تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق 1-2
{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }
قوله: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }.
صراط بدل من الأول.
والذين أنعم عليهم هم الأنبياء صلوات الله عليهم والصدِّيقون والصالحون بدلالة قوله:
وقيل: هم أصحاب النبي [عليه السلام]، قاله الحسن.
وقيل: هم المؤمنون من بني إسرائيل الذين لم يغيروا ولا بدلوا، بدليل قوله:
وقيل: هم المسلمون.
وقال أبو العالية: " هم محمد [عليه السلام] وأبو بكر وعمر ".
وقال قتادة: " هم الأنبياء خاصة ".
وقال ابن عباس: " هم أصحاب موسى قبل أن يبدلوا ".
وهذا دعاء أمر الله عز وجل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أن يدعوا به وألا يكونوا مثل المغضوب / عليهم - وهم اليهود -، ولا مثل الضالين - وهم النصارى -، ولا على صراطهم.
ودخلت " لا " في قوله: { وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } لئلا يتوهم أن { ٱلضَّآلِّينَ } عطف على { ٱلَّذِينَ } في قوله: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ }. فبدخول " لا " امتنع أن يتوهم متوهم ذلك إذ لا تقع " لا " إلا بعد نفي أو ما هو في معنى النفي.
وقيل: " لا " زائدة.
وقيل: هي تأكيد بمعنى: " غير ".
ولم يجمع { ٱلْمَغْضُوبِ } ، لأنه في معنى الذين غضب عليهم / فلا ضمير فيه إذ لا يتعدى إلا بحرف جر. فلو قدرت فيه ضميراً، كنت قد عديته إلى مفعولين أحدهما بحرف جر / وهذا ليس يحسن فيه. إنما تقول: " غضبت على زيد " و " غضب على زيد ". فالمخفوض يقوم مقام الفاعل. وكذلك { عَلَيْهِم } في موضع رفع يقوم مقام المفعول الذي لم يسم فاعله. والهاء والميم يعودان على الألف واللام.
والغضب من الله البعد من رحمته. والضلال الحيرة.
" و { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ } " خفض على النعت " للذين " من قوله { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ } ، وحَسَنٌ ذلك لأنه شائع لا يراد به جمع بعينه فصار كالنكرة، فجاز نعته " بغير " ، و " غير " نكرة وإن أضيفت إلى معرفة. ويجوز أن تخفض " غير " على البدل من [الذين. وقد قرئ] بالنصب على الحال أو على الاستثناء، وقد شرحت هذا في كتاب: " مشكل الإعراب " بأشبع من هذا.
ويقول المأموم إذا سمع { وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }: آمين. ويقولها وحده. واختلف في قول الإمام إياها عن مالك.
و (آمين)، قيل: هو اسم من أسماء الله تعالى.
وقيل: هو دعاء بمعنى: " اللَّهم استجب ".
-1-
وقال ابن عباس والحسن: " معنى " آمين ": كذلك يكون ". وهي تمد وتقصر لغتان.
والمؤمن داع. فقد قال الله لموسى وهارون:
{ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا } [يونس10: 89].
وموسى كان هو الداعي، وهارون يؤمن، والمؤمن إذا قال: " اللهم استجب " فهو داع بالإجابة، وهو مبني لوقوعه موقع الدعاء / وبني على حركة لالتقاء الساكنين وكان / الفتح أولى به لأن قبل آخره ياء.
وروى أبو هريرة عن النبي [عليه السلام] قال: " إِذَا قَالَ الإمَامُ { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } ، فَقُولُوا: آمينَ، فإنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " ، أي من وافقه في الإجابة.
-2-