عرض مشاركة واحدة
 
  #8  
قديم 12-27-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق 21-30 من 259

تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق 21-30 من 259




{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }

والجواب أنا لا نلتزم كون كلامه تعالى متعلقاً بجميع المخبرات، وعلى هذا التقدير فيسقط هذا السؤال.

واعلم أنا لا نقول: إن كلامه لا يتعلق بجميع المخبرات لكونها كذباً، والكذب في كلام الله محال، لأنه تعالى لما أخبر أن أقواماً أخبروا عن تلك الأكاذيب والفحشيات فهذا لا يكون كذباً، وإنما يمنع منه لأمر يرجع إلى تنزيه الله تعالى عن النقائص، والأخبار عن هذه الفحشيات والسخفيات يجري مجرى النقص، وهو على الله محال. واعلم أن مباحث الحرف والصوت وتشريح العضلات الفاعلات للحروف وذكر الإشكالات المذكورة في قدم القرآن أمور صعبة دقيقة، فالأولى الاكتفاء بما ذكرناه، والله أعلم بالصواب.

الباب الثالث

في المباحث المتعلقة بالاسم والفعل والحرف، وفيه مسائل:

المسألة الأولى: اعلم أن تقسيم الكلمة إلى هذه الأنواع الثلاثة يمكن إيراده من وجهين: الأول: أن الكلمة إما أن يصح الأخبار عنها وبها، وهي الاسم، وإما أن لا يصح الأخبار عنها، لكن يصح الأخبار بها، وهي الفعل، وإما أن لا يصح الأخبار عنها ولا بها، وهو الحرف واعلم أن هذا التقسيم مبني على أن الحرف والفعل لا يصح الأخبار عنهما، وعلى أن الاسم يصح الأخبار عنه، فلنذكر البحثين في مسألتين.

الكلمة اسم وفعل وحرف:

المسألة الثانية: اتفق النحويون على أن الفعل والحرف لا يصح الأخبار عنهما، قالوا: لأنه لا يجوز أن يقال: ضرب قتل، ولقائل أن يقول المثال الواحد لا يكفي في إثبات الحكم العام، وأيضاً فإنه لا يصح أن يقال: جدار سماء، ولم يدل ذلك على أن الاسم لا يصح الأخبار عنه وبه، لأجل أن المثال الواحد لا يكفي في إثبات الحكم العام، فكذا ههنا، ثم قيل، الذي يدل على صحة الأخبار عن الفعل والحرف وجوه: الأول: أنا إذا أخبرنا عن «ضرب يضرب أضرب» بأنها أفعال فالمخبر عنه في هذا الخبر إما أن يكون اسماً أو فعلاً أو حرفاً، فإن كان الأول كان هذا الخبر كذباً، وليس كذلك، وإن كان الثاني كان الفعل من حيث أنه فعل مخبراً عنه، فإن قالوا: المخبر عنه بهذا الخبر هو هذه الصيغ، وهي أسماء قلنا: هذا السؤال ركيك، لأنه على هذا التقدير يكون المخبر عنه بأنه فعل اسماً، فرجع حاصل هذا السؤال إلى القسم الأول من القسمين المذكورين في أول هذا الإشكال، وقد أبطلناه، الثاني: إذا أخبرنا عن الفعل والحرف بأنه ليس باسم فالتقدير عين ما تقدم، الثالث: أن قولنا: «الفعل لا يخبر عنه» إخبار عنه بأنه لا يخبر عنه، وذلك متناقض، فإن قالوا: المخبر عنه بأنه لا يخبر عنه هو هذا اللفظ، فنقول: قد أجبنا على هذا السؤال، فإنا نقول: المخبر عنه بأنه لا يخبر عنه إن كان اسماً فهو باطل لأن كل اسم مخبر عنه، وأقل درجاته أن يخبر عنه بأنه اسم، وإن كان فعلاً فقد صار الفعل مخبراً عنه.

-21-

الرابع: الفعل من حيث هو فعل والحرف من حيث هو حرف ماهية معلومة متميزة عما عداها، وكل ما كان كذلك صح الأخبار عنه بكونه ممتازاً عن غيره، فإذا أخبرنا عن الفعل من حيث هو فعل بأنه ماهية ممتازة عن الاسم فقد أخبرنا عنه بهذا الامتياز، الخامس: الفعل إما أن يكون عبارة عن الصيغة الدالة على المعنى المخصوص، وإما أن يكون عبارة عن ذلك المعنى المخصوص الذي هو مدلول لهذه الصيغة، فإن كان الأول فقد أخبرنا عنه بكونه دليلاً على المعنى، وإن كان الثاني فقد أخبرنا عنه بكونه مدلولاً لتلك الصيغة، فهذه سؤالات صعبة في هذا المقام.

المسألة الثالثة: طعن قوم في قولهم: «الاسم ما يصح الأخبار عنه» بأن قالوا: لفظة «أين وكيف وإذا» أسماء مع أنه لا يصح الأخبار عنها، وأجاب عبد القاهر النحوي عنه بأنا إذا قلنا: «الاسم ما جاز الأخبار عنه» أردنا به ما جاز الأخبار عن معناه، ويصح الأخبار عن معنى إذا لأنك إذا قلت: آتيك إذا طلعت الشمس، كان المعنى آتيك وقت طلوع الشمس، والوقت يصح الأخبار عنه، بدليل أنك تقول: طاب الوقت، وأقول هذا العذر ضعيف، لأن «إذا» ليس معناه الوقت فقط، بل معناه الوقت حال ما تجعله ظرفاً لشيء آخر، والوقت حال ما جعل ظرفاً لحادث آخر فإنه لا يمكن الأخبار عنه ألبتة، فإن قالوا لما كان أحد أجزاء ماهيته إسماً وجب كونه اسماً، فنقول: هذا باطل، لأنه إن كفى هذا القدر في كونه اسماً وجب أن يكون الفعل اسماً، لأن الفعل أحد أجزاء ماهيته المصدر، وهو اسم، ولما كان هذا باطلاً فكذا ما قالوه.

المسألة الرابعة: في تقرير النوع الثاني من تقسيم الكلمة أن تقول: الكلمة إما أن يكون معناها مستقلاً بالمعلومية أو لا يكون، والثاني: هو الحرف، أما الأول: فإما أن يدل ذلك اللفظ على الزمان المعين لمعناه، وهو الفعل، أو لا يدل وهو الاسم، وفي هذا القسم سؤالات نذكرها في حد الاسم والفعل.

تعريف الاسم:

المسألة الخامسة في تعريف الاسم: الناس ذكروا فيه وجوهاً، التعريف الأول: أن الاسم هو الذي يصح الأخبار عن معناه، واعلم أن صحة الأخبار عن ماهية الشيء حكم يحصل له بعد تمام ماهيته فيكون هذا التعريف من باب الرسوم لا من باب الحدود، والأشكال عليه من وجهين: الأول: أن الفعل والحرف يصح الأخبار عنهما، والثاني: أن «إذا وكيف وأين» لا يصح الأخبار عنها وقد سبق تقرير هذين السؤالين.

التعريف الثاني: أن الاسم هو الذي يصح أن يأتي فاعلاً أو مفعولاً أو مضافاً، واعلم أن حاصله يرجع إلى أن الاسم هو الذي يصح الأخبار عنه.

-22-

والتعريف الثالث: أن الاسم كلمة تستحق الإعراب في أول الوضع، وهذا أيضاً رسم، لأن صحة الإعراب حالة طارئة على الاسم بعد تمام الماهية، وقولنا في أول الوضع احتراز عن شيئين: أحدهما: المبنيات، فإنها لا تقبل الإعراب بسبب مناسبة بينها وبين الحروف، ولولا هذه المناسبة لقبلت الإعراب، والثاني: أن المضارع معرب لكن لا لذاته بل بسبب كونه مشابهاً للاسم، وهذا التعريف أيضاً ضعيف.

التعريف الرابع: قال الزمخشري في «المفصل»: الاسم ما دل على معنى في نفسه دلالة مجردة عن الاقتران. واعلم أن هذا التعريف مختل من وجوه: الأول: أنه قال في تعريف الكلمة أنها اللفظ الدال على معنى مفرد بالوضع، ثم ذكر فيما كتب من حواشي «المفصل» أنه إنما وجب ذكر اللفظ لأنا لو قلنا: «الكلمة هي الدالة على المعنى» لانتقض بالعقد والخط والإشارة كذلك، مع أنها ليست أسماء. والثاني: أن الضمير في قوله: «في نفسه» إما أن يكون عائداً إلى الدال، أو إلى المدلول، أو إلى شيء ثالث، فإن عاد إلى الدال صار التقدير الاسم ما دل على معنى حصل في الاسم، فيصير المعنى الاسم ما دل على معنى هو مدلوله، وهذا عبث، ثم مع ذلك فينتقض بالحرف والفعل، فإنه لفظ يدل على مدلوله، وإن عاد إلى المدلول صار التقدير الاسم ما دل على معنى حاصل في نفس ذلك المعنى، وذلك يقتضي كون الشيء حاصلاً في نفسه، وهو محال، فإن قالوا معنى كونه حاصلاً في نفسه أنه ليس حاصلاً في غيره، فنقول: فعلى هذا التفسير ينتقض الحد بأسماء الصفات والنسب، فإن تلك المسميات حاصلة في غيرها.

التعريف الخامس: أن يقال: الاسم كلمة دالة على معنى مستقل بالمعلومية من غير أن يدل على الزمان المعين الذي وقع فيه ذلك المعنى، وإنما ذكرنا الكلمة ليخرج الخط والعقد والإشارة فإن قالوا: لم لم يقولوا لفظة دالة على كذا وكذا؟ قلنا: لأنا جعلنا اللفظ جنساً للكلمة، والكلمة جنس للاسم، والمذكور في الحد هو الجنس القريب لا البعيد، وأما شرط الاستقلال بالمعلومية فقيل: إنه باطل طرداً وعكساً، أما الطرد فمن وجوه. الأول: أن كل ما كان معلوماً فإنه لا بدّ وأن يكون مستقلاً بالمعلومية لأن الشيء ما لم تتصور ماهيته امتنع أن يتصور مع غيره، وإذا كان تصوره في نفسه متقدماً على تصوره مع غيره كان مستقلاً بالمعلومية، الثاني: أن مفهوم الحرف يستقل بأن يعلم كونه غير مستقل بالمعلومية، وذلك استقلال. الثالث: أن النحويين اتفقوا على أن «الباء» تفيد الإلصاق، و «من» تفيد التبعيض، فمعنى الإلصاق إن كان مستقلاً بالمعلومية وجب أن يكون المفهوم من الباء مستقلاً بالمعلومية فيصير الحرف اسماً، وإن كان غير مستقل بالمعلومية كان المفهوم من الإلصاق غير مستقبل بالمعلومية، فيصير الاسم حرفاً، وأما العكس فهو أن قولنا:«كم وكيف ومتى وإذا» وما الاستفهامية والشرطية كلها أسامٍ مع أن مفهوماتها غير مستقلة، وكذلك الموصولات.

-23-

الثالث: أن قولنا: «من غير دلالة على زمان ذلك المعنى» يشكل بلفظ الزمان وبالغد وباليوم والاصطباح وبالاغتباق، والجواب عن السؤال الأول: أنا ندرك تفرقة بين قولنا الإلصاق وبين حرف الباء في قولنا: «كتبت بالقلم» فنريد بالاستقلال هذا القدر. فأما لفظ الزمان واليوم والغد فجوابه أن مسمى هذه الألفاظ نفس الزمان، ولا دلالة منها على زمان آخر لمسماه. وأما الاصطباح والاغتباق فجزؤه الزمان، والفعل هو الذي يدل على زمان خارج عن المسمى، والذي يدل على ما تقدم قولهم: اغتبق يغتبق، فأدخلوا الماضي والمستقبل على الاصطباح والاغتباق.

علامات الاسم:

المسألة السادسة: علامات الاسم إما أن تكون لفظية أو معنوية، فاللفظية إما أن تحصل في أول الاسم، وهو حرف تعريف، أو حرف جر، أو في حشوه كياء التصغير، وحرف التكسير، أو في آخره كحرفي التثنية والجمع. وأما المعنوية فهي كونه موصوفاً، وصفة، وفاعلاً، ومفعولاً، ومضافاً إليه، ومخبراً عنه، ومستحقاً للإعراب بأصل الوضع.

تعريفات الفعل:

المسألة السابعة: ذكروا للفعل تعريفات: التعريف الأول: قال سيبويه إنها أمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء، وينتقض بلفظ الفاعل والمفعول.

التعريف الثاني: أنه الذي أسند إلى شيء ولا يستند إليه شيء وينتقض بإذا وكيف، فإن هذه الأسماء يجب إسنادها إلى شيء آخر، ويمتنع استناد شيء آخر إليها.

التعريف الثالث: قال الزمخشري: الفعل ما دل على اقتران حدث بزمان، وهو ضعيف لوجهين: الأول: أنه يجب أن يقال: «كلمة دالة على اقتران حدث بزمان» وإنما يجب ذكر الكلمة لوجوه: أحدها: أنا لو لم نقل بذلك لانتقض بقولنا اقتران حدث بزمان فإن مجموع هذه الألفاظ دال على اقتران حدث بزمان مع أن هذا المجموع ليس بفعل، أما إذا قيدناه بالكلمة اندفع هذا السؤال، لأن مجموع هذه الألفاظ ليس كلمة واحدة. وثانيها: أنا لو لم نذكر ذلك لانتقض بالخط والعقد والإشارة، وثالثها: أن الكلمة لما كانت كالجنس القريب لهذه الثلاثة فالجنس القريب واجب الذكر في الحد. الوجه الثاني ما نذكره بعد ذلك.

التعريف الرابع: الفعل كلمة دالة على ثبوت المصدر لشيء غير معين في زمان معين، وإنما قلنا كلمة لأنها هي الجنس القريب، وإنما قلنا دالة على ثبوت المصدر ولم نقل دالة على ثبوت شيء لأن المصدر قد يكون أمراً ثابتاً كقولنا ضرب وقتل وقد يكون عدمياً مثل فني وعدم فإن مصدرهما الفناء والعدم، وإنما قلنا بشيء غير معين لأنا سنقيم الدليل على أن هذا المقدار معتبر، وإنما قلنا في زمان معين احترازاً عن الأسماء.

-24-

واعلم أن في هذه القيود مباحثات: القيد الأول: هو قولنا: «يدل على ثبوت المصدر لشيء» فيه إشكالات: الأول: أنا إذا قلنا خلق الله العالم فقولنا خلق إما أن يدل على ثبوت الخلق لله سبحانه وتعالى أو لا يدل، فإن لم يدل بطل ذلك القيد، وإن دل فذلك الخلق يجب أن يكون مغايراً للمخلوق، وهو إن كان محدثاً افتقر إلى خلق آخر ولزم التسلسل، وإن كان قديماً لزم قدم المخلوق. والثاني: إنا إذا قلنا وجد الشيء فهل دل ذلك على حصول الوجود لشيء أو لم يدل؟ فإن لم يدل بطل هذا القيد، وإن دل لزم أن يكون الوجود حاصلاً لشيء غيره، وذلك الغير يجب أن يكون حاصلاً في نفسه لأن ما لا حصول له في نفسه امتنع حصول غيره له، فيلزم أن يكون حصول الوجود له مسبوقاً بحصول آخر إلى غير النهاية، وهو محال. والثالث: إذا قلنا عدم الشيء وفني فهذا يقتضي حصول العدم وحصول الفناء لتلك الماهية، وذلك محال، لأن العدم والفناء نفي محض فكيف يعقل حصولهما لغيرهما والرابع: إن على تقدير أن يكون الوجود زائداً على الماهية فإنه يصدق قولنا: «إنه حصل الوجود لهذه الماهية» فيلزم حصول وجود آخر لذلك الوجود إلى غير نهاية، وهو محال، وأما على تقدير أن يكون الوجود نفس الماهية فإن قولنا: حدث الشيء وحصل فإنه لا يقتضي حصول وجود لذلك الشيء، وإلا لزم أن يكون الوجود زائداً على الماهية، ونحن الآن إنما نتكلم على تقدير أن الوجود نفس الماهية.

وأما القيد الثاني: وهو قولنا: «في زمان معين» ففيه سؤالات أحدها: أنا إذا قلنا: «وجد الزمان» أو قلنا: «فني الزمان» فهذا يقتضي حصول الزمان في زمان آخر، ولزم التسلسل، فإن قالوا: يكفي في صحة هذا الحد كون الزمان واقعاً في زمان آخر بحسب الوهم الكاذب، قلنا: الناس أجمعوا على أن قولنا حدث الزمان وحصل بعد أن كان معدوماً كلام حق ليس فيه باطل ولا كذب، ولو كان الأمر كما قلتم لزم كونه باطلاً وكذباً، وثانيها: أنا إذا قلنا: كان العالم معدوماً في الأزل، فقولنا: كان فعل فلو أشعر ذلك بحصول الزمان لزم حصول الزمان في الأزل، وهو محال، فإن قالوا: ذلك الزمان مقدر لا محقق، قلنا التقدير الذهني إن طابق الخارج عاد السؤال، وإن لم يطابق كان كذباً، ولزم فساد الحد، وثالثها: أنا إذا قلنا: كان الله موجوداً في الأزل، فهذا يقتضي كون الله زمانياً، وهو محال، ورابعها: أنه ينتقض بالأفعال الناقصة، فإن كان الناقصة إما أن تدل على وقوع حدث في زمان أو لا تدل: فإن دلت كان تاماً لا ناقصاً، لأنه متى دل اللفظ على حصول حدث في زمان معين كان هذا كلاماً تاماً لا ناقصاً، وإن لم يدل وجب أن لا يكون فعلاً، وخامسها: أنه يبطل بأسماء الأفعال، فإنها تدل على ألفاظ دالة على الزمان المعين، والدال على الدال على الشيء دال على ذلك الشيء فهذه الأسماء دالة على الزمان المعين، وسادسها: أن اسم الفاعل يتناول إما الحال وإما الاستقبال ولا يتناول الماضي ألبتة، فهو دال على الزمان المعين، والجواب أما السؤالات الأربعة المذكورة على قولنا: «الفعل يدل على ثبوت المصدر لشيء» والثلاثة المذكورة على قولنا «الفعل يدل على الزمان» فجوابها أن اللغوي يكفي في علمه تصور المفهوم، سواء كان حقاً أو باطلاً، وأما قوله: «يشكل هذا الحد بالأفعال الناقصة» قلنا: الذي أقول به وأذهب إليه أن لفظة كان تامة مطلقاً، إلا أن الاسم الذي يسند إليه لفظ كان قد يكون ماهية مفردة مستقلة بنفسها مثل قولنا: كان الشيء، بمعنى حدث وحصل، وقد تكون تلك الماهية عبارة عن موصوفية شيء لشيء آخر مثل قولنا: كان زيد منطلقاً، فإن معناه حدوث موصوفية زيد بالانطلاق فلفظ كان ههنا معناه أيضاً الحدوث والوقوع، إلا أن هذه الماهية لما كانت من باب النسب، والنسبة يمتنع ذكرها إلا بعد ذكر المنتسبين، لا جرم وجب ذكرهما ههنا، فكما أن قولنا: كان زيد، معناه أنه حصل ووجد، فكذا قولنا: كان زيد منطلقاً، معناه أنه حصلت موصوفية زيد بالانطلاق؛ وهذا بحث عميق عجيب دقيق غفل الأولون عنه، وقوله: «خامساً: يبطل ما ذكرتم بأسماء الأفعال» قلنا المعتبر في كون اللفظ فعلاً دلالته على الزمان ابتداء لا بواسطة، وقوله: «سادساً: اسم الفاعل مختص بالحال والاستقبال» قلنا: لا نسلم، بدليل أنهم قالوا: إذا كان بمعنى الماضي لم يعمل عمل الفعل، وإذا كان بمعنى الحال فإنه يعمل عمل الفعل.

-25-

المسألة الثامنة: الكلمة إما أن يكون معناها مستقلاً بالمعلومية، أو لا يكون، وهذا الأخير هو الحرف، فامتياز الحرف عن الاسم والفعل بقيد عدمي، ثم نقول: والمستقل بالمعلومية إما أن يدل على الزمان المعين لذلك المسمى، أو لا يدل، والذي لا يدل هو الاسم، فامتاز الاسم عن الفعل بقيد عدمي، وأما الفعل فإن ماهيته متركبة من القيود الوجودية.

هل يدل الفعل على الفاعل المبهم:

المسألة التاسعة: إذا قلنا: ضرب، فهو يدل على صدور الضرب عن شيء ما إلا أن ذلك الشيء غير مذكور على التعيين، بحسب هذا اللفظ، فإن قالوا: هذا محال، ويدل عليه وجهان: الأول: أنه لو كان كذلك لكانت صيغة الفعل وحدها محتملة للتصديق والتكذيب، الثاني: أنها لو دلت على استناد الضرب إلى شيء مبهم في نفس الأمر وجب أن يمتنع إسناده إلى شيء معين، وإلا لزم التناقض، ولو دلت على استناد الضرب إلى شيء معين فهو باطل، لأنا نعلم بالضرورة أن مجرد قولنا ضرب ما وضع لاستناد الضرب إلى زيد بعينه أو عمرو بعينه، والجواب عن هذين السؤالين بجواب واحد، وهو أن ضرب صيغة غير موضوعة لإسناد الضرب إلى شيء مبهم في نفس الأمر، بل وضعت لإسناده إلى شيء معين يذكره ذلك القائل فقبل أن يذكره القائل لا يكون الكلام تاماً ولا محتملاً للتصديق والتكذيب، وعلى هذا التقدير فالسؤال زائل.

-26-

المسألة العاشرة: قالوا الحرف ما جاء لمعنى في غيره، وهذه لفظ مبهم، لأنهم إن أرادوا معنى الحرف أن الحرف ما دل على معنى يكون المعنى حاصلاً في غيره وحالاً في غيره لزمهم أن تكون أسماء الأعراض والصفات كلها حروفاً، وإن أرادوا به أنه الذي دل على معنى يكون مدلول ذلك اللفظ غير ذلك المعنى فهذا ظاهر الفساد، وإن أرادوا به معنى ثالثاً فلا بد من بيانه.

المسألة الحادية عشرة: التركيبات الممكنة من هذه الثلاثة ستة: الاسم مع الاسم، وهو الجملة الحاصلة من المبتدأ والخبر، والاسم مع الفعل، وهو الجملة الحاصلة من الفعل والفاعل وهاتان الجملتان مفيدتان بالاتفاق، وأما الثالث ـ وهو الاسم مع الحرف ـ فقيل: إنه يفيد في صورتين.

الصورة الأولى: قولك: «يا زيد» فقيل: ذلك إنما أفاد لأن قولنا يا زيد في تقدير أنادي واحتجوا على صحة قولهم بوجهين: الأول: أن لفظ يا تدخله الأمالة ودخول الأمالة لا يكون إلا في الاسم أو الفعل، والثاني: أن لام الجر تتعلق بها فيقال: «يالزيد» فإن هذه اللام لام الاستغاثة وهي حرف جر، ولو لم يكن قولنا يا قائمة مقام الفعل وإلا لما جاز أن يتعلق بها حرف الجر، لأن الحرف لا يدخل على الحرف، ومنهم من أنكر أن يكون يا بمعنى أنادي واحتج عليه بوجوه: الأول: إن قوله أنادي إخبار عن النداء، والأخبار عن الشيء مغاير للمخبر عنه، فوجب أن يكون قولنا أنادي زيداً مغايراً لقولنا يا زيد، الثاني: أن قولنا أنادي زيداً كلام محتمل للتصديق والتكذيب وقولنا يا زيد لا يحتملها، الثالث: أن قولنا يا زيد ليس خطاباً إلا مع المنادى، وقولنا أنادي زيداً غير مختص بالمنادى. الرابع: أن قولنا يا زيد يدل على حصول النداء في الحال، وقولنا أنادي زيداً لا يدل على اختصاصه بالحال، الخامس: أنه يصح أن يقال أنادي زيداً قائماً، ولا يصح أن يقال يا زيد قائماً، فدلت هذه الوجوه الخمسة على حصول التفرقة بين هذين اللفظين.

الصورة الثانية: قولنا: «زيد في الدار» فقولنا زيد مبتدأ والخبر هو ما دل عليه قولنا في إلا أن المفهوم من معنى الظرفية قد يكون في الدار أو في المسجد، فأضيفت هذه الظرفية إلى الدار لتتميز هذه الظرفية عن سائر أنواعها، فإن قالوا: هذا الكلام إنما أفاد لأن التقدير زيد استقر في الدار وزيد مستقر في الدار، فنقول: هذا باطل، لأن قولنا استقر معناه حصل في الاستقرار فكان قولنا فيه يفيد حصولاً آخر؛ وهو أنه حصل فيه حصول ذلك الاستقرار وذلك يفضي إلى التسلسل وهو محال، ثبت أن قولنا زيد في الدار كلام تام ولا يمكن تعليقه بفعل مقدر مضمر.

-27-

المسألة الثانية عشرة: الجملة المركبة إما أن تكون مركبة تركيباً أولياً أو ثانوياً، أما المركبة تركيباً أولياً فهي الجملة الإسمية أو الفعلية، والأشبه أن الجملة الإسمية أقدم في الرتبة من الجملة الفعلية لأن الاسم بسيط والفعل مركب، والبسيط مقدم على المركب، فالجملة الإسمية يجب أن تكون أقدم من الجملة الفعلية، ويمكن أن يقال: بل الفعلية أقدم؛ لأن الاسم غير أصيل في أن يسند إلى غيره، فكانت الجملة الفعلية أقدم من الجملة الإسمية، وأما المركبة تركيباً ثانوياً فهي الجملة الشرطية كقولك: «إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود» لأن قولك: «الشمس طالعة» جملة وقولك: «النهار موجود» جملة أخرى، ثم أدخلت حرف الشرط في إحدى الجملتين، وحرف الجزاء في الجملة الأخرى، فحصل من مجموعهما جملة واحدة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

الباب الرابع

في تقسيمات الاسم إلى أنواعه، وهي من وجوه:

أنواع الاسم:

التقسيم الأول: إما أن يكون نفس تصور معناه مانعاً من الشركة، أو لا يكون، فإن كان الأول، فإما أن يكون مظهراً، وهو العلم، وإما أن يكون مضمراً، وهو معلوم، وأما إذا لم يكن مانعاً من الشركة فالمفهوم منه: إما أن يكون ماهية معينة، وهو أسماء الأجناس، وإما أن يكون مفهومه أنه شيء ما موصوف بالصفة الفلانية، وهو المشتق، كقولنا أسود، فإن مفهومه أنه شيء ماله سواد. فثبت بما ذكرناه أن لاسم جنس تحته أنواع ثلاثة: أسماء الأعلام، وأسماء الأجناس، والأسماء المشتقة، فلنذكر أحكام هذه الأقسام.

أحكام الأعلام:

النوع الأول: أحكام الأعلام، وهي كثيرة: الحكم الأول: قال المتكلمون: اسم العلم لا يفيد فائدة أصلاً، وأقول: حق أن العلم لا يفيد صفة في المسمى. وأما ليس بحق أنه لا يفيد شيئاً، وكيف وهو يفيد تعريف تلك الذات المخصوصة؟ الحكم الثاني: اتفقوا على أن الأجناس لها أعلام، فقولنا: «أسد» اسم جنس لهذه الحقيقة؛ وقولنا: «أسامة» اسم علم لهذه الحقيقة، وكذلك قولنا: «ثعلب» اسم جنس لهذه الحقيقة، وقولنا: «ثعالة» اسم علم لها وأقول: الفرق بين اسم الجنس وبين علم الجنس من وجهين: الأول: إن اسم العلم هو الذي يفيد الشخص المعين من حيث إنه ذلك المعين، فإذا سمينا أشخاصاً كثيرين باسم زيد فليس ذلك لأجل أن قولنا: «زيد» موضوع لإفادة القدر المشترك بين تلك الأشخاص، بل لأجل أن لفظ زيد وضع لتعريف هذه الذات من حيث أنها هذه، ولتعريف تلك من حيث إنها تلك على سبيل الاشتراك، إذا عرفت هذا فنقول: إذا قال الواضع: وضعت لفظ أسامة لإفادة ذات كل واحد من أشخاص الأسد بعينها من حيث هي هي على سبيل الاشتراك اللفظي، كان ذلك علم الجنس، وإذا قال: وضعت لفظ الأسد لإفادة الماهية التي هي القدر المشترك بين هذه الأشخاص فقط من غير أن يكون فيها دلالة على الشخص المعين، كان هذا اسم الجنس، فقد ظهر الفرق بين اسم الجنس وبين علم الجنس.

-28-

الثاني: أنهم وجدوا أسامة اسماً غير منصرف وقد تقرر عندهم أنه ما لم يحصل في الاسم شيآن لم يخرج عن الصرف، ثم وجدوا في هذا اللفظ التأنيث، ولم يجدوا شيئاً آخر سوى العلمية، فاعتقدوا كونه علماً لهذا المعنى.

الحكمة الداعية إلى وضع الأعلام:

الحكم الثالث: اعلم أن الحكمة الداعية إلى وضع الأعلام أنه ربما اختص نوع بحكم واحتج إلى الأخبار عنه بذلك الحكم الخاص، ومعلوم أن ذلك الأخبار على سبيل التخصيص غير ممكن إلا بعد ذكر المخبر عنه على سبيل الخصوص، فاحتج إلى وضع الأعلام لهذه الحكمة.

الحكم الرابع: أنه لما كانت الحاجات المختلفة تثبت لأشخاص الناس فوق ثبوتها لسائر الحيوانات، لا جرم كان وضع الأعلام للأشخاص الإنسانية أكثر من وضعها لسائر الذوات.

العلم اسم ولقب وكنية:

الحكم الخامس: في تقسيمات الأعلام، وهي من وجوه: الأول: العلم إما أن يكون اسماً كإبراهيم وموسى وعيسى، أو لقباً كإسرائيل، أو كنية كأبي لهب. واعلم أن هذا التقسيم يتفرع عليه أحكام: الحكم الأول: الشيء إما أن يكون له الاسم فقط، أو اللقب فقط، أو الكنية فقط، أو الاسم مع اللقب، أو الاسم مع الكنية، أو اللقب مع الكنية، واعلم أن سيبويه أفرد أمثلة الأقسام المذكورة من تركيب الكنية والاسم، وهي ثلاثة: أحدها: الذي له الاسم والكنية كالضبع، فإن اسمها حضاجر، وكنيتها أم عامر، وكذلك يقال للأسد أسامة وأبو الحارث، وللثعلب ثعالة وأبو الحصين، وللعقرب شبوة وأم عريط. وثانيها: أن يحصل له الاسم دون الكنية كقولنا قثم لذكر الضبع، ولا كنية له. وثالثها: الذي حصلت له الكنية ولا اسم له، كقولنا للحيوان المعين أبو براقش. الحكم الثالث: الكنية قد تكون بالإضافات إلى الآباء، وإلى الأمهات، وإلى البنين، وإلى البنات، فالكنى بالآباء كما يقال للذئب أبو جعدة للأبيض، وأبو الجون، وأما الأمهات فكما يقال للداهية أم حبو كرى، وللخمر أم ليلى، وأما البنون فكما يقال للغراب ابن دأية، وللرجل الذي يكون حاله منكشفاً ابن جلا، وأما البنات فكما يقال لصدى ابنة الجبل، وللحصاة بنت الأرض. الحكم الرابع: الإضافة في الكنية قد تكون مجهولة النسب نحو ابن عرس وحمار قبان وقد تكون معلومة النسب نحو ابن لبون وبنت لبون وابن مخاض وبنت مخاض، لأن الناقة /إذا ولدت ولداً ثم حمل عليها بعد ولادتها فإنها لا تصير مخاضاً إلا بعد سنة، والمخاض الحامل المقرب، فولدها إن كان ذكراً فهو ابن مخاض، وإن كان أنثى فهي بنت مخاض، ثم إذا ولدت وصار لها لبن صارت لبوناً فأضيف الولد إليها بإضافة معلومة.

-29-

الحكم الخامس: إذا اجتمع الاسم واللقب: فالاسم إما أن يكون مضافاً أو لا، فإن لم يكن مضافاً أضيف الاسم إلى اللقب يقال هذا سعيد كرز وقيس بطة، لأنه يصير المجموع بمنزلة الاسم الواحد، وأما إن كان الاسم مضافاً فهم يفردون اللقب فيقولون هذا عبد الله بطة.

السرفي وضع الكنية.

الحكم السادس: المقتضى لحصول الكنية أمور: أحدها: الأخبار عن نفس الأمر كقولنا أبو طالب، فإنه كني بابنه طالب، وثانيها: التفاؤل والرجا كقولهم أبو عمرو لمن يرجو ولداً يطول عمره، وأبو الفضل لمن يرجو ولداً جامعاً للفضائل: وثالثها: الإيماء إلى الضد كأبي يحيـى للموت، ورابعها: أن يكون الرجل إنساناً مشهوراً وله أب مشهور فيتقارضان الكنية فإن يوسف كنيته أبو يعقوب ويعقوب كنيته أبو يوسف، وخامسها: اشتهار الرجل بخصلة فيكنى بها إما بسبب اتصافه بها أو انتسابه إليها بوجه قريب أو بعيد.

التقسيم الثاني للأعلام:

التقسيم الثاني للأعلام: العلم إما أن يكون مفرداً كزيد، أو مركباً من كلمتين لا علاقة بينهما كبعلبك، أو بينهما علاقة وهي: أما علاقة الإضافة كعبد الله وأبي زيد، أو علاقة الإسناد وهي إما جملة إسمية أو فعلية، ومن فروع هذا الباب أنك إذا جعلت جملة اسم علم لم تغيرها ألبتة، بل تتركها بحالها مثل تأبط شراً وبرق نرحه.

التقسيم الثالث للأعلام:

التقسيم الثالث: العلم إما أن يكون منقولاً أو مرتجلاً، أما المنقول فإما أن يكون منقولاً عن لفظ مفيد أو غير مفيد، والمنقول من المفيد إما أن يكون منقولاً عن الاسم، أو الفعل أو الحرف، أو ما يتركب منها، أما المنقول عن الاسم فإما أن يكون عن اسم عين: كأسد وثور، أو عن اسم معنى: كفضل ونصر، أو صفة حقيقية: كالحسن، أو عن صفة إضافية كالمذكور والمردود، والمنقول عن الفعل إما أن يكون منقولاً عن صيغة الماضي كشمر، أو عن صيغة المضارع كيحيـى، أو عن الأمر كاطرقا، والمنقول عن الحرف كرجل سميته بصيغة من صيغ الحروف، وأما المنقول عن المركب من هذه الثلاثة فإن كان المركب مفيداً فهو المذكور في التقسيم، وإن كان غير مفيد فهو يفيد، وأما المنقول عن صوت فهو مثل تسمية بعض العلوية بطباطبا، وأما المرتجل فقد يكون قياساً مثل عمران وحمدان فإنهما من أسماء الأجناس مثل سرحان وندمان، وقد يكون شاذاً قلما يوجد له نظير مثل محبب وموهب.

-30-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس