إيجار ليموزين في مطار القاهرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    ليموزين المطار في مصر الرفاهية والراحة في خدمة المسافرين  آخر رد: الياسمينا    <::>    حفل تكريم أوائل الثانوية العامة للعام الدراسي 2023.  آخر رد: الياسمينا    <::>    دورة البادل، كانت فكرة وبالجهد نجحت  آخر رد: الياسمينا    <::>    لاونج بموقع مميز ودخل ممتاز للتقبيل في جدة حي الخالدية  آخر رد: الياسمينا    <::>    تورست لايجار السيارات والليموزين في مصر  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    المحامية رباب المعبي تحاضر عن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإر...  آخر رد: الياسمينا    <::>    مساعدة عائلة محاصرة في قطاع غزة يواجهون مخاطر الموت  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > القرآن الكريم > آيات القرآن الكريم

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #11  
قديم 12-18-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير التفسير/ ابن عرفة (ت 803 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير التفسير/ ابن عرفة (ت 803 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


قوله تعالى: { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ.. }

قال الزمخشري: الحَمْدُ والمدح أخوان.

فقيل: معناه أنهما مترادفان، وقيل: متقاربان، وقيل: متغايران، فالحمد يطلق على الله تعالى والمدح لا يطلق عليه. وأما الشكر/ فحكى أبو حيان فيه ثلاثة أقوال قال الطبري: هو الحمد، وقيل: غيره، وقيل: الحمد أعمّ منه، فالحمد يطلق على الصفات الجميلة والشكر على الأفعال الجزيلة. وظاهر كلام الزمخشري قول رابع أن بينهما عموم وخصوص وجه دون وجه فالحمد يكون باللّسان على الصفات الجميلة والأفعال الجزيلة والشكر يكون بالقول والفعل والقلب على الأفعال (خاصة)، واحتجوا له بقول الشاعر:

أفادتكم النعماء مني ثلاثةيدي، ولساني، والضمير المحجبا


قال ابن عرفة: وعادتهم يتعقبونه بانه لم يسمه شكرا وإنما سماه نعماء وعلى تقدير أن لو سمّاه (شكرا) فلا دليل فيه. لأن العربي إنّما يحتج بقوله فيما يرجع إلى نظم الكلام وأحكامه اللفظية الإعرابية. أما ما يحكم عليه بأنه كذا فلا يحتج به كما ذكر في الإرشاد الرد عليهم في استدلالهم على كلام النفس (بقول) الأخطل:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنماجُعل اللّسان على الفؤاد دليلا


وذكر هذه الأقوال (الأربعة) ابن هارون في شرح ابن الحاجب الأصلي.

والألف واللاّم في " الحمد " إما للجنس أو (للعهد) أو للماهية. وقرر القاضي العماد الجنس بأنّ الحمد يختلف فيه القديم (والحادث) لأنّ الله تعالى في الأزل حمد نفسه بنفسه، فيتناول حمدنا له وحمده هو لنفسه وقرر العهد بأنّ النعم لما كان (اللّسان) يستحضرها فكأنه يعهدها إلى الله تعالى.

واختار القاضي العماد أنها للماهية وضعف كونه للجنس، وقرر بأن الله تعالى تعبدنا بحمده، أي نحمده بما حمد به نفسه فالحمد القديم (مماثل) (للحادث) بمعنى اللفظ المؤدي باللّسان هو المعنى القديم الذي وصف الله به نفسه، كما أن القرآن قديم أزلي، ونحن نعبر عنه (بألفاظنا الحادثة) فالحمد إذا حقيقة واحدة.

قال: (وهذا البحث من نظري) فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان.

قال ابن عرفة: وحاصله هل المعتبرُ في الحمد صفة الفاعل أو صفة متعلق الحمد، فإن اعتبرته الحمد من حيث الفاعل فهو حادث وإن (اعتبرته) من حيث صفة المحمود جاء منها الذي قاله العماد.

ولما ذكر (بعضهم) كونها للجنس قال: إنها دالة على أفرادها مطابقة.

قال ابن عرفة: هذا جار (الخلاف) في دلالة (العام) على بعض أفراده هل (هو) مطابقة تضمن أو التزام؟

قال ابن عطية: وقرأ سفيان بن عينية (ورؤبة) بن العجاج: " الحمد " لله بفتح الدال علما على إضمار فعل.

قال ابن عرفة: وقالوا وقراءة الضم أدل على الثبوت (كقولهم له) علم (علم الفقهاء) بالنصب والرفع.

قال الزمخشري: ومنه قوله تعالى:

-1-

{ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ } (الذاريات51: 25)

(بالرفع في) الثّاني ليدلّ على أنّ إبراهيم حياهم بتحية أحسن من تحيتهم لأن الرفع دال على الثبوت. وكذا قال السكاكي في علم البيان.

قال ابن عرفة: وعادتهم يوردون عليه تشكيكا من ناحية أن سلام الملائكة على إضمار (فعل) مؤكد بالمصدر، والدّال على إثبات الحقيقة وإزالة الشك عن الحديث الأعم من أن يكون وقوعه منهم ثابتا، أو لا؟ والاسم المرفوع دال على ثبوت وقوع السلام منهم أعم من أن يكون حقيقة أو مجازا، فتعادلا، فليس أحدهما بأبلغ من الآخر. قال: وكان يمشي لنا الجواب عنه بأن سلام إبراهيم إنما هو بعد سلام الملائكة ردا عليهم، والبعدية تقتضي الحدوث (والتجدّد)، فلو عبر فيه بالفعل لتوهّم (فيه) الحدوث، وأنه إنّما سلم ردا عليهم فعبّر بالاسم (تنبيها) على أن (سلامِيَ) عليكم كان ثابت ولو لم تبدؤوني بالسّلام. وسلام الملائكة لما كان ابتدائيا لا يتوهّم فيه البعدية ولا أنه جواب وَرَدّ عبّروا فيه بالفعل (إذْ) لا ضرورة تدعو إلى التعبير بالاسم.

قلت: وأورد بعض نحاة الزمان على هذا إشكالين.

-الأول: كيف يصح حذف الفعل مع أن المصدر مؤكد له والفعل المؤكد يحذف لأن مقام الاختصار مناف لمقام التأكيد (فيمنع) أن (يكون) المصدر هنا مؤكدا؟

-الثاني: (إنما يمنع) أن هذا أبلغ لأن هذا المصدر نائب مناب الفعل لا مؤكدا له وكأنه لم يحذف من الكلام شيء سلمنا أنه مؤكد لكن نقول: هو مؤكد لوجود الفعل وثبوته في نفس الأمر على سبيل الثبوت واللزوم، أو على سبيل التجدد والحدوث نظرٌ آخر، وانظر ما قيدته في سورة الذاريات.

قوله تعالى: {.. رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

قال الزمخشري: لفظ الرّب لا يطلق هكذا إلا على الله تعالى فهو في غيره مقيد بالإضافة تقول: ربّ الدّابة وربّ الدّار.

قال ابن عرفة: فإن قلت: قد قال الأصوليون كل ما صدق مقيدا صدق مطلقا؟

فالجواب: أن ذلك باعتبار المفعولية وهذا باعتبار الإطلاق اللفظي.

وفي حديث مسلم عن عبد الله بن عمر عن أبية في أشراط الساعة " أن تلد الأمَة ربتها ".

قال ابن عطية: ويروى أنها تعدل ثلثي القرآن. والعدل إما في المعاني باشتمالها على التوحيد وغيره، وَ

{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } (الصمد112: 1)

على التوحيد فقط، وإما أن يكون (فضلا) من الله لا يعلل.

-2-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #12  
قديم 12-18-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق

تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }


الحَمْدُ: معناه الثناء الكاملُ، والألف واللام فيه لاِستغراقِ الجنس من المحامد، وهو أعم من الشكر؛ لأنَّ الشكر إنما يكون على فِعْلٍ جميل يسدى إِلى الشاكر، والحمد المجرَّد هو ثناء بصفات المحمود.

قال: * ص *: وهل الحمدُ بمعنى الشكْر أو الحمدُ أَعمُّ، أو الشكر ثناءٌ على اللَّه بأفعاله، والحمد ثناء عليه بأوصافه؟ ثلاثةُ أقوال. انتهى.

قال الطبريُّ: الحمدُ لِلَّهِ: ثناءٌ أثنَىٰ به على نفسه تعالَىٰ، وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا به عليه؛ فكأنه قال: قولوا: الحمد للَّه، وعلى هذا يجيء: قولوا: { إِيَّاكَ } ، وَ { ٱهْدِنَا }.

قال: وهذا من حذف العربِ ما يدلُّ ظاهر الكلام عليه، وهو كثيرٌ.

والرب؛ في اللغة: المعبودُ، والسيدُ المالكُ، والقائمُ بالأمور المُصْلِحُ لما يفسد منها، فالرب على الإِطلاق هو ربُّ الأرباب علَىٰ كل جهة، وهو اللَّه تعالَىٰ.

والعَالَمُونَ: جمع عَالَمٍ، وهو كل موجود سوى اللَّه تعالَىٰ، يقال لجملته: عَالَمٌ، ولأجزائه من الإنس والجن وغير ذلك عَالَمٌ، عَالَمٌ، وبحسب ذلك يجمع على العَالَمِينَ، ومن حيثُ عالَمُ الزمانِ متبدِّلٌ في زمان آخر، حَسُنَ جمعها، ولفظة العالَمِ جمع لا واحد له من لفظه، وهو مأخوذ من العَلَمِ والعلامة؛ لأنه يدل على موجده؛ كذا قال الزَّجَّاج، قال أبو حَيَّان: الألف واللام في العَالَمِينَ لِلاستغراقِ، وهو جمع سلامة، مفرده عَالَمٌ، اسم جمع، وقياسه ألا يجمع، وشذَّ جمعه أيضاً جمع سلامة؛ لأنه ليس بعَلَمٍ ولا صفةٍ.

* م *: وذهب ابنُ مالك في «شَرْحِ التَّسْهِيلِ» إلى أن «عَالَمِين» اسم جمعٍ لمن يعقل، وليس جمع عالمٍ؛ لأن العَالَمَ عامٌّ، و «عالَمِينَ» خاصٌّ، قلت: وفيه نظر. انتهى.

وقد تقدَّم القول في الرحمن الرحيم.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #13  
قديم 12-18-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق 1-10

تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق 1-10

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


قولُه تعالى: { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ }.

الحمدُ: الثناءُ على الجَمِيل سواءٌ كانت نِعْمةً مْبْتدأة إلَى أَحَدٍ أَمْ لاَ.

يُقال: حَمَدْتُ الرجلَ على ما أَنْعَمَ به، وحمدتُه على شَجَاعته، ويكون باللسانِ وَحْدَهُ، دون عمل الجَوَارِح، إذْ لا يُقالُ: حمدت زيداً أيْ: عملت له بيدي عملاً حسناً، بخلاف الشكر؛ فإنه لا يكونُ إلاّ على نعمةٍ مُبْتَدأةٍ إلى الغير.

يُقال: شَكَرْتُه على ما أعطاني، ولا يُقالُ: شكرتُه على شَجَاعَتِه، ويكون بالقلبِ، واللِّسَانِ، والجَوَارح؛ قال الله تعالى:

{ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً } [سبأ34: 13]

وقال الشاعرُ: [الطويل].

37- أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلاثَةًيَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَ الْمُحَبَّبَا


فيكونُ بين الحَمْدِ والشُّكْرِ عُمُومٌ وخُصُوصٌ من وجه.

وقيل: الحمدُ هو الشكر؛ بدليلِ قولِهم: " الحمدُ لِلَّهِ شُكْراً ".

وقيل: بينهما عُمومٌ وخصوص مُطْلق.

والحمدُ أَعَمُّ مِنَ الشُّكْرِ.

وقيلَ: الحمدُ: الثناءُ عليه تعالى [بأوصافِه، والشكرُ: الثناءُ عليهِ بِأَفْعَاله] فالحامِدُ قِسْمَانِ: شاكِرٌ ومُثْنٍ بالصفاتِ الجَمِيلة.

وقيل: الحمدُ مَقْلُوبٌ من المَدْحِ، وليس بِسَدِيدٍ - وإِنْ كان منقولاً عن ثَعْلَب؛ لأنَّ المقلوبَ أقلُّ اسْتِعْمالاً من المقلوب منه، وهذان مُسْتَوِيَان في الاستعمالِ، فليس ادعاءُ قلبِ أَحَدِهَما مِنَ الآخر أَوْلَى من العَكْس، فكانا مادّتين مُسْتَقِلَّتَيْن.

وأيضاَ فإنه يمتنعُ إطلاقُ المدْحِ حيثُ يَجُوزُ إطلاقُ الحَمْد، فإنه يُقالُ: حمدتُ الله - تعالى - ولا يقال: مَدَحْتُه، ولو كان مَقْلُوباً لما امتنع ذلك.

ولقائلٍ: أَنْ يَقُولَ: منع من ذلك مانِعٌ، وهو عَدَمُ الإِذْنِ في ذلك.

وقال الرَّاغِبُ: " الحَمْدُ لله ": الثناءُ بالفَضِيلَةِ، وهو أخصُّ من المدحِ، وأَعَمُّ من الشُّكْرِ، فإنَّ المدْحَ يقال فيما يكونُ من الإنسانِ باختيارِه، وما يكونُ منه بغَيْرِ اختيار، فقد يُمْدَح الإنسان بطول قَامَتِهِ، وصَبَاحة وجهه، كما يمدح ببذل ماله وشجاعته وعلمه، والحمدُ يكونُ في الثَّاني دُونَ الأوّلِ.

قال ابنُ الخَطِيبِ - رحمه الله تعالى -: الفَرْقُ بين الحَمْدِ والمَدْحِ من وجوه:

أحدها: أن المَدْحَ قد يحصلُ لِلْحَيِّ، ولغيرِ الحَيِّ? أَلاَ تَرَى أَنَّ من رَأَى لُؤْلُؤَةً في غايةِ الحُسْنِ، فإنه يَمْدَحُها؟ فثبت أَنَّ المدحَ أَعمُّ من الحمدِ.

الثَّاني: أن المدحَ قد يكونُ قَبْلَ الإِحْسَانِ، وقد يكونُ بعدَه، أما الحمدُ فإنه لا يكونُ إلاَّ بعد الإحسان.

الثالث: أنَّا المدحَ قَدْ يكونُ مَنْهِياً عنه؛ قال عليه الصلاةُ والسلامُ: " احْثُوا التُّرَابَ في وُجُوهِ المَدَّاحِينَ " أما الحمدُ فإنه مأمورٌ به مُطْلَقاً؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: " مَنْ لَمْ يَحْمَدِ النَّاسَ لَمْ يَحْمَدِ اللهَ "

الرابعُ: أنَّ المدحَ عبارةٌ عنِ القولِ الدَّالُّ على كونه مُخْتَصاً بنوع من أنواع الفَضَائل.

وأمّا الحمدُ فهو القولُ الدّالُّ على كونه مُخْتَصًّا بِفَضِيلة مُعَيَّنَةٍ، وهي فضيلةُ الإنعامِ والإحسان، فثبت أنَّ المدحَ أعمُّ من الحمدِ.

وأَمَّا الفرقُ بين الحمدِ والشُّكْرِ، فهو أَنَّ الحمدَ يَعُمُّ إذا وَصَلَ ذلك الإنْعَامُ إليك أَوْ إلَى غَيْرِك، وأما الشُّكْرُ، فهو مُخْتَصٌّ بالإنعامِ الواصلِ إليك.
-1-

وقال الرَّاغِبُ - رحمه الله -: والشكرُ لا يُقالُ إلاَّ في مُقَابلة نعمة، فكلُّ شُكْرٍ حَمْدٌ، وليس كُلُّ حمدٍ شُكْراً، وكل حمد مَدْحٌ، وليس كُلُّ مَدْحٍ حَمداً.

ويقال: فُلانٌ مَحْمُودٌ إذَا حُمِد، ومُحَمَّدٌ وُجِدَ مَحْمُوداً، ومحمد كثرت خصالُه المحمودَةُ.

واحمدُ أَيْ: أَنَّه يَفُوقُ غَيْرَه في الحَمْدِ.

والألفُ: واللام في " الحَمْد " قِيل: للاستغراقِ.

وقيل: لتعريفِ الجِنْس، واختاره الزَّمَخْشَرِيُّ؛ وقال الشاعر: [الطويل]

38-..................إلَى الْمَاجِدِ الْقَرْمِ الْجَوَادِ الْمُحَمَّدِ


وقيل: للعَهْدِ، ومنع الزمخشريُّ كونَها للاستغراقِ، ولم يُبَيّنْ وجهةَ ذلك، ويشبه أن يُقالَ: إنَّ المطلوبَ من العبدِ إنشاء الحَمْدِ، لا الإخبار به، وحينئذٍ يَسْتَحيلُ كونها للاستغراقِ، إذْ لا يمكنُ العَبْد أن ينشىءَ جميعَ المَحَامِدِ منه ومن غيرِه، بخلاف كونها للجِنْسِ.

والأصلُ في " الحَمْدِ " المصدريةُّ؛ فلذلك لا يُثَنَّى، ولا يُجْمَعُ.

وحكى ابنُ الأَعْرَابِيِّ جَمْعَهُ على " أَفْعُل "؛ وأنشد: [الطويل]

39- وَأَبْيَضَ مَحْمُودِ الثَّنَاءِ خَصَصْتُهُبأَفْضَلِ أَقْوَالِي وَأَفْضَلِ أَحْمُدِي


وقرأ الجُمْهُورُ: " الحَمْدُ لِلَّه " برفْعِ الدّال وكسرِ لاَمِ الجَرِّ، ورفعُهُ على الابتداءِ، والخبرُ الجارُّ والمجرورُ بعده يَتَعَلَّقُ بمحذوفٍ وهو الخَبَرُ في الحقيقة.

ثم ذلك المحذوفُ إنْ شئتَ قَدَّرْتَهُ [اسْماً، وهو المُخْتارُ، وإنْ شِئْتَ قَدَّرْتَهُ] فِعْلاً أَي: الحمدُ مُسْتَقِرٌّ لله، واسْتَقَرَّ لِلَّه.

والدليلُ على اختيارِ القَوْلِ الأَوَّلِ: أَنَّ ذَلك يَتَعَيّنُ في بَعْضِ الصورِ، فلا أَقَلَّ مِنْ ترجيحِه في غَيْرِها، وذلك أنّك إذا قُلْتَ: " خرجتُ فإِذَا في الدَّار زَيْدٌ " و " أمَّا في الدارِ فَزَيْدٌ " يتعيّنُ في هاتَيْن الصُّورَتَيْنِ [أن يقدر بالاسم]؛ لأَنَّ " إذا " الفُجائية وأَمَّا التَّفصِيلِيَّةُ لا يَلِيهِمَا إلاَّ المبتدأُ. وقد عُورِضَ هذا اللَّفظُ بأنه يَتَعيَّنُ تقدير الفِعْلِ في بعض الصُّورِ، وهو ما إِذا وَقَعَ الجَارُّ والمجرورُ صِلَةً لموصولٍ، نحو: الَّذِي في الدارِ فليكن رَاجِحاً في غيره؟

والجوابُ: أَنَّ ما رجحنا به من باب المبتدإِ، أَو الخبر، وليس أَجْنَبِيًّا، فكان اعتباره أَوْلَى، بخلاف وقوعه صِلةً، [والأول غيرُ أَجْنَبِيٍّ].

ولا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ قاعدةٍ -ها هنا- لعُمُومِ فائدتها، وهي أَنَّ الجار والمجرور والظرف إذا وَقَعا صلةً أو صِفَةً، أو حالاً، أو خبراً تعلقا بمحذوفٍ، وذلك المحذوف لا يجوز ظهوره إذا كان كَوْناً مُطلقاً: فأمّا قول الشاعر: [الطويل]

40 - لَكَ الْعِزُّ إِنْ مَوْلاَكَ عَزَّ، وَإِنْ يَهُنْفَأَنْتَ لَدَى بُحْبُوحَةِ الْهُونِ كَائِنُ


وأما قولُه تبارك وتَعَالى:

{ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ } [النمل27: 40]

فلم يقصدْ جعل الظَّرفِ كائناً فلذلك ذكر المتعلّقَ به، ثم ذلك المحذوفُ يجوزُ تقديرُه باسمٍ أَوْ فعلٍ إلاّ في الصلَةِ، فإنه يتعيّنُ أن يكونَ فِعْلاً. واختلفُوا: أَيُّ التقديرَيْنِ أَوْلَى فيما عدا الصور المستثناة؟


فقومٌ رجّحُوا تقديرَ الفِعْلِ، [وقومٌ رجَّحُوا تقدير الاسمِ]، وقد تقدمَ دليلُ الفريقين.
-2-

وقُرِىءَ شَاذًّا بنصب الدالِ من " الحَمْد " ، وفيه وجهان:

أظهرُهُما: أنه منصوبٌ على المصدريَّةِ، ثم حُذِف العاملُ، ونابَ المصدرُ مَنَابه؛ كقولِهِم في الأخبار: " حمداً، وشكراً لا كُفْراً " والتقدير: " أَحمد الله حمداً " ، فهو مصدرٌ نَابَ عن جملةٍ خبريَّةٍ.

وقال الطَّبَرِيُّ - رحمه الله تعالى -: " إنَّ في ضمنِهِ أَمْرَ عبادِه أَنْ يُثْنُوا به عليه، فكأَنَّه قال: " قولوا: الحَمْد للهِ " وعلى هذا يَجِيءُ قُولُوا: إِيَّاكَ ".

فعلى هذه العبارة يكونُ من المصادِر النائبَةِ عن الطَّلبِ لا الخبرِ، وهو محتملٌ للوجْهَيْنِ، ولكنْ كونُهُ خَبَرِيًّا أَوْلَى من كونه طَلَبياً، ولا يجوزُ إظهار الناصب، لئلاَّ يجمعَ بين البدلِ والمُبْدَلِ مِنْه.

والثاني: أنه منصوبٌ على المَفْعُولِ بهِ، أَي: اقْرَءُوا الحَمْدَ، أَو اتْلُوا الحَمْدَ؛ كقولهم: " اللَّهُمَّ ضَبُعاً وَذِئْباً " ، أَي: اجْمَعْ ضَبُعاً، والأوّلُ أَحْسَنُ؛ للدَّلالَةِ اللفظيةِ.

وقراءَةُ الرفْعِ أمكنُ، وأَبْلَغُ مِنْ قراءَةِ النَّصب، لأنَّ الرفعَ في باب المَصَادِر التي أَصْلُها النِّيَابَةُ عَنْ أَفْعَالِها يدل على الثُّبُوتِ والاستقرَارِ، بخلافِ النَّصْبِ، فإنه يدلُّ على التجددِ والحُدوثِ، ولذلك قال العلماء - رحمهم الله -: إن جوابَ إِبْرَاهِيمَ - عليه الصلاة والسّلام - في قوله تَعَالَى حكايةً عنه:

{ قَالَ سَلاَمٌ } [هود11: 69]

أَحْسَنُ من قولِ الملائكة:

{ قَالُواْ سَلاَماً } [هود11: 69]

امتثالاً لقولِه تعالى:


و " لله " على قراءةِ النصبِ يتعلّقُ بمحذوفٍ لا بالمصدرِ، لأنَّها للبيانِ، تقديرهُ: أَعْنِي لله، كقولِهم: " سُقْياً له ورَعياً لك " تقديرُه: " أَعْنِي له ولك " ، ويدلُّ على أنَّ اللام تتعلّقُ في هذا النوع بمحذوف لا بنفس المصدر، أنَّهم لم يُعْمِلُوا المصدر المتعدِّي في المجرور باللام، فينصبوه به فيقُولُوا: سُقْياً زيداً، ولا رَعْياً عمراً، فدلَّ على أنه ليس مَعْمولاً للمصدرِ، ولذلك غَلِطَ من جعل قولَه تَعَالَى:

{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ } [محمد47: 8]،

مِنْ بَابِ الاشْتِغَالِ؛ لأنَّ " لَهُمْ " لا يتعلّقُ بـ " تَعْساً " كما مَرَّ.


ويحتملُ أَنْ يُقالُ: إن اللام في " سُقياً لك " ونحوِهِ مقويةٌ لتعدِيَةِ العامل؛ لكونِهِ فَرْعاً فيكون عاملاً فيما بعده.

وقُرِىءَ: - أَيْضاً - بِكَسْرِ الدَّال، ووجهُهُ: أَنَّها حركةُ إِتباعٍ لكسرَةِ لاَمِ الجَرِّ بعده، وهي لُغَةُ " تَمِيم " ، وبَعْضِ " غَطَفَان " ، يُتْبِعُونَ الأوّل للثَّاني؛ للتَّجَانُسِ. ومنه: [الطويل]

41-...............اضْرِبِ السَّاقَيْنُ أُمُّكَ هَابِلُ


بضمِ نُونِ التّثنِيَةِ لأجل ضمّةِ الهَمْزَةِ، ومثلُه: [البسيط]

42- وَيْلِمِّهَا فِي هَوَاءِ الْجَوِّ طَالِبَةًوَلاَ كَهَذَا الَّذِي في الأَرْضِ مَطْلُوبُ


الأصل: وَيْلٌ لأُمِّهَا، فحذفَ اللاَّمَ الأُولَى، واستثقَلَ ضَمَّةَ الهمزةِ بعد الكَسْرَةِ، فنقلَها إلى اللام بعد سَلْبِ حَرَكَتِها، وحذَفَ الهَمْزَةَ، ثم أَتْبَعَ اللاَّمَ المِيمَ، فصار اللفظ: " وَيْلِمِّهَا ".

ومِنْهم مَنْ لا يُتْبِعُ، فيقول: " وَيْلُمِّهَا " بِضَمِّ اللاَّمِ، قال: [البسيط]
-3-

43 - وَيْلُمِّهَا خُلَّةً قَدْ سِيْطَ مِنْ دَمِهَافَجْعٌ وَوَلْعٌ وَإِخْلافٌ وتَبْديلُ


ويحتملُ أَنْ تَكُونَ هذه القراءةُ مِنْ رَفْعٍ، وأَنْ تَكُونَ مِنْ نَصْبٍ، لأنَّ الإعرابَ مُقَدَّرٌ مَنَعَ من ظُهُورِهِ حَرَكَةُ الإتباعِ.

وقرىء أيضاً: " لُلَّهِ " بضم لاَمِ الجَرِّ، قَالُو: وهي إتباعٌ لحركةِ الدَّالِ وفضّلها الزمخشريُّ على قراءة كَسْرِ الدَّالِ، مُعَلِّلاً لذلك بِأَنَّ إتباعَ حركَةِ الإعرابِ أَحْسَنُ مِنَ العَكْسِ، وهي لغةُ بَعْضِ " قَيْس " ، يُتْبِعُون الثانِي نحو: " مُنْحَدُر ومُقُبِلِينَ " بضم الدَّال والقاف لأجل الميم، وعليه قرىء:

{ مُرُدفين } [الأنفال8: 9]

بِضَمِّ الراءِ، إِتْباعاً لِلْمِيمِ.


فهذه أَرْبَعُ قِرَاءَاتٍ في " الحَمْدُ لِلَّهِ ".

ومعنى لام الجَرِّ - هنا - الاستحقاقُ أَيْ: الحمدُ مستحقٌّ لله - تعالى - ولها معانٍ أخر نَذْكُرُها وهي:

المُلْكُ: المالُ لِزَيْدٍ. والاستحقاقُ: الجُل لِلْفَرَسِ. والتَّمْلِيكُ: نحو: وهبتُ لَكَ وَشِبْهُهُ نحو:


والنسب: نحو: لِزَيْدٍ عَمٌّ.

والتعليلُ: نحو:

{ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } [النساء4: 105]،

والتبليغُ: نحو: قُلْتُ لَكَ.


والتبليغُ: نحو قلتُ لك.

وللتعجُّبِ في القَسَمِ خاصَّةً؛ كقوله: [البسيط]

44- لِلَّهِ يَبْقَى عَلَى الأَيَّامِ ذُو حِيَدٍبِمُشْمَخِرٍّ بِهِ الظَّيَّانُ وَالآسُ


والتَّبْيِينُ نحو قولِه تَعَالَى:

{ هَيْتَ لَكَ } [يوسف12: 23].


والصيرورةُ: نحو قولِهِ تَعَالَى:


والظرفية إِمَّا بِمَعْنَى " فِي ": كقوله تعالى:

{ وَنَضَعُ ٱلْمَوَٰزِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ } [الأنبياء21: 47]،

أَوْ بِمَعْنَى " عِنْدَ ": كقولِهم: " كَتَبْتُهُ لِخَمْسٍ " ، أيْ: عِنْدَ خَمْسٍ، أَوْ بِمَعْنَى " بَعْدَ ": كقوله تعالى:

{ أَقِمِ ٱلصَّلَٰوةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } [الإسراء17: 78]

أيْ: بَعْدَ دُلُوكها.


والانتهاءُ: كقوله تعالى:


والاستعلاءُ: نحو قوله تعالى:


وقد تُزَادُ باطّرادِ في معمول الفعلِ مُقدَّماً عليه؛ كقولِه تَعَالى:

{ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ } [يوسف12: 43]،

[وإذا] كان العامِلُ فرعاً، نحو قوله تعالى:


وَبِغَيْرِ اطرادٍ؛ نحو قوله في ذلك البيت: [الوافر]

45- فَلَمَّا أَنْ تَوَاقَفْنَا قَلِيلاًأَنَخْنَا لِلْكَلاَكِلِ فَارْتَمَيْنَا


وأما قولُه تَعَالَى:

{ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم } [النمل27: 72]،

فقِيل: على التَّضْمِينِ، وقِيلَ: هي زَائِدَةٌ.


ومن الناسِ مَنْ قال: تقديرُ الكَلام: قُولُوا: الحمد لله.

قال ابنُ الخَطِيب: - رحمه الله تعالى -: وهذا عندي ضعيفٌ؛ لأنْ الإضمارَ إنما يُصَار إليه ليصحّ الكلامُ، وهذا الإضمار يُوجِبُ فسادَ الكَلام، والدليل عليه: أن قوله - تعالى - " الحَمْدُ لِلَّهِ " إخبارٌ عن كونِ الحَمْدِ حقًّا [لله تعالى] وملَكاً له، وهذا كَلاَمٌ تام في نفسه، فلا حاجةَ إلى الإضمار.

وأيضاً فإن قولَه: " الحمد لله " يدلُّ على كونِهِ مُسْتَحقاً للحمدِ بحسب ذاته، وبحسبِ أَفْعالِه، سواءٌ حَمَدُوه أَوْ لَمْ يَحْمِدُوه.

قال ابنُ الخَطِيب: - رحمه الله تعالى -: " الحَمْدُ لِلَّه ثمانيةُ أَحْرُفٍ، وأبوابُ الجَنَّةِ ثمانية [أبواب]، فمن قال: " الحمد لله " بصفاءِ قَلْبِهِ استحقَّ أَبْوابَ الجَنَّةِ الثمانية " والله أعلم.
-4-
فَصْلٌ

تمسّكَ الجَبْرِيَّةُ والقدريَّةُ بقوله تعالى: " الحمدُ لِلَّهِ " أما الجبريةُ فقد تمسَّكوا به من وجوه:

الأولُ: أَنَّ كُلَّ مَنْ كَان فِعْلهُ أشْرَفَ وأَكْمَل، وكانت النعمةُ الصادِرَةُ عنه أَعْلَى وأفضل، كان استحقاقُه للحمدِ أكثرَ، ولا شك أنَّ أَشْرَفَ المخلُوقَاتِ هو الإيمانُ، فلو كان الإيمانُ فِعْلاً للعبد، لكان استحقاقُ العبدِ للحمدِ أَوْلَى وأجلَّ مِنِ اسْتِحْقاقِ الله له، ولما لم يكنْ كذلك، علمنا أنَّ الإيمانَ حَصَلَ بخلقِ الله - تعالى - لا بِخَلْقِ العَبْدِ.

الثاني: أجمعتِ الأمّةُ على قولِهم: " الحمدُ لِلَّهِ على نعمةِ الإيمانِ " ، فلو كان العَبْدُ فاعلاً للإيمانِ لَكَان قولُهم: " الحمد للَّه على نعمة الإيمان "؛ باطلاً، فإنَّ حمد الفاعِل على ما لا يَكُون فِعْلاً له باطلٌ قَبِيحٌ؛ لقوله تعالى:


الثالثُ: أَن قوله تعالى: " الحمدُ للهِ " يدلُّ ظاهِرُهُ على أنَّ كُلَّ الحمدِ لله، وانه لَيْسَ لِغَيْر الله - تعالى - حَمْدٌ أَصْلاً، وإنما يكونُ كلُّ الحمدِ لله تعالى إذا كان كُلُّ النِّعمِ من اللهِ تعالى، والإيمانُ أَفْضَلُ النعم، فوجب أَنْ يكونَ الإيمانُ من الله تعالى.

الرابعُ: أَن قولَهُ: " الحَمد لله " مَدْحٌ مِنْهُ لِنَفْسِهِ، ومدحُ النَّفْسِ قَبيحٌ فيما بين الخَلْقِ، فلما بدأ كتابَهُ بمدحِ النفْسِ، دَلَّ ذلك على أَنَّ حالَهُ بخلافِ حَالِ الخلقِ، وأَنَّه يَحْسُن منه ما يقبحُ من الخَلْقِ، وذلك يدلُّ على أنه - تبارك وتعالى - مقدَّسٌ عن أن تُقَاس أفعالُه على أَفعالِ العِبَادِ.

الخامسُ: عند المعتزلةِ أفعالُه - تعالى - يجبُ أَنْ تكونَ حَسَنةً، ويجبُ أَنْ تكونَ لها صفةٌ زائِدَةٌ على الحُسْنِ، وإلا كان عبثاً، وذلك في حقه تعالى محالٌ، والزائدةُ على الحُسْنِ إمَّا [أن تَكُونَ] واجِبةً، وإما أن تكونَ من باب التَّفَضُّلِ.

أما الواجبُ فهو مثلُ إِيصالِ الثواب، والعوض إلى المُكَلَّفِين.

وأما الذي يكونُ من باب التفضل، فهو مثلُ أنَّه يزيد على قَدْرِ الواجِبِ على سبيلِ الإحْسَانِ.

فنقولُ: هذا يَقْدّحُ في كونه - تعالى - مستحقاً للحمد، ويُبْطِلُ صحَّةَ قولنا: الحمدُ لله.

وتقريرهُ أن نقولَ: أما أداء الواجِباتِ، فإنه لا يفيد استحقاقَ الحَمْدِ، ألا ترى أنَّ مَنْ كان له على غيره دَيْنُ دِينارٍ، فأدّاه، فإنه لا يَسْتَحِقُّ الحمدَ، فلو أوجبنا على الله تعالى فعلاً، لكان ذلك الفعلُ مخلصاً [له] عن الذَّمِّ، ولا يُوجِبُ استحقاقه للحمد.

وأما فِعْلُ التفضُّلِ فعند الخصم أنه يستفيد بذلكَ مزِيدَ حَمْدٍ ولو لم يصدرْ عنه ذلك الفعلُ، لما حَصَل له الحمدُ، فإذا كان كذلك كان ناقصاً لذاته مستكملاً بغيره، وذلك يمنع مِنْ كونه - تعالى - مُسْتحقاً للحمدِ والمدح.

السَّادسُ: قولُه: الحمدُ لله يدلُّ على أنه - تعالى - محمودٌ، فنقولُ: استحقاقُه للحمد والمدحِ إما أن يكونَ أَمْراً ثابتاً لذاته، فإنْ كان الأوّل، امتنَع ثُبوتُه لغيره، فامتنع - أيضاً - أنْ يكون شَيْءٌ من الأفعالِ موجباً له استحقاق الذم؛ لأن ما ثبت لِذَاتِهِ امتنع ارتفاعه، فوجب أَلاَّ يجبَ للعباد عليه شيءٌ مِنَ الأعْواضِ والثَّوَابِ، وذلك يَهْدِمُ أصولَ المعتزلة.
-5-

وأمّا القسم الثَّاني - وهو أن يكون استحقاق الحمد لله ليس ثابتاً لذاتِهِ - فنقول: فيلزم منه أن يكونَ ناقِصاً لذاته مُسْتكملاً بغيره، وذلك على الله - تعالى - محالٌ.

أما قول المعتزلة: إنَّ قَوْلَهُ: " الحَمْدُ لِلَّهِ " لا يتم إلاَّ على قولِنَا؛ لأن المستحقَّ للحمدِ على الإطْلاقِ هو الذي لا قَبِيحَ في فِعْلِهِ، ولا جَوْرَ في قَضِيَّتِهِ، ولا ظُلمَ في أحكامِهِ? وعندنا أنَّ الله - تعالى - كذلك؛ فكان مُسْتَحِقًّا لأعظمِ المَحَامِدِ والمدائح.

أمّا على مذهب الجَبْرِ لا قَبِيحَ إلا وهو فِعْلُه، ولا جَوْرَ إلا وهو حُكْمُه، ولاَ عَبَثَ إلا وهو صُنْعُه؛ لأنه يخلقُ الكُفْرَ في الكافر، ثم يعذبُه عليه، ويؤلم الحيواناتِ مِنْ غَيْرِ أن يُعَوِّضَهَا، فكيف يُعْقلُ على هذا التقدِيرِ كونُه مُسْتحقاً للحمد؟

وأيضاً ذلك الحمد الذي يستحقه الله - تعالى - بسبب الإلهيَّة؛ إِمَّا أن يستحِقَّهُ على العبدِ، أَوْ عَلَى نفسه، فإن كان الأول وجب كونُ العبدِ قادراً على الفِعْلِ؛ وذلك يُبْطِلُ القول بالجَبْرِ.

وإنْ كان الثاني كان معناه أن الله تعالى يجب عليه أن يحمد نَفْسَهُ؛ وذلكَ بَاطِلٌ، قالوا: فثبت أَنَّ القولَ بالحَمْدِ لا يصحُّ إلا على قولنا.

فَصْل هل وجوب الشكر يثبت بالعقل أو الشرع؟

اختلفوا في أَنَّ وُجُوبَ الشُّكْرِ ثابِتٌ بالعَقْلِ أَوْ بالسَّمْعِ.

مِنَ الناس مَنْ قال: إنه ثابِتٌ بالسَّمْعِ، لقوله تبارك وتعالى:


ومِنْهم مَنْ قال: إنه ثَابِتٌ قبلَ مَجيء الشرع، وبعد مجيئه على الإطلاقِ؛ والدليلُ عليه قولُه تبارك وتعالى: " الحَمدُ لِلَّهِ " وبيانه من وجوه:

الأولُ: أَن قولَه تعالى: " الحمدُ لله " يدلُّ على أن هذا الحمدَ حَقُّهُ، وملكُه على الإطْلاَقِ، وذلك يدل على أنّ ثبوت هذا الاستحقاقِ كان قبل مَجِيء الشرْع.

الثاني: أنه تعالى قال: { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ } [الفاتحة: 2]؛ وقد ثَبَتَ في [أصُول] الفِقْهِ أَنَّ تَرْتِيبَ الحُكْمِ على الوَصْفِ المناسِبِ، يَدُلُّ على كونِ الحُكْمِ مُعَلَّلاً بذلك الوصف، فها هنا أثبتَ الحَمْدَ لنفسه، ووصف نَفْسَهُ بكونِه رَبَّ العالَمِينَ رَحْماناً رَحِيماً بِهِم، مالكاً لعاقبةِ أمْرِهم في القيامَةِ، فهذا يدلُّ على أن استحقاقَ الحمدِ ثابتٌ - لله تعالى - في كل الأوقات، سواءٌ كان قَبْلَ مَجِيء النَّبي، أو بعده.
فصل


قال ابنُ الخَطيب - رحمه الله تعالى -: تَحميدُ اللهِ - تعالى - ليس عبارةً عن قَوْلِنا: الحمدُ لِلَّهِ؛ لأن قوْلنا: " الحمد للَّه " إخبارٌ عن حُصُولِ الحَمْد، والإخبارُ عَن الشيءِ مغايرٌ للخَبَرِ عنه، فنقولُ: حَمْدُ المنعم عبارةٌ عن كُلِّ فِعْلٍ يُشْعِرُ بتعظيم المنعم بسبب كَوْنِهِ مُنْعماً، وذلك الفعل: إما أن يكونَ فِعْلَ القلبِ، أو فعل اللّسَانِ، أوْ فِعل الجوارح.
-6-

أمَّا فعلُ القلبِ: فهو أنْ يَعْتَقِدَ فيه كونَهُ مَوْصُوفاً بصفات الكمال والإجْلاَل.

وأما فعل اللِّسان فهو أنْ يذكر ألفاظاً دالَّةً على كونه مَوْصُوفاً بصفات الكمال [والإجلال].

[وأما فعل الجوارح؛ فهو أنْ يأتي بأفعالٍ دالّةٍ على كَوْنِ المنعمِ مَوصُوفاً بصفات الكمال والإجلال].

واعلم أن أهل العلم - رحمهم الله - افترقوا في هذا المقام فِرقاً كثيرةً:

فمنهم مَنْ قال: إنه لا يجوزُ عقلاً أنُ يأمرَ الله عَبِيدَه بأن يَحْمَدُوه، واحتجوا عليه بوجوه:

الأولُ: أن ذلك التحميدَ، إما أن يكونَ بناءً على إنْعَام وَصَل إليهم، أَوْ لا بِنَاءَ عليه، فالأول باطِلٌ؛ لأن هذا يقتضي أنه - تعالى - طلبَ منهم على إنعامِهِ جَزَاء ومُكافَأةً، وذلك يقدحُ في كَمَال الكرم، فإنّ الكريم إذا أنعم لم يُطالِبْ بالمُكَافأة.

وأما الثاني: فهو إِتْعَابٌ لِلْغَيْرِ ابتِداءً، وذلك يُوجِبُ الظُّلْمَ.

الثاني: قالُوا: إِنَّ الاشتغالَ بهذا الحمدِ مُتْعِبٌ للحامدِ، وغيرُ نَافِعٍ للمحمُودِ، لأنه كامِلٌ لذاتِهِ، والكامل [لذاته] يستحيل أن يستكملَ بِغَيْره، فثبت أنَّ الاشتغال بهذا التحميدِ عَبَثٌ وضَرَرٌ، فوجب ألا يكونَ مَشروعاً.

الثالثُ: أنَّ مَعْنَى الإِيجَابِ: أنه لَوْ لم يفعلْ لاسْتَحَقَّ العذابَ، فإيجابُ حَمْدِ الله تعالى معناه: أنه لو لم تشتغلْ بهذا الحمدِ، لَعَاقَبْتُكَ، وهذا الحمدُ لا نفعَ لَهُ في حَقِّ اللهِ تبارك وتعالى، فكان معناه أن هذا الفعلَ لا فَائِدَة فِيه لأحدٍ، ولو تركته [لعاقبتك] أَبَدَ الآبادِ، وهذا لا يَلِيقُ بالحَلِيم الكريم.

والفريقُ الثاني: قَالُوا: الاشتغالُ بِحَمْدِ الله - تعالى - سُوءُ أَدَبٍ من وجوه:

الأولُ: أنه يَجْرِي مَجْرَى مقابلَةِ إحْسَانِ اللهِ بذلك الشُّكر القَلِيلِ.

والثاني: أنَّ الاشتغالَ بالشُّكْرِ لا يتأتى إلاَّ مع استحضارِ تلك النِّعَمِ في القلْبِ، واشتغالُ القلبِ بالنعم يمنعه من الاسْتِغْرَاق في مَعْرِفَة المُنْعِمِ.

والثالثُ: أنَّ الثناءَ على الله - تعالى - عند وُجْدَانِ النِّعمةِ يدلُّ على أنه إنَّما أَثْنَى عليه؛ لأجْلِ الفوز بتلك النعم، وهذا الرَّجُلُ في الحَقِيقَةِ مَعْبُوده، ومَطْلُوبُه إنما هو تلك النِّعَمِ، وحظُّ النَّفسِ، وذلك مقامٌ نَازِلٌ.

وهذانِ مَرْدُودانِ بما تَقَدَّم وبأنَّ أفعالَهُ وأقوالَه وأسماءَهُ لا مدخل للعَقْلِ فيها، فقد سَمَّى رُوحَه مَاكِراً بقوله تعالى:

{ وَمَكَرَ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَٰكِرِينَ } [آل عمران3: 54]،

ومتكبراً وغيرَ ذلك ممَّا تقدّم في أسمائه من قوله تعالى:

{ ٱللَّهُ يَستَهزِئُ بِهِمْ } [البقرة2: 15]

وغَيْرِه.


فإن قِيل: إنما ورد ذلك مِنْ حيثُ المُقَابلة، قُلْنَا: نُسلِّمُ، ولكنه قد سمى نفسه به، ونحن لا يجوزُ لنا تسميتُهُ به.

وأما مِنْ حَيْثُ ورودُه في الشرع، فقال اللهُ تعالى:
-7-

{ فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } [البقرة2: 152].

قولُه تَعَالَى: { رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ }.

الرَّبُّ: لُغَةً: السيدُ، والمَالِكُ، والثَّابِتُ والمَعْبُودُ؛ ومنه قولُه: [الطويل]

46- أرَبٌّ يَبُولُ الثُّعْلُبَانُ بِرَأْسِهِلَقَدْ هَانَ مَنْ بَالَتْ عَلَيْهِ الثَّعَالِبُ


والمُصْلِحُ، وزاد بعضُهم أنه بمعنى: الصّاحبِ؛ وأنشد القائل: [الكامل]

47- قَدْ نَالَهُ رَبُّ الكِلاَبِ بِكَفِّهِبِيضٌ رِهَابٌ ريشُهُنَّ مُقزَّعُ


والظاهِرُ أَنَّهُ - هنا - بمعنى المَالِك، فليس هو معنى زائداً.

وقيل: يكون بمعنى الخَالِقِ.

واختُلِفَ فيه: هل هو في الأصلِ وَصْفٌ أو مصدر؟

فمنهم من قال: [هو وَصْفٌ أي صِفَة مشبهة بمعنى " مُرَبٍّ " ]، ثم اختلف هَؤلاءِ في وزنه.

[فمنهم من قال]: هو على " فَعِل " كقولك: " نَمَّ - يَنُمَّ - فهو نَمٌّ " من النّمام، بمعنى غَمّاز.

وقيل: وزنه " فَاعِل " ، وأصلُه: " رَابٌّ " ، ثم حُذِفت الألفُ؛ لكثرةِ الاستعمالِ؛ لقولِهم: رَجَلٌ بَارٌّ وَبَرٌّ.

ولقائلٍ أنْ يقولَ: لا نسلم أن " بَرّ " مأخوذ من " بَارّ " بل هما صِفتان مُسْتقلتَانِ، فَلاَ يَنْبَغِي أنْ يُدّعَى أنّ " ربًّا " أصله " رابٌّ ".

ومنهم مَنْ: قال إنه مَصْدرٌ " رَبَّهُ - يَرُبُّهُ - رَبًّا " أي: مَلَكَهُ.

قال: " لأنْ يَرُبَّنِي رَجَلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إِلَيَّ من أن يَرُبَّنِي رَجَلٌ من هَوَازِنَ ".

فهو مصدر في معنى الفاعل نحو: " رجل عَدْل وصَوْم ".

ولا يُطْلقُ على غَيْر الباري - تعالى - إلاّ بقيد إضافةٍ، نحو قوله تعالى:

{ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ } [يوسف12: 50]،

ويقولون: " هو رَبُّ الدَّارِ، ورَبُّ البَعِير " ، وقد قالته الجاهليةُ لِلْمَلِكِ من الناس مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ؛ قال الحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ: [الخفيف]

48- وَهُوَ الرَّبُّ وَالشَّهِيدُ عَلَى يَوْمِ الحِيَارَيْنِ وَالبَلاءُ بَلاَءُ


وهذا مِنْ كُفْرِهِمْ.

وقرأ الجمهورُ: " رَبِّ " مجروراً على النعتِ " لله " ، أو البَدَلِ منه.

وقرِىءَ مَنْصُوباً، وفيه ثلاثةُ أَوْجُهٍ:

إِمَّا بِمَا دَلَّ عليه الحمدُ، تقدِيرُه: " أحمد ربَّ العالمين ".

أو على القطع من التبعية، أو على النِّدَاءِ وهذا أضعفُهَا، لأنه يُؤَدِّي إلى الفَصْلِ بين الصفة والموصوف.

وقُرِىءَ مَرْفُوعاً على القَطْعِ من التبعية، فيكونُ خبراً لمبتدإٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: " هُوَ رَبُّ " وإذْ قد عرض ذِكْرُ القَطْعِ في التَبعيَّةِ، فلنستطردْ ذِكْرَهُ، لِعُمومِ فَائِدَتِه فنقول:

اعلمْ أنَّ الموصوفَ إذا كان معلوماً بدون صفته، وكان الوصفُ مَدْحاً، أو ذماً، أو ترحُّماً - جاز في الوَصْفِ الإتباعُ والقطعُ.

والقطعُ: إما على النصْبِ بإضمار فعل لائقٍ، وإمَّا على الرّفعِ على خَبَرٍ لمبتدإٍ مَحْذُوفٍ، ولا يجوزُ إظهارُ هذا الناصِبِ، ولا هذا المبتدإِ، نحو قولِهم: " الحَمْدُ لله أَهْلَ الحَمْدِ " رُوِيَ بنصبِ " أَهْل " ورفعِه، أيْ: أعني أَهْلَ، أو هو أَهلُ الحمدِ.

وإِذا تكررتِ النُّعُوتُ، والحالةُ هذه، كُنْتَ مُخَيَّراً بين ثلاثة أوجه:

إما إتباعُ الجَميعِ، أو قَطْعُ الجَمِيع، أوْ قَطْعُ البَعْضِ، وإتباعُ البَعْضِ.
-8-

إلاّ أنك إذا أَتْبَعْتَ البعضَ، وقطعتَ البعضَ وجب أَنْ تَبْدَأ بالإتباعِ، ثُمَّ تأتي بالقَطْعِ من غير عَكْسٍ، نحو: " مررتُ بزيدٍ الفَاضِلِ الكَرِيمُ "؛ لِئَلاَّ يلزمَ الفصلُ بين الصفَةِ والموصُوفِ بالجملةِ المَقْطُوعَةِ.

و " العَالَمِينَ " خَفْضٌ بالإضافَةِ، عَلاَمةُ خفضِه الياءُ؛ لجريانه مَجْرى جمع المذكرِ السَّالِمِ، وهم اسْمُ جَمْعٍ؛ لأنَّ واحِدَهُ مِنْ غَيْرِ لفظه، ولا يَجوزُ أن يكونَ جمعاً لـ " عَالَمٍ "؛ لأن الصحيح في " عَالَمِ " أن يُطْلَق على كل موجودٍ سوى الباري تَعَالى، لاشتقاقه من العَلاَمةِ، بمعنى أنه دالّ على صانِعهِ.

و " عَالَمُون " بصيغة الجمع لا يُطْلق إلا على العُقلاءِ دون غيرهم، فاستحال أن يكون " عالمون " جمع " عَالَم "؛ لأنَّ الجمعَ لا يكونُ أخَصَّ مِنَ المُفْرَدِ.

وهذا نظيرُ ما فعله سِيْبَويَه - رحمه الله تعالى - في أنَّ " أعراباً " لَيْسَ جَمْعاً لـ " عَرَب "؛ لأنَّ " عرباً " يُطْلَقُ على البَدَوِيِّ دُونَ القروِيّ.

فإن قِيلَ: لِمَ لاَ يَجُوزُ أَنِ يكونَ " عَالَمُونَ " جَمْعاً لـ " عَالَم " مُرَاداً به العاقل دُونَ غَيْره، فيزولَ المحذُورُ المذكور؟

وأُجِيبَ عنه: بأنه لَوْ جاز ذلك، لَجَازَ أَنْ يُقالَ: " شَيْئُون " جَمْعُ " شَيْءٍ " مُرَاداً به العاقل دون غيره، فدل عَدَمُ جَوَازِه على عدم ادّعاءِ ذلك.

وفي الجواب نَظَرٌ، إذْ لِقائل أنْ يقول: " شيئون " منع منه مانِعٌ آخرُ، وهو كونهُ لَيْسَ صِفَةً ولا علماً، فلا يلزَمُ مِنْ مَنْعِ ذلك منعُ " عَالَمِين " مراداً به العاقل.

ويُؤَيِّدُ هذا ما نَقَلَ الراغِبُ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ - رضى الله تعالى عنهما - أنَّ " عَالَمِين " إنما جمع هذا الجمع؛ لأن المراد به الملائكةُ والجنُّ والإنْسُ.

وقال الراغِبُ أيضاً: " إنَّ العَالَم في الأصل اسم لما يُعْلَمُ به كالطَّابَعِ اسم لما يُطْبَعُ " وجُعِلَ بناؤُه على هذه الصيغَةِ، لكونه كالآلةِ، فالعالَمُ آلة في الدلالةِ على صَانعه.

وقال الرَّاغِبُ: " وأما جمعُه جَمْعَ السَّلامَةِ، فلكون الناس في جُمْلَتِهم، والإنسانُ إذا شَارَك غيرَهُ في اللّفظِ غَلَبَ حُكْمُه " ، فظاهر هذا أَنَّ " العَالَمِين " يطلق على العُقَلاء وغَيْرِهم، وهو مُخالِفٌ لما تقدّم من اختصاصِهِ بالعقلاء، كما زعم بعضُهم، وكلام الراغِبِ هو الأصَحُّ الظّاهرُ.

فصل في وجوه تربية الله لعبده

قال ابنُ الخَطِيبِ - رحمه الله تعالى -: " وجوه تَرْبِيَةِ الله لِلْعَبْدِ كثيرةٌ غيرُ مُتَنَاهِيَةٍ، ونحن نذكر منها أمثله:

الأولُ: لما وَقَعَتِ النّطفةُ مِنْ صُلْبِ الأَبِ إلى رَحِمِ الأُمِّ، فَرَبَّاهَا حتى صارت عَلَقَةً أَولاً، ثم مُضْغَةً ثانيةً، ثم تولّدت منه أعضاء مُختلفةٌ، مثلُ العِظَامِ، والغَضَارِيفِ، والرّبَاطَاتِ، والأَوْتَارِ، والأوردَةِ، والشرايِين، ثم اتصل البعضُ بالبعضِ، ثُمَّ حَصَلَ في كُلِّ واحِدٍ منها نَوْعٌ خَاصٌّ من أنواع القُوَى، فحصلت القوّةُ الباصرة في العَيْنِ? والسَّامِعَةُ في الأُذُنِ، والنَّاطِقَةُ في اللِّسانِ، فسُبْحَانَ مَنْ بَصَّرَ بِشَحْمٍ، وأَسْمَعَ بِعَظْمٍ، وأَنْطَقَ بِلَحْمٍ "!.
-9-

والثَّاني: أن الحَبَّةَ الواحِدَةَ إذا وقعت في الأرض، فإذا وصلت نَدَاوةُ الأرضِ إليها، انتفَخَتْ ولا تنشق من شيء من الجوانِبِ إلاّ مِنْ أَعْلاَها وأسفلها، مَعَ أنَّ الانتفاخَ حاصلٌ من جميع الجوانب.

أما الشق الأعلى، فيخرجُ منه الجزءُ الصاعِدُ، فبعد صعودِهِ يحصُلُ له سَاقٌ، ثم ينفصِلُ من ذلك الساقِ أَغْصَانٌ كثيرةٌ، ثم يظهر على تلك الأغصانِ الأَنْوَارُ أوَّلاً، ثُمَّ الثِّمَار ثانياً، ويحصل لتلك الثمار أجزاء مختلفة بالكَثَافَةِ، واللطافة، وهي القُشُور، واللّبوبُ، ثم الأدهان.

وأما الجُزْءُ الغائِصُ من الشجرة، فإن تلك العروق تنتهي إلى أطرافها، وتلك الأطراف تكون في اللطافة كأنها مياه منعقدة، ومع غايةِ لُطْفِها، فإنها تغوص في الأرض الصّلبة اليابسة، وأودع فيها قُوًى جاذبةً تجذِبُ اللّطيفةَ من الطين إلى نفسها، والحكمةُ في كُلّ هذه التدبِيرَاتِ تحصيلُ ما يحتاج العبد إليه من الغِذَاءِ، والإدام، والفواكه، والأشربةِ، والأدْوِيَةِ؛ كما قال تعالى:

فَصْلٌ


اختلفوا في { ٱلْعَالَمِينَ }.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: " هُمُ الجنُّ والإِنْسُ؛ لأنهم المكلّفون بالخِطَابِ "؛ قال الله تعالى:


وقال قتادةُ: والحَسَنُ، ومُجَاهِدٌ - رضي الله تعالى عنهم -: " جميعُ المخلوقِينَ "؛ قال تبارك وتعالى:


واشْتِقَاقُه من العَلمِ والعَلاَمَةِ، سُمُّوا بذلك؛ لِظُهورِ أَثَرِ الصنعة فيهم.

قال أَبُو عُبَيد - رحمه الله تعالى -: هم أرْبَعُ أُمَمٍ: الملائكةُ، والإنسُ، والجِنُّ، والشَّيَاطِينُ، مُشْتَقٌّ من العلم، ولا يُقَال للبهائِمِ؛ لأنها لا تَعْقِلُ.

واخْتَلَفُوا في مبلغِهِم.

قال سَعِيدُ بنُ المُسَيَّب - رضي الله عنه -: " لِلَّه ألْفُ عَالَمٍ: سِتُّمائةٍ في البَحْرِ، وأربعمائة في البرِ ".

وقال مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّان - رضي الله عنه -: " ثَمانُونَ أَلْفاً، أَرْبَعُون ألفا في البَحْرِ، وأربعونَ ألفاً في البَرِّ ".

وقال وَهْبٌ - رضي الله عنه -: " لله ثَمَانِيَةَ عَشرَ ألفَ عَالَمٍ، الدّنيا عَالَمٌ منها، وما العمران في الخَرَابِ إلا كفُسْطاطٍ في صَحْرَاء ".

وقال كَعْبُ الأحبارِ - رضي الله عنه -: " لا يُحْصي عَدَدَ العَالَمِين إلاّ اللهُ - عز وجل - "؛ قال تعالى:

{ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } [المدثر74: 31].

-10-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #14  
قديم 12-18-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) مصنف و مدقق

تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


أخرج عبد بن حميد من طرق مطر الوراق عن قتادة في قول الله { الحمد لله رب العالمين } قال: ما وصف من خلقه. وفي قوله { الرحمن الرحيم } قال: مدح نفسه { مالك يوم الدين } قال: يوم يدان بين الخلائق. أي هكذا فقولوا { إياك نعبد وإياك نستعين } قال: دلّ على نفسه { اهدنا الصراط المستقيم } أي الصرط المستقيم { صراط الذين أنعمت عليهم } أي طريق الأنبياء { غير المغضوب عليهم } قال: اليهود { ولا الضالين } قال: النصارى.

وأخرج الدارقطني والحاكم والبيهقي عن ام سلمة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة { بسم الله الرحمن الرحيم } فعدّها آية { الحمد لله رب العالمين } آيتين { الرحمن الرحيم } ثلاث آيات { مالك يوم الدين } أربع آيات وقال: هكذا { إياك نعبد وإياك نستعين } وجمع خمس أصابعه ".
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #15  
قديم 12-19-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق 1-2
{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }


في إعراب { ٱلْحَمْدُ للَّهِ }

وقد اختلف القرّاء في قوله: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } ، فقرأت العامّة بضمّ الدال على الابتداء، وخبره فيما بعده. وقيل: على التقديم والتأخير، أي لله الحمد.

وقيل: على الحكاية. وقرأ هارون بن موسى الأعور ورؤبة بن العجاج بنصب الدال على الإضمار، أي أحمد الحمد؛ لأن الحمد مصدر لا يثنّى ولا يجمع. وقرأ الحسن البصري بكسر الدال، أتبع الكسرة الكسرة. وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة الشامي بضم الدال واللام، أتبع الضمة الضمّة.

{ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } قرأ زيد بن علي: { رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } بالنصب على المدح، وقال أبو سعيد ابن أوس الأنصاري: على معنى أحمد ربّ العالمين. وقرأ الباقون { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } بكسر الباء، أي خالق الخلق أجمعين ومبدئهم ومالكهم والقائم بأمورهم، والرب بمعنى السيّد، قال الله تعالى:

{ ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ } [يوسف12: 42]

أي سيّدك، قال الأعشى:

واهلكن يوماً ربّ كندة وابنهوربّ معبين خبت وعرعر
وربّ عمر والرومي من رأس حضيةوأنزلن بالأسباب رب المشقرة


يعني: رئيسها وسيّدها.

ويكون بمعنى المالك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أربُّ إبل أنت أم رب غنم؟ ". فقال: من كل قد آتاني الله فأكثر وأطنب " وقال طرفة:

كقنطرة الرومي أقسم ربهالتكتنفنّ حتى تشاد بقرمد


وقال النابغة:

وإن يك ربّ أذواد فحسبيأصابوا من لقائك ما أصابوا


ويكون بمعنى الصاحب، قال أبو ذؤيب:

فدنا له رب الكلاب بكفّهبيض رهاب ريشهن مقزع


ويكون بمعنى المرعى، يقول: ربّ يربّ ربابة وربوباً، فهو ربّ، مثل برّ وطب، قال الشاعر:

يربّ الذي يأتي من العرف إنهإذا سئل المعروف زاد وتمّما


ويكون بمعنى المصلح للشيء، قال الشاعر:

كانوا كسالئة حمقاء إذحقنتسلاءها في أديم غير مربوب


أي غير مصلح.

وقال الحسين بن الفضل: الرب: اللبث من غير إثبات أحد، يقال: ربّ بالمكان وأربّ، ولبث وألبث إذا أقام وفي الحديث أنه كان يتعوّذ بالله من فقر ضرب أو قلب قال الشاعر:

ربّ بأرض تخطّاها الغنم لب بأرض ما تخطاها الغنم


وهو الاختيار؛ لأن المتكلمين أجمعوا على أنّ الله لم يزل ربّاً وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو بكر محمد بن موسى الواسطي عن الرب، فقال: هو الخالق ابتداءً، والمربي غذاءً، والغافر انتهاءً. ولا يقال للمخلوق: هو الرب، معرّفاً بالألف واللام، وإنما يقال على الإضافة: هو رب كذا؛ لأنه لا يملك الكل غير الله، والألف واللام تدلاّن على العموم. وأمّا العالمون فهم جمع عالَم، ولا واحد له من لفظه، كالأنام والرهط والجيش ونحوها.

واختلفوا في معناه، حدّثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن، أخبرنا أبو إسحاق بن أسعد بن الحسن بن سفيان عن جدّه عن أبي نصر ليث بن مقاتل عن أبي معاذ الفضل بن خالد عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم عن الربيع بن أنس عن شهر بن حوشب عن أبي بن كعب قال: العالمون هم الملائكة، وهم ثمانية عشر ألف ملكاً منهم أربعة آلاف وخمسمائة ملك بالمشرق، وأربعة آلاف وخمسمائة ملك بالمغرب، وأربعة آلاف وخمسمائة ملك بالكهف الثالث من الدنيا، وأربعة آلاف وخمسمائة ملك في الكهف الرابع من الدنيا، مع كل ملك من الأعوان ما لا يعلم عددهم إلاّ الله عزّ وجلّ ومن ورائهم أرض بيضاء كالرخام.
-1-

... مسير الشمس أربعين يوماً، طولها لا يعلمه إلاّ الله عزّ وجلّ مملوءة ملائكة يقال لهم الروحانيون، لهم زجل بالتسبيح والتهليل، لو كشف عن صوت أحدهم لهلك أهل الأرض من هول صوته فهم العالمون، منتهاهم إلى حملة العرش.

وقال أبو معاذ [النحوي]: هم بنو آدم.

وقال أبو هيثم خالد بن يزيد: هم الجن والإنس؛ لقوله تعالى:

{ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [الفرقان25: 1]،

وهي رواية عطية العوفي وسعيد بن جبير عن ابن عباس.


وقال الحسين بن الفضل: العالمون: الناس، واحتجّ بقوله تعالى:


وقال العجاج: بخلاف هذا العالم.

وقال الفراء وأبو عبيدة: هو عبارة عمن يعقل، وهم أربع أمم: الملائكة، والجن، والإنس، والشياطين، لا يقال للبهائم: عالم. وهو مشتق من العلم، قال الشاعر:

ما إن سمعت بمثلهم في العالمينا


وقال عبد العزيز بن يحيى الكناني: هم أهل التنزيه من الخلق. وقال عبد الرَّحْمن بن زيد ابن أسلم: هم المرتزقون. وقال الخضر بن إسماعيل: هو اسم الجمع الكثير، قال ابن الزبعري:

إني وجدتك يا محمد عصمةللعالمين من العذاب الكارث


وقال أبو عمرو بن العلاء: هم الروحانيون. وهو معنى قول ابن عباس: كل ذي روح دبّ على وجه الأرض. وقال سفيان بن عيينة: هو جمع للأشياء المختلفة.

وقال جعفر بن محمد الصادق: " العالمون: أهل الجنة وأهل النار ". وقال الحسن وقتادة ومجاهد: هو عبارة عن جميع المخلوقات، واحتجوا بقوله:


واشتقاقه على هذا القول من (العلم) و (العلامة)؛ لظهورهم ولظهور أثر الصنعة فيهم ثم اختلفوا في مبلغ العالمين وكيفيتهم، فقال سعيد بن المسيب: لله ألف عالم؛ منها ستمائة في البحر وأربعمائة في البر. وقال الضحاك: فمنهم ثلاثمائة وستون عالماً حفاة عراة لا يعرفون مَن خالقهم، وستون عالماً يلبسون الثياب. وقال وهب: لله تعالى ثمانية عشر ألف عالم، الدنيا عالم منها، وما العمارة في الخراب إلا كفسطاط في الصحراء. وقال أبو سعيد الخدري: إن لله أربعين ألف عالم، الدنيا من شرقها إلى غربها عالم واحد. وقال أبو القاسم مقاتل بن حيان: العالمون ثمانون ألف عالم؛ أربعون ألفاً في البرّ وأربعون ألفاً في البحر. وقال مقاتل بن سليمان: لو فسّرت { ٱلْعَالَمِينَ } ، لاحتجت إلى ألف جلد كل جلد ألف ورقة. وقال كعب الأحبار: لا يحصي عدد العالمين إلاّ الله، قال الله:

{ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } [المدّثر74: 31].

-2-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #16  
قديم 12-19-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير القرآن/ التستري (ت 283 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تفسير القرآن/ التستري (ت 283 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


قال سهل: معنى: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } [2] الشكر لله، فالشكر لله هو الطاعة لله، والطاعة لله هي الولاية من الله تعالى كما قال الله تعالى:

{ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [المائدة5: 55]

ولا تتم الولاية من الله تعالى إلا بالتبري ممن سواه. ومعنى: { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [2] سيد الخلق المربّي لهم، والقائم بأمرهم، المصلح المدبر لهم قبل كونهم، وكون فعلهم المتصرف بهم السابق علمه فيهم، كيف شاء لما شاء، وأراد وحكم وقدر من أمر ونهي، لا رب لهم غيره.



__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #17  
قديم 12-19-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


قال ابن عطاء: معناه الشكر لله إذا كان منه الامتنان على تعليمنا إياه حتى حمدناه.

وقيل معنى الحمد لله أى: لا حمدًا لله إلا الله. وقيل الحمد لله أى: أنت المحمود لجميع صفاتك وأحوالك.

قال الواسطى: الناس في الحمد على ثلاث درجات، قالت العامة: الحمد لله على العادة، وقالت الخاصة الحمد لله شكرًا على اللذة وقالت الآية: الحمد لله الذى لم ينزلنا منزلة استقطعنا النعمة عن شواهد ما أشهدنا الحق من حقه.

وذُكر عن جعفر الصادق فى قوله { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } فقال: مَن حمده بجميع صفاته كما وصف نفسه فقد حمده، لأن الحمد حاء وميم ودال فالحاء من الوحدانية والميم من الملك والدال من الديمومة فمن عرفه بالوحدانية والملك والديمومة فقد عرفه.

وقال رجل بين يدى الجنيد رحمه الله: الحمد لله فقال لأتمها كما قال الله تعالى قل { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } فقال الرجل ومن العالمين حتى يذكر مع الحق فقال قله يا أخى فإن المحدث إذا قرن بالقديم لا يبقى له أثر.

وذكر عن عطاء أو غيره أنه قال: الحمد لله إقرار المؤمنين بوحدانيته وإقرار الموحدين بفردانيته وإقرار العارفين باستحقاق ربوبيته، فالأول إقرار بالإلهية والثانى إقرار بالربوبية والثالث إقرار بالتعظيم.

وقيل الحمد: هو الثناء لله فثناء المؤمنين فى قراءة فاتحة الكتاب وثناء المريدين بالذكر في الخلوات وثناء العارفين في الشوق إليه والأنس به.

وقال الحسين: ما من نعمة إلا والحمد أفضل منها، والحمد النبى صلى الله عليه وسلم والمحمود الله والحامد العبد والحميد حاله التى توصل بالمريد.

وقيل أيضًا: الحمد لله رب العالمين عن العالمين قبل العالمين لعلمه بعجز العالمين عن أداء حمد رب العالمين.

وقيل هذا رحمة للعالمين بإضافته إياهم إليه أنه ربهم.

وقيل في الحمد لله رب العالمين: إن الحمد يكون على السراء والضراء والشكر لا يكون إلا على النعماء.

وقيل: الحمد لله يكون لاستغراق الحامد فى النعمة والشكر لاستزاده.

وقيل فى قوله: الحمد لله رب العالمين أى منطق العالمين لحمده.

وذكر عن ابن عطاء فى قوله الحمد لله رب العالمين أى: مربى أفضل العارفين بنور اليقين والتوفيق وقلوب المؤمنين بالصبر والإخلاص وقلوب المريدين بالصدق والوفاء وقلوب العارفين بالفكرة والعبرة.

وقيل: رب العالمين أى هو الذى برأ العالمين بين رحمته الرحمن الرحيم حتى يؤهلهم لتمجيده بقولهم: الحمد لله رب العالمين، أى سبق الحمد منى لنفسى قبل أن يحمدنى أحد من العالمين، وحمدى نفسى لنفسى فى الأزل لم يكن لعلة، وحمد الخلق إياى مشوب بالعلل، وقيل رب العالمين أى: ملهم العالمين بحمده وحده.

وقيل: لما علم عجز عباده عن حمده حمد نفسه بنفسه فى الأزل فاستراح طوق عباده هو محل العجز عن حمده وأنَّى ينازع الحدث القدم، ألا ترى سيد المرسلين كيف أظهر العجز بقوله
-1-

" لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ".

وأنشد:

إذا نحن أثنينا عليك بصالحفأنت كما نُثنى وفوق الذى نُثنى


وحمد نفسه بالأزل لما علم من كثرة نعمه على عباده وعجزهم عن القيام بواجب حمده فحمد نفسه عنهم؛ لتكون النعمة أهنأ لديهم، حيث أسقط عنهم به ثقل رؤية المنة.

وسُئل جعفر بن محمد عن قوله: الحمد لله رب العالمين قال: معناه الشكر لله فهو المنعم بجميع نعمائه على خلقه وحسن صنيعته وجميل بلائه، فالألف الحمد من الآية وهو الواحد فبالآية أهل معرفته من سخطه وسوء قضائه، واللام من لطفه وهو الواحد فبلطفه إذا فهم حلاوة عطفه وسقاهم كأس سره والحاء فمن حمده وهو السابق يحمد نفسه قبل خلقه، فبسابق حمده استقرت النعم على خلقه وقدروا على حمده، والميم فمن مجده فبجلال مجده زينهم بنور قدسه، والدال فمن دينه الإسلام فهو السلام ودينه الإسلام وداره السلام وتحيتهم فيها سلام لأهل السلام فى دار السلام.
-2-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #18  
قديم 12-19-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


قوله جل ذكره: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ }.

حقيقة الحمد الثناء على المحمود، بذكر نعوته الجليلة وأفعاله الجميلة، واللام ها هنا للجنس، ومقتضاها الاستغراق؛ فجميع المحامد لله سبحانه إمَّا وصفاً وإمَّا خلقاً، فله الحمد لظهور سلطانه، وله الشكر لوفور إحسانه. والحمد لله لاستحقاقه لجلاله وجماله، والشكر لله لجزيل نواله وعزيز أفضاله، فحمده سبحانه له هو من صفات كماله وحَوْله، وحمد الخَلْق له على إنعامه وطوْلِه، وجلاله وجماله استحقاقه لصفات العلو، واستيجابه لنعوت العز والسمو، فله الوجود (قدرة) القديم، وله الجود الكريم، وله الثبوت الأحدي، والكون الصمدي، والبقاء الأزلي، والبهاء الأبدي، والثناء الديمومي، وله السمع والبصر، والقضاء والقدر، والكلام والقول، والعزة والطوْل، والرحمة والجود، والعين والوجه والجمال، والقدرة والجلال، وهو الواحد المتعال، كبرياؤه رداؤه، وعلاؤه سناؤه، ومجده عزه، وكونه ذاته، وأزله أبده، وقدمه سرمده، وحقه يقينه، وثبوته عينه، ودوامه بقاؤه، وقدره قضاؤه، وجلاله جماله، ونهيه أمره، وغضبه رحمته، وإرادته مشيئته، وهو الملك بجبروته، والأحد في ملكوته. تبارك الله سبحانه!! فسبحانه ما أعظم شأنه!

فصل: عَلمَ الحق سبحانه وتعالى شدة إرادة أوليائه بحمده وثنائه، وعجزَهم عن القيام بحق مدحه على مقتضى عزه وسنائه فأخبرهم أنه حَمِد نفسه بما افتتح به خطابه بقوله: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } فانتعشوا بعد الذِّلة، وعاشوا بعد الخمود، واستقلت أسرارهم لكمال التعزز حيث سمعوا ثناء الحق عن الحق بخطاب الحق، فنطقوا ببيان الرمز على قضية الأشكال. وقالوا:

ولوجهها من وجهها قمرولعينها من عينها كحل


هذا خطيب الأولين والآخرين، سيد الفصحاء، وإمام البلغاء، لمَّا سمع حمده لنفسه، ومدحه سبحانه لحقِّه، علم النبي أن تقاصر اللسان أليق به في هذه الحالة فقال: " لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك ".

داود لو سمعت أذناه قالتَهالما ترنّم بالألحان داود
غنت سعاد بصوتها فتخاذلتألحان داود من الخجل


فصل: وتتفاوت طبقات الحامدين لتباينهم في أحوالهم؛ فطائفة حمدوه على ما نالوا من إنعامه وإكرامه من نوعي صفة نفعِه ودفعِه، وإزاحته وإتاحته، وما عقلوا عنه من إحسانه بهم أكثره ما عرفوا من أفضاله معهم قال جل ذكره:

{ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا } [النحل16: 18]،

وطائفة حمدوه على ما لاح لقلوبهم من عجائب لطائفه، وأودع سرائرهم من مكنونات بره، وكاشف أسرارهم به من خفي غيبه، وأفرد أرواحهم به من بواده مواجده. وقوم حمدوه عند شهود ما كاشفهم به من صفات القدم، ولم يردوا من ملاحظة العز والكرم إلى تصفح أقسام النعم، وتأمل خصائص القِسَم، و(فرق بين) من يمدحه بعز جلاله وبين من يشكره على وجود أفضاله، كما قال قائلهم:

وما الفقر عن أرض العشيرة ساقناولكننا جئنا بلقياك نسعد

-1-

وقوم حمدوه مُسْتَهْلَكِين عنهم فيما استنطقوا من عبارات تحميده، بما اصطلم أسرارهم من حقائق توحيده، فهم به منه يعبِّرون، ومنه إليه يشيرون، يُجري عليهم أحكام التصريف، وظواهرهم بنعت التفرقة مرعية، وأسرارهم مأخوذه بحكم جمع الجمع، كما قالوا:

بيان بيان الحق أنت بيانهوكل معاني الغيب أنت لسانه


قوله جل ذكره: { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }.

الرب هو السيد، والعالمون جميع المخلوقات، واختصاص هذا الجمع بلفظ العالمين لاشتماله على العقلاء والجمادات فهو مالك الأعيان ومُنشيها، ومُوجِد الرسوم والديار بما فيها.

ويدل اسم الرب أيضاً على تربية الخلق، فهو مُربٍ نفوس العابدين بالتأييد ومربٍ قلوب الطالبين بالتسديد، ومربٍ أرواح العارفين بالتوحيد، وهو مربٍ الأشباح بوجود النِّعم، ومربٍ الأرواح بشهود الكرم.

ويدل اسم الرب أيضاً على إصلاحه لأمور عباده من ربيت العديم أربه؛ فهو مصلح أمور الزاهدين بجميل رعايته، ومصلح أمور العابدين بحسن كفايته، ومصلح أمور الواجدين بقديم عنايته، أصلح أمور قوم فاستغنوا بعطائه، وأصلح أمور آخرين فاشتاقوا للقائه، وثالث أصلح أمورهم فاستقاموا للقائه، قال قائلهم:

ما دام عزُّك مسعوداً طوالعهفلا أبالي أعاش الناس أم فقدوا


-2-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #19  
قديم 12-19-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 404 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى

تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 404 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى



{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }


قوله تعالى: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } شكر نفسه للعباد لأنه علم عجزهم عن شكره وايضاً ادَّب الخلق بتقدّم حمده امتنانه عليهم على حمدهم نفسه ولسان الحمد ثلاث لسان الانسانىّ ولسَانُ الرّوحانىّ ولسان الرَّباني اما اللسان الانسانى فهو للعوام وشكره بالتحدث بانعام الله واكرامه مع تصديق القلب باداء الشكر واما اللسان الرَّوحاني فهو للخواص وهو ذكر القلب لطائف اصطناع الحق في تربية الاحوال وتزكية الافعال واما اللسان الربَّاني فهو للعارفين وهو حركة السرّ يصدق شكر الحق جل جلاله بعد ادراك لطائف المعارف وغرائب الكواشف بنعت المشاهدة والغيبة فى قربة واجتناء ثمرة الانس وخوض الرّوح فى بحر القدس وذوق الاسرار مع مباينة الانوار والحامدون في حمدهم لله بالتفاوت لسانهم فى مقاماتهم ومقاصدهم واهل الارادة حَمِدوه بما نالوا من صفاء المعاملاتِ مقروناً بنور القرب واهل المحبّة حمدوه بما نالوا من انوار المكاشفات مقرونةً بنور صرف الصفات واهل المعرفة حمدوه بما نالوا من جمال المشاهدات ممزوجا بعلم الربوبيّة واهل التوحيد حمدوه بما نالوا من سناء خصائص الصفات وجلال فهم الذات مشوباً بنعت البقاء واهل شهود الازل بنعت الانس حَمدُوه بما لاح فى قلوبهم من نور القدس وقدس القدس وبما اَودَع اللهُ ارواحَهم من اسرار علوم القدم وما افرد مواطن اسرارهم من غصن الابصار فى تعرض الحدثان عند حقائقها وما خصّها بكشف الكشاف فحمدهم بالبسط والرجاء والانبساط شطح وَحمُده فى الاصطلام والمحوخرس كما قال عليه السلام " لا احصى ثناءً عليك " فى قبضه عن تحصيل شكر رؤية القدم فلسان التحميد لأهل التفرقة ولسانُ الحمد في رؤية المحمود صفات اهل الجمع وقيل الحمد لله ما قضى وقدر بإدراكٍ على ما هدى وحفظ وعلى ما ارشدوا وعلى ما اختاروا وقال ابو الوزير الركبى في قوله الحمد لله عن الله قال لو عرّفت ذلك عبدى لما شكرت غيرى وقال ابو بكر بن ابى طاهر ما خلق الله شيئاً من خلقه الا وألهمَهُ الحمد ثم جعل فاتحة كتابه وفرض عليهم في صلاته وقال ابن عطاء الحمد لله معناه الشكر لله اذا كان منه الامتنان على تعليمنا ايّاه حتى حمدنا وقيل معنى الحمد لله أي بمعنى انت المحمود جميع صفاتك وافعالك وقيل الحمد لله أي لا حامداً لله الا الله وذكر عن جعفر الصادق في قوله الحمد لله قال من حمده فقال من حمد بصفاته كما وصف نفسه فقد حمده لان الحمد حاء وميم وقال فالحاء من الوحدانية والميم من الملك والدال من الديموميّة فمن عرفه بالوحدانية والديموميّة والملك فقد عرفه وقال رجل بين يدي الجنيد الحمد لله فقال له اتممها كما قال الله قل رب العالمين فقال له الرجل ومَن العالمُوْنَ حتى يذكر مع الحق فقال قله يا اخى فان الحادث اذا قارن بالقديم لا يبقى له اثر قوله تعالى { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } لانه اظهر نفسه عليهم حتى نالوا من بركاتهم ما هداهم الى معرفته فرباهم بها على قدر مذاقهم فربّى المريدين بشعشعة انوارهم ولوائح اسراره وربّى المحبّين بحلاوة مناجاته ولذّةِ خطابه وربّى المشتاقين بحسن وصاله وربّى العاشقين بكشف جماله وربّى العارفين بمشاهدة بقائة ودوام انسه وحقائق انبساطه وربّى الموحّدين برؤية الوحدانيّة والانانيّة في عين الجمع وجمع الجمع وقيل { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي منطقهم بحمده وذُكِر عن ابن عطاءٍ { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي مربي انفس العارفين بنور التوفيق وقولب المؤمنين بالصبر والاخلاص وقلوب المريدين بالصدق والوفاء وقلوب العارفين بالفكرة والعبرة وقال محمد بن على الترمذي عَلِمَ الله تواتر نعمه على عباده غفلتهم عن القيام بشكره فَاَوْجَبَ عليهم في العبادة التي تكرّر عليهم في اليوم والليلة قَراءة { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } فيكون ذلك قياماً بشكره وان يغفلوا عنه فَابوا ذلك وقال بعضهم ذكَرَ بسم الله ثم قال الحمد لله اعلم اَنَّ منه المبتدأ واليه المنتهى وقال الحارث المحاسِبىّ انّ الله بدأ بحمد نفسه فأوجب للمؤمنين تقديم الحمد له في اول كل كتاب وكل خطبة وكل قولٍ حسن وهو احسنُ ما ابتدأ به المبتدئ وافتتح مقالته وقال بعضهم من قال الحمد لله رب العالمين فقد قام بحق العبودية وشكر النعمة وقال بعضهم ظهر فضل آدم على الكل بقوله حين عطس الحمد لله وقال الاستاذ مربّى الاشباح بوجود النّعمِ ومربى الارواح بشهود الكرم.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #20  
قديم 12-19-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ الحمد لله ربّ العالمين } إلى آخر السورة، الحمد بالفعل ولسان الحال هو ظهور الكمالات وحصول الغايات من الأشياء إذ هي أثنية فاتحة ومدح رائعة لموليها بما يستحقه. فالموجودات كلها بخصوصياتها وخواصها، وتوجهها إلى غاياتها، وإخراج كمالاتها من حيز القوّة إلى الفعل، مسبحة، حامدة، كما قال تعالى:

{ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ } [الإسراء17، الآية: 44]،

فتسبيحها إياه تنزيهه عن الشريك وصفات النقص والعجز باستنادها إليه وحده، ودلالتها على وحدانيته وقدرته، وتحميدها إظهار كمالاتها المترتبة، ومظهريتها لتلك الصفات الجلالية والجمالية.


وخصّ بذاته بحسب مبدئيته للكل، وحافظيته ومدبريته له التي هي معنى الربوبية للعالمين، أي لكلّ ما هو علم لله يعلم به كالخاتم لما يختم به، والقالب لما يقلب فيه، وجمع جمع السلامة لاشتماله على معنى العلم أو للتغليب، وبإزاء إفاضة الخير العامّ والخاص، اي النعمة الظاهرة كالصحة والرزق. والباطنة كالمعرفة والعلم. وباعتبار منتهائيته التي هي معنى مالكية الأشياء في يوم الدين إذ لا يجزي في الحقيقة إلا المعبود الذي ينتهي إليه الملك وقت الجزاء بإثابة النعمة الباقية عن الفانية عند التجرّد عنها بالزهد وتجليات الأفعال عند انسلاخ العبد عن أفعاله، وتعويض صفاته عند المحو عن صفاته وإبقائه بذاته، وهبته له الوجود الحقاني عند فنائه فله تعالى مطلق الحمد وماهيته أزلاً وأبداً على حسب استحقاقه إياه بذاته باعتبار البداية والنهاية وما بينهما في مقام الجمع على ألسنة التفاصيل، فهو الحامد والمحمود تفصيلاً وجمعاً، والعابد والمعبود مبدأ ومنتهى.

ولما تجلى في كلامه لعباده بصفاته شاهدوه بعظمته وبهائه، وكمال قدرته وجلاله، فخاطبوه قولاً وفعلاً بتخصيص العبادة به، وطلب المعونة منه، إذ ما رأوا معبوداً غيره، ولا حول ولا قوّة لأحد إلاّ به. فلو حضروا لكانت حركاتهم وسكناتهم كلها عبادة له وبه، فكانوا على صلاتهم دائمين داعين بلسان المحبة لمشاهدتهم جماله من كل وجه على كل وجه.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
إضافة رد
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع
ابحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 06:02 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.