عرض مشاركة واحدة
 
  #4  
قديم 12-25-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق

تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }


اللغة: العبادة في اللغة هي الذلة يقال: طريق معبّد أي: مذلل بكثرة الوطء قال طرفة:

تُبَارِي عِتَاقاً ناجِياتٍ وَأَتْبعَتوَظِيِفاً وظيِفاً فَوْقَ مَورٍ مُعبَّد


وبعير معبّد: إِذا كان مطلياً بالقطران وسمي العبد عبداً لذلته وانقياده لمولاه والاستعانة طلب المعونة يقال: استعنته واستعنت به.

الإعراب: قال أبو إِسحاق إِبراهيم بن السري الزجاج: موضع إِياك نصب بوقوع الفعل عليه وموضع الكاف في إِياك خفض بإِضافة إِيا إِليها اسم للضمير المنصوب إِلا أنه ظاهر يضاف إِلى سائر المضمرات نحو قولك: إِيّاك ضربت وإِيّاه ضربت وإِيّاي حدثت. ولو قلت: أيّا زيد حدثت كان قبيحاً لأنه خص به المضمر. وقد روى الخليل عن العرب: إِذا بلغ الرجل الستين فإِيّاه وإِيا الشوابّ وهذا كلام الزجاج ورد عليه الشيخ أبو علي الفارسي فقال: إن إيّا ليس بظاهر بل هو مضمر يدل على ذلك تغير ذاته وامتناع ثباته في حال الرفع والجر وليس كذلك الاسم الظاهر, ألا ترى أنه يعتقب عليه الحركات في آخره ويحكم له بها في موضعه من غير تغير نفسه فمخالفته للمظهر فيما وصفناه يدل على أنه مضمر ليس بمظهر. قال: وحكى السراج عن المبرد عن أبي الحسن الأخفش أنه اسم مفرد مضمر يتغير آخره كما تتغير أواخر المضمرات لاختلاف أعداد المضمرين والكاف في إياك كالتي في ذلك وهي دالة على الخطاب فقط مجردة عن كونها علامة للمضمر فلا محل لها من الإعراب.

وأقول: وهكذا الحكم في إِياي وإِيانا وإِياها في أنها حروف تلحق إيّا فالياء في إِياي دليل على التكلم والهاء في إِياه تدل على الغيبة لا على نفس الغائب ويجري التأكيد على إِيا منصوباً تقول: إِياك نفسك رأيت وإِياه نفسه ضربت وإِياهم كلهم عنيت فاعرفه ولا يجيز أبو الحسن إِياك وايّا زيد ويستقل روايتهم عن العرب إذا بلغ الرجل الستين فإِياه وإيّا الشواب ويحمله على الشذوذ لأن الغرض في الإِضافة التخصيص والمضمر على نهاية التخصيص فلا وجه لإضافته, والأصل في نستعين: نستعوِن لأنه من المعونة والعون لكن الواو قلبت ياء لثقل الكسرة عليها فنقلت كسرتها إلى العين قبلها فتصير الياء ساكنة لأن هذا من الإعلال الذي يتبع بعضه بعضاً نحو أعان يعين وقام يقوم وفي شرحه كلام, وربما يأتي مشروحاً فيما بعد إن شاء الله, وقولـه نعبد ونستعين مرفوع لوقوعه موقعاً يصلح للاسم ألا ترى أنك لو قلت أنا عابدك وأنا مستعينك لقام مقامه وهذا المعنى عمل فيه الرفع وأما الإعراب في الفعل المضارع فلمضارعته الاسم لأن الأصل في الفعل البناء وإِنما يعرب منه ما شابه الأسماء وهو ما لحقت أوله زيادة من هذه الزيادات الأربع التي هي: الهمزة والنون والتاء والياء.
-1-

المعنى: قولـه تعالى: { إِياك نعبد وإِياك نستعين } أدل على الاختصاص من أن نقول نعبدك ونستعينك لأن معناه نعبدك ولا نعبد سواك ونستعينك ولا نستعين غيرك كما إذا قال الرجل إِياك أعني فمعناه لا أعني غيرك ويكون أبلغ من أن يقول أعنيك والعبادة ضرب من الشكر وغاية فيه لأنها الخضوع بأعلى مراتب الخضوع مع التعظيم بأعلى مراتب التعظيم ولا يستحق إلا بأصول النعم التي هي خلق الحياة والقدرة والشهوة ولا يقدر عليه غير الله تعالى فلذلك اختص سبحانه بأن يعبد ولا يستحق بعضنا على بعض العبادة كما يستحق بعضنا على بعض الشكر وتحسن الطاعة لغير الله تعالى ولا تحسن العبادة لغيره وقول من قال: إن العبادة هي الطاعة للمعبود يفسد بأن الطاعة موافقة الأمر وقد يكون موافقاً لأمره ولا يكون عابداً له ألا ترى أن الإبن يوافق أمر الأب ولا يكون عابداً له وكذلك العبد يطيع مولاه ولا يكون عابداً له بطاعته إِياه والكفار يعبدون الأصنام ولا يكونون مطيعين لهم إِذ لا يتصور من جهتهم الأمر ومعنى قولـه إِياك نستعين إِياك نستوفق ونطلب المعونة على عبادتك وعلى أمورنا كلها والتوفيق هو أن يجمع بين جميع الأسباب التي يحتاج إِليها في حصول الفعل ولهذا لا يقال فيمن أعان غيره وفّقه لأنه لا يقدر أن يجمع بين جميع الأسباب التى يحتاج إليها في حصول الفعل, وأما تكرار قولـه إِياك فلأنه لو اقتصر على واحد ربما توهم متوهم أنه لا يتقرب إِلى الله تعالى إِلا بالجمع بينهما ولا يمكنه أن يفصل بينهما وهو إِذا تفكر في عظمة الله تعالى كان عبادة وإن لم يستعن به وقيل إنه جمع بينهما للتأكيد كما يقال الدار بين زيد وبين عمرو ولو اقتصر على واحد فقيل بين زيد وعمرو كان جائزاً قال عدي بن زيد:

وجَاعِلُ الشَّمْسَ مِصْراً لاَ خَفَاءَ بِهِبَيْنَ النَّهارِ وبَينَ اللَّيْلِ قَدْ فَصَلا


وقال أعشى همدان:

بَينَ الأَشَجِّ وبَينَ قَيْسٍ باذِخٌبَخ بَخْ لِوَالدِه وَلِلْمَوْلودِ


وهذا القول فيه نظر لأن التكرير إنما يكون تأكيداً إِذا لم يكن محمولاً على فعل ثان. وإِياك الثاني في الآية محمول على نستعين ومفعول له فكيف يكون تأكيداً وقيل أيضاً إنه تعليم لنا في تجديد ذكره تعالى عند كل حاجة فإِن قيل: إن عبادة الله تعالى لا تتأتى بغير إعانة منه فكان يجب أن يقدم الإستعانة على العبادة فالجواب: أنه قدم العبادة على الاستعانة لا على الإعانة وقد تأتي بغير استعانة وأيضاً فإِن أحدهما إِذا كان مرتبطاً بالآخر لم يختلف التقديم والتأخير كما يقال: قضيت حقي فأحسنت إِلي وأحسنت إِلي فقضيت حقي وقيل إن السؤال للمعونة إِنما يقع على عبادة مستأنفة لا على عبادة واقعة منهم وإِنما حسن طلب المعونة, وإِن كان لا بد منها مع التكليف على وجه الانقطاع إليه تعالى كقولـه
-2-

{ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ } [الأنبياء21: 112]

ولأنه ربما لا يكون اللطف في إِدامة التكليف ولا في فعل المعونة به إِلا بعد تقديم الدعاء من العبد, وقد أخطأ من استدل بهذه الآية على أن القدرة مع الفعل من حيث إن القدرة لو كانت متقدمة لما كان لطلب المعونة وجه لأن للرغبة إِلى الله تعالى في طلب المعونة وجهين: أحدهما: أن يسأل الله تعالى من ألطافه وما يقوي دواعيه ويسهل الفعل عليه ما ليس بحاصل ومتى لطف له بأن يعلمه أن له في فعله الثواب العظيم زاد ذلك في نشاطه ورغبته. والثاني: أن يطلب بقاء كونه قادراً على طاعته المستقبلة بأن تجدد له القدرة حالا بعد حال عند من لا يقول ببقائها وأن لا يقول ببقائها وأن لا يفعل ما يضادها, وينفيها عند من قال ببقائها. وأما العدول عن الخبر إلى الخطاب في قولـه إِياك نعبد إِلى آخر السورة فعلى عادة العرب المشهورة وأشعارهم من ذلك مملوءة قال لبيد:

بَاتَتْ تَشكَّى إِليَّ النَّفْسَ مُجْهِشَةًوقَدْ حَمَلْتُكِ سَبْعاً بَعْدَ سَبْعِينا


وقال أبو كثير الهذلي:

يَا لَهْفَ نَفْسِي كانَ جِدَّةُ خالِدِوبَياضُ وَجْهِكَ لِتُّرَابِ الأعْفَرِ


فرجع من الإخبار عن النفس إلى مخاطبتها في البيت الأول ومن الإخبار عن خالد إلى خطابه في البيت الثاني. وقال الكسائي: تقديره قولوا إِياك نعبد أو قل يا محمد هذا كما قال الله تعالى:

{ وَلَو تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِم عِندَ رَبِّهِم رَبَّنَا أَبْصَرْنَا } [السجدة32: 12]

أي يقولون ربنا أبصرنا وقال:

-3-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس