عرض مشاركة واحدة
 
  #3  
قديم 12-02-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق 7-12

تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق 7-12

وكان بعض نـحويـي الكوفة يستنكر ذلك من قوله، ويزعم أن «غير» التـي «مع الـمغضوب علـيهم» لو كانت بـمعنى «سوى» لكان خطأ أن يعطف علـيها ب«لا»، إذ كانت «لا» لا يعطف بها إلا علـى جحد قد تقدمها، كما كان خطأ قول القائل: عندي سوى أخيك، ولا أبـيك لأن «سوى» لـيست من حروف النفـي والـجحود ويقول: لـما كان ذلك خطأ فـي كلام العرب، وكان القرآن بأفصح اللغات من لغات العرب، كان معلوما أن الذي زعمه القائل أن «غير مع الـمغضوب» علـيهم بـمعنى: «سوى الـمغضوب علـيهم» خطأ، إذ كان قد كرّ علـيه الكلام ب«لا». وكان يزعم أن «غير» هنالك إنـما هي بـمعنى الـجحد، إذ كان صحيحاً فـي كلام العرب وفـاشياً ظاهراً فـي منطقها توجيه «غير» إلـى معنى النفـي ومستعملاً فـيهم: أخوك غير مـحسن ولا مـجمل، يراد بذلك أخوك لا مـحسن، ولا مـجمل، ويستنكر أن تأتـي «لا» بـمعنى الـحذف فـي الكلام مبتدأً ولـمّا يتقدمها جحد، ويقول: لو جاز مـجيئها بـمعنى الـحذف مبتدأ قبل دلالة تدل علـى ذلك من جحد سابق، لصح قول قائل قال: أردت أن لا أكرم أخاك، بـمعنى: أردت أن أكرم أخاك. وكان يقول: ففـي شهادة أهل الـمعرفة بلسان العرب علـى تـخطئه قائل ذلك دلالة واضحة علـى أن «لا» لا تأتـي مبتدأة بـمعنى الـحذف، ولـمّا يتقدمها جحد. وكان يتأول فـي «لا» التـي فـي بـيت العجاج الذي ذكرنا أن البصري استشهد به بقوله إنها جحد صحيح، وأن معنى البـيت: سرى فـي بئر لا تُـحِيرُ علـيه خيرا، ولا يتبـين له فـيها أثرُ عمل، وهو لا يشعر بذلك ولا يدري به. من قولهم: طحنت الطاحنة فما أحارت شيئاً أي لـم يتبـين لها أثر عمل. ويقول فـي سائر الأبـيات الأخر، أعنـي مثل بـيت أبـي النـجم:

فَمَا ألُومُ البِـيضَ أنْ لا تَسْخَرَا


إنـما جاز أن تكون «لا» بـمعنى الـحذف، لأن الـجحد قد تقدمها فـي أول الكلام، فكان الكلام الآخر مواصلاً للأول، كما قال الشاعر:

ما كانَ يَرْضَى رَسُولُ اللَّهِ فِعْلَهُمُوَالطَّيِّبـان أبُو بَكْرٍ وَلا عُمَرُ


فجاز ذلك، إذ كان قد تقدم الـجحد فـي أول الكلام.

قال أبو جعفر: وهذا القول الآخر أولـى بـالصواب من الأول، إذ كان غير موجود فـي كلام العرب ابتداء الكلام من غير جحد تقدمه ب«لا» التـي معناها الـحذف، ولا جائز العطف بها علـى «سوى»، ولا علـى حرف الاستثناء. وإنـما ل«غير» فـي كلام العرب معان ثلاثة: أحدها الاستثناء، والآخر الـجحد، والثالث سوى، فإذا بطل خطأ «لا» أن يكون بـمعنى الإلغاء مبتدأ وفسد أن يكون عطفـاً علـى «غير» التـي مع «الـمغضوب علـيهم»، لو كانت بـمعنى «إلا» التـي هي استثناء، ولـم يجز أيضاً أن يكون عطفـاً علـيها لو كانت بـمعنى «سوى»، وكانت «لا» موجودة عطفـاً بـالواو التـي هي عاطفة لها علـى ما قبلها، صحّ وثبت أن لا وجه ل«غير» التـي مع «الـمغضوب علـيهم» يجوز توجيهها إلـيه علـى صحة إلا بـمعنى الـجحد والنفـي، وأن لا وجه لقوله: «ولا الضالـين»، إلا العطف علـى «غير الـمغضوب علـيهم».

-7-

فتأويـل الكلام إذا إذ كان صحيحاً ما قلنا بـالذي علـيه استشهدنا: اهدنا الصراط الـمستقـيـم صراط الذين أنعمت علـيهم لا الـمغضوب علـيهم ولا الضالـين.

فإن قال لنا قائل: ومن هؤلاء الضالون الذين أمرنا الله بـالاستعاذة بـالله أن يسلك بنا سبـيـلهم، أو نضل ضلالهم؟ قـيـل: هم الذين وصفهم الله فـي تنزيـله، فقال:

{ يا أهْلَ الكِتابِ لا تَغْلُوا فـي دِينِكُمْ غيرَ الـحَقِّ ولا تَتَّبِعُوا أهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا منْ قَبْلُ وأضَلُّوا كَثـيراً وضَلُّوا عَنْ سَوَاء السَّبِـيـلِ } (المائدة5: 77)

فإن قال: وما برهانك علـى أنهم أولاء؟ قـيـل:


حدثنا أحد بن الولـيد الرملـي، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن الشعبـي، عن عديّ بن أبـي حاتـم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { ولا الضَّالِّـينَ } قال: " " النَّصارى " " حدثنا مـحمد بن الـمثنى، أنبأنا مـحمد بن جعفر، أنبأنا شعبة عن سماك، قال: سمعت عبـاد بن حبـيش يحدث عن عديّ بن حاتـم، قال: قال لـي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " إنَّ الضَّالِّـينَ: النَّصَارَى " " وحدثنـي علـيّ بن الـحسن، قال: حدثنا مسلـم بن عبد الرحمن، قال: حدثنا مـحمد بن مصعب، عن حماد بن سلـمة، عن سماك بن حرب، عن مري بن قطري، عن عديّ بن حاتـم، قال: سألت النبـيّ صلى الله عليه وسلم عن قول الله { وَلا الضَّالِّـينَ } قال: " " النَّصَارَى هُمُ الضَّالونَ " " وحدثنا حميد بن مسعدة الشامي، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، قال: حدثنا الـجريري، عن عبد الله بن شقـيق: أن رجلاً أتـى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مـحاصر وادي القرى قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: " " هَؤُلاءِ الضَّالونَ: النَّصَارَى " " وحدثنا يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن سعيد الـجريري، عن عروة، يعنـي ابن عبد الله بن قـيس، عن عبد الله بن شقـيق، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنـحوه.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن بديـل العقـيـلـي، قال: أخبرنـي عبد الله بن شقـيق، أنه أخبره من سمع النبـي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى وهو علـى فرسه وسأله رجل من بنـي القـين فقال: يا رسول الله من هؤلاء؟ قال: " " هَؤلاءِ الضَّالُّونَ " " ، يَعْنِـي النَّصَارَى.

-8-

وحدثنا القاسم قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا خالد الواسطي، عن خالد الـحذاء، عن عبد الله بن شقـيق، أن رجلاً سأل النبـي صلى الله عليه وسلم، وهو مـحاصر وادي القرى وهو علـى فرس من هؤلاء؟ قال: " " الضَّالونَ " " يَعْنِـي النَّصَارَى.

وحدثنا مـحمد بن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفـيان، عن مـجاهد: { ولا الضالـين } قال: النصارى.

وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمار، قال: حدثنا أبو روق، عن الضحاك، عن ابن عبـاس: { ولا الضالـين } قال: وغير طريق النصارى الذين أضلهم الله بِفِرْيتهم علـيه. قال: يقول: فألهمنا دينك الـحقّ، وهو لا إلٰه إلاّ الله وحده لا شريك له، حتـى لا تغضبَ علـينا كما غضبت علـى الـيهود ولا تضلَّنا كما أضللت النصارى فتعذّبنا بـما تعذبهم به. يقول: امنعنا من ذلك برفقك ورحمتك وقدرتك.

وحدثنا القاسم قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس الضالـين: النصارى.

وحدثنـي موسى بن هارون الهمدانـي، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط بن نصر، عن إسماعيـل السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس، وعن مرة الهمدانـي، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم: ولا الضالـين: هم النصارى.

وحدثنـي أحمد بن حازم الغفـاري، قال: أخبرنا عبـيد الله بن موسى، عن أبـي جعفر، عن ربـيع: ولا الضالـين: النصارى.

وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عبد الرحمن بن زيد: ولا الضالـين النصارى.

وحدثنا يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد، عن أبـيه. قال: ولا الضالـين النصارى.

قال أبو جعفر: وكل حائد عن قصد السبـيـل وسالك غير الـمنهج القويـم فضالّ عند العرب لإضلاله وجه الطريق، فلذلك سَمَّى الله جل ذكره النصارى ضُلاّلاً لـخطئهم فـي الـحق منهج السبـيـل، وأخذهم من الدين فـي غير الطريق الـمستقـيـم.

فإن قال قائل: أو لـيس ذلك أيضاً من صفة الـيهود؟ قـيـل: بلـى. فإن قال: كيف خصّ النصارى بهذه الصفة، وخص الـيهود بـما وصفهم به من أنهم مغضوب علـيهم؟ قـيـل: إن كلا الفريقـين ضُلاّل مغضوب علـيهم، غير أن الله جل ثناؤه وَسَم كل فريق منهم من صفته لعبـاده بـما يعرفونه به إذا ذكره لهم، أو أخبرهم عنه، ولـم يَسِمْ واحداً من الفريقـين إلا بـما هو له صفة علـى حقـيقته، وإن كان له من صفـات الذم زيادات علـيه. وقد ظن بعض أهل الغبـاء من القدرية أن فـي وصف الله جل ثناؤه النصارى بـالضلال بقوله: { وَلا الضالِّـين } وإضافته الضلال إلـيهم دون إضافة إضلالهم إلـى نفسه، وتركه وصفهم بأنهم الـمضللون كالذي وصف به الـيهود أنهم الـمغضوب علـيهم، دلالةً علـى صحة ما قاله إخوانه من جَهَلَةِ القدرية جهلاً منه بسعة كلام العرب وتصاريف وجوهه.

-9-

ولو كان الأمر علـى ما ظنه الغبـيّ الذي وصفنا شأنه لوجب أن يكون شأن كل موصوف بصفة أو مضاف إلـيه فعل لا يجوز أن يكون فـيه سبب لغيره، وأن يكون كل ما كان فـيه من ذلك لغيره سبب فـالـحق فـيه أن يكون مضافـاً إلـى مسببه، ولو وجب ذلك لوجب أن يكون خطأ قول القائل: «تـحركت الشجرةُ» إذا حركتها الرياح، و«اضطربت الأرضُ» إذا حركتها الزلزلة، وما أشبه ذلك من الكلام الذي يطول بإحصائه الكتاب.

وفـي قول الله جل ثناؤه:

{ حتَّـى إذا كنْتُـمْ فـي الفُلْكِ وجَرَيْنَ بِهمْ } (يونس10: 22)

بإضافته الـجري إلـى الفلك، وإن كان جَرْيُها بإجراء غيرها إياها، ما يدل علـى خطأ التأويـل الذي تأوله من وصفنا قوله فـي قوله: { وَلا الضَّالـينَ } ، وادعائه أن فـي نسبة الله جل ثناؤه الضلالةَ إلـى من نسبها إلـيه من النصارى تصحيحاً لـما ادعى الـمنكرون أن يكون لله جل ثناؤه فـي أفعال خـلقه سببٌ من أجله وُجدت أفعالهم، مع إبـانة الله عز ذكره نصّاً فـي آي كثـيرة من تنزيـله أنه الـمضلّ الهادي فمن ذلك قوله جل ثناؤه:

{ أفَرأيْتَ مَنِ اتَّـخَذَ إلهَهُ هَوَاهُ وأضَلَّهُ اللَّهُ علـى عِلْـمٍ وخَتَـمَ علـى سَمْعِهِ وقَلْبِهِ وجَعَلَ علـى بَصَرِهِ غَشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مَنْ بَعْدِ اللَّهِ أفَلا تَذَكرُونَ } (الجاثية45: 23)

فأنبأ جل ذكره أنه الـمضلّ الهادي دون غيره.


ولكن القرآن نزل بلسان العرب، علـى ما قد قدمنا البـيان عنه فـي أول الكتاب. ومن شأن العرب إضافة الفعل إلـى من وُجد منه، وإن كان مسببه غير الذي وجد منه أحياناً، وأحياناً إلـى مسببه، وإن كان الذي وجد منه الفعل غيرُه. فكيف بـالفعل الذي يكتسبه العبد كسبـاً ويوجده الله جل ثناؤه عينا مُنْشأةً؟ بل ذلك أحرى أن يضاف إلـى مكتسبه كسبـاً له بـالقوة منه علـيه والاختـيار منه له، وإلـى الله جل ثناؤه بإيجاد عينه وإنشائها تدبـيراً.

مسئلة يسأل عنها أَهل الإلـحاد الطاعنون فـي القرآن

إن سألنا منهم سائل فقال: إنك قد قدمت فـي أول كتابك هذا فـي وصف البـيان بأن أعلاه درجة وأشرفه مرتبة، أبلغه فـي الإبـانة عن حاجة الـمبـين به عن نفسه وأبْـينُه عن مراد قائله وأقربه من فهم سامعه، وقلت مع ذلك إن أولـى البـيان بأن يكون كذلك كلام الله جل ثناؤه بفضله علـى سائر الكلام وبـارتفـاع درجته علـى أعلـى درجات البـيان. فما الوجه إذ كان الأمر علـى ما وصفتَ فـي إطالة الكلام بـمثل سورة أمّ القرآن بسبع آيات؟ وقد حوت معانـي جميعها منها آيتان، وذلك قوله:

{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } (الفاتحة1: 4-5)

إذ كان لا شك أن من عرف:

{ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ } (الفاتحة1: 4)

فقد عرفه بأسمائه الـحسنى وصفـاته الـمثلـى. وأنَّ من كان لله مطيعاً، فلا شك أنه لسبـيـل من أنعم الله علـيه فـي دينه متبع، وعن سبـيـل من غضب علـيه وضل منعدل، فما فـي زيادة الآيات الـخمس البـاقـية من الـحكمة التـي لـم تـحوها الآيتان اللتان ذكرنا؟


قـيـل له: إن الله تعالـى ذكره جمع لنبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم ولأمته بـما أنزل إلـيه من كتابه معانـي لـم يجمعهن بكتاب أنزله إلـى نبـي قبله ولا لأمة من الأمـم قبلهم.

-10-

وذلك أن كل كتاب أنزله جل ذكره علـى نبـي من أنبـيائه قبله، فإنـما أنزله ببعض الـمعانـي التـي يحوي جميعها كتابه الذي أنزله إلـى نبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم، كالتوراة التـي هي مواعظ وتفصيـل، والزَّبُور الذي هو تـحميد وتـمـجيد، والإنـجيـل الذي هو مواعظ وتذكير لا معجزة فـي واحد منها تشهد لـمن أنزل إلـيه بـالتصديق. والكتابُ الذي أنزل علـى نبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم يحوي معانـي ذلك كله، ويزيد علـيه كثـيراً من الـمعانـي التـي سائر الكتب غيره منها خالٍ، وقد قدمنا ذكرها فـيـما مضى من هذا الكتاب. ومن أشرف تلك الـمعانـي التـي فضل بها كتابنا سائر الكتب قبله: نظمه العجيب، ورصفه الغريب، وتألـيفه البديع، الذي عجزت عن نظم مثل أصغر سورة منه الـخطبـاء، وكلَّتْ عن وصف شكل بعضه البلغاء، وتـحيرت فـي تألـيفه الشعراء، وتبلَّدت قصوراً عن أن تأتـي بـمثله لديه أفهام الفهماء. فلـم يجدوا له إلا التسلـيـم، والإقرار بأنه من عند الواحد القهار، مع ما يحوي مع ذلك من الـمعانـي التـي هي ترغيب، وترهيب. وأمر، وزجر، وقصص، وجدل، ومثل، وما أشبه ذلك من الـمعانـي التـي لـم تـجتـمع فـي كتاب أنزل إلـى الأرض من السماء.

فمهما يكن فـيه من إطالة علـى نـحو ما فـي أم القرآن، فلـما وصفت قبلُ من أن الله جل ذكره أراد أن يجمع بوصفه العجيب، ونظمه الغريب، الـمنعدل عن أوزان الأشعار، وسجع الكهان، وخطب الـخطبـاء، ورسائل البلغاء، العاجز عن وصف مثله جميع الأنام، وعن نظم نظيره كل العبـاد الدلالة علـى نبوّة نبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم وبـما فـيه من تـحميد وتـمـجيد وثناء علـيه، تنبـيه للعبـاد علـى عظمته وسلطانه وقدرته وعظم مـملكته، لـيذكروه بآلائه ويحمدوه علـى نعمائه، فـيستـحقوا به منه الـمزيد ويستوجبوا علـيه الثوابَ الـجزيـل. وبـما فـيه من نعت من أنعم علـيه بـمعرفته، وتفضل علـيه بتوفـيقه لطاعته، تعريفعبـاده أن كل ما بهم من نعمة فـي دينهم ودنـياهم فمنه، لـيصرفوا رغبتهم إلـيه، ويبتغوا حاجاتهم من عنده دون ما سواه من الآلهة والأنداد، وبـما فـيه من ذكره ما أحل بـمن عصاه من مثلاته، وأنزل بـمن خالف أمره من عقوبـاته ترهيب عبـاده عن ركوب معاصيه، والتعرّض لـما لا قبل لهم به من سخطه، فـيسلك بهم فـي النكال والنقمات سبـيـل من ركب ذلك من الهلاك. فذلك وجه إطالة البـيان فـي سورة أم القرآن، وفـيـما كان نظيراً لها من سائر سور الفرقان، وذلك هو الـحكمة البـالغة والـحجة الكاملة.

-11-

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن مـحمد بن إسحاق، قال: حدثنـي العلاء بن عبد الرَّحمن بن يعقوب، عن أبـي السائب مولـى زهرة، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " إذَا قالَ العَبْدُ: الـحَمْدُ لِلَّهِ رب العالَـمِينَ، قالَ اللَّهُ: حَمَدَنِـي عَبْدِي، وَإذَا قالَ: الرحْمَنُ الرَّحِيـمِ، قال: أثنى عَلـيَّ عَبْدِي، وَإذَا قالَ: مالِكِ يَوْمِ الدّينِ، قالَ: مَـجَّدَنِـي عَبْدِي، فَهَذَا لـي. وَإذَا قالَ: إياكَ نَعْبُدُ وَإياكَ نَسْتَعِينُ إلـى أنْ يَخْتِـمَ السورَةَ قالَ: فَذَاكَ لَهُ " " حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبدة، عن ابن إسحاق، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبـي السائب، عن أبـي هريرة، قال: إذا قال العبد: الـحمد لله، فذكر نـحوه، ولـم يرفعه.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنا الولـيد بن كثـير، قال: حدثنـي العلاء بن عبد الرحمن مولـى الـحرقة، عن أبـي السائب، عن أبـي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله.

حدثنـي صالـح بن مسمار الـمروزي، قال: حدثنا زيد بن الـحبـاب، قال: حدثنا عنبسة بن سعيد، عن مطرف بن طريف، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " قال الله عَزّ وَجَلَّ: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَـيْنـي وبـينَ عَبْدِي نِصْفَـيْنِ وَلَهُ ما سألَ، فإذَا قالَ العَبْدُ: الـحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العالَـمِينَ، قالَ الله: حَمِدَنِـي عَبْدِي، وَإذَا قالَ الرَّحْمَنِ الرَّحيـمِ، قالَ: أثْنى عَلـيَّ عَبْدِي، وَإذَا قالَ: مالكِ يَوْم الدّين، قالَ: مَـجَّدَنِـي عَبْدِي، قالَ: هَذَا لـي وَلَهُ ما بَقـيَ ". "


-12-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس