عرض مشاركة واحدة
 
  #35  
قديم 08-04-2011
طالب عوض الله طالب عوض الله غير متواجد حالياً
عضو فعال
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 246
افتراضي رد: مجموعة طالب عوض الله ـ الجزء الثاني *

شراكة خطرة وصمت مريب:
الوليد بن طلال وميردوخ


في منتصف يوليو، أعلنت شبكة «بي سكاي بي» البريطانية (التي تملك شركة نيوز كورب 39% منها) أنها تجري محادثات مع مستثمر من أبو ظبي لإطلاق قناة إخبارية عربية تحت العلامة التجارية لـ«سكاي نيوز». وبحسب جريدة «ذا ناشينال» الأماراتية فإن هناك مستثمر سعودي يساند هذه القناة الجديدة. ولذلك، دفع هذا الخبر البعض الى التكهن بأنه لن يكون هناك قناتين بل واحدة. وكما يشرح الخبير الإعلامي كيش هايغي: «هل يمكن فعلا أن تكون هاتين القناتين واحدة ونفس الشيء؟ الأمير الوليد بن طلال أخبر قناة «بلومبرج» التلفزيونية في وقت سابق هذا العام انه يريد أن تستند قناته على نموذج عمل «سكاي نيوز» في الشرق الأوسط، وشبكة فوكس تعتبر عموما علامة لقناة ترفيهية، وليست علامة لقناة إخبارية ولهذه اللحظة، يبدو أن هناك مشروعين يحتمل أن يكونا متنافسين» ولكن لاعبين اثنين جديدين قد يمهدان الطريق لتوحيدهما ودمجهما نظرا لارتفاع تكاليف بث أخبار 24 ساعة.
وقال روب بينون المحلل الإعلامي المعروف في تصريح لجريدة «ذا ناشينال» الإماراتية: إن «إعلان سكاي نيوز السالف يرفع عدد قنوات الأخبار العربية الرئيسة إلى ما لا يقل عن أربعة ويمكن أن يكون هناك المزيد على الطريق. وهذا أكثر من طاقة سوق الأخبار في المنطقة (التي يمكن القنوات من العمل بدون أن تنهار) ولذلك نحن نتوقع أن يمهد هذا الطريق أمام توحيد ودمج بعضها». لكن ليس واضحا كيف سيتم تمويل القنوات الجديدة، فإطلاق قناة يتطلب عشرات الملايين من الدولارات. وعندما أطلقت حكومة الولايات المتحدة قناة الحرة في عام 2004، كانت الميزانية الأولية نحو 60 مليون دولار. وفي العام الماضي بلغت ميزانيتها 128 مليون دولار. وفي حالة قناة «الجزيرة»، التي كافحت من أجل النجاة لتدهور عائدات الإعلانات بسبب الضغط السعودي على المعلنين بعدم التعاون مع القناة. وهناك تقارير تفيد بأن الحكومة القطرية قد تضخ قريبا نحو 400 مليون دولار في ميزانية قناة الجزيرة لتواصل العمل بقوة خاصة بعد إطلاق قناة الوليد الجديدة لتكون الجزيرة في القمة بين المتنافسين على الفضاء الإخباري العربي، وبدون الإعتماد على الإعلانات. وكذلك تعتبر قناة «العربية» مشروعا مكلفا، مع اعتراف «إم بي سي» أنها تخسر منذ إطلاق قناة العربية، على الرغم من أن العربية تدعي جذبها إعلانات أكثر من الجزيرة بثمانية أضعاف.» وكما قال عبد الرحمن الراشد مدير قناة «العربية» لصحيفة فاينانشال تايمز: «إذا كنت تريد أن تعتمد قناة إخبارية على نفسها لتواصل العمل، فهذا يعني بالتأكيد أنها ستواجه صعوبات كبيرة في السوق». وأضاف الراشد: «اذا نظرتم الى قناة «العربية»، فإنها بدون دعم «إم بي سي» تعتبر خاسرة، وليس مجرد أية خسارة، بل يجب أن ننتظر 10 سنوات أخرى قبل أن تربح شيئا بنفسها».


صمت مريب للصحافة!!!
في حين أن إطلاق القناتين الجديدتين سوف يشعل – بدون شك- جدل كبير في المنطقة عندما تبدآن العمل حول توجهات تلك القناتين، فإن خبر شراء نيوز كورب حصص في روتانا، ومن ثم إعلان قرب إطلاق قناة إخبارية للأمير الوليد لم يثر رد فعل حسب ما يستحقه هذا الحدث الهام. تفاصيل الصفقة والقناة الجديدة نشرت في الصفحات «الإقتصادية» للصحف والمجلات والمواقع الإخبارية على الانترنت. وكما يقول الكاتب والمؤلف الفلسطيني الأمريكي الدكتور رمزي بارود «تعتبر روتانا، وفقا لمعايير العالم العربي، شركة إعلامية عملاقة، وعدم وجود أي محاولة لتحليل العلاقة بينها وبين إمبراطورية ميردوخ الإعلامية التي ألحقت بصورة العرب الكثير من الضرر وساهمت في تحريض وتشكيل رأي عام أمريكي مساند للحرب على أفغانستان والعراق، وما زالت تواصل نفس السياسة الإعلامية المناهضة للعرب حتى يومنا هذا، وهذا يدل بوضوح أن الصحفيين العرب خائفين من مجرد الخوض في هذا الموضوع».
ويضيف بارود: «وحتى هؤلاء الذين يملكون بعض الجرأة لنقد هذه الشراكة الخطرة قد لا يملكون حضورا قويا ولا مستوى من التغلغل والنفوذ لتوعية الناس عن خطورة دخول ميردوخ الفضاء العربي وتشكيل رأي عام مناهض لهذا الحدث الكارثي. ومن المدهش والمريب صمت حتى بعض وسائل الإعلام اليسارية والقومية. ولكن مرة أخرى، فإن كل هذا يوضح عدم وجود تقدير لدور وسائل الإعلام في صياغة وتكوين فكر المجتمع. ولو كانت هذه الشراكة حدثت في أجزاء أخرى كثيرة من العالم، فإنها ستصبح موضوعا رئيسا للمناقشة والجدل، كما كان الحال في الواقع كلما عملت «نيوز كورب» تحركات مماثلة سابقا». في الواقع، عندما اشترت «نيوز كورب» شركة «داو جونز»، صاحبة صحيفة «وول ستريت جورنال» في 2007، بدأ مدونون الكتابة على عجل وكذلك فعل كتاب الرأي للتحذير من خطورة ميردوخ على المهنية الإعلامية. ولكن عندما وصل الأمر إلى اتفاق شركة روتانا مع نيوز كورب مر الأمر بسلام كأنه لم يحدث ولم يعلن عنه وكأنه أمر ثانوي قليل الأهمية. وفيما عدا استثناءات محترمة وقليلة، فإن وسائل الاعلام العربية كانت هادئة بخصوص هذه الصفقة، على الرغم من انعكاساتها الخطيرة المحتملة على الإعلام في منطقة الشرق الأوسط.
ربما يعتقد الصحفيون أن القناة الاخبارية الجديدة لن يكون لها تأثير كبير عندما تنطلق نظرا للعدد الكبير من القنوات الفضائية التي تبث إرسالها بالفعل في المنطقة. ولكن ربما يحق لمراقب مثلي يعتقد أن في الشرق الأوسط تحديدا، بخلاف جميع الأماكن، كان من الواجب حدوث رد فعل أكثر من الصمت المريب لدخول إمبراطورية ميردوخ الإعلامية التي كان لها الدور الأبرز في قرع طبول الحرب لغزو أفغانستان والعراق أكثر من أية مؤسسة إعلامية أخرى، وعلاوة على ذلك، تؤيد الصهيونية بحماس بالغ. مثل هذه المعلومات المعروفة ليست عصية أو مجهولة على الصحف المستقلة اليسارية اللبنانية مثل «السفير». ففي تعليق هام على الصفقة للكاتب السياسي اللبناني البارز «ساطع نور الدين» جادل نور الدين بأن الامير الوليد بن طلال «لن يكون قادرا على مواجهة ومقاومة أيديولوجية «نيوز كورب» الشهيرة والعتيدة إذا كان يقول بنفسه إن وسائل الإعلام الأمريكية والغربية ككل ضد العرب، وضد المسلمين، ومؤيدة لإسرائيل». ولذلك، هذا التعاون مع نيوز كورب لا يخدم الجهود المبذولة لتحريك المجتمع السعودي والمجتمعات العربية والخليج بصفة عامة نحو جو من الليبرالية، ولكنه بدلا من ذلك قد يدفع بالمزيد منهم إلى أحضان أسامة بن لادن».
الصمت الإعلامي في المنطقة يعكس في العديد من الطرق مسار إعلام الشرق الأوسط منذ نشأته: من طابع قومي عروبي في النصف الأول من القرن العشرين في تناغم مع عالم «ما بعد الاستعمار»، إلى طابع حكومي يخدم مصالح الدولة والنخبة الحزبية في حالات بلدان مثل لبنان. ثم جاءت وسائل الإعلام الخاصة والتجارية في التسعينيات مع ظهور الفضائيات والكابلات، مثل شبكة «إم بي سي» السعودية، وشبكة «آي آر تي» التي يملكها السعودي صالح عبد الله كامل، وشبكة «أوربت»، وهي عضو في مجموعة موارد السعودية والتي اندمجت مؤخرا مع شبكة «شو تايم» الكويتية. وبينما وسائل الاعلام الغربية أصبحت تندمج بصورة متزايدة لكي يصبح هناك لاعبين كبار قليلين، فإن الهيئات الإعلامية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط كانت منذ وقت طويل محتكرة عند قلة معظمها سعودية وتربطها علاقات وثيقة مع العائلة الحاكمة، والتي لها مصلحة في الحفاظ على واستمرارية الوضع الراهن. على سبيل المثال، الأمير الوليد بن طلال يسيطر على حصة في «إل بي سي-سات» كما سلف، ويملك حصصا في صحف لبنانية كالنهار والديار، في حين أن الأمير خالد بن سلطان هو أيضا مساهم في «إل بي سي» وصاحب جريدة «الحياة» العربية الدولية. مثل هذا الوضع من توحيد ملكية وسائل الاعلام يعني دائما أن الصحفيين والمحررين لا يستطيعون أن يكتبوا بصراحة غير مألوفة حتى لا تتعرض فرص عملهم للخطر في المستقبل لو نقدوا تلك الصفقة.
ويؤكد بارود إن «تحالف وسائل الإعلام والإستحواذ عليها بالشراء واندماجها نما بسرعة حتى أصبح الطريقة المعتادة لعمل وسائل الإعلام العالمية اليوم، وهذا تطور خطير في حد ذاته لأنه يحد من تنوع الآراء، والديمقراطية - أو الديمقراطية المحتملة - وحرية التعبير» ويضيف بارود: «ومع ذلك، في حالة تحالف روتانا ونيوز كورب، فإن حجم الضرر أسوأ من ذلك بكثير، وأشد إلحاحا للنقاش والنقد. فالعالم العربي لم يفطن حتى الآن بالصورة المطلوبة ليحس بمدى هذه المشكلة الخطرة. إنه أمر مؤسف جدا. نيوز كورب التابعة لروبرت ميردوخ أكثر من شركة إعلامية تركز على الربح فقط. فهي تتميز عن غيرها بأجندة وأيديولوجية واضحة لا يمكن حجبها. وبإتاحة هذه الفرصة لها تحت ستار نقل التكنولوجيا، أو أي عذر كان، فإن روتانا تكون قد أدخلت لاعبا جديدا وخطيرا إلى فضاء الإعلام العربي، الذي تفتقر قنواته بالفعل إلى هوية أصيلة ولا يمكنها الوقوف في وجه عملاق عالمي مثل نيوز كورب، وهذا الأخير لا يتوقف عند حدود 9% من أسهم أي هيئة إعلامية يرتبط بها، لأن نموذجها المسيطر يعتمد على التوسع المستمر والسريع. ومن الصعب تخيل بزوغ أي سيناريو جيد نتيجة تحالف روتانا مع نيوز كورب» انتهى كلام بارود.
في الواقع، أشار الأمير الوليد بن طلال في بيانه الأولي عن هذا التحالف أن دوافع شراء نيوز كورب حصص في روتانا له حافز أكبر من مجرد الأرباح فقط. الأمير قال: «هذه الصفقة مع «نيوز كورب» قيّمت روتانا بمبلغ أكثر من 800 مليون دولار. ولكن الصفقة هي أكثر بكثير من مجرد تمويل إضافي لروتانا، لأن روتانا لا تحتاج إلى تمويل، ولها ديون تقارب الصفر». وأكد ميردوخ تصريح الأمير الوليد بن طلال عندما كان يتحدث في مؤتمر القمة الإعلامية في أبو ظبي: «لكي أكون صريحا، روتانا لا تحتاج حقا تمويلنا. نحن نتشارك مع روتانا لأجل شيء أكثر طموحا: الاستفادة من المواهب العربية لكي نقدم منتوجات عربية مبتكرة للأسواق هنا وفي الخارج». الصفقة مع روتانا تسمح لـ «نيوز كورب» رفع حصتها بعد 18 شهرا إلى 18.8% أي ما يعادل 70 مليون دولار إضافية.
هناك الكثير من الأسئلة لا تزال إجاباتها غامضة حول دخول «نيوز كورب» إلى المشهد الإعلامي في المنطقة وكيفية عمل القنوات الإخبارية القادمة. هناك بالفعل حديث أن مشروعات الأمير الوليد بن طلال سوف تسعى لاستمالة بعض المذيعين وكبار مقدمي الأخبار من قناة «الجزيرة» وقناة «العربية»، في حين أن قناة الجزيرة قد أشارت إلى أن الشبكة سوف تزيد في ميزانيتها لتكون أكثر من مستعدة للمنافسين الجديدين القادمين. وبالطبع قد يكون ظهور قناتين جديدتين مفيدا للحريات الإعلامية في المنطقة، مما يجعل من الصعب على الحكومات السيطرة على أربع قنوات فقط بدلا من قناة الجزيرة وقناة العربية. ولكن رغم ذلك، قد لا يحدث أي فارق بالنظر إلى أصل وملكية تلك القنوات. ويمكن استخدام القنوات كأدوات لتأجيج التوتر بين دول الخليج — وأفضل دليل المشاحنات السابقة بين السعودية وقطر على قناة الجزيرة وقناة العربية — وعلى نطاق أوسع حول قضايا جيوسياسية، مثل ايران والعراق واليمن. ولكن السؤال الأهم من ذلك: «هل ستتمكن هذه القنوات الجديدة من تقديم تغطية “موضوعية” لأخبار الدول التي توجد فيها مقراتها؟»
لقد تم حظر كل من قناة الجزيرة وقناة العربية في بعض البلدان لتقديمها حقائق غير مريحة للبعض. ولكنهما لا تطبقان نفس المعايير المهنية عند تغطية بلديهما. ولكن معرفة الأخبار المقبولة من غير المقبولة يعتبر مساومة مهنية تتقنها “نيوز كورب” بعدما نجحت في إبرام صفقة سحرية مع الرقابة الصينية لتمنح شبكته «ستار تي في» حق البث بدون مضايقات في أكبر دولة في العالم رغم وجود قانون يمنع بث قنوات غير حكومية، (ولكن ميردوخ حاورهم واستجاب لأهم تحفظ لديهم وحذف قناة «بي بي سي» من شبكته حتى لا تزعجهم مستقبلا). وعلاوة على ذلك، ميردوخ والوليد بن طلال رجلين قويين ومؤثرين، ويمكنهما مواجهة السلطة ولكن في كثير من الأحيان يفضلان التصالح معها وتشكيل خطابها. ميردوخ على أية حال كان لديه – كما قال- خط ساخن مباشر مع رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير خلال الفترة التي قضاها في منصبه، وتحدثا معا ثلاث مرات في تسعة أيام في الفترة التي سبقت غزو العراق. في نهاية المطاف، ربما من السابق لأوانه التنبؤ بدقة بماهية هذين المشروعين الجديدين. ولكن المؤكد أن الإحتكار الثنائي لقناتي العربية والجزيرة لأخبار المنطقة سوف يهتز بقوة قريبا.
________________
بول كوكرين: كاتب بريطاني مستقل مقيم في بيروت منذ عام 2002. يحمل بكالوريوس وماجستير في تاريخ الشرق الأوسط. يكتب بانتظام في صحف عربية وغربية عن الثقافة والسياسة والإعلام والأعمال. يساهم في تحرير فصلية «آرب ميديا آند سوسيتي» (الإعلام والمجتمع العربي) التي نشرت هذا المقال الرائع على موقعها في النت (العدد 11، صيف 2010).
منقول : مجلة الزيتونة
المصدر: مجلة الكلمة
__________________
[
رد مع اقتباس