رد: خذلناك يا رمضان... فعذراً
أيها الكرام:
كانت طليطلة دار الملك بالأندلس قبيل فتح المسلمون لها* وكان بها بيت مغلق متحامي الفتح يحرسه قوم قد وكلوا به كي لا يُفتح* وقد عهد كل حاكم في ذلك إِلى الآخر، فكلما قصد منهم ملك أتاه أولئك الموكلون بالبيت فأخذوا منه قفلاً وصيَّروهُ على ذلك الباب من غير أن يزيلوا قفل من تقدمه؛ فلما قعد "لُذَريق" أتاه الحراس يسألونه أن يَقْفِلَ على البابِ، فقال لهم: لا أفعل أو أعلم ما فيه، ولا بد لي من فتحه، فقالوا له: أيها الملك، إنه لم يفعل هذا أحدٌ ممن قبلك، وتناهوا عن فتحه، فلم يلتفت إِليهم ومشى إِلى البيت وظن أَنَّهُ بيت مال، ففضّ الأقفال عنه ودخل، فألفاه فارغًا لا شئ فيه، إِلا تابوتًا عليه قفل، فأمر بفتحه، فألفاهُ أيضًا فارغًا إِلا لوحة مُدّرجَة قد صورت فيها صور المسلمين عليهم العمائم وتحتهم الخيول، متقلّدي السيوف، رافعي الرايات على الرماح، وفي أعلاها أسطر مكتوبة بالأعجميّة، فَقُرِئَت فإذا فيها: "إِذا كُسِرَتِ الأقفالُ عن هذا البيتِ وَفُتِحَ هذا التابوتُ فَظَهَرَ ما فيهِ من هذه الصور فإنَّ هذه الأمة المصوّرة في هذه اللوحة تدخل الأندلس، فتغلب عليها وتملكها". فَوُجِمَ "لُذَريق" وَنَدِمَ على ما فعل. وفي رواية اخرى: " أصابه الهمّ والغمّ والحزن الشديد بعد هذه الحادثة".
هكذا كنا يوم ان اعتز المسلمون بدينهم وطبقوا شرعة الله وحملوا رسالته فأعزهم الله ورضي عنهم وقذف في قلوب أعدائهم المهابة منهم...
هكذا كنا يوم كانت دولة الخلافة قائمة تطبق شرع الله يستوي فيها الخليفة وعامل النظافة* وابن القاضي مع ابن الفقير هذا ان كان في الدولة فقراء.
وصرنا غثاء كغثاء السيل لا قيمة له ولا وزنا يهيننا اراذل الارض ويعيثون فينا الفساد والقتل والدمار. مزقنا شر ممزق بل تهنا اكثر مما تاه بنو اسرائيل في التيه* وكل ذلك لغياب دولة الخلافة الاسلامية وسلطان المسلمين الحامي لاعراضهم وحاقن دمائهم. عن أنس قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( ... إنما السلطان ظل الله ورمحه في الأرض ).
أفبعد كل هذا وذلك ما زال بيننا من يقول أصلح الفرد يصلح المجتمع؟!!
سُأل القرطبي رحمه الله : كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيرا فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك؟
فقال: لا يلزم من تصفيد جميع الشياطين أن لا يقع شر ولا معصية ؛ لأن لذلك أسبابا غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية . فتح الباري شرح صحيح البخاري
إذاً أيها الكرام هي: 1. نفوسنا 2. وعاداتنا 3. وشياطين الأنس بيننا
أما النفس: فيكفينا قول رسولُ الله صلى الله عليه وسلم" :لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئتُ به ".
وأما عاداتنا: قال صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد".
وأما شياطين الأنس : قال تعالى:{ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ[5]مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ[6]}
وقال بعض أهل العلم: بأن الشيطان الإنسي أخطر من الشيطان الجني، وأكثر ضرراً، وأشد فتكاً.
وعن شياطين الانس حدث ولا حرج* وأي شياطيم أكبر من حكامنا وجلاوزتهم واعلامهم المفسد في رمضان الذين حرفوا هذه العبادة عن معناها الصحيح* فحاربونا في بيوتنا وفي الشوارع والمدارس وغيرها من شتى مجالات الحياة التي يتحكمون بها* فأفسدوا علينا رمضان!
ومن سيحمينا منهم غير خليفة المسلمين لينظف مجتمعاتنا من فسادهم.
كما قال إبن تيمية رحمه الله: السلطان أقوى الأسباب التي بها يصلح أمور خلقه و عباده* ففيه من القدرة والسلطان والحفظ والنصرة وغير ذلك من معاني السؤدد التي بها قوام الخلق* ما يشبه أن يكون ظل الله في الأرض* فإذا صلح ذو السلطان صلحت أمور الناس* وإذا فسد فسدت بحسب فساده.
قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: "ما يزع الناس السلطان أكثر مما يزعهم القرآن". وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند موته: "إن الناس لم يزالوا بخير ما استقامت لهم ولاتهم وهداتهم".وابن مسعود رضي الله عنه يقول: " لن تزالوا بخير ما صلحت أئمتكم".
أيها الصائمون:
هذا حالنا في شهر الصيام* قد رفعته إليكم، فماذا أنتم فاعلون ونحن نفارق شهر الصلح مع رب العالمين* أتريدون أن يمر علينا رمضان تلو رمضان، وليس لنا راع يرعانا ويرعى صيامنا * والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول " إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ".
أيها الصائمون، إن حالنا الكئيب لن يتغير بذاته، وإنما يتغير بأعمالنا* فإن تبنا إلى ربنا في هذا الشهر العظيم* وشمرنا عن سواعد الجد واضطلعنا بأعباء قضيتنا. فإننا بحول الله سنسترد ما ضاع منا. سنسترد مضمون عقيدتنا التي تجاهلها أبناؤنا* وسنسترد العبادات التي أضاعوها* وسنسترد البلاد التي فرطوا فيها* وسنسترد خيراتنا التي سلبت منا* وسنسترد طعم العزة والكرامة* وسنسترد القيادة والسيادة التي كانت فينا* لنواصل نشر رسالة الإسلام في العالم. فهذه فرصتكم للصلح فيها مع ربكم* فلا تفوتوها على أنفسكم* وتوبوا إلى الله* وتبرؤوا من معاصيكم* واعلموا أن في آخر هذا الشهر المبارك سترفع صحائفكم إلى بارئكم* أفلا تحبون أن ترضوه عز وجل بأعمالكم* فتعزوا في دنياكم وآخرتكم. أفلا تحبون أن تتفيئوا ظلال سلطان الإسلام في رمضانكم القادم إن شاء الله* فترضوه سبحانه وتعالى بتطبيق شرعه على أرضه. فهنيئا لمن تاب وعمل لاستئناف الحياة الإسلامية* فهو بإذن الله مع السفرة الكرام البررة، فهلموا إلى العمل ولا تتولوا. ولا تتقاعسوا ولا تتخاذلوا ولا تتخلفوا. فهذا شهر العتق من النار فاعتقوا رقابكم يرحمكم الله. ( فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ).
وتقبل الله صيامكم وقيامكم وكل طاعاتكم.
اللهم إن نواصينا بيديك، وأمورنا ترجع إليك، وأحوالَنا لا تخفى عليك، إليك نرفع بثنا وحزننا وشكوانا، نشكو اللهم إليك ظلم الظالمين، وغلبة الفاجرين، وخيانة الخائنين، يا رب العالمين، اللهم نسألك عزاً للإسلام والمسلمين، اللهم عجل لنا بأمير المؤمنين، خليفة المسلمين، الذي يحكمنا بكتابك وبسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.
اللهم أيد العاملين لإعزاز دينك بأقوياء المؤمنين، وأتقياء المؤمنين، وأنقياء المؤمنين، ليمكنوهم من إقامة شرعك على أرضك، اللهم كما أيدت حبيبك ورسولك محمد - صلى الله عليه وسلم - بالأنصار، نسألك أن تؤيد العاملين لدينك ودعوتك برجال كرجال الأنصار ينصرون الدين يا رب العالمين. اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ولا تعذبنا فإنك علينا قادر، اللهم إنا نسألك الشهادة في سبيلك وإعلاء كلمتك بنية خالصة لوجهك الكريم، مقبلين غير مدبرين.
اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
__________________
ذَبَحُوكِ يَا أُمّيْ بِلَيلٍ أَسوَدِ = وَرَمَوا بِرَأْسِكِ فِي تُرَابِ المَرقَدِ
وأَتَوا بأُمٍّ من صليبٍ كَافِرٍ = قالت! نجَوتُمْ مِنْ خلافةِ أَحمَدِ
جَاؤوا بِأحقادِ العُصُورِ وَأَلبَسُوا = ثَوبَ الرِّعَايَةِ لِلعَمِيلِ المُنكِدِ
وَفَقَدْتُ بَعْضَاً مِنْ صِحَابِيْ بَاكِيَاً = أَلَمَ اعْتِقَالٍ أَوْ دَمَ المُسْتَشْهِدِ
فَبَدَتْ بَشَائِرُ عَودَةٍ بِتُؤدَّةٍ* = وَاليومَ أنظُرُ عَودَ أُمّي في الغَدِ
|