجماد أيضاً؛ كما يمدح الطعام والمكان ونحو ذلك، ويكون قبل الإحسان وبعده، وعلى الصفات المتعدية واللازمة أيضاً، فهو أعم.

ذكر أقوال السلف في الحمد

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو معمر القطيعي حدثنا حفص عن حجاج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر رضي الله عنه: قد علمنا سبحان الله ولا إله إلا الله، فما الحمد لله؟ فقال علي: كلمة رضيها الله لنفسه. ورواه غير أبي معمر عن حفص فقال: قال عمر لعلي - وأصحابه عنده -: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والله أكبر، قد عرفناها، فما الحمد لله؟ قال علي: كلمة أحبها الله تعالى لنفسه، ورضيها لنفسه، وأحب أن تقال. وقال علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران: قال ابن عباس: الحمد لله: كلمة الشكر، وإذا قال العبد: الحمد لله، قال: شكرني عبدي. رواه ابن أبي حاتم، وروى أيضاً هو وابن جرير من حديث بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال: الحمد لله: هو الشكر لله، والاستخذاء له، والإقرار له بنعمته وهدايته وابتدائه وغير ذلك. وقال كعب الأحبار: الحمد لله: ثناء الله. وقال الضحاك: الحمد لله رداء الرحمن، وقد ورد الحديث بنحو ذلك.

قال ابن جرير: حدثنا سعيد بن عمرو السكوني حدثنا بقية بن الوليد حدثني عيسى بن إبراهيم عن موسى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمير، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا قلت: الحمد لله رب العالمين، فقد شكرت الله فزادك " وقد روى الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا روح حدثنا عوف عن الحسن عن الأسود بن سريع قال: قلت: " يا رسول الله ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي تبارك وتعالى؟ فقال: أما إن ربك يحب الحمد " ورواه النسائي عن علي بن حجر عن ابن علية عن يونس بن عبيد عن الحسن عن الأسود بن سريع به. وروى أبو عيسى الحافظ الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث موسى بن إبراهيم بن كثير عن طلحة بن خراش عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله " وقال الترمذي: حسن غريب، وروى ابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
-2-

" ما أنعم الله على عبد نعمة فقال: الحمد الله، إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ " وقال القرطبي في تفسيره وفي نوادر الأصول: عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن الدنيا بحذافيرها في يد رجل من أمتي، ثم قال: الحمد لله، كان الحمد لله أفضل من ذلك " قال القرطبي وغيره: أي: لكان إلهامه الحمد لله أكثر نعمة عليه من نعم الدنيا؛ لأن ثواب الحمد لله لا يفنى، ونعيم الدنيا لا يبقى، قال الله تعالى:

{ ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلْبَـٰقِيَاتُ ٱلصَّـٰلِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً } [الكهف18: 46]

وفي سنن ابن ماجه عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم أن عبداً من عباد الله قال: يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. فعضلت بالملكين، فلم يدريا كيف يكتبانها، فصعدا إلى الله، فقالا: يا ربنا إن عبداً قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها، قال الله - وهو أعلم بما قال عبده -: ماذا قال عبدي؟ قالا: يا رب إنه قال: لك الحمد يا رب كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. فقال الله لهما: اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها " وحكى القرطبي عن طائفة أنهم قالوا: قول العبد: الحمد لله رب العالمين أفضل من قوله: لا إله إلا الله؛ لاشتمال الحمد لله رب العالمين على التوحيد مع الحمد، وقال آخرون: لا إله إلا الله أفضل؛ لأنها تفصل بين الإيمان والكفر، وعليها يقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، كما ثبت في الحديث المتفق عليه، وفي الحديث الآخر: " أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له " وقد تقدم عن جابر مرفوعاً: " أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله " وحسنه الترمذي. والألف واللام في الحمد لاستغراق جميع أجناس الحمد وصنوفه لله تعالى؛ كما جاء في الحديث: " اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله " .. الحديثَ.


والرب: هو المالك المتصرف، ويطلق في اللغة على السيد، وعلى المتصرف للإصلاح، وكل ذلك صحيح في حق الله تعالى، ولا يستعمل الرب لغير الله، بل بالإضافة، تقول: رب الدار، رب كذا، وأما الرب، فلا يقال إلا لله عز وجل، وقد قيل: إنه الاسم الأعظم. والعالمين: جمع عالم، وهو كل موجود سوى الله عز وجل. والعالم جمع لا واحد له من لفظه، والعوالم أصناف المخلوقات في السموات، وفي البر والبحر، وكل قرن منها وجيل يسمى عالماً أيضاً. قال بشر بن عمار: عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } الحمد لله الذي له الخلق كله؛ السموات والأرض، وما فيهنَّ وما بينهن، مما نعلم ومما لا نعلم.
-3-

وفي رواية سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس: رب الجن والإنس. وكذلك قال سعيد بن جبير ومجاهد وابن جريج. وروي عن علي نحوه، قال ابن أبي حاتم: بإسناده لا يعتمد عليه، واستدل القرطبي لهذا القول بقوله تعالى:

{ لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِيراً } [الفرقان25: 1]

وهم الجن والإنس. قال الفراء وأبو عبيد: العالم عبارة عما يعقل، وهم الإنس والجن والملائكة والشياطين، ولا يقال للبهائم عالم. وعن زيد بن أسلم وأبي محيصن: العالم كل ما له روح ترفرف. وقال قتادة: رب العالمين: كل صنف عالم، وقال الحافظ ابن عساكر في ترجمة مروان بن محمد، وهو أحد خلفاء بني أمية، وهو يعرف بالجعد، ويلقب بالحمار، أنه قال: خلق الله سبعة عشر ألف عالم؛ أهل السموات وأهل الأرض عالم واحد، وسائرهم لا يعلمهم إلا الله عز وجل.


وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى: { رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال: الإنس عالم، والجن عالم وما سوى ذلك ثمانية عشر ألف، أو أربعة عشر ألف عالم، هو يشك. الملائكة على الأرض، وللأرض أربع زوايا، في كل زاوية ثلاثة ألاف عالم، وخمسمائة عالم، خلقهم الله لعبادته. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم. وهذا كلام غريب يحتاج مثله إلى دليل صحيح. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا هشام بن خالد حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الفرات، يعني ابن الوليد، عن معتب ابن سمي عن سبيع، يعني الحميري، في قوله تعالى: { رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال: العالمين: ألف أمة، فستمائة في البحر، وأربعمائة في البر، وحكي مثله عن سعيد بن المسيب، وقد روي نحو هذا مرفوعاً كما قال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى في مسنده: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبيد بن واقد القيسي أبو عباد حدثني محمد بن عيسى بن كيسان حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قلّ الجراد في سنة من سني عمر التي ولي فيها، فسأل عنه، فلم يخبر بشيء، فاغتم لذلك، فأرسل راكباً يضرب إلى اليمن، وآخر إلى الشام، وآخر إلى العراق، يسأل هل رؤي من الجراد شيءٌ، أم لا؟ قال: فأتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة من جراد، فألقاها بين يديه، فلما رآها كبر ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " خلق الله ألف أمة: ستمائة في البحر، وأربعمائة في البر، فأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد، فإذا هلك تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه " محمد بن عيسى هذا، وهو الهلالي، ضعيف.
-4-

وحكى البغوي عن سعيد بن المسيب أنه قال: لله ألف عالم؛ ستمائة في البحر، وأربعمائة في البر. وقال وهب بن منبه: لله ثمانية عشر ألف عالم، الدنيا عالم منها. وقال مقاتل: العوالم ثمانون ألفاً. وقال كعب الأحبار: لا يعلم عدد العوالم إلا الله عز وجل نقله البغوي. وحكى القرطبي عن أبي سعيد الخدري أنه قال: إن لله أربعين ألف عالم، الدنيا من شرقها إلى مغربها عالم واحد منها، وقال الزجاج: العالم كل ما خلق الله في الدنيا والآخرة. قال القرطبي: وهذا هو الصحيح، إنه شامل لكل العالمين؛ كقوله:

{ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ *قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } [الشعراء26: 23 - 24].

والعالم مشتق من العلامة، (قلت): لأنه علم دال على وجود خالقه وصانعه ووحدانيته؛ كما قال ابن المعتز:

فَيا عَجَباً كَيْفَ يُعْصَى الإِلٰــــهُأَمْ كَيْف يَجْحَدُهُ الجاحِدُ
وفي كُل شَيْءٍ لَهُ آيَةٌتَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ

-5-

admin 12-18-2010 08:30 PM

تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق
 
تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق



{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ } الحمد: هو الثناء على الجميل الاختياري من نعمة أو غيرها، والمدح: هو الثناء على الجميل مطلقاً. تقول حمدت زيداً على علمه وكرمه، ولا تقول حمدته على حسنه، بل مدحته. وقيل هما أخوان. والشكر: مقابلة النعمة قولاً وعملاً واعتقاداً قال:

أفادَتْكُمُ النُعْمَاءُ مني ثلاثَةًيَدي ولساني والضَّميرَ المُحجَّبا


فهو أعم منهما من وجه، وأخص من آخر ولما كان الحمد من شعب الشكر أشيع للنعمة، وأدل على مكانها لخفاء الاعتقاد، وما في آداب الجوارح من الاحتمال جعل رأس الشكر والعمدة فيه فقال عليه الصلاة والسلام: " الحمد رأس الشكر، وما شكر الله من لم يحمده " والذم نقيض الحمد والكفران نقيض الشكر. ورفعه بالابتداء وخبره لله وأصله النصب وقد قرىء به، وإنما عدل عنه إلى الرفع ليدل على عموم الحمد وثباته له دون تجدده وحدوثه. وهو من المصادر التي تنصب بأفعال مضمرة لا تكاد تستعمل معها، والتعريف فيه للجنس ومعناه: الإشارة إلى ما يعرف كل أحد أن الحمد ما هو؟ أو للاستغراق، إذ الحمد في الحقيقة كله له، إذ ما من خير إلا وهو موليه بوسط أو بغير وسط كما قال تعالى:

{ وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } [النحل16: 53]

وفيه إشعار بأنه تعالى حي قادر مريد عالم. إذ الحمد لا يستحقه إلا من كان هذا شأنه. وقرىء الحمد لله بإتباع الدال اللام وبالعكس تنزيلاً لهما من حيث إنهما يستعملان معاً منزلة كلمة واحدة.


{ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } الرب في الأصل مصدر بمعنى التربية: وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئاً فشيئاً، ثم وصف به للمبالغة كالصوم والعدل. وقيل: هو نعت من رَبِّه يربه فهو رب، كقولك نم ينم فهو نم، ثم سمى به المالك لأنه يحفظ ما يملكه ويربيه. ولا يطلق على غيره تعالى إلا مقيداً كقوله: { ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبّكَ } والعالم اسم لما يعلم به، كالخاتم والقالب، غلب فيما يعلم به الصانع تعالى، وهو كل ما سواه من الجواهر والأعراض، فإنها لإمكانها وافتقارها إلى مؤثر واجب لذاته تدل على وجوده، وإنما جمعه ليشمل ما تحته من الأجناس المختلفة، وغلب العقلاء منهم فجمعه بالياء والنون كسائر أوصافهم. وقيل: اسم وضع لذوي العلم من الملائكة والثقلين، وتناوله لغيرهم على سبيل الاستتباع. وقيل: عني به الناس ههنا فإن كل واحد منهم عالم من حيث إنه يشتمل على نظائر ما في العالم الكبير من الجواهر والأعراض يُعْلَمُ بها الصانع كما يعلم بما أبدعه في العالم الكبير، ولذلك سوى بين النظر فيهما، وقال تعالى:

{ وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [الذاريات51: 21]

وقرىء { رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } بالنصب على المدح. أو النداء. أو بالفعل الذي دل عليه الحمد، وفيه دليل على أن الممكنات كما هي مفتقرة إلى المحدث حال حدوثها فهي مفتقرة إلى المبقي حال بقائها.




admin 12-18-2010 09:11 PM

تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق 1-11
 
تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق 1-11


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ } الحمد: هو الثناء باللسان على الجميل الإختياري، وبقيد الاختيار فارق المدح، فإنه يكون على الجميل، وإن لم يكن الممدوحُ مختاراً كمدح الرجل على جماله، وقوّته، وشجاعته. وقال صاحب الكشاف: إنهما أخوان، والحمد أخصّ من الشكر مَورداً، وأعمّ منه متعلقاً. فموردُ الحمدُ اللسان فقط، ومتعلقه النعمةُ، وغيرها، ومورد الشكر اللسانُ، والجَنَانُ، والأركانُ، ومتعلقه النعمة وقيل: إن مورد الحمد كمورد الشكر، لأن كلَّ ثناء باللسان لا يكون من صميم القلب مع موافقة الجوارح ليس بحمدٍ بل سخرية واستهزاء. وأجيب بأن اعتبار موافقة القلب، والجوارح في الحمد لا يستلزم أن يكون مورداً له بل شرطاً. وفرّق بين الشرط، والشطر،

وتعريفه لاستغراق أفراد الحمد، وأنها مختصة بالربّ سبحانه وتعالى، على معنى أنَّ حمد غيره لا اعتداد به، لأن المنعم هو: الله عزّ وجلّ، أو على أن حمدَه هو: الفرد الكامل، فيكون الحصر ادّعائياً. ورجح صاحب الكشاف أن التعريف هنا هو: تعريف الجنس لا الاستغراق، والصواب ما ذكرناه. وقد جاء في الحديث " اللهمّ لك الحمد كله " وهو: مرتفع بالابتداء وخبره الظرف وهو: { لله }. وأصله النصب على المصدرية بإضمار فعله، كسائر المصادر التي تنصبها العرب، فعُدِل عنه إلى الرفع لقصد الدلالة على الدوام، والثبات المستفاد من الجمل الاسمية دون الحدوث، والتجدد اللذين تفيدهما الجمل الفعلية، واللام الداخلة على الاسم الشريف هي لام الاختصاص.

قال ابن جرير: الحمد ثناء أثنى به على نفسه، وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه، فكأنه قال: قولوا الحمد لله ثم رجح اتحاد الحمد، والشكر مستدلاً على ذلك بما حاصله: أن جميع أهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلا من الحمد، والشكر مكان الآخر. قال ابن كثير: وفيه نظر لأنه اشتهر عند كثير من العلماء المتأخرين أن الحمد هو: الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة، والمتعدية. والشكر لا يكون إلا على المتعدية ويكون بالجنان، واللسان، والأركان، انتهى.

ولا يخفى أن المرجع في مثل هذا إلى معنى الحمد في لغة العرب لا إلى ما قاله جماعة من العلماء المتأخرين، فإن ذلك لا يردّ على ابن جرير، ولا تقوم به الحجة؛ هذا إذا لم يثبت للحمد حقيقة شرعية، فإن ثبتت وجب تقديمها.

وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال عمر: قد عَلِمْنا سبحان الله، ولا إلٰه إلا الله، فما الحمد لله؟ فقال عليٌّ: كلمةٌ رضيها لنفسه. وروى ابن أبي حاتم أيضاً عن ابن عباس؛ أنه قال: الحمد لله؛ كلمة الشكر، وإذا قال العبد: الحمد لله قال: شكرني عبدي. وروى هو وابن جرير، عن ابن عباس أيضاً أنه قال: الحمد لله هو: الشكر لله، والاستخذاء له، والإقرار له بنعمه، وهدايته، وابتدائه، وغير ذلك.
-1-

وروى ابن جرير عن الحكم بن عُمَيْر، وكانت له صحبة، قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم " إذا قلتَ الحمد لله ربّ العالمين، فقد شكرتَ الله، فزادك " وأخرج عبد الرزاق في المصنف، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والخطابي في الغريب، والبيهقيّ في الأدب، والديلميّ في مسند الفردوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده " وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي قال: «الصلاة شكر والصيام شكر، وكل خير تفعله شكر، وأفضل الشكر الحمد». وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن النّوّاس بن سَمْعَان قال: «سرقت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " لئن ردّها الله عليّ لأشكرنّ ربي فرجعت، فلما رآها قال: الحمد لله " فانتظروا؛ هل يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم صوماً أو صلاة، فظنوا أنه نسي فقالوا: يا رسول الله قد كنت قلت: لئن ردّها الله عليّ لأشكرنّ ربي، قال: " ألم أقل الحمد لله؟ " - وقد ورد في فضل الحمد أحاديث. منها: ما أخرجه أحمد، والنسائي، والحاكم وصححه، والبخاري في الأدب المفرد عن الأسود بن سَريع، قال: «قلت يا رسول الله ألا أنْشِدُك محامدَ حمدتُ بها ربي تبارك وتعالى؟ فقال: " أما إن ربك يحبّ الحمد " وأخرج الترمذي وحسَّنه والنسائي وابن ماجه وابن حبان والبيهقي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله " وأخرج ابن ماجه والبيهقي بسند حسن عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أنعم الله على عبد نعمةً فقال الحمد لله إلا كان الذي أعْطى أفضلَ مما أخذ " وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، والقرطبي في تفسيره عن أنس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن الدنيا كلها بحذافيرها في يد رجل من أمتي، ثم قال الحمد لله، لكان الحمد أفضل من ذلك " قال القرطبي: معناه لكان إلهامهُ الحمد أكبر نعمةٍ عليه من نعم الدنيا، لأن ثواب الحمد لا يفنى، ونعيم الدنيا لا يبقى. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من عبد يُنْعَمُ عليه بنعمةٍ إلا كان الحمد أفضل منها " وأخرج عبد الرزاق في المصنف نحوه، عن الحسن مرفوعاً.

وأخرج مسلم والنسائي، وأحمد عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
-2-

" الطهورُ شطرُ الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان " الحديث. وأخرج سعيد بن منصور، وأحمد، والترمذي وحسنه، وابن مردويه عن رجل من بني سليم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سبحان الله نصفُ الميزان، والحمدُ لله تملأ الميزان، والله أكبرُ تملأ ما بين السماء، والأرض، والطهورُ نصف الإيمان، والصومُ نصف الصبر " وأخرج الحكيم الترمذي عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " التسبيحُ نصف الميزان، والحمدُ لله تملؤه، ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجابٌ حتى تخَلُص إليه " وأخرج البيهقي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " التَّأني من الله، والعجلةُ من الشيطان، وما شيء أكثرُ معاذير من الله، وما شيءٍ أحبّ إلى الله من الحمد " وأخرج ابن شاهين في السنة والديلمي عن أبان بن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " التوحيدُ ثمن الجنة، والحمد ثمن كل نعمة، ويتقاسمون الجنة بأعمالهم "

وأخرج أهل السنن وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل أمرٍ ذي بالٍ لا يُبْدَأُ فيه بحمد الله، فهو أقطَع " وأخرج ابن ماجه في سننه عن ابن عمر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّثهم: " أنّ عبداً من عباد الله قال: يا ربِّ لك الحمدُ كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك. فلم يَدرِ الملكان كيف يكتبانها، فصعدا إلى السماء، فقالا: يا ربنا إنَّ عبداً قد قال مقالةً لا ندري كيف نكتبها؟ قال الله وهو أعلم بما قال عبده: ماذا قال عبدي؟ قالا يا ربّ إنه قال: لكَ الحمدُ كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك. فقال الله لهما: اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني، وأجزيه بها ". وأخرج مسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة، فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها "

{ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال في الصحاح: الرب اسم من أسماء الله تعالى، ولا يقال في غيره إلا بالإضافة. وقد قالوه في الجاهلية للملك. وقال في الكشاف: الرب المالك. ومنه قول صفوان لأبي سفيان: لأن يَرُبَّني رجلٌ من قريش أحبُّ إليّ من أن يَرُبَّني رجل من هوازن. ثم ذكر نحو كلام الصحاح. قال القرطبي في تفسيره: والرب السيد، ومنه قوله تعالى

{ اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ } [يوسف12: 42]،

وفي الحديث " أن تلد الأمة ربها " ، والرب: المصلح، والمدبر، والجابر، والقائم قال: والرب المعبود. ومنه قول الشاعر:

أربٌ يَبُول الثَّعْلبَان بَرأسهلقد هَانَ من بَالت عَلَيه الثعالبُ


و { العالمين }: جمع العالم، وهو: كل موجود سوى الله تعالى، قاله قتادة.
-3-

وقيل أهل كل زمان عالم، قاله الحسين بن الفضل. وقال ابن عباس: العالمون الجنّ، والإنس، وقال الفراء، وأبو عبيد: العالم عبارة عمن يعقل، وهم أربعة أمم: الإنس، والجن، والملائكة، والشياطين. ولا يقال للبهائم عالم، لأن هذا الجمع إنما هو: جمع ما يعقل.

حكى هذه الأقوال القرطبي في تفسيره، وذكر أدلتها، وقال: إن القول الأول أصحّ هذه الأقوال؛ لأنه شامل لكل مخلوق وموجود. دليله قوله تعالى:

{ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ *قَالَ رَبّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا } [الشعراء26: 23، 24]

وهو: مأخوذ من العَلم، والعلامة لأنه يدل على موجده، كذا قال الزجَّاج: وقال: العالم كل ما خلقه الله في الدنيا، والآخرة، انتهى. وعلى هذا يكون جمعه على هذه الصيغة المختصة بالعقلاء تغليباً للعقلاء على غيرهم. وقال في الكشاف: ساغ ذلك لمعنى الوصفية فيه، وهي الدلالة على معنى العلم.


وقد أخرج ما تقدم من قول ابن عباس عنه الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم، وصححه. وأخرجه عبد بن حميد، وابن جريح عن مجاهد. وأخرجه ابن جرير عن سعيد بن جُبير. وأخرج ابن جبير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى { رَبِّ العالمينَ } قال: إله الخلق كله السموات كلهنّ، ومن فيهنّ. والأرضون كلهنّ، ومن فيهنّ، ومن بينهنّ مما يعلم ومما لا يعلم.

{ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } قد تقدم تفسيرهما. قال القرطبي: وصف نفسه تعالى بعد ربّ العالمين بأنه الرحمٰن الرحيم، لأنه لما كان في اتصافه بربّ العالمين ترهيب، قرنه بالرحمن الرحيم لما تضمن من الترغيب، ليجمع في صفاته بين الرهبة منه والرغبة إليه، فيكون أعون على طاعته، وأمنع، كما قال تعالى:

{ نَبّىء عِبَادِى أَنّى أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ *وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلاْلِيمُ } [الحجر13: 49، 50] وقال:
{ غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } [غافر40: 3].

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قَنَط من جنته أحد " انتهى.


وقد أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال: ما وصف من خلقه، وفي قوله { الرحمن الرحيم } ، قال: مدح نفسه. ثم ذكر بقية الفاتحة

{ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدّينِ } قرىء " مِلك " ، و " مالك " ، و " ملْك " بسكون اللام، و " مَلَكَ " بصيغة الفعل. وقد اختلف العلماء أيما أبلغ مِلك، أو مالك؟ فقيل إن ملكَ أعمّ، وأبلغ من مالك، إذ كل ملك مالك، وليس كل مالك ملكاً، ولأن أمر الملك نافذ على المالك في ملكه حتى لا يتصرّف إلا عن تدبير الملك، قاله أبو عبيد، والمبرّد، ورجحه الزمحشري.
-4-

وقيل مالك أبلغ لأنه يكون مالكاً للناس، وغيرهم، فالمالك أبلغ تصرفاً، وأعظم. وقال أبو حاتم: إن مالكاً أبلغ في مدح الخالق من ملك، وملك أبلغ في مدح المخلوقين من مالك، لأن المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك، وإذا كان الله تعالى مالكاً كان ملكاً. واختار هذا القاضي أبو بكر بن العربي.

والحق أن لكل واحد من الوصفين نوع أخصية لا يوجد في الآخر؛ فالمالك يقدر على ما لا يقدر عليه الملك من التصرفات بما هو مالك له بالبيع، والهبة، والعتق، ونحوها، والملك يقدر على ما لا يقدر عليه المالك من التصرفات العائدة إلى تدبير الملك، وحياطته، ورعاية مصالح الرعية، فالمالك أقوى من الملك في بعض الأمور، والملك أقوى من المالك في بعض الأمور. والفرق بين الوصفين بالنسبة إلى الرب سبحانه، أن الملك صفة لذاته، والمالك صفة لفعله. و { يوم الدين } ، يوم الجزاء من الرب سبحانه لعباده كما قال:

{ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدّينِ *ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدّينِ *يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَٱلاْمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [الإنفطار82: 17 ـ 19]

وهذه الإضافة إلى الظرف على طريق الاتساع كقولهم: يا سارق الليلة أهل الدار، ويوم الدين وإن كان متأخراً فقد يضاف اسم الفاعل وما في معناه إلى المستقبل كقولك: هذا ضارب زيداً غداً.


وقد أخرج الترمذي عن أمّ سلمة؛ «أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقرأ ملك بغير ألف. وأخرج نحوه ابن الأنباري عن أنس.

وأخرج أحمد والترمذي عن أنس أيضاً: «أن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر، وعثمان كانوا يقرءون مالك بالألف». وأخرج نحوه سعيد بن منصور، عن ابن عمر مرفوعاً، وأخرج نحوه أيضاً وكيع في تفسيره وعبد بن حميد، وأبو داود وعن الزهري يرفعه مرسلاً. وأخرجه أيضاً عبد الرزاق في تفسيره وعبد بن حميد، وأبو داود عن ابن المسيب مرفوعاً مرسلاً. وقد روي هذا من طرق كثيرة، فهو أرجح من الأوّل. وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة. «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ مالك يوم الدين» وكذا رواه الطبراني في الكبير عن ابن مسعود مرفوعاً.

وأخرج ابن جرير، والحاكم وصححه عن ابن مسعود، وناس من الصحابة أنهم فسروا يوم الدين بيوم الحساب. وكذا رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس. وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: { يوم الدين } يوم يدين الله العباد بأعمالهم.

{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } قراءة السبعة، وغيرهم بتشديد الياء، وقرأ عمر بن فايد بتخفيفها مع الكسر؛ وقرأ الفضل والرقاشي بفتح الهمزة، وقرأ أبو السوار الغَنَوي «هَيَّاك» في الموضعين وهي: لغة مشهورة.
-5-

والضمير المنفصل هو: «إيا» وما يلحقه من الكاف، والهاء، والياء هي: حروف لبيان الخطاب، والغيبة، والتكلم، ولا محل لها من الإعراب كما ذهب إليه الجمهور، وتقديمه على الفعل لقصد الاختصاص، وقيل للاهتمام، والصواب أنه لهما، ولا تزاحم بين المقتضيات. والمعنى: نخصك بالعبادة، ونخصك بالإستعانة لا نعبد غيرك، ولا نستعينه،

والعبادة أقصى غايات الخضوع، والتذلل، قال ابن كثير: وفي الشرع عبارة عما يجمع كمال المحبة، والخضوع، والخوف،

وعدل عن الغيبة إلى الخطاب لقصد الالتفات، لأن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى آخر كان أحسن تَطريةً لنشاط السامع، وأكثر إيقاظاً له كما تقرر في علم المعاني. والمجيء بالنون في الفعلين لقصد الإخبار من الداعي عن نفسه، وعن جنسه من العباد، وقيل إن المقام لما كان عظيماً لم يستقلّ به الواحد؛ استقصاراً لنفسه، واستصغاراً لها، فالمجىء بالنون لقصد التواضع، لا لتعظيم النفس.

وقدمت العبادة على الإستعانة لكون الأولى وسيلة إلى الثانية، وتقديم الوسائل سبب لتحصيل المطالب، وإطلاق الإستعانة لقصد التعميم.

وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إياك نَعْبُدُ }: يعني إياك نوحد ونخاف يا ربنا لا غيرك،

{ وإياك نستعين } على طاعتك وعلى أمورنا كلها. وحكى ابن كثير عن قتادة، أنه قال في { إياك نعبد وإياك نستعين }: يأمركم أن تخلصوا له العبادة، وأن تستعينوه على أمركم.

وفي صحيح مسلم من حديث المعلى بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، إذا قال { العبد الحمد لله رب العالمين } قال: حمدني عبدي، وإذا قال { الرحمن الرحيم } قال: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال { مالك يوم الدين } قال مجدني عبدي، فإذا قال { إياك نعبد، وإياك نستعين } قال: هذا بيني، وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: { اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم، ولا الضالين } قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل " وأخرج أبو القاسم البغوي، والباوردي، معاً في معرفة الصحابة، والطبراني في الأوسط، وأبو نعيم في الدلائل عن أنس بن مالك، عن أبي طلحة قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فلقي العدوّ فسمعته يقول: " يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين " ، قال: فلقد رأيت الرجال تُصرعُ فتضربها الملائكة من بين يديها ومن خلفها».



{ ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } قرأه الجمهور بالصاد، وقرأ السراط بالسين، والزراط بالزاي؛ والهداية قد يتعدى فعلها بنفسه كما هنا، وكقوله:
-6-

وقد يتعدى بإلى كقوله:
[الصافات37: 23]،
{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الشورى42: 52]


وقد يتعدّى باللام كقوله

{ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَانَا لِهَـٰذَا } [الأعراف7: 43]
{ إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ } [الإسراء17: 9]

قال الزمخشري: أصله أن يتعدّى باللام أو بإلى. انتهى.


وهي الإرشاد، أو التوفيق، أو الإلهام، أو الدلالة. وفرَّقَ كثيرٌ من المتأخرين بين معنى المتعدى بنفسه، وغير المتعدى، فقالوا: معنى الأوّل الدلالة، والثاني الإيصال. وطلب الهداية من المهتدي معناه طلب الزيادة كقوله تعالى

{ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُم هُدًى } [محمد47: 17]
{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُم سُبُلَنَا } [العنكبوت29: 69]

والصراط: الطريق، قال ابن جرير: أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعاً على أن الصراط المستقيم: هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، وهو كذلك في لغة جميع العرب. قال: ثم تستعير العرب الصراط فتستعمله فتصف المستقيم باستقامته، والمُعوجَّ باعوجاجه.


وقد أخرج الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ { اهدنا الصراط المستقيم } بالصاد». وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، والبخاري في تاريخه عن ابن عباس: «أنه قرأ الصراط بالسين». وأخرج ابن الأنباري عن ابن كثير أنه كان يقرأ " السراط " بالسين. وأخرج أيضاً عن حمزة أ { اهدنا الصراط المستقيم } يقول: ألهمنا دينك الحق. وأخرج ابن جرير عنه، وابن المنذر نحوه. وأخرج وكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه عن جابر بن عبد الله أنه قال: «هو دين الإسلام، وهو أوسع مما بين السماء، والأرض». وأخرج نحوه ابن جرير عن ابن عباس. وأخرج نحوه أيضاً عن ابن مسعود، وناس من الصحابة.

وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان عن النوّاس بن سمعان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ضرب اللهُ مثلاً صراطاً مستقيماً، وعلى جنبي الصراط سوران فيهما أبوابٌ مُفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاةٌ، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً، ولا تفرّقوا، وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تَلجه، فالصراط: الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي من فوق: واعظ الله تعالى في قلب كل مسلم. " قال ابن كثير بعد إخراجه: وهو إسناد حسن صحيح. وأخرج وكيع، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وأبو بكر بن الأنباري، والحاكم، وصححه، والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود؛ أنه قال: «هو كتاب الله». وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عدي، وابن عساكر، عن أبي العالية؛ قال: هو: رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده.

-7-

وأخرج الحاكم وصححه عن أبي العالية، عن ابن عباس مثله.

وروي القرطبي، عن الفضيل بن عياض، أنه قال: الصراط المستقيم طريق الحج، قال: وهذا خاص، والعموم أولى. انتهى.

وجميع ما روي في تفسير هذه الآية ما عدا هذا المروي، عن الفضيل يصدق بعضه على بعض، فإن من اتبع الإسلام أو القرآن أو النبي، فقد اتبع الحق. وقد ذكر ابن جرير نحو هذا، فقال: والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي أن يكون معنياً به، وفِّقنا للثبات على ما ارتضيته، ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك من قول، وعمل، وذلك هو الصراط المستقيم، لأن من وفَق إليه ممن أنعم اللهُ عليه من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، فقد وفق للإسلام وتصديق الرسل، والتمسك بالكتاب، والعمل بما أمره الله به، والانزجار عما زجره عنه، واتباع منهاج النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهاج الخلفاء الأربعة، وكل عبد صالح، وكل ذلك من الصراط المستقيم. انتهى.

{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّالّينَ } انتصب { صراط } على أنه بدل من الأوّل، وفائدته التوكيد لما فيه من التثنية، والتكرير، ويجوز أن يكون عطف بيان، وفائدته الإيضاح،

والذين أنعم الله عليهم هم المذكورون في سورة النساء حيث قال:


و { غير المغضوب عليهم } بدل من { الذين أنعمت عليهم } على معنى أن المنعم عليهم هم الذين سَلِمُوا من غضب الله، والضلال، أو صفة له على معنى أنهم جمعوا بين النعمتين نعمة الإيمان، والسلامةِ من ذلك، وصحَّ جعله صفةً للمعرفة مع كون { غير } لاتتعرف بالإضافة إلى المعارف، لما فيها من الإبهام، لأنها هنا غير مبهمة؛ لاشتهار المغايرة بين الجنسين.

والغضب في اللغة قال القرطبي: الشدة، ورجل غضوب أي: شديد الخلق، والغضوب: الحية الخبيثة لشدتها. قال: ومعنى الغضب في صفة الله: إرادة العقوبة، فهو صفة ذاته، أو نفس العقوبة، ومنه الحديث: " إن الصدقة لتطفىء غضب الرب " ، فهو صفة فعله. قال في الكشاف: هو: إرادة الانتقام من العصاة، وإنزال العقوبة بهم، وأن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على من تحت يده، والفرق بين { عليهم } الأولى، و { عليهم } الثانية، أن الأولى في محل نصب على المفعولية، والثانية في محل رفع على النيابة عن الفاعل. و«لا» في قوله: { ولا الضالين } تأكيد للنفي المفهوم من غير، والضلال في لسان العرب قال القرطبي هو الذهاب عن سَنَن القصد، وطريق الحق، ومنه ضلَّ اللبن في الماء، أي: غاب، ومنه

{ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ } [السجدة32: 10]

أي: غبنا بالموت، وصرنا ترابا.

-8-

وأخرج وكيع، وأبو عبيد، وسعيد بن منصور، وعبد ابن حميد، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه كان يقرأ: " صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم، وغير الضالين " وأخرج أبو عبيد، وعبد بن حميد أن عبد الله بن الزبير قرأ كذلك. وأخرج الأنباري، عن الحسن أنه كان يقرأ «عليهمي» بكسر الهاء، والميم، وإثبات الياء. وأخرج ابن الأنباري عن الأعرج، أنه كان يقرأ: «عليهمو» بضم الهاء، والميم، وإلحاق الواو. وأخرج أيضاً عن ابن كثير، أنه كان يقرأ: «عليهمو» بكسر الهاء، وضم الميم مع إلحاق الواو. وأخرج أيضا عن أبي إسحاق، أنه قرأ: «عليهم» بضم الهاء، والميم من غير إلحاق واو. وأخرج ابن داود عن عكرمة، والأسود أنهما كانا يقرآن كقراءة عمر السابقة.

وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } يقول: طريق من أنعمت عليهم من الملائكة، والنبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين الذين أطاعوك، وعبدوك. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنهم المؤمنون. وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } قال النبيون: { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } قال اليهود: { وَلاَ ٱلضَّالّينَ } قال النصارى. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله. وأخرج أيضا عن سعيد بن جبير مثله. وأخرج عبد الرزاق، وأحمد في مسنده، وعبد بن حميد، وابن جرير، والبغوي، وابن المنذر، وأبو الشيخ عن عبد الله بن شقيق؛ قال: أخبرني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى على فرسٍ له، وسأله رجل من بني القين، فقال: من المغضوب عليهم يا رسول الله؟ " قال اليهود " ، قال: فمن الضالون؟ قال " النصارى ". وأخرجه ابن مردويه عن عبد الله بن شقيق، عن أبي ذرّ قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وأخرجه وكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، عن عبد الله بن شقيق قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاصر أهل وادي القرى، فقال له رجل إلى آخره، ولم يذكر فيه أخبرني من سمع النبي كالأوّل، وأخرجه البيهقي في الشعب عن عبد الله بن شقيق، عن رجل من بني القين، عن ابن عمّ له أنه قال: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم» فذكره. وأخرجه سفيان بن عيينة، في تفسيره، وسعيد بن منصور، عن إسماعيل بن أبي خالد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المغضوب عليهم: اليهود، والضالون: النصارى " وأخرجه أحمد، وعبد بن حميد، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان في صحيحه عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
-9-

" إن المغضوب عليهم هم اليهود، وإن الضالين النصارى " وأخرج أحمد، وأبو داود، وابن حبان، والحاكم وصححه، والطبراني عن الشَّرِيدُ قال: «مرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا جالس هكذا، وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري، واتكأت على ألية يدي فقال: " أتقعُدُ قِعْدَة المغضوبِ عليهم؟ " قال ابن كثير بعد ذكره لحديث عدي بن حاتم: وقد روي حديث عدي هذا من طرق، وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها. انتهى.

والمصير إلى هذا التفسير النبويّ مُتَعَيَّن، وهو: الذي أطبق عليه أئمة التفسير من السلف. قال ابن أبي حاتم: لا أعلم خلافاً بين المفسرين في تفسير المغضوب عليهم باليهود، والضالين بالنصارى. ويشهد لهذا التفسير النبويّ آيات من القرآن، قال الله تعالى في خطابه لبني إسرائيل في سورة البقرة:

{ بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [البقرة2: 90]. وقال في المائدة:
{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } [المائدة5: 60]

وفي السيرة عن زيد بن عمرو بن نفيل: أنه لما خرج هو، وجماعة من أصحابه إلى الشام يطلبون الدين الحنيف قال اليهود: إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ نصيبك من غضب الله، فقال: أنا من غضب الله أفّر، وقالت له النصارى: إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من سخط الله، فقال لا أستطيعه، فاستمرّ على فطرته، وجانب عبادة الأوثان.


- فائدة في مشروعية التأمين بعد قراءة الفاتحة - اعلم أن السنة الصحيحة الصريحة الثابتة تواتراً، قد دلت على ذلك، فمن ذلك ما أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي عن وائل بن حُجر قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ { غير المغضوب عليهم، ولا الضالين } ، " فقال آمين مدّ بها صوته " ولأبي داود: «رفع بها صوته» وقد حسَّنه الترمذي. وأخرجه أيضاً النسائي، وابن أبي شيبة، وابن ماجه، والحاكم وصححه، وفي لفظ من حديثه أنه صلى الله عليه وسلم قال: " رب اغفر لي آمين " أخرجه الطبراني، والبيهقي. وفي لفظ أنه قال: " آمين ثلاث مرات " أخرجه الطبراني. وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة، عن أبي ميسرة قال: «لما أقرأ جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب فبلغ، ولا الضالين قال: «قل آمين، فقال آمين». وأخرج ابن ماجه عن عليّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال، " ولا الضالين قال آمين " وأخرج مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
-10-

" إذا قرأ " يعني الإمام { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } " فقولوا آمين يحبكم الله " وأخرج البخاري ومسلم، وأهل السنن، وأحمد، وابن أبي شيبة، وغيرهم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا، فإن من وافق تأمينهُ تأمين الملائكة غفِر له ما تقدم من ذنبه " ، وأخرج أحمد، وابن ماجه، والبيهقي بسند قال السيوطي: صحيح عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام، والتأمين " وأخرج ابن عدي من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن اليهود قوم حسد، حسدوكم على ثلاثة: إفشاء السلام، وإقامة الصف، وآمين " وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث معاذ مثله. وأخرج ابن ماجه بسند ضعيف عن ابن عباس قال: " ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على آمين، فأكثروا من قول آمين " ووجه ضعفه أن في إسناده طلحة بن عمرو، وهو: ضعيف. وأخرج الديلمي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ { بسم الله الرحمن الرحيم } ثم قرأ فاتحة الكتاب ثم قال آمين لم يَبْقَ مقّرَّبٌ ملك في السماء إلا استغفر له " وأخرج أبو داود عن بلال، أنه قال: «يا رسول الله لا تسبقني بآمين»،

ومعنى آمين: استجب. قال القرطبي في تفسيره: معنى آمين عند أكثر أهل العلم: اللهم استجب لنا، وضع موضع الدعاء. وقال في الصحاح معنى آمين كذلك فليكن.

وأخرج جُوَيبْر في تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس مثله. وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة في المصنف عن هلال بن يساف، ومجاهد قالا: آمين اسم من أسماء الله. وأخرج ابن أبي شيبة عن حكيم بن جبير مثله. وقال الترمذي: معناه لا تخيب رجاءنا.

وفيه لغتان، المد على وزن فاعيل كياسين. والقصر على وزن يمين، قال الشاعر في المدّ:

يَا رَبُّ لا تسلبني حُبَّها أبداًوَيَرَحمُ اللهُ عَبْداً قَالَ آمِينَاً


وقال آخر:

آمين آمين لا أرضىَ بِوَاحَِدةٍحَتَّى أبَلَّغها ألفَين آمِينَاً


قال الجوهري: وتشديد الميم خطأ. وروي عن الحسن، وجعفر الصادق، والحسين بن فضل التشديد، من أمّ إذا قصد: أي نحن قاصدون نحوك، حكى ذلك القرطبي. قال الجوهري: وهو مبني على الفتح مثل: أين، وكيف لاجتماع الساكنين، وتقول منه: أمَّن فلان تأميناً. وقد اختلف أهل العلم في الجهر بها، وفي أن الإمام يقولها أم لا؟ وذلك مبين في مواطنه.
-11-

admin 12-18-2010 09:49 PM

تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق
 
تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }


قوله عز وجل: { الحَمْدُ لِلِّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }.

أما { الحمد لله } فهو الثناء على المحمود بجميل صفاته وأفعاله، والشكرُ الثناء عليه بإنعامه، فكلُّ شكرٍ حمدٌ، وليسَ كلُّ حمدٍ شكراً، فهذا فرقُ ما بين الحمد والشكر، ولذلك جاز أن يَحْمِدَ الله تعالى نفسه، ولم يَجُزْ أن يشكرها.

فأما الفرق بين الحمد والمدح، فهو أن الحمد لا يستحق إلا على فعلٍ حسن، والمدح قد يكون على فعل وغير فعل، فكلُّ حمدٍ مدحٌ وليْسَ كل مدحٍ حمداً، ولهذا جاز أن يمدح الله تعالى على صفته، بأنه عالم قادر، ولم يجز أن يحمد به، لأن العلم والقدرة من صفات ذاته، لا من صفات أفعاله، ويجوز أن يمدح ويحمد على صفته، بأنه خالق رازق لأن الخلق والرزق من صفات فعله لا من صفات ذاته.

وأما قوله: { رب } فقد اختُلف في اشتقاقه على أربعة أقاويل:

أحدها: أنه مشتق من المالك، كما يقال رب الدار أي مالكها.

والثاني: أنه مشتق من السيد، لأن السيد يسمى ربّاً قال تعالى:


والقول الثالث: أن الرب المدَبِّر، ومنه قول الله عزَّ وجلَّ: { وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ } وهم العلماء، سموا ربَّانيِّين، لقيامهم بتدبير الناس بعلمهم، وقيل: ربَّهُ البيت، لأنها تدبره.

والقول الرابع: الرب مشتق من التربية، ومنه قوله تعالى:

{ وَرَبَآئِبُكُمُ اللاَّتِي في حُجُورِكُمْ } [النساء4: 23]

فسمي ولد الزوجة ربيبة، لتربية الزوج لها.


فعلى هذا، أن صفة الله تعالى بأنه رب، لأنه مالك أو سيد، فذلك صفة من صفات ذاته، وإن قيل لأنه مدبِّر لخلقه، ومُربِّيهم، فذلك صفة من صفات فعله، ومتى أدْخَلت عليه الألف واللام. اختص الله تعالى به، دون عباده، وإن حذفتا منه، صار مشتركاً بين الله وبين عباده.

وأما قوله: { العالمين } فهو جمع عَالم، لا واحد له من لفظه، مثل: رهط وقوم، وأهلُ كلِّ زمانٍ عَالَمٌ قال العجاج:


..................... فَخِنْدِفٌ هَامَةُ هَذَا الْعَالَمِ


واختُلِف في العالم، على ثلاثة أقاويل:

أحدها: أنّه ما يعقِل: من الملائكة، والإنس، والجنِّ، وهذا قول ابن عباس.

والثاني: أن العالم الدنيا وما فيها.

والثالث: أن العالم كل ما خلقه الله تعالى في الدنيا والآخرة، وهذا قول أبي إسحاق الزجَّاج.

واختلفوا في اشتقاقه على وجهين:

أحدهما: أنه مشتق من العلم، وهذا تأويل مَنْ جعل العالم اسماً لما يعقل.

والثاني: أنه مشتق من العلامة، لأنه دلالة على خالقه، وهذا تأويل مَنْ جعل العالم اسماً لكُلِّ مخلوقٍ.



admin 12-18-2010 09:51 PM

تفسير تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ) مصنف و مدقق
 
تفسير تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ) مصنف و مدقق

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


{ الْحَمْدُ } الثناء بجميل الصفات والأفعال والشكر والثناء بالإنعام، فالحمد أعم، الرب: المالك كرب الدار أو السيد، أو المدبر كربة البيت، الربانيون يدبرون الناس بعلمهم، أو المربى، ومنه الربيبة ابنة الزوجة، (العالمين) جمع عالم لا واحد له من لفظه، كرهط وقوم، أُخذ من العلم، فيعبر به عمن يعقل من الجن والإنس والملائكة، أو من العلامة، فيكون لكل مخلوق، أو هو الدنيا وما فيها، أو كل ذي روح من عاقل وبهيم، وأهل كل زمان عالم.


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 10:35 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.