عرض مشاركة واحدة
 
  #9  
قديم 12-27-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق 31-40 من 259

تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق 31-40 من 259


{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }



التقسيم الرابع للأعلام:

التقسيم الرابع: الأعلام إما أن تكون للذوات أو المعاني، وعلى التقديرين فإما أن يكون العلم علم الشخص، أو علم الجنس، فههنا أقسام أربعة، وقبل الخوض في شرح هذه الأقسام فيجب أن تعلم أن وضع الأعلام للذوات أكثر من وضعها للمعاني، لأن أشخاص الذوات هي التي يتعلق الغرض بالأخبار عن أحوالها على سبيل التعيين، أما أشخاص الصفات فليست كذلك في الأغلب. ولنرجع إلى أحكام الأقسام الأربعة، فالقسم الأول: العلم للذوات والشرط فيه أن يكون المسمى مألوفاً للواضع، والأصل في المألوفات الإنسان، لأن مستعمل أسماء الأعلام هو الإنسان، وإلف الشيء بنوعه أتم من إلفه بغير نوعه، وبعد الإنسان الأشياء التي يكثر احتياج الإنسان إليها وتكثر مشاهدته لها، ولهذا السبب وضعوا أعوج ولاحقاً علمين لفرسين، وشذقما وعليا لفحلين، وضمران لكلب، وكساب لكلبة، وأما الأشياء التي لا يألفها الإنسان فقلما يضعون الأعلام لأَشخاصها، أما القسم الثاني: فهو علم الجنس للذوات، وهو مثل أسامة للأسد، وثعالة للثعلب، وأما القسم الثالث: فهو وضع الأعلام للأفراد المعينة من الصفات؛ وهو مفقود لعدم الفائدة، وأما القسم الرابع: فهو علم الجنس للمعاني، والضابط فيه أنا إذا رأينا حصول سبب واحد من الأسباب التسعة المانعة من الصرف ثم منعوه الصرف علمنا أنهم جعلوه علماً لما ثبت أن المنع من الصرف لا يحصل إلا عند اجتماع سببين، وذكر ابن جني أمثلة لهذا الباب، وهي تسميتهم التسبيح بسبحان، والغدو بكيسان، لأنهما غير منصرفين، فالسبب الواحد ـ وهو الألف والنون ـ حاصل. ولا بدّ من حصول العلمية ليتم السببان.

التقسيم الخامس للأعلام:

التقسيم الخامس للأعلام: اعلم أن اسم الجنس قد ينقلب اسم علم. كما إذا كان المفهوم من اللفظ أمراً كلياً صالحاً لأن يشترك فيه كثيرون. ثم إنه في العرف يختص بشخص بعينه، مثل «النجم» فإنه في الأصل اسم لكل نجم، ثم اختص في العرف بالثريا، وكذلك «السماك» اسم مشتق من الارتفاع ثم اختص بكوكب معين.

الباب الخامس

في أحكام أسماء الأجناس والأسماء المشتقة، وهي كثيرة:

أحكام اسم الجنس:

أما أحكام أسماء الأجناس فهي أمور: الحكم الأول: الماهية قد تكون مركبة، وقد تكون بسيطة، وقد ثبت في العقليات أن المركب قبل البسيط في الجنس، وأن البسيط قبل المركب في الفصل، وثبت بحسب الاستقراء أن قوة الجنس سابقة على قوة الفصل في الشدة والقوة، فوجب أن تكون أسماء الماهيات المركبة سابقة على أسماء الماهيات البسيطة.

الحكم الثاني في اسم الجنس:

الحكم الثاني: أسماء الأجناس سابقة بالرتبة على الأسماء المشتقة، لأن الاسم المشتق متفرع على الاسم المشتق منه، فلو كان اسمه أيضاً مشتقاً لزم إما التسلسل أو الدور، وهما محالان، فيجب الانتهاء في الاشتقاقات إلى أسماء موضوعة جامدة، فالموضوع غني عن المشتق والمشتق محتاج إلى الموضوع، فوجب كون الموضوع سابقاً بالرتبة على المشتق، ويظهر بهذا أن هذا الذي يعتاده اللغويون والنحويون من السعي البليغ في أن يجعلوا كل لفظ مشتقاً من شيء آخر سعي باطل وعمل ضائع.

-31-

الحكم الثالث في اسم الجنس:

الحكم الثالث: الموجود إما واجب وإما ممكن، والمكن إما متحيز أو حال في المتحيز؛ أو لا متحيز ولا حال في المتحيز أما هذا القسم الثالث فالشعور به قليل، وإنما يحصل الشعور بالقسمين الأولين، ثم إنه ثبت بالدليل أن المتحيزات متساوية في تمام ذواتها، وأن الاختلاف بينها إنما يقع بسبب الصفات القائمة بها، فالأسماء الواقعة على كل واحد من أنواع الأجسام يكون المسمى بها مجموع الذات مع الصفات المخصوصة القائمة بها، هذا هو الحكم في الأكثر الأغلب.

وأما أحكام الأسماء المشتقة فهي أربعة: الحكم الأول: ليس من شرط الاسم المشتق أن تكون الذات موصوفة بالمشتق منه، بدليل أن المعلوم مشتق من العلم، مع أن العلم غير قائم بالمعلوم. وكذا القول في المذكور والمرئي والمسموع، وكذا القول في اللائق والرامي. الحكم الثاني: شرط صدق المشتق حصول المشتق منه في الحال، بدليل أن من كان كافراً ثم أسلم فإنه يصدق عليه أنه ليس بكافر. وذلك يدل على أن بقاء المشتق منه شرط في صدق الاسم المشتق. الحكم الثالث: المشتق منه إن كان ماهية مركبة لا يمكن حصول أجزائها على الاجتماع، مثل الكلام والقول والصلاة، فإن الاسم المشتق إنما يصدق على سبيل الحقيقة عند حصول الجزء الأخير من تلك الأجزاء. الحكم الرابع: المفهوم من الضارب أنه شيء ماله ضرب، فأما أن ذلك الشيء جسم أو غيره فذلك خارج عن المفهوم لا يعرف إلا بدلالة الالتزام.

الباب السادس

في تقسيم الاسم إلى المعرب والمبني، وذكر الأحكام المفرعة

على هذين القسمين، وفيه مسائل:

المسألة الأولى: في لفظ الأعراب وجهان: أحدهما: أن يكون مأخوذاً من قولهم: «أعرب عن نفسه» إذا بين ما في ضميره، فإن الإعراب إيضاح المعنى، والثاني: أن يكون أعرب منقولاً من قولهم: «عربت معدة الرجل» إذا فسدت، فكان المراد من الإعراب إزالة الفساد ورفع الإبهام، مثل أعجمت الكتاب بمعنى أزلت عجمته.

المسألة الثانية: إذا وضع لفظ الماهية وكانت تلك الماهية مورداً لأحوال مختلفة وجب أن يكون اللفظ مورداً لأَحوال مختلفة لتكون الأحوال المختلفة اللفظية دالة على الأحوال المختلفة المعنوية، كما أن جوهر اللفظ لما كان دالاً على أصل الماهية كان اختلاف أحواله دالاً على اختلاف الأحوال المعنوية، فتلك الأحوال المختلفة اللفظية الدالة على الأحوال المختلفة المعوية هي الإعراب.

المسألة الثالثة: الأفعال والحروف أحوال عارضة للماهيات، والعوارض لا تعرض لها عوارض أخرى، هذا هو الحكم الأكثري، وإنما الذي يعرض لها الأحوال المختلفة هي الذوات، والألفاظ الدالة عليها هي الأسماء، فالمستحق للإعراب بالوضع الأول هو الأسماء.

-32-

المسألة الرابعة: إنما اختص الإعراب بالحرف الأخير من الكلمة لوجهين: الأول: أن الأحوال العارضة للذات لا توجد إلا بعد وجود الذات، واللفظ لا يوجد إلا بعد وجود الحرف الأخير منه، فوجب أن تكون العلامات الدالة على الأحوال المختلفة المعنوية لا تحصل إلا بعد تمام الكلمة. الثاني: أن اختلاف حال الحرف الأول والثاني من الكلمة للدلالة على اختلاف أوزان الكلمة، فلم يبق لقبول الأحوال الإعرابية إلا الحرف الأخير من الكلمة.

المسألة الخامسة: الإعراب ليس عبارة عن الحركات والسكنات الموجودة في أواخر الكلمات بدليل أنها موجودة في المبينات والإعراب غير موجود فيها بل الإعراب عبارة عن استحقاقها لهذه الحركات بسبب العوامل المحسوسة، وذلك الاستحقاق معقول لا محسوس، والإعراب حاجة معقولة لا محسوسة.

المسألة السادسة: إذا قلنا في الحرف: إنه متحرك أو ساكن، فهو مجاز، لأن الحركة والسكون من صفات الأجسام، والحرف ليس بجسم، بل المراد من حركة الحرف صوت مخصوص يوجد عقيب التلفظ بالحرف، والسكون عبارة عن أن يوجد الحرف من غير أن يعقبه ذلك الصوت المخصوص المسمى بالحركة.

المسألة السابعة: الحركات إما صريحة أو مختلسة، والصريحة إما مفردة أو غير مفردة فالمفردة ثلاثة وهي: الفتحة، والكسرة، والضمة، وغير المفردة ما كان بين بين، وهي ستة لكل واحدة قسمان، فللفتحة ما بينها وبين الكسرة أو ما بينها وبين الضمة، وللكسرة ما بينها وبين الضمة أو ما بينها وبين الفتحة، والضمة على هذا القياس، فالمجموع تسعة. وهي أما مشبعة أو غير مشبعة، فهي ثمانية عشر، والتاسعة عشرة المختلسة، وهي ما تكون حركة وإن لم يتميز في الحس لها مبدأ، وتسمى الحركة المجهولة، وبها قرأ أبو عمرو


مختلسة الحركة من بارئكم وغير ظاهرة بها.

المسألة الثامنة: لما كان المرجع بالحركة والسكون في هذا الباب إلى أصوات مخصوصة لم يجب القطع بانحصار الحركات في العدد المذكور، قال ابن جني اسم المفتاح بالفارسية ـ وهو كليد ـ لا يعرف أن أوله متحرك أو ساكن، قال: وحدثني أبو علي قال: دخلت بلدة فسمعت أهلها ينطقون بفتحة غريبة لم أسمعها قبل، فتعجبت منها وأقمت هناك أياماً فتكلمت أيضاً بها، فلما فارقت تلك البلدة نسيتها.

المسألة التاسعة: الحركة الإعرابية متأخرة عن الحرف تأخراً بالزمان، ويدل عليه وجهان: الأول: أن الحروف الصلبة كالباء والتاء والدال وأمثالها إنما تحدث في آخر زمان حبس النفس وأول إرساله، وذلك آن فاصل ما بين الزمانين غير منقسم، والحركة صوت يحدث عند إرسال النفس، ومعلوم أن ذلك الآن متقدم على ذلك الزمان فالحرف متقدم على الحركة.

-33-

الثاني: أن الحروف الصلبة لا تقبل التمديد، والحركة قابلة للتمديد، فالحرف والحركة لا يوجدان معاً لكن الحركة لا تتقدم على الحرف، فبقي أن يكون الحرف متقدماً على الحركة.

المسألة العاشرة: الحركات أبعاض من حروف المد واللين، ويدل عليه وجوه، الأول: أن حروف المد واللين قابلة للزيادة والنقصان، وكل ما كان كذلك فله طرفان، ولا طرف لها في النقصان إلا هذه الحركات، الثاني: أن هذه الحركات إذا مددناها ظهرت حروف المد واللين فعلمنا أن هذه الحركات ليست إلا أوائل تلك الحروف، الثالث: لو لم تكن الحركات أبعاضاً لهذه الحروف لما جاز الاكتفاء بها لأنها إذا كانت مخالفة لها لم تسد مسدها فلم يصح الاكتفاء بها منها بدليل استقراء القرآن والنثر والنظم، وبالجملة فهب أن إبدال الشيء من مخالفه القريب منه جائز إلا أن إبدال الشيء من بعضه أولى، فوجب حمل الكلام عليه.

الابتداء بالساكن:

المسألة الحادية عشرة: الابتداء بالحرف الساكن محال عند قوم، وجائز عند آخرين، لأن الحركة عبارة عن الصوت الذي يحصل التلفظ به بعد التلفظ بالحرف، وتوقيف الشيء على ما يحصل بعده محال.

المسألة الثانية عشرة: أثقل الحركات الضمة، لأنها لا تتم إلا بضم الشفتين، ولا يتم ذلك إلا بعمل العضلتين الصلبتين الواصلتين إلى طرفي الشفة، وأما الكسرة فإنه يكفي في تحصيلها العضلة الواحدة الجارية، ثم الفتحة يكفي فيها عمل ضعيف لتلك العضلة، وكما دلت هذه المعالم التشريحية على ما ذكرناه فالتجربة تظهره أيضاً، واعلم أن الحال فيما ذكرناه يختلف بحسب أمزجة البلدان، فإن أهل أذربيجان يغلب على جميع ألفاظهم إشمام الضمة، وكثير من البلاد يغلب على لغاتهم إشمام الكسرة والله أعلم.

المسألة الثالثة عشرة: الحركات الثلاثة مع السكون إن كانت إعرابية سميت بالرفع والنصب والجر أو الخفض والجزم، وإن كانت بنائية سميت بالفتح والضم والكسر والوقف.

المسألة الرابعة عشرة: ذهب قطرب إلى أن الحركات البنائية مثل الإعرابية، والباقون خالفوه، وهذا الخلاف لفظي، فإن المراد من التماثل إن كان هو التماثل في الماهية فالحس يشهد بأن الأمر كذلك وإن كان المراد حصول التماثل في كونها مستحقة بحسب العوامل المختلفة فالعقل يشهد أنه ليس كذلك.

المسألة الخامسة عشرة: من أراد أن يتلفظ بالضمة فإنه لا بدّ له من ضم شفتيه أولاً ثم رفعهما ثانياً، ومن أراد التلفظ بالفتحة فإنه لا بدّ له من فتح الفم بحيث تنتصب الشفة العليا عند ذلك الفتح، ومن أراد التلفظ بالكسرة فإنه لا بدّ له من فتح الفم فتحاً قوياً والفتح القوي لا يحصل إلا بانجرار اللحى الأسفل وانخفاضه، فلا جرم يسمى ذلك جراً وخفضاً وكسراً لأن انجرار القوي يوجب الكسر، وأما الجزم فهو القطع.

-34-

وأما أنه لم سمي وقفاً وسكوناً فعلته ظاهرة.

المسألة السادسة عشرة: منهم من زعم أن الفتح والضم والكسر والوقف أسماء للأحوال البنائية، كما أن الأربعة الثانية أسماء للأحوال الإعرابية، ومنهم من جعل الأربعة الأول: أسماء تلك الأحوال سواء كانت بنائية أو إعرابية، وجعل الأربعة الثانية أسماء للأحوال الإعرابية، فتكون الأربعة الأولى بالنسبة إلى الأربعة الثانية كالجنس بالنسبة إلى النوع.

المسألة السابعة عشر: أن سيبويه يسميها بالمجاري، ويقول: هي ثمانية وفيه سؤالان: الأول: لم سمى الحركات بالمجاري فإن الحركة نفسها الجري، والمجرى موضع الجري، فالحركة لا تكون مجرى؟ وجوابه أنا بينا أن الذي يسمى ههنا بالحركة فهو في نفسه ليس بحركة إنما هو صوت يتلفظ به بعد التلفظ بالحرف الأول، فالمتكلم لما انتقل من الحرف الصامت إلى هذا الحرف فهذا الحرف المصوت إنما حدث لجريان نفسه وامتداده، فلهذا السبب صحت تسميته بالمجرى. السؤال الثاني: قال المازني: غلط سيبويه في تسميته الحركات البنائية بالمجاري لأن الجري إنما يكون لما يوجد تارة ويعدم تارة. والمبني لا يزول عن حاله، فلم يجز تسميته بالمجاري، بل كان الواجب أن يقال: المجاري أربعة وهي الأحوال الإعرابية. والجواب أن المبنيات قد تحرك عند الدرج، ولا تحرك عند الوقف، فلم تكن تلك الأحوال لازمة لها مطلقاً.

المسألة الثامنة عشرة: الإعراب اختلاف آخر الكلمة باختلاف العوامل: بحركة أو حرف تحقيقاً أو تقديراً، أما الاختلاف فهو عبارة عن موصوفية آخر تلك الكلمة بحركة أو سكون بعد أن كان موصوفاً بغيرها، ولا شك أن تلك الموصوفية حالة معقولة لا محسوسة فلهذا المعنى قال عبد القاهر النحوي: الإعراب حالة معقولة لا محسوسة، وأما قوله: «باختلاف العوامل» فاعلم أن اللفظ الذي تلزمه حالة واحدة أبداً هو المبني، وأما الذي يختلف آخره فقسمان: أحدهما: أن لا يكون معناه قابلاً للأحوال المختلفة كقولك: «أخذت المال من زيد» فتكون «من» ساكنة، ثم تقول: «أخذت المال من الرجل» فتفتح النون، ثم تقول «أخذت المال من ابنك» فتكون مكسورة فههنا اختلف آخر هذه الكلمة إلا أنه ليس بإعراب، لأن المفهوم من كلمة «من» لا يقبل الأحوال المختلفة في المعنى، وأما القسم الثاني: وهو الذي يختلف آخر الكلمة عند اختلاف أحوال معناهاـ فذلك هو الإعراب.

المسألة التاسعة عشرة: أقسام الإعراب ثلاثة: الأول: الإعراب بالحركة، وهي في أمور ثلاثة: أحدها: الاسم الذي لا يكون آخره حرفاً من حروف العلة، سواء كان أوله أو وسطه معتلاً أو لم يكن، نحو رجل، ووعد، وثوب، وثانيها: أن يكون آخر الكلمة واواً أو ياءً ويكون ما قبله ساكناً، فهذا كالصحيح في تعاقب الحركات عليه، تقول: هذا ظبي وغزو ومن هذا الباب المدغم فيهما كقولك: كرسي وعدو لأن المدغم يكون ساكناً فسكون الياء من كرسي والواو من عدو كسكون الباء من ظبي والزاي من غزو، وثالثها: أن تكون الحركة المتقدمة على الحرف الأخير من الكلمة كسرة وحينئذٍ يكون الحرف الأخير ياء، وإذا كان آخر الكلمة ياء قبلها كسرة كان في الرفع والجر على صورة واحدة وهي السكون، وأما في النصب فإن الياء تحرك بالفتحة قال الله تعالى:

-35-


القسم الثاني من الإعراب: ما يكون بالحرف، وهو في أمور ثلاثة: أحدها: في الأسماء الستة مضافة، وذلك جاءني أبوه وأخوه وحموه وهنوه وفوه وذو مال، ورأيت أباه ومررت بأبيه، وكذا في البواقي، وثانيها: «كلا» مضافاً إلى مضمر، تقول: جاءني كلاهما ومررت بكليهما ورأيت كليهما، وثالثها: التثنية والجمع، تقول: جاءني مسلمان ومسلمون ورأيت مسلمين ومسلمين ومررت بمسلمين ومسلمين. والقسم الثالث: الإعراب التقديري، وهو في الكلمة التي يكون آخرها ألفاً وتكون الحركة التي قبلها فتحة، فإعراب هذه الكلمة في الأحوال الثلاثة على صورة واحدة تقول: هذه رحا ورأيت رحا ومررت برحا.

أصول الإعراب:

المسألة العشرون: أصل الإعراب أن يكون بالحركة، لأنا ذكرنا أن الأصل في الإعراب أن يجعل الأحوال العارضة للفظ دلائل على الأحوال العارضة للمعنى، والعارض للحرف هو الحركة لا الحرف الثاني، وأما الصور التي جاء إعرابها بالحروف فذلك للتنبيه على أن هذه الحروف من جنس تلك الحركات.

أنواع الاسم المعرب:

المسألة الحادية والعشرون: الاسم المعرب، ويقال له المتمكن نوعان: أحدهما: ما يستوفي حركات الإعراب والتنوين، وهو المنصرف والأمكن، والثاني: ما لا يكون كذلك بل يحذف عنه الجر والتنوين ويحرك بالفتح في موضع الجر إلا إذا أضيف أو دخله لام التعريف، ويسمى غير المنصرف، والأسباب المانعة من الصرف تسعة فمتى حصل في الاسم اثنان منها أو تكرر سبب واحد فيه امتنع من الصرف، وهي: العلمية، والتأنيث اللازم لفظاً ومعنى، ووزن الفعل الخاص به أو الغالب عليه، والوصفية، والعدل، والجمع الذي ليس على زنة واحدة، والتركيب، والعجمة في الأعلام خاصة، والألف والنون المضارعتان لألفي التأنيث.

سبب منع الصرف:

المسألة الثانية والعشرون: إنما صار اجتماع اثنين من هذه التسعة مانعاً من الصرف، لأن كل واحد منها فرع، والفعل فرع عن الاسم، فإذا حصل في الاسم سببان من هذه التسعة صار ذلك الاسم شبيهاً بالفعل في الفرعية، وتلك المشابهة تقتضي منع الصرف، فهذه مقدمات أربع:

المقدمة الأولى: في بيان أن كل واحد من هذه التسعة فرع، أما بيان أن العلمية فرع فلأن وضع الاسم للشيء لا يمكن إلا بعد صيرورته معلوماً، والشيء في الأصل لا يكون معلوماً ثم يصير معلوماً وأما أن التأيث فرع فبيانه تارة بحسب اللفظ وأخرى بحسب المعنى: أما بحسب اللفظ فلان كل لفظة وضعت لماهية فإنها تقع على الذكر من تلك الماهية بلا زيادة وعلى الأنثى بزيادة علامة التأنيث، وأما بحسب المعنى فلأن الذكر أكمل من الأنثى، والكامل مقصود بالذات، والناقص مقصود بالعرض، وأما أن الوزن الخاص بالفعل أو الغالب عليه فرع فلأن وزن الفعل فرع للفعل، والفعل فرع للاسم، وفرع الفرع فرع وأما أن الوصف فرع فلأن الوصف فرع عن الموصوف، وأما أن العدل فرع فلأن العدول عن لاشيء إلى غيره مسبوق بوجود ذلك الأصل وفرع عليه، وأما أن الجمع الذي ليس على زنته واحد فرع فلان ذلك الوزن فرع على وجود الجمع، لأنه لا يوجد إلا فيه، والجمع فرع على الواحد لأن الكثرة فرع على الوحدة، وفرع الفرع فرع، وبهذا الطريق يظهر أن التركيب فرع، وأما أن المعجمة فرع فلأن تكلم كل طائفة بلغة أنفسهم أصل وبلغة غيرهم فرع، وأما أن الألف والنون في سكران وأمثاله يفيدان الفرعية فلأن الألف والنون زائدان على جوهر الكلمة، والزائد فرع، فثبت بما ذكرنا أن هذه الأسباب التسعة توجب الفرعية.

-36-

المقدمة الثانية: في بيان أن الفعل فرع، والدليل عليه أن الفعل عبارة عن اللفظ الدال على وقوع المصدر في زمان معين، فوجب كونه فرعاً على المصدر.

المقدمة الثالثة: أنه لما ثبت ما ذكرناه ثبت أن الاسم الموصوف بأمرين من تلك الأمور التسعة يكون مشابهاً للفعل في الفرعية ومخالفاً له في كونه اسماً في ذاته، والأصل في الفعل عدم الإعراب كما ذكرنا، فوجب أن يحصل في مثل هذا الاسم أثران بحسب كل واحد من الاعتبارين المذكورين، وطريقه أن يبقى إعرابها من أكثر الوجوه، ويمنع من إعرابها من بعض الوجوه، ليتوفر على كل واحد من الاعتبارين ما يليق به.

المسألة الثالثة والعشرون: إنما ظهر هذا الأثر في منع التنوين والجر لأجل أن التنوين يدل على كمال حال الاسم، فإذا ضعف الاسم بحسب حصول هذه الفرعية أزيل عنه ما دل على كمال حاله، وأما الجر فلأن الفعل يحصل فيه الرفع والنصب، وأما الجر فغير حاصل فيه فلما صارت الأسماء مشابهة للفعل لا جرم سلب عنها الجر الذي هو من خواص الأسماء.

المسألة الرابعة والعشرون: هذه الأسماء بعد أن سلب عنها الجر إما أن تترك ساكنة في حال الجر أو تحرك، والتحريك أولى، تنبيهاً على أن المانع من هذه الحركة عرضي لا ذاتي، ثم النصب أول الحركات لأنا رأينا أن النصب حمل على الجر في التثنية والجمع السالم، فلزم هنا حمل الجر على النصب تحقيقاً للمعارضة.

المسألة الخامسة والعشرون: اتفقوا على أنه إذا دخل على ما لا ينصرف الألف واللام أو أضيف انصرف كقوله: مررت بالأحمر، والمساجد، وعمركم، ثم قيل: السبب فيه أن الفعل لا تدخل عليه الألف واللام والإضافة فعند دخولهما على الاسم خرج الاسم عن مشابهة الفعل، قال عبد القاهر: هذا ضعيف؛ لأن هذه الأسماء إنما شابهت الأفعال لما حصل فيها من الوصفية ووزن الفعل، وهذه المعاني باقية عند دخول الألف واللام والإضافة فيها فبطل قولهم: إنه زالت المشابهة وأيضاً فحروف الجر والفاعلية والمفعولية من خواص الأسماء ثم إنها تدخل على الأسماء مع أنها تبقي غير منصرفة، والجواب عن الأول: أن الإضافة ولام التعريف من خواص الأسماء فإذا حصلتا في هذه الأسماء فهي وإن ضعفت في الإسمية بسبب كونها مشابهة للفعل إلا أنها قويت بسبب حصول خواص الأسماء فيها، إذا عرفت هذا فنقول: أصل الإسمية يقتضي قبول الإعراب من كل الوجوه، إلا أن المشابهة للفعل صارت معارضة للمقتضى، فإذا صار هذا المعارض معارضاً بشيء آخر ضعف المعارض، فعاد المقتضي عاملاً عمله، وأما السؤال الثاني فجوابه: أن لام التعريف والإضافة أقوى من الفاعلية والمفعولية لأن لام التعريف والإضافة يضادان التنوين، والضدان متساويان في القوة فلما كان التنوين دليلاً على كمال القوة فكذلك الإضافة وحرف التعريف.

-37-

المسألة السادسة والعشرون: لو سميت رجلاً بأحمر لم تصرفه، بالاتفاق، لاجتماع العلمية ووزن الفعل، أما إذا نكرته فقال سيبويه: لا أصرفه، وقال الأخفش: أصرفه. واعلم أن الجمهور يقولون في تقرير مذهب سيبويه على ما يحكى أن المازني قال: قلت للأخفش: كيف قلت مررت بنسوة أربع فصرفت مع وجود الصفة ووزن الفعل؟ قال: لأن أصله الإسمية فقلت: فكذا لا تصرف أحمر اسم رجل إذا نكرته لأن أصله الوصفية، قال المازني: فلم يأتِ الأخفش بمقنع، وأقول: كلام المازني ضعيف، لأن الصرف ثبت على وفق الأصل في قوله: «مررت بنسوة أربع» لأنه يكفي عود الشيء إلى حكم الأصل أدنى سبب، بخلاف المنع من الصرف؛ فإنه على خلاف الأصل فلا يكفي فيه إلا السبب القوي، وأقول: الدليل على صحة مذهب سيبويه أنه حصل فيه وزن الفعل والوصفية الأصلية فوجب كونه غير منصرف، أما المقدمة الأولى فهي إنما تتم بتقرير ثلاثة أشياء: الأول: ثبوت وزن الفعل وهو ظاهر، والثاني: الوصفية، والدليل عليه أن العلم إذا نكر صار معناه الشيء الذي يسمى بذلك الاسم. فإذا قيل: «رب زيد رأيته» كان معناه رب شخص مسمى باسم زيد رأيته، ومعلوم أن كون الشخص مسمى بذلك الاسم صفة لا ذات، والثالث: أن الوصفية أصلية، والدليل عليه أن لفظ الأحمر حين كان وصفاً معناه الاتصاف بالحمرة، فإذا جعل علماً ثم نكر كان معناه كونه مسمى بهذا الاسم، وكونه كذلك صفة إضافية عارضة له، فالمفهومان اشتركا في كون كل واحد منهما صفة إلا أن الأول يفيد صفة حقيقية والثاني يفيد صفة إضافية، والقدر المشترك بينهما كونه صفة، فثبت بما ذكرنا أن حصل فيه وزن الفعل والوصفية الأصلية فوجب كونه غير منصرف لما ذكرناه.

-38-

فإن قيل: يشكل ما ذكرتم بالعلم الذي ما كان وصفاً فإنه عند التنكير ينصرف مع أنه عند التنكير يفيد الوصفية بالبيان الذي ذكرتم.

قلنا إنه وإن صار عند التنكير وصفاً إلا أن وصفيته ليست أصلية لأنها ما كانت صفة قبل ذلك بخلاف الأحمر فإنه كان صفة قبل ذلك، والشيء الذي يكون في الحال صفة مع أنه كان قبل ذلك صفة كان أقوى في الوصفية مما لا يكون كذلك، فظهر الفرق.

واحتج الأخفش بأن المقتضى للصرف قائم وهو الاسمية، والعارض الموجود لا يصح معارضاً، لأنه علم منكر والعلم المنكر موصوف بوصف كونه منكراً، والموصوف باقٍ عند وجود الصفة، فالعلمية قائمة في هذه الحالة، والعلمية تنافي الوصفية، فقد زالت الوصفية فلم يبق سوى وزن الفعل والسبب الواحد لا يمنع من الصرف، والجواب: أنا بينا بالدليل العقلي أن العلم إذا جعل منكراً صار وصفاً في الحقيقة فسقط هذا الكلام.

المسألة السابعة والعشرون: قال سيبويه: السبب الواحد لا يمنع الصرف، خلافاً للكوفيين، حجة سيبويه أن المقتضى للصرف قائم، وهو الإسمية، والسببان أقوى من الواحد فعند حصول السبب الواحد وجب البقاء على الأصل. وحجة الكوفيين قولهم المقدم، وقد قيل أيضاً: ـ

وما كان حصن ولاحابسيفوقان مرداس في مجمع

وجوابه أن الرواية الصحيحة في هذا البيت: يفوقان شيخي في مجمع.

المسألة الثامنة والعشرون: قال سيبويه: ما لا ينصرف يكون في موضع الجر مفتوحاً واعترضوا عليه بأن الفتح من باب البناء، وما لا ينصرف غير مبني، وجوابه أن الفتح اسم لذات الحركة من غير بيان أنها إعرابية أو بنائية.

المسألة التاسعة والعشرون: إعراب الأسماء ثلاثة: الرفع، والنصب، والجر، وكل واحد منها علامة على معنى، فالرفع علم الفاعلية، والنصب علم المفعولية، والجر علم الإضافة وأما التوابع فإنها في حركاتها مساوية للمتبوعات.

سر ارتفاع الفاعل وانتصاب المفعول:

المسألة الثلاثون: السبب في كون الفاعل مرفوعاً والمفعول منصوباً والمضاف إليه مجرراً وجوه: ـ

الأول: أن الفاعل واحد، والمفعول أشياء كثيرة، لأن الفعل قد يتعدى إلى مفعول واحد، وإلى مفعولين، وإلى ثلاثة، ثم يتعدى أيضاً إلى المفعول له، وإلى الظرفين، وإلى المصدر والحال، فلما كثرت المفاعيل اختير لها أخف الحركات وهو النصب، ولما قل الفاعل اختير له أثقل الحركات وهو الرفع، حتى تقع الزيادة في العدد مقابلة للزيادة في المقدار فيحصل الاعتدال.

الثاني: أن مراتب الموجودات ثلاثة: مؤثر لا يتأثر وهو الأقوى، وهو درجة الفاعل ومتأثر لا يؤثر وهو الأضعف، وهو درجة المفعول، وثالث يؤثر باعتبار ويتأثر باعتبار وهو المتوسط، وهو درجة المضاف إليه، والحركات أيضاً ثلاثة: أقواها الضمة وأضعفها الفتحة وأوسطها الكسرة، فألحقوا كل نوع بشبيهه، فجعلوا الرفع الذي هو أقوى الحركات للفاعل الذي هو أقوى الأقسام، والفتح الذي هو أضعف الحركات للمفعول الذي هو أضعف الأقسام والجر الذي هو المتوسط للمضاف إليه الذي هو المتوسط من الأقسام.

-39-

الثالث: الفاعل مقدم على المفعول: لأن الفعل لا يستغني عن الفاعل، وقد يستغني عن المفعول، فالتلفظ بالفاعل يوجد والنفس قوية، فلا جرم أعطوه أثقل الحركات عند قوة النفس، وجعلوا أخف الحركات لما يتلفظ به بعد ذلك.

أنواع المرفوعات وأصلها:

المسألة الحادية والثلاثون: المرفوعات سبعة: الفاعل، والمبتدأ، وخبره، واسم كان، واسم ما ولا المشبهتين بليس، وخبرإن، وخبر لا النافية للجنس، ثم قال الخليل الأصل في الرفع الفاعل، والبواقي مشبهة به، وقال سيبويه: الأصل هو المبتدأ، والبواقي مشبهة به، وقال الأخفش: كل واحد منهما أصل بنفسه، واحتج الخليل بأن جعل الرفع إعراباً للفاعل أولى من جعله إعراباً للمبتدأ، والأولوية تقتضي الأولية: بيان الأول: أنك إذا قلت: «ضرب زيد بكر» بإسكان المهملتين لم يعرف أن الضارب من هو والمضروب من هو أما إذا قلت: «زيد / قائم» بإسكانهما عرفت من نفس اللفظتين أن المبتدأ أيهما والخبر أيهما، فثبت أن افتقار الفاعل إلى الإعراب أشد، فوجب أن يكون الأصل هو. وبيان الثاني أن الرفعية حالة مشتركة بين المبتدأ والخبر، فلا يكون فيها دلالة على خصوص كونه مبتدأ ولا على خصوص كونه خبراً، أما لا شك أنه في الفاعل يدل على خصوص كونه فاعلاً، فثبت أن الرفع حق الفاعل، إلا أن المبتدأ لما أشبه الفاعل في كونه مسنداً إليه جعل مرفوعاً رعاية لحق هذه المشابهة، وحجة سيبويه: أنا بينا أن الجملة الإسمية مقدمة على الجمل الفعلية، فإعراب الجملة الإسمية يجب أن يكون مقدماً على إعراب الجملة الفعلية، والجواب: أن الفعل أصل في الإسناد إلى الغير فكانت الجملة الفعلية مقدمة. وحينئذٍ يصير هذا الكلام دليلاً للخليل.

أنواع المفاعيل:

المسألة الثانية والثلاثون:

المفاعيل خمسة، لأن الفاعل لا بدّ له من فعل وهو المصدر، ولا بدّ لذلك الفعل من زمان، ولذلك الفاعل من عرض، ثم قد يقع ذلك الفعل في شيء آخر وهو المفعول به، وفي مكان، ومع شيء آخر، فهذا ضبط القول في هذه المفاعيل. وفيه مباحث عقلية: أحدها: أن المصدر قد يكون هو نفس المفعول به كقولنا: «خلق الله العالم» فإن خلق العالم لو كان مغايراً للعالم لكان ذلك المغاير له إن كان قديماً لزم من قدمه قدم العالم وذلك ينافي كونه مخلوقاً وإن كان حادثاً افتقر خلقه إلى خلق آخر ولزم التسلسل وثانيها: أن فعل الله يستغني عن الزمان، لأنه لو افتقر إلى زمان وجب أن يفتقر حدوث ذلك الزمان إلى زمان آخر ولزم التسلسل وثالثها: أن فعل الله يستغني عن العرض؛ لأن ذلك العرض إن كان قديماً لزم قدم الفعل وإن كان حادثاً لزم التسلسل، وهو محال.

-40-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم

آخر تعديل بواسطة admin ، 12-27-2010 الساعة 05:50 PM
رد مع اقتباس