عرض مشاركة واحدة
 
  #2  
قديم 12-02-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق 1-6

تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق 1-6
وقوله: { صِرَاطَ الذينَ أنْعَمْتَ عَلَـيْهِمْ } إبـانة عن الصراط الـمستقـيـم أيّ الصراط هو، إذ كان كل طريق من طرق الـحقّ صراطاً مستقـيـماً، فقـيـل لـمـحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد: اهدنا يا ربنا الصراط الـمستقـيـم، صراط الذين أنعمت علـيهم، بطاعتك وعبـادتك من ملائكتك، وأنبـيائك، والصديقـين، والشهداء، والصالـحين. وذلك نظير ما قال ربنا جل ثناؤه فـي تنزيـله:

{ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكان خَيْراً لَهُمْ وأشَدَّ تَثْبِـيتاً * وإذا لآتَـيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أجْراً عَظِيـماً * ولَهَدَيْناهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِـيـماً * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَـاولَئِكَ مَعَ الذَّينَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَـيْهِمْ مِنَ النَّبِـيِّـينَ وَالصّدّيقِـينَ والشهَدَاءِ وَالصالِـحِينَ} (النساء4: 66-69)

قال أبو جعفر: فـالذي أمر مـحمد صلى الله عليه وسلم وأمته أن يسألوه ربهم من الهداية للطريق الـمستقـيـم، هي الهداية للطريق الذي وصف الله جل ثناؤه صفته. وذلك الطريق هو طريق الذين وصفهم الله بـما وصفهم به فـي تنزيـله، ووعد من سَلَكه فـاستقام فـيه طائعاً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، أن يورده مواردهم، والله لا يخـلف الـميعاد. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك رُوي الـخبر عن ابن عبـاس وغيره.


حدثنا مـحمد بن العلاء، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمار، قال: حدثنا أبو روق، عن الضحاك، عن ابن عبـاس: { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمَتَ عَلَـيْهِمْ } يقول: طريق من أنعمت علـيـم بطاعتك وعبـادتك من الـملائكة والنبـيـين والصديقـين والشهداء والصالـحين، الذين أطاعوك وعبدوك.

وحدثنـي أحمد بن حازم الغفـاري، قال: أخبرنا عبـيد الله بن موسى، عن أبـي جعفر عن ربـيع: { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَـيْهِمْ } قال: النبـيون.

وحدثنـي القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس: { أنْعَمْتَ عَلَـيْهِمْ } قال: الـمؤمنـين.

وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: قال وكيع { أنْعَمْتَ عَلَـيْهِمْ }: الـمسلـمين.

وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عبد الرحمن بن زيد فـي قول الله: { صِرَاطَ الذِينَ أنْعَمْتَ عَلَـيْهِمْ } قال: النبـي صلى الله عليه وسلم ومن معه.

قال أبو جعفر: وفـي هذه الآية دلـيـل واضح علـى أن طاعة الله جل ثناؤه لا ينالها الـمطيعون إلا بإنعام الله بها علـيهم وتوفـيقه إياهم لها. أوَ لا يسمعونه يقول: { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَـيْهِمْ } فأضاف كل ما كان منهم من اهتداء وطاعة وعبـادة إلـى أنه إنعام منه علـيهم؟

فإن قال قائل: وأين تـمام هذا الـخبر، وقد علـمت أن قول القائل لآخر: أنعمت علـيك، مقتض الـخبر عما أنعم به علـيه، فأين ذلك الـخبر فـي قوله: { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَـيْهِمْ } وما تلك النعمة التـي أنعمها علـيهم؟ قـيـل له: قد قدمنا البـيان فـيـما مضى من كتابنا هذا عن اجتزاء العرب فـي منطقها ببعض من بعض إذا كان البعض الظاهر دالاًّ علـى البعض البـاطن وكافـياً منه، فقوله: { صِرَاطَ الَّذِينَ أنْعَمْتَ عَلَـيْهِمْ } من ذلك لأن أمر الله جل ثناؤه عبـاده بـمسألته الـمعونة وطلبهم منه الهداية للصراط الـمستقـيـم لـما كان متقدماً قوله: { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَـيْهِمْ } الذي هو إبـانة عن الصراط الـمستقـيـم، وإبدالٌ منه، كان معلوماً أن النعمة التـي أنعم الله بها علـى من أمرنا بـمسألته الهداية لطريقهم هو الـمنهاج القويـم والصراط الـمستقـيـم الذي قد قدمنا البـيان عن تأويـله آنفـاً، فكان ظاهر ما ظهر من ذلك مع قرب تـجاور الكلـمتـين مغنـياً عن تكراره كما قال نابغة بنـي ذبـيان:
-1-

كأنكَ منْ جِمالِ بَنـي أُقَـيْشٍيُقْعْقَعُ خَـلْفَ رِجْلَـيْهِ بِشَنِّ


يريد كأنك من جمال بنـي أقـيش جمل يقعقع خـلف رجلـيه بشنّ، فـاكتفـى بـما ظهر من ذكر الـجمال الدال علـى الـمـحذوف من إظهار ما حذف. وكما قال الفرزدق بن غالب:

تَرَى أرْبـاقَهُمْ مُتَقَلِّدِيهاإذَا صَدِىءَ الـحَديدُ علـى الكُماةِ


يريد: متقلديها هم، فحذف «هم» إذ كان الظاهر من قوله: «أربـاقهم» دالاًّ علـيها.

والشواهد علـى ذلك من شعر العرب وكلامها أكثر من أن تـحصى، فكذلك ذلك فـي قوله: { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَـيْهِمْ }.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { غَيْرِ الـمَغْضُوبِ عَلَـيْهِمْ }.

قال أبو جعفر: والقراء مـجمعة علـى قراءة «غير» بجرّ الراء منها. والـخفض يأتـيها من وجهين: أحدهما أن يكون غير صفة للذين ونعتا لهم فتـخفضها، إذ كان «الذين» خفضاً وهي لهم نعت وصفة وإنـما جاز أن يكون «غير» نعتا «للذين»، و«الذين» معرفة وغير نكرة لأن «الذين» بصلتها لـيست بـالـمعرفة الـمؤقتة كالأسماء التـي هي أمارات بـين الناس، مثل: زيد وعمرو، وما أشبه ذلك وإنـما هي كالنكرات الـمـجهولات، مثل: الرجل والبعير، وما أشبه ذلك فلما كان «الذين» كذلك صفتها، وكانت غير مضافة إلـى مـجهول من الأسماء نظير «الذين» فـي أنه معرفة غير مؤقتة كما «الذين» معرفة غير مؤقتة، جاز من أجل ذلك أن يكون: { غير الـمَغْضُوبِ عَلَـيْهِمْ } نعتاً لـ { الذين أنعمت علـيهم } كما يقال: لا أجلس إلا إلـى العالـم غير الـجاهل، يراد: لا أجلس إلا إلـى من يعلـم، لا إلـى من يجهل. ولو كان الذين أنعمت علـيهم معرفة مؤقتة كان غير جائز أن يكون { غيرِ الـمَغْضُوبِ عَلَـيْهِمْ } لها نعتاً، وذلك أنه خطأ فـي كلام العرب إذا وصفت معرفة مؤقتة بنكرة أن تلزم نعتها النكرة إعراب الـمعرفة الـمنعوت بها، إلا علـى نـية تكرير ما أعرب الـمنعوت بها. خطأٌ فـي كلامهم أن يقال: مررت بعبد الله غير العالـم، فتـخفض «غير» إلا علـى نـية تكرير البـاء التـي أعربت عبد الله، فكان معنى ذلك لو قـيـل كذلك: مررت بعبد الله، مررت بغير العالـم. فهذا أحد وجهي الـخفض فـي: { غيرَ الـمَغْضُوبِ عَلَـيْهِمْ }.

والوجه الآخر من وجهي الـخفض فـيها أن يكون «الذين» بـمعنى الـمعرفة الـمؤقتة.
-2-

وإذا وجه إلـى ذلك، كانت غير مخفوضة بنـية تكرير الصراط الذي خفض الذين علـيها، فكأنك قلت: صراط الذين أنعمت علـيهم صراط غير الـمغضوب علـيهم.

وهذان التأويلان فـي غير الـمغضوب علـيهم، وإن اختلفـا بـاختلاف معربـيهما، فإنهما يتقارب معناهما من أجل أن من أنعم الله علـيه فهداه لدينه الـحق فقد سلـم من غضب ربه ونـجا من الضلال فـي دينه، فسواءٌ إذ كان سامع قوله: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الـمُسْتَقِـيـمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَـيْهِمْ } غير جائز أن يرتاب مع سماعه ذلك من تالـيه فـي أن الذين أنعم الله علـيهم بـالهداية للصراط، غير غاضب ربهم علـيهم مع النعمة التـي قد عظمت منته بها علـيهم فـي دينهم، ولا أن يكونوا ضلالاً وقد هداهم للـحق ربهم، إذْ كان مستـحيلاً فـي فطرهم اجتـماع الرضا من الله جل ثناؤه عن شخص والغضب علـيه فـي حال واحدة واجتـماع الهدى والضلال له فـي وقت واحد وُصِف القوم مع وصف الله إياهم بـما وصفهم به من توفـيقه إياهم وهدايته لهم وإنعامه علـيهم بـما أنعم الله به علـيهم فـي دينهم بأنهم غير مغضوب علـيهم ولا هم ضالون، أم لـم يوصفوا بذلك لأن الصفة الظاهرة التـي وصفوا بها قد أنبأت عنهم أنهم كذلك وإن لـم يصرّح وصفهم به. هذا إذا وجهنا «غير» إلـى أنها مخفوضة علـى نـية تكرير الصراط الـخافض الذين، ولـم نـجعل غير الـمغضوب علـيهم ولا الضالـين من صفة الذين أنعمت علـيهم بل إذا جعلناهم غيرهم وإن كان الفريقان لا شك مُنْعَماً علـيهما فـي أديانهما. فأما إذا وجهنا: { غيرِ الـمَغْضُوبِ عَلَـيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّـينَ } إلـى أنها من نعت الذين أنعمت علـيهم فلا حاجة بسامعه إلا الاستدلال، إذْ كان الصريح من معناه قد أغنى عن الدلـيـل، وقد يجوز نصب «غير» فـي غير الـمغضوب علـيهم وإن كنت للقراءة بها كارهاً لشذوذها عن قراءة القراء. وإن ما شذّ من القراءات عما جاءت به الأمة نقلاً ظاهراً مستفـيضاً، فرأي للـحق مخالف وعن سبـيـل الله وسبـيـل رسوله صلى الله عليه وسلم وسبـيـل الـمسلـمين متـجانف، وإن كان له لو كانت القراءة جائزة به فـي الصواب مخرج.

وتأويـل وجه صوابه إذا نصبتَ: أن يوجه إلـى أن يكون صفة للهاء والـميـم اللتـين فـي «علـيهم» العائدة علـى «الذين»، لأنها وإن كانت مخفوضة ب«علـى»، فهي فـي مـحل نصب بقوله: «أنعمت». فكأن تأويـل الكلام إذا نصبت «غير» التـي مع «الـمغضوب علـيهم»: صراط الذين هديتهم إنعاما منك علـيهم غير مغضوب علـيهم، أي لا مغضوبـاً علـيهم ولا ضالـين. فـيكون النصب فـي ذلك حينئذٍ كالنصب فـي «غير» فـي قولك: مررت بعبد الله غير الكريـم ولا الرشيد، فتقطع غير الكريـم من عبد الله، إذ كان عبد الله معرفة مؤقتة وغير الكريـم نكرة مـجهولة.
-3-

وقد كان بعض نـحويـي البصريـين يزعم أن قراءة من نصب «غير» فـي غير الـمغضوب علـيهم علـى وجه استثناء غير الـمغضوب علـيهم من معانـي صفة الذين أنعمت علـيهم، كأنه كان يرى أن معنى الذين قرءوا ذلك نصبـاً: اهدنا الصراط الـمستقـيـم صراط الذين أنعمت علـيهم إلا الـمغضوب علـيهم الذين لـم تنعم علـيهم فـي أديانهم ولـم تهدهم للـحق، فلا تـجعلنا منهم كما قال نابغة بنـي ذبـيان:

وَقَـفْتُ فـيها أُصَيْلالاً أُسائلُهاأعْيَتْ جَوَابـاً وَما بـالرَّبْع منْ أحَدِ
إِلاَّ أَوَارِيَّ لأيامَاً أُبَـيِّنُهاوالنُّؤيُ كالـحَوْضِ بـالـمَظْلُومَةِ الـجَلَدِ


وأَلاواري معلوم أنها لـيست من عداد أحد فـي شيء. فكذلك عنده استثنى { غير الـمغضوب علـيهم } من { الذين أنعمت علـيهم } ، وإن لـم يكونوا من معانـيهم فـي الدين فـي شيء.

وأما نـحويو الكوفـيـين فأنكروا هذا التأويـل واستـخطئوه، وزعموا أن ذلك لو كان كما قاله الزاعم من أهل البصرة لكان خطأ أن يقال: { ولا الضالـين } لأن «لا» نفـي وجحد، ولا يعطف بجحد إلا علـى جحد وقالوا: لـم نـجد فـي شيء من كلام العرب استثناء يعطف علـيه بجحد، وإنـما وجدناهم يعطفون علـى الاستثناء بـالاستثناء، وبـالـجحد علـى الـجحد فـيقولون فـي الاسثتناء: قام القوم إلا أخاك وإلا أبـاك وفـي الـجحد: ما قام أخوك، ولا أبوك وأما قام القوم إلا أبـاك ولا أخاك، فلـم نـجده فـي كلام العرب قالوا: فلـما كان ذلك معدوماً فـي كلام العرب وكان القرآن بأفصح لسان العرب نزوله، علـمنا إذ كان قوله: { ولا الضالـين } معطوفـاً علـى قوله: { غير الـمغضوب } علـيهم أن «غير» بـمعنى الـجحد لا بـمعنى الاستثناء، وأن تأويـل من وجهها إلـى الاستثناء خطأ. فهذه أوجه تأويـل غير الـمغضوب علـيهم. بـاختلاف أوجه إعراب ذلك.

وإنـما اعترضنا بـما اعترضْنا فـي ذلك من بـيان وجوه إعرابه، وإن كان قصدنا فـي هذا الكتاب الكشف عن تأويـل آي القرآن، لـما فـي اختلاف وجوه إعراب ذلك من اختلاف وجوه تأويـله، فـاضطرّتنا الـحاجة إلـى كشف وجوه إعرابه، لتنكشف لطالب تأويـله وجوه تأويـله علـى قدر اختلاف الـمختلفة فـي تأويـله وقراءته.

والصواب من القول فـي تأويـله وقراءته عندنا القول الأول، وهو قراءة: { غيرِ الـمَغْضُوبِ عَلَـيْهِمْ } بخفض الراء من «غير» بتأويـل أنها صفة للذين أنعمت علـيهم ونعت لهم لـما قد قدمنا من البـيان إن شئت، وإن شئت فبتأويـل تكرار «صراط» كل ذلك صواب حسن.

فإن قال لنا قائل: فمن هؤلاء الـمغضوب علـيهم الذين أمرنا الله جل ثناؤه بـمسألته أن لا يجعلنا منهم؟ قـيـل: هم الذين وصفهم الله جل ثناؤه فـي تنزيـله فقال:

{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرّ مِنْ ذلكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعنَهُ اللَّهُ وغَضِبَ عَلَـيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمْ القِرَدَةَ والـخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكاناً وأضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِـيـلِ } (المائدة5: 60)

فأعلـمنا جل ذكره بـمنه ما أحلّ بهم من عقوبته بـمعصيتهم إياه، ثم علـمنا، مِنَّةً منه علـينا، وجه السبـيـل إلـى النـجاة، من أن يحل بنا مثل الذي حلّ بهم من الـمَثُلات، ورأفة منه بنا.

-4-

فإن قال: وما الدلـيـل علـى أنهم أولاء الذين وصفهم الله وذكر نبأهم فـي تنزيـله علـى ما وصفت قـيـل:

حدثنـي أحمد بن الولـيد الرملـي، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الرقـي، قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن الشعبـي، عن عديّ بن حاتـم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " الـمَغْضُوبُ عَلَـيْهِمْ: الـيَهُودُ " " وحدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة عن سماك بن حرب، قال: سمعت عبـاد بن حبـيش يحدّث عن عديّ بن حاتـم قال: قال لـي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " إنَّ الـمَغْضُوبَ عَلَـيْهِمْ: الـيَهُودُ " " وحدثنـي علـيّ بن الـحسن، قال: حدثنا مسلـم بن عبد الرحمن، قال: حدثنا مـحمد بن مصعب، عن حماد بن سلـمة، عن سماك بن حرب، عن مُرِّي بن قَطَري، عن عدي بن حاتـم قال: سألت النبـي صلى الله عليه وسلم عن قول الله جل وعز: { غيرِ الـمَغْضُوبِ عَلَـيْهِمْ } قال: " " هُمُ الـيَهُودُ " " وحدثنا حميد بن مسعدة الشامي، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، قال: حدثنا الـجريري عن عبد الله بن شقـيق: أن رجلاً أتـى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مـحاصرٌ وادي القرى فقال: من هؤلاء الذين تـحاصر يا رسول الله؟ قال: " " هَولاءِ الـمَغْضُوبِ عَلَـيْهِمْ: الـيَهُودُ " " وحدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن سعيد الـجريري، عن عروة، عن عبد الله بن شقـيق، أن رجلاً أتـى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نـحوه.

وحدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أنبأنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن بديـل العقـيـلـي، قال: أخبرنـي عبد الله بن شقـيق أنه أخبره من سمع النبـي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى وهو علـى فرسه وسأله رجل من بنـي القـين، فقال: يا رسول الله من هؤلاء؟ قال: " " الـمَغْضُوبُ عَلَـيْهِمْ " " وأشار إلـى الـيهود.

وحدثنا القاسم بن الـحسن، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا خالد الواسطي، عن خالد الـحذاء، عن عبد الله بن شقـيق، أن رجلاً سأل النبـي صلى الله عليه وسلم، فذكر نـحوه.

وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمار، قال: حدثنا أبو روق عن الضحاك، عن ابن عبـاس: { غيرِ الـمَغُضُوبِ عَلَـيْهِمْ } يعنـي الـيهود الذين غضب الله علـيهم.

وحدثنـي موسى بن هارون الهمدانـي، قال: حدثنا عمرو بن طلـحة، قال: حدثنا أسبـاط بن نصر، عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس، وعن مرة الهمدانـي، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم: { غيرِ الـمَغْضُوبِ عَلَـيْهِمْ } هم الـيهود.
-5-

وحدثنا ابن حميد الرازي، قال: حدثنا مهران، عن سفـيان، عن مـجاهد، قال: { غيرِ الـمَغْضُوبِ عَلَـيْهِمْ } قال: هم الـيهود.

حدثنا أحمد بن حازم الغفـاري، قال: حدثنا عبد الله، عن أبـي جعفر، عن ربـيع: { غيرِ الـمَغْضُوبِ عَلَـيْهِمْ } قال: الـيهود.

وحدثنا القاسم قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس: { غيرٍ الـمَغْضُوبِ عَلَـيْهِمْ } قال: الـيهود.

وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب. قال: قال ابن زيد: { غير الـمَغْضُوبِ عَلَـيْهِمْ } الـيهود.

وحدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثنـي ابن زيد، عن أبـيه، قال: { الـمَغْضُوبِ عَلَـيْهِمْ } الـيهود.

قال أبو جعفر: واختلف فـي صفة الغضب من الله جل ذكره فقال بعضهم: غضب الله علـى من غضب علـيه من خـلقه إحلالُ عقوبته بـمن غضب علـيه، إما فـي دنـياه، وإما فـي آخرته، كما وصف به نفسه جل ذكره فـي كتابه فقال:

{ قُلْ هَلْ أُنَبئُكُمْ بشَرّ منْ ذلكَ مَثُوبَةً عنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وغَضِبَ عَلَـيْهِ وَجَعَلَ منهُمُ القِرَدَةَ والـخَنازِيرَ } (المائدة5: 60)

وقال بعضهم: غضب الله علـى من غضب علـيه من عبـاده ذمّ منه لهم ولأفعالهم، وشتـم منه لهم بـالقول. وقال بعضهم: الغضب منه معنى مفهوم، كالذي يعرف من معانـي الغضب. غير أنه وإن كان كذلك من جهة الإثبـات، فمخالف معناه منه معنى ما يكون من غضب الآدميـين الذين يزعجهم ويحركهم ويشقّ علـيهم ويؤذيهم لأن الله جل ثناؤه لا تـحل ذاته الآفـات، ولكنه له صفة كما العلـم له صفة، والقدرة له صفة علـى ما يعقل من جهة الإثبـات، وإن خالفت معانـي ذلك معانـي علوم العبـاد التـي هي معارف القلوب وقواهم التـي توجد مع وجود الأفعال وتُعدم مع عدمها.


القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَلا الضَّالِـينَ }.

قال أبو جعفر: كان بعض أهل البصرة يزعم أن «لا» مع «الضالـين» أدخـلت تتـميـماً للكلام والـمعنى إلغاؤها، ويستشهد علـى قـيـله ذلك ببـيت العجاج:

فـي بِئْرٍ لا حُورٍ سَرَى وَما شَعَرْ


ويتأوله بـمعنى: فـي بئر حُورٍ سَرَى، أي فـي بئر هلكة، وأنّ «لا» بـمعنى الإلغاء والصلة. ويعتل أيضاً لذلك يقول أبـي النـجم:

فَمَا ألُوم البِـيضَ أنْ لا تَسْخَرَالَـمَّا رأيْنَ الشَّمَطَ القَـفَنْدَرَا


وهو يريد: فما ألوم البـيض أن تسخر. وبقول الأحوص:

ويَـلْـحَيْنَنِـي فـي اللَّهْوِ أنْ لا أحِبَّهُولَلَّهْوِ داعٍ دائِبٌ غَيْرُ غَافِلِ


يريد: ويـلـحينَنـي فـي اللهو أن أحبه. وبقوله تعالـى: ما مَنَعَكَ أنْ لا تَسْجُدَ يريد أن تسجد. وحكي عن قائل هذه الـمقالة أنه كان يتأول «غير» التـي «مع الـمغضوب علـيهم» أنها بـمعنى «سوى»، فكأن معنى الكلام كان عنده: اهدنا الصراط الـمستقـيـم صراط الذين أنعمت علـيهم الذين هم سوى الـمغضوب علـيهم والضالـين.
-6-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس