الموضوع: بيع رابح
عرض مشاركة واحدة
 
  #3  
قديم 05-27-2009
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي رد: بيع رابح



بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على النبي الأمين، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

لقد أثلج قلبي وسرني أخي العزيز، هذه الوقفة الجميلة مع كلام الله، الذي لا نزال وسنبقى حائرين متفكرين متأملين فيما ينبع له من المعاني، فكلام الله، ليس كباقي الكلام، فعند قراءتي لهذا الكلام الكريم المبارك، أشعر به يسير داخل جسدي، يبحث في أعماقي، يتكلم مع عقلي وقلبي وفؤادي، يتلمس أحاسيسي، يبحث عن الأسئلة التي تدور داخلي، ثم تأتي الإجابة، وأنا لم أقرأها ولم أتعلمها من قبل، أشعر كأن الله يلهمني الإجابة، لذلك ما عدت أقول أنني أقرأ القرآن، بقدر ما يقرأني هذا الكلام، ما عدت أقول أنني أفسر كلام الله، ولكن الله يبين لي من المعاني التي لا تنفذ ما يريد له عز وجل أن يبان في هذا الموقف، مع هذه التجربة، في هذا الوقت، في هذا المكان، وكلما قرأت كلام الله، وكلما تغير عليّ الزمان أو تغير علي المكان، أو إزدادت تجربة شيء، أو مرت علي مشكلة، أو كانت جوارحي تحتاج أن تملأ بإحدى حاجاتها، وجدت أن ما ينبع من المعاني لكلام الله قد إختلف، وهذا مصداق لقوله عز وجل (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) (القيامة: 19)، لذلك لا يسعني إلا أن أقول ما قاله سبحانه وتعالى (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة: 282).

مداخلة بسيطة وتذكرة يسيرة، نسأل الله أن ينفعنا بالذكرى:

- عندما ننظر لهذه الآية الكريمة العظيمة، نجد في الصورة التوضيحية التي رسمها لنا عز وجل أنه هو (الذي إشترى)، وفي العادة تحديد الثمن يكون من قبل البائع، فإذا تم الإتفاق تتم عملية البيع، ولكن في هذه الصورة، نجد أن الله وهو (المشتري) هو الذي يحدد الثمن وهي (الجنة) ولا تتم أي عملية بيع برضى البائع إلا إذا رضي عن الثمن، وعندما يحدد المشترى الثمن ويسكت البائع، فإن هذا يدل على أن الثمن الذي حدده المشتري هو أكبر من أي ثمن يخطر على بال البائع، وإلا لجاء الإعتراض، وهذا إذا دل على شيء فإنما يدل على أن ما في الجنة هو أكثر بكثير مما تتصور عقولنا، مع أننا نطلب الجنة في الدعاء ونطلب الفردوس الأعلى في الجنة، ولكن هذه الآية بالذات إنما تدل على أن أقل مرتبة في الجنة هي أعلى بكثير مما قد نتصور أو نطلب، فلو أننا نحن من حدد الثمن، أي نحن من سيطلب الهيئة والكيفية التي ستكون فيها الجنة لقصرنا بحق أنفسنا ولظلمناها، لذلك جاء العطاء منه عز وجل.

- ثم لو أننا قارنا ما نعلمه بما لا نعلمه، أي لو قارنا هذه الحياة الدنيا التي نحياها مع الجنة التي لا ندرك كنهها وما فيها حتى مع ما جاء من كثير الآيات والأحاديث الواصفة لها، إلا أنها لا زالت مبهمة عصية عن الإدارك، لو قارنا بقدر علمنا وقدرتنا على الفهم، الحياة الدنيا مع الجنة، ماذا سنجد:

* أولا وأهم ما نقارن به هو (مدة المكوث)، أي زمن الإقامة، فكم سنبقى في الحياة الدنيا؟ وكم سنبقى في الجنة؟ فما نعلمه من الواقع الذي نعيشه والذي يصدقه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (أعمار أمتي بين الستين والسبعين)، وقليل ما يقل وقليل ما يزيد، ومن معرفتنا أن اليوم عند الله أي في الجنة أو النار هو كألف سنة مما نعد على الأرض في قوله عز وجل (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (الحج: 47)، فلو أننا قمنا بعملية حسابية بسيطة لمعرفة مقدار الساعة في الجنة على وجه الأرض بأن نقسم الألف على 24، لوجدنا أن الساعة في الجنة تساوي بالتقريب 42 سنة، مجازا سنقول أربعين سنة، وبهذا فإن مدة مكوثنا على وجة الأرض هو بالتقريب ما بين الساعة الواحدة والساعتين، أي بالإجمال أقل من ساعتين، أما مدة مكوثنا في الجنة، فما نعلمه من وعد الله في كتابه الكريم فهو (خالدين فيها أبداً) أي كما جاء في حديث الرسول (خلود ولا ممات)، فهي مستمرة لا تنتهي، وبهذا فإن كفتي الميزان في وقت المكوث هي ساعتين على وجه الأرض أو إلى أبد الآبدين في الجنة، فماذا ستختار يا إنسان، هل ستفضل الساعتين على هذا المقدار اللانهائي؟ فإن أنت فعلت كنت كمن باع جبلا من الذهب بدرهمين، فانظر أي عقل لك.

* الأمر الثاني الواجب علينا أن نقارنه، هو الرضى والسخط، ففي حياتنا الدنيا، نحن بين كفي الرحمن يقلبنا كيف يشاء، ولا نأمن مكر الله طالما أننا في هذه الحياة الدنيا، فقد يصبح الإنسان مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، لذلك فأننا في خطر عظيم أن نموت والله يسخط علينا، ولكن إذا ما قارنا هذا مع ما في وجودنا في الجنة، ماذا سنجد، سنجد في الجنة أن الله يرضى عنا فلا يسخط علينا أبداً، فإن نحن دخلنا الجنة (اللهم بلغنا الجنة وإجعلنا من أهلها)، فلن يسخط علينا عز وجل أبدا ولن يخرجنا منها، أي أننا أصبحنا آمنين مطمئنين لا خوف علينا ولا نحن نحزن، يقول عز وجل (جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) (البينة: 8).

* ثم لننظر للنعم في الدنيا وللنعم في الجنة، فمع أن نعم الجنة مشابهة لنعم الدنيا من ناحية المظهر، ولكننا نعلم أننا في الدنيا عندما نتنعم بنعمها، فإن النعمة تنقلب نقمة إذا ما أفرطنا فيها ولو قليلا، لذلك قال عز وجل عن نعم الدنيا (فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا)، ومرئيا هنا بمعنى محمود العواقب، أي لعلك لا تصاب بالضرر بعد الأكل، أي مهما كانت قدرتك على شراء الطعام، فإنك لا تستطيع أن تأكل أكثر من طاقتك، ومهما كانت قدرتك على شراء الملابس فإنك لن تستطيع أن تلبس أكثر من قدرتك ومهما كانت قدرتك على بناء القصور، فإنك لن تنام إلا في غرفة واحدة، حتى في هذه الغرفة فإنك لن تنام إلا في زاوية صغيرة منها، أما في الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشر، فإن النعيم فيها مقيم، ومهما تمتعت بالأكل والشرب وتنعمت به، فلا مجال لأن تُضر، لذلك فإن آيات الأكل في الجنة لم تلحقها كلمة (مريئا) بل أكتفى عز وجل بقوله (كلوا هنيئا)، يقول عز وجل (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الطور: 19) أو (المرسلات: 43)، ويقول (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) (الحاقة: 24).

* ثم انظر لجسدك في الدنيا وجسدك في الجنة، ففي الدنيا، كل جسد به مشكلة ما، قد يكون ضعيفا وقد يكون مريضا وقد يكون أعمى وقد يكون أصم وقد يكون أخرس وقد يكون ابكم وقد يكون مقعدا وقد يكون قبيحا وقد يكون أطول من المعتاد أو أقصر من المعتاد أو اسمن من المعتاد أو أي عيب آخر، وإذا ما كان الجسد سليماً فإن الوقت كفيل بأن تلحق به إحدى هذه العلل وتصيبه، ثم أنظر لأجسادنا في الجنة، الطول بطول جسد سيدنا آدم، والجمال بجمال سيدنا يوسف، والعمر بعمر سيدنا عيسى، أما مرور الوقت في الجنة فهو لا يقلل هذه الصفات بل يزيدها حُسنا، وهذا نعلمه من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عندما ذكر لنا أن في الجنة سوقا يسمى سوق الجمعة، تهب فيه نسمة من الهواء تلفح وجوه من فيه، فيزدادوا حسنا.

* ثم لا ننسى أن أعظم النعم في الجنة لذة النظر لوجه الله الكريم، اللهم ارزقنا لذة النظر لوجهك الكريم، اللهم آمين.

بعد أن تتفكر بكل هذا يا حبيب الله، عليك أن تقرر هل تريد عقد هذه الصفقة بينك وبين الله، هل تريد أن تبيع الدنيا وتشترى الآخرة، أم أنك تفضل الدنيا.

ولكن لا تنسى شيئا مهما، لو أنك فضلت الدنيا على الآخرة، أسالك هذا السؤال، هل تستطيع أن تمنع عن نفسك الموت، والبعث والحساب والنار؟

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم

آخر تعديل بواسطة admin ، 05-27-2009 الساعة 10:34 AM
رد مع اقتباس