عرض مشاركة واحدة
 
  #12  
قديم 12-26-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق 1-3

تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق 1-3



وقوله تعالَىٰ: { ٱهْدِنَا }: رغبة؛ لأنها من المربوب إلى الرب، وهكذا صيغ الأمر كلها، فإِذا كانت من الأعلى، فهي أَمْرٌ.

والهِدَايَةُ؛ في اللغة: الإرشادُ، لكنها تتصرف على وجوه يعبر عنها المفسِّرون بغير لفظ الإِرشاد وكلها إِذا تأملت راجِعةٌ إلى الإرشاد، فالهدى يجـيء بمعنى خَلْقِ الإيمان في القلب، ومنه قوله تعالَىٰ:

{ أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ } [البقرة2: 5] و
{ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [النور24: 46]، و
{ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [القصص28: 56]
{ فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ } [الأنعام6: 125] الآية،

قال أبو المعالي: فهذه الآيات لا يتجه جلها إلا على خلق الإيمان في القلب، وهو محض الإرشاد.


وقد جاء الهدى بمعنى الدعاء؛ كقوله تعالى:


وقد جاء الهُدَىٰ بمعنى الإِلهام؛ من ذلك قوله تعالىٰ:


قال المفسِّرون: ألهم الحيواناتِ كلَّها إِلى منافعها.

وقد جاء الهُدَىٰ بمعنى البيان؛ من ذلك قوله تعالى:

{ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَـٰهُمْ } [فصلت41: 17]

قال المفسِّرون: معناه: بيَّنَّا لهم.


قال أبو المعالي: معناه: دعوناهُمْ، وقوله تعالى:

{ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } [الليل92: 12]،

أي: علينا أنْ نبيِّن.


وفي هذا كله معنى الإِرشاد.

قال أبو المعالي: وقد ترد الهدايةُ، والمراد بها إِرشاد المؤمنين إِلى مسالك الجِنَانِ والطرقِ المفضيةِ إِلَيْهَا؛ كقوله تعالى في صفة المجاهدين:

{ فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرٰطِ ٱلْجَحِيمِ } [الصافات37: 23]،

معناه: فٱسلكوهم إِليها.


قال: * ع *: وهذه الهدايةُ بعينها هي التي تقال في طرق الدنيا، وهي ضدُّ الضلالِ، وهي الواقعة في قوله تعالَىٰ: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }؛ على صحيح التأويلات، وذلك بيِّن من لفظ «الصِّرَاط» والصراط؛ في اللغة: الطريقُ الواضِحُ؛ ومن ذلك قول جَرِيرٍ: (الوافر)

أَمِيرُ المُؤْمِنيِنَ عَلَىٰ صِرَاطٍإِذَا ٱعْوَجَّ المَوَارِدُ مُسْتَقِيمِ


واختلف المفسِّرون في المعنى الذي استعير له «الصِّراط» في هذا الموضع: فقال علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه: الصراط المستقيم هنا القرآنُ، وقال جابرٌ: هو الإِسلام، يعني الحنيفيَّة.

وقال محمَّد بن الحنفيَّة: هو دينُ اللَّه الذي لا يَقْبَلُ مِن العِبَادِ غيره.

وقال أبو العالية: هو رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وصاحباه أبو بَكْر وعمر، أي: الصراط المستقيم طريقُ محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، وهذا قويٌّ في المعنى، إلاَّ أنَّ تسمية أشخاصهم طريقاً فيه تجوُّز، ويجتمع من هذه الأقوال كلِّها أنَّ الدعوة هي أنْ يكون الداعي على سنن المنعم عليهم من النبيِّين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين في معتقداته، وفي التزامه لأحكام شرعه، وذلك هو مقتضى القرآن والإسلام؛ وهو حالُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وصاحبيه.

وهذا الدعاء إِنما أمر به المؤمنون، وعندهم المعتقدات، وعند كل واحد بعض الأعمال، فمعنى قوله: { ٱهْدِنَا } فيما هو حاصل عندهم: التثبيتُ والدوام، وفيما ليس بحاصل، إِما من جهة الجهل به، أو التقصير في المحافظة عليه: طلب الإِرشاد إِليه، فكلُّ داع به إنما يريد الصراط بكماله في أقواله، وأفعاله، ومعتقداته؛ واختلف في المشار إِليهم بأنه سبحانه أنعم عليهم، وقول ابن عبَّاس، وجمهور من المفسِّرين: أنه أراد صراط النبيِّين والصدِّيقين والشهداء والصالِحِين، وانتزعوا ذلك من قوله تعالَىٰ:
-1-

وقوله تعالَىٰ: { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّالِّينَ } ، اعلم أنَّ حكم كل مضافٍ إلى معرفة أنْ يكون معرفة، وإنما تنكَّرت «غَيْرٌ» و «مِثْلٌ» مع إضافتهما إلى المعارف من أجل معناهما، وذلك إِذا قلْتَ: رأيتُ غَيْرَكَ، فكلُّ شيء سوى المخاطَبِ، فهو غيره؛ وكذلك إِنْ قُلْتَ: رأيْتُ مثْلَكَ، فما هو مثله لا يحصى؛ لكثرة وجوه المماثلة.


و { ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ }: اليهودُ، والضالُّون: النصَارَىٰ؛ قاله ابن مسعود، وابن عَبَّاس، مجاهد، والسُّدِّيُّ، وابن زيد.

وروَىٰ ذلك عديُّ بن حاتم عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وذلك بيِّن من كتاب اللَّه؛ لأنَّ ذِكْرَ غضَبِ اللَّه على اليهود متكرِّر فيه؛ كقوله:

{ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } [آل عمران3: 112]
{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّنْ ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ ٱللَّهِ... } الآية [المائدة5: 60]


وغضب اللَّه تعالى، عبارة عن إظهاره عليهم محناً وعقوباتٍ وذِلَّةً، ونحو ذلك ممَّا يدلُّ على أنه قد أبعدهم عن رحمته بُعْداً مؤكَّداً مبالغاً فيه، والنصارَىٰ كان محقِّقوهم على شِرْعَةٍ قبل ورود شرعِ محمَّد صلى الله عليه وسلم، فلما ورد، ضلُّوا، وأما غير متحقِّقيهم، فضلالتهم متقرِّرة منذ تفرَّقت أقوالهم في عيسى عليه السلام، وقد قال اللَّه تعالَىٰ فيهم:

{ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَنْ سَوَاءِ ٱلسَّبِيلِ } [المائدة5: 77].


وأجمع الناسُ على أنَّ عدد آي سورة الحمد سبْعُ آيات؛ العالمين آية، الرحيم آية، الدين آية، نستعين آية، المستقيم آية، أنعمت عليهم آية، ولا الضالين آية، وقد ذكرنا عند تفسير { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }؛ أن ما ورد من خلاف في ذلك ضعيفٌ.

(القَوْلُ فِي «آمِينَ»)

رَوَىٰ أبو هريرة وغيره عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إِذَا قَالَ الإِمَامُ: { وَلاَ ٱلضَّالِّينَ }؛ فَقُولُوا «آمِينَ»، فَإنَّ المَلاَئِكَةَ فِي السَّماءِ تَقُولُ: «آميِنَ»، فَمَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلاَئِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ". * ت *: وخرج مسلم وأبو داود والنسائيُّ من طريق أبي موسَىٰ رضي اللَّه عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: " إِذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، ثُمَّ ليُؤمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَالَ: { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّالِّينَ } فَقُولُوا: «آمِينَ»، يُجِبْكُمُ اللَّهُ " الحديثَ. انتهى.

ومعنى «آمِينَ»؛ عند أكثر أهل العلم: اللَّهُمَّ، ٱسْتَجِبْ، أو أجبْ يَا رَبِّ.

ومقتضى الآثار أنَّ كل داع ينبغي له في آخر دعائه أنْ يقول: «آمِينَ»، وكذلك كل قارىء للحمدِ في غير صلاة، وأما في الصلاة، فيقولها المأموم والفَذُّ، وفي الإمام في الجهر اختلاف.
-2-

واختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: " فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلاَئِكَةِ " ، فقيل: في الإجابة، وقيل: في خلوص النية، وقيل: في الوقت، والذي يترجَّح أنَّ المعنى: فمن وافق في الوقْتِ مع خلوصِ النيةِ والإِقبالِ على الرغبة إِلى اللَّه بقلْبٍ سليمٍ فالإِجابة تتبع حينئذ؛ لأِنَّ من هذه حاله، فهو على الصراط المستقيم.

وفي «صحيح مُسْلِمٍ» وغيره عن أبي هريرة قال: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ؛ " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَنِصْفُهَا لِي، وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ العَبْدُ: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، قَالَ اللَّهُ؛ حَمِدَنِي عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ اللَّهُ: أَثْنَىٰ عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، فَإذَا قَالَ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: ٱهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ، قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ " انتهى، وعند مالك: «فَهَؤُلاَءِ لِعَبْدِي».

وأسند أبو بكر بن الخَطِيبِ عن نافعٍ عن ٱبْنِ عُمَرَ قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ " انتهى من «تَارِيخِ بَغْدَاد» ولم يذكر في سنده مَطْعَناً.

وقال ابن العربيِّ في «أحكامه»: والصحيحُ عندي وجوبُ قراءتها على المأمومِ فيما أسر فيه، وتحريمها فيما جهر فيه، إذا سمع الإِمام لِمَا عليه من وجوب الإِنصاتِ والاِستماعِ، فإِنْ بَعُدَ عن الإِمام، فهو بمنزلة صلاة السرِّ. انتهى.

نجز تفسير سورة الحَمْدِ، والحَمْدُ للَّه بجميع محامده كلِّها؛ ما علمْتُ منها، وما لم أَعْلَمْ.
-3-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس