تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق 1-2
وقوله تعالى: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }.
لم يبين هنا من هؤلاء الذين أنعم عليهم. وبين ذلك في موضع آخر بقوله:
تنبيهان
الأول: يؤخذ من هذه الآية الكريمة صحة إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. لأنه داخل فيمن أمرنا الله في السبع المثاني والقرآن العظيم. - أعني الفاتحة - بأن نسأله أن يهدينا صراطهم. فدل ذلك على أن صراطهم هو الصراط المستقيم.
وذلك في قوله: { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } ، وقد بين الذين أنعم عليهم فعد منهم الصديقين. وقد بين صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر رضي الله عنه من الصديقين، فاتضح أنه داخل في الذين أنعم الله عليهم.. الذين أمرنا الله أن نسأله الهداية إلى صراطهم فلم يبق لبس في أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه على الصراط المستقيم، وأن إمامته حق.
الثاني: قد علمت أن الصديقين من الذين أنعم الله عليهم. وقد صرح تعالى بأن مريم ابنة عمران صديقة في قوله:
{ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ } [المائدة5: 75] الآية -
وإذن فهل تدخل مريم في قوله تعالى: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } [الفاتحة: 7] أو لا؟
الجواب: أن دخولها فيهم يتفرع على قاعدة أصولية مختلف فيها معروفة، وهي: هل ما في القرآن العظيم والسنة من الجموع الصحيحة المذكرة ونحوها مما يختص بجماعة الذكور تدخل فيه الإناث أو لا يدخلن فيه إلا بدليل منفصل؟ فذهب قوم إلى أنهن يدخلن في ذلك. وعليه: فمريم داخلة في الآية واحتج أهل هذا القول بأمرين:
الأول: إجماع أهل اللسان العربي على تغليب الذكور على الإناث في الجمع.
والثاني: ورود آيات تدل على دخولهن في الجموع الصحيحة المذكرة ونحوها، كقوله تعالى في مريم نفسها:
-1-
وإنما النزاع في الذي يتبادر من الجمع المذكر ونحوه عند الإطلاق. وعن الآيات بأن دخول الإناث فيها. إنما علم من قرينة السياق ودلالة اللفظ، ودخولهن في حالة الاقتران بما يدل على ذلك لا نزاع فيه.
وعلى هذا القول: فمريم غير داخلة في الآية. وإلى هذا الخلاف أشار في مراقي السعود بقوله:
وما شمول من للأنثى جنف | | وفي شبيه المسلمين اختلفوا |
وقوله: { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }.
قال جماهير من علماء التفسير { ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } اليهود و { ٱلضَّآلِّينَ } النصارى. وقد جاء الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه. واليهود والنصارى وإن كانوا ضالين جميعاً مغضوباً عليهم جميعاً، فإن الغضب إنما خص به اليهود، وإن شاركهم النصارى فيه، لأنهم يعرفون الحق وينكرونه ويأتون الباطل عمداً، فكان الغضب أخص صفاتهم. والنصارى جهلة لا يعرفون الحق، فكان الضلال أخص صفاتهم.
وعلى هذا فقد يبين أن { ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } اليهود. قوله تعالى فيهم:
{ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ } [البقرة2: 90] الآية -
وقوله فيهم أيضاً:
-2-