تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }
العبادةُ في اللغة: مأخوذة من الذلة، يقال: طريقٌ معبّد، وبعيرٌ معبَّد أي مذلّل.
وفي الشرع: هي ما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف، وقدّم المفعول وكرّر للإهتمام والحصر، أي لا نعبد إلا إياك ولا نتوكل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة، والدين يرجع كله إلى هذين المعنيين، فالأول تبرؤ من الشرك، والثاني تبرءٌ من الحول والقوة والتفويض إلى الله عزّ وجلّ، وهذا المعنى في غير آيةٍ من القرآن:
وإنما قدّم { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } على { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } لإن العبادة له هي المقصودة، والاستعانة وسيلة إليها، والأصل أن يقدم ما هو الأهم فالأهم، فإن قيل: فما معنى النون في { نَعْبُدُ } و { نَسْتَعِينُ } فإن كانت للجمع فالداعي واحد، وإن كانت للتعظيم فلا يناسب هذا المقام؟ وقد أجيب: بأن المراد من ذلك الإخبار عن جنس العباد، والمصلي فردٌ منهم ولا سيما إن كان في جماعة أو إمامهم، فأخبر عن نفسه وعن إخوانه المؤمنين بالعبادة التي خُلقوا لأجلها وتوسَّط لهم بخير، و { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } ألطفُ في التواضع من (إيَّاك عبدنا)، لما في الثاني من تعظيم نفسه من جعل نفسه وحده أهلاً لعبادة الله تعالى الذي لا يستطيع أحد أن يعبده حق عبادته، ولا يثني عليه كما يليق به، والعبادة مقام عظيم يَشْرُف به العبد لانتسابه إلى جناب الله تعالى كما قال بعضهم:
لا تدعني إلا بيا عبدها | | فإنه أشرف أسمائي |
وقد سمّى رسوله صلى الله عليه وسلم بعبده في أشرف مقاماته فقال: