متخصصون في جميع أنواع التصميم والطباعة والتعبئه لشركات المست...  آخر رد: الياسمينا    <::>    كيف تحقق أكثر من 1000 دولار بالشهر بسعر وجبة عشاء  آخر رد: الياسمينا    <::>    سكاي فليكس يوفر لك كل احتياجاتك الخاصه في مكان واحد  آخر رد: الياسمينا    <::>    دعوة لحضور لقاء "القانون وريادة الأعمال" للتعريف بالإجراءات ...  آخر رد: الياسمينا    <::>    مكتب انجاز استخراج تصاريح الزواج  آخر رد: الياسمينا    <::>    المحامية رباب المعبي : حكم لصالح موكلنا بأحقيتة للمبالغ محل ...  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات يوسيرين: رفع مستوى روتين العناية بالبشرة مع ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    اكتشفي منتجات لاروش بوزيه الفريدة من نوعها في ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات العناية بالبشرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    استكشف سر جمال شعرك في ويلنس سوق، الوجهة الأولى للعناية بالش...  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > القرآن الكريم > آيات القرآن الكريم
التسجيل التعليمات الملحقات التقويم مشاركات اليوم البحث

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #41  
قديم 01-05-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق 1-2


{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }


قوله تعالى: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }.

صراط الذين أنعمت عليهم أى: مقام الدين. أنعمت عليهم بالمعرفة وهم العارفون، وأنعم على الأولياء بالصدق والرضا واليقين، وأنعم على الأبرار بالحلم والرأفة وأنعم على المريدين بحلاوة الطاعة، وأنعم على المؤمنين بالاستقامة، هذا قول ابن عطاء.

وحُكى عن أبى عثمان أنه قال: صراط الذين أنعمت عليهم بأن عَرَّفتهم مهالك الصراط ومكايد الشيطان وخيانة النفس.

وحُكى عن محمد بن الفضل أنه قال: صراط الذين أنعمت عليهم لقبول ما افترضت عليهم.

وقال أبو الحسن الوراق: صراط الذين أنعمت عليهم بالعناية على الاستقامة فى طريق مناجاتك.

وقال بعضهم صراط الذين أنعمت عليهم فى سابق الأزل بالسعادة.

وحُكى عن بعض البغداديين أنه قال: مَن أفنيته عن النظر إلى النعمة بدوام التنعم بقربك ومؤانستك.

وقال بعضهم: صراط الذين أنعمت عليهم بالنظر إلى جريان ما جرى عليهم فى الأزل فلم يشغلهم كشف ذلك لهم عن الشغل بك.

وحُكى عن مالك بن أنس أنه سئل عن قوله { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } فقال: متابعة النبى صلى الله عليه وسلم.

وقال بعضهم: صراط الذين أنعمت عليهم بالإيمان والهداية والتوفيق والرعاية والمراقبة والكلاءة.

وقال جعفر بن محمد: صراط الذين أنعمت عليهم بالعلم بك والفهم عنك.

وقال بعض البغداديين: صراط الذين أنعمت عليهم بفناء حظوظهم وقيامهم معك حسن الأدب.

وقيل: صراط الذين أنعمت عليهم بمشاهدة المنعم بغير النعمة.

وقيل: صراط الذين أنعمت عليهم بالإسلام ظاهرًا والإيمان باطنًا. قال الله تعالى

{ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً } [لقمان31: 20]

وقيل: صراط الذين أنعمت عليهم بإزالة ظلمات الأكوان عن سرائرهم وطهرت أرواحهم بنور قدسك فشاهدوك بهممهم، ولم يشاهدوا معك سواك.


وقال محمد بن على: صراط الذين أنعمت عليهم قال الذين زممت جوارحهم بالهيبة عند خدمتك.

وقيل: صراط الذين أنعمت عليهم من غيبك المستتر بأنوار هدايتك.

وقيل: صراط الذين أنعمت عليهم بعبادتك على المشاهدة. كما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم " أن تعبد الله كأنك تراه ". وسُئل سهل بن عبد الله عن قوله صراط الذين أنعمت عليهم قال: متابعة السُّنة.

وقيل أيضاً: صراط الذين أنعمت عليهم بأن أذنت لهم فى مناجاتك وسؤالك.

أخبرنا نصر بن محمد الأندلسى قال: حدثنا أبو عمر أحمد بن هلال بن نزار العطار قال: حدثنا الحسن بن محمد بن حيان الفريانى قال: حدثنا أحمد بن عبد الواحد قال: حدثنا محمد بن ميمون قال حدثنا معاذ بن هلال قال: حدثنا إسماعيل بن حسام عن الحسن فى قوله صراط الذين أنعمت عليهم قال: أبو بكر وعمر رضى الله عنهم.

قوله تعالى: { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }.

قال ابن عطاء: غير المخذولين ولا المطرودين ولا المهانين ولا الضالين الذين ضلوا عن طريق هدايتك ومعرفتك وسبيل ولايتك.
-1-

وقيل: غير المغضوب عليهم فى طريق الهلكى، ولا الضالين عن طريق الهدى باتباع الهوى.

وقيل: غير المغضوب عليهم المستهلكين فى مفاوز الشيطان، ولا الضالين المطرودين عن طاعة الرحمن.

وقيل: غير المغضوب عليهم برؤية الأفعال ولا الضالين عن رؤية المنن، وقيل غير المغضوب عليهم بطلب الأعواض على أعمالهم ولا الضالين عن طريق الشكر بتيسير الخدمة عليهم.

وقيل: غير المغضوب عليهم بترك حسن الأدب فى أوقات القيام بخدمتك، ولا الضالين عن... فيستغفر وينيب.

وقيل: غير المغضوب عليهم بالرياء ولا الضالين بترك السنن فى أركان العبادات.

وقال أبو عثمان: غير المغضوب عليهم بترك قراءة هذه السورة فى صلواتهم، ولا الضالين عن ترك قراءتها.

وقيل: غير المغضوب عليهم بأن وكلتهم إلى أنفسهم ولا الضالين بقطعك الاعتصام عنهم.

وقيل: غير المغضوب عليهم باتباع البدع ولا الضالين عن سنن الهدى والسنة فى قول القائل آمين بعد قراءة هذه السورة فى صلاته والجهر به.

وقال ابن عطاء: أى كذلك فافعل ولا تكلنى إلى نفسى طرفة عين.

وقال جعفر: آمين أى: قاصدين نحوك وأنت أكرم من أن تجيب قاصدك.

وقال الجنيد رحمه الله: معنى آمين أى: عاجزين عن بلوغ الثناء عليك بصفاتنا إلا باتباع محمد الأمين فيه.

وقال بعض العراقيين: آمين أى: راجين لإجابة هذه الدعوات التى دعوتك بها.

وقال بعضهم مستقيلين من جميع اسؤلَتِنا؛ لأن حسن اختيارك لنا خير من اختيارنا.

وقيل: آمين أى: راضين بما قضيت علينا ولنا.
-2-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #42  
قديم 01-05-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق

تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }


قوله جل ذكره { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }.

يعني طريق من أنعمتَ عليهم بالهداية إلى الصراط المستقيم، وهم الأولياء والأصفياء. ويقال طريق من (أفنيتهم) عنهم، وأقمتهم بك لك، حتى لم يقفوا في الطريق، ولم تصدهم عنك خفايا المكر. ويقال صراط من أنعمت عليهم بالقيام بحقوقك دون التعريج على استجلاب حظوظهم.

ويقال صراط من (طهرتهم) عن آثارهم حتى وصلوا إليك بك.

ويقال صراط من أنعمت عليهم حتى تحرروا من مكائد الشيطان، ومغاليط النفوس ومخاييل الظنون، وحسبانات الوصول قبل خمود آثار البشر (ية).

ويقال صراط من أنعمت عليهم بالنظر والاستعانة بك، والتبري من الحول والقوة، وشهود ما سبق لهم من السعادة في سابق الاختيار، والعلم بتوحيدك فيما تُمضيه من المَسَار والمضار.

ويقال صراط الذين أنعمت عليهم بحفظ الأدب في أوقات الخدمة، واستشعار نعت الهيبة.

ويقال صراط الذين أنعمت عليهم بأن حفظت عليهم آداب الشريعة وأحكامها عند غلبات (بواده) الحقائق حتى لم يخرجوا عن حد العلم، ولم يُخِلُّوا بشيء من أحكام الشريعة. ويقال صراط الذين أنعمت عليهم حتى لم تطفئ شموسُ معارفهم أنوارَ ورعهم ولم يُضيِّعُوا شيئاً من أحكام الشرع.

ويقال صراط الذين أنعمتَ عليهم بالعبودية عند ظهور سلطان الحقيقة.

قوله جل ذكره: { غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ }.

المغضوب عليهم الذين صدمتهم هواجم الخذلان، وأدركتهم مصائب الحرمان، وركبتهم سطوة الرد، وغلبتهم بَوَاده الصد والطرد.

ويقال هم الذين لحقهم ذل الهوان، وأصابهم سوء الخسران، فشغلوا في الحال باجتلاب الحظوظ - وهو في التحقيق (شقاء)؛ إذ يحسبون أنهم على شيء، وللحق في شقائهم سر.

ويقال هم الذين أنِسُوا بنفحات التقريب زماناً ثم أظهر الحق سبحانه في بابهم شانا؛ بُدِّلوا بالوصول بعاداً، وطمعوا في القرب فلم يجدوا مراداً، أولئك الذين ضلّ سعيُهم، وخاب ظنهم.

ويقال غير المغضوب عليهم بنسيان التوفيق، والتعامي عن رؤية التأييد. ولا الضالين عن شهود سابق الاختيار، وجريان التصاريف والأقدار.

ويقال غير المغضوب عليهم بتضييعهم آداب الخدمة، وتقصيرهم في أداء شروط الطاعة.

ويقال غير المغضوب عليهم هم الذين تقطعوا في مفاوز الغيبة، وتفرّقت بهم الهموم في أودية وجوه الحسبان.

فصل: ويقول العبد عند قراءة هذه السورة آمين، والتأمين سُنَّة، ومعناه يا رب افعل واستجب، وكأنه يستدعي بهذه القالة التوفيق للأعمال، والتحقيق للآمال، وتحط رِجْلُه بساحات الافتقار، ويناجي حضرة الكرم بلسان الابتهال، ويتوسل (بتبريه) عن الحول والطاقة والمُنَّة والاستطاعة إلى حضرة الجود. وإن أقوى وسيلة للفقير تعلقه بدوام الاستعانة لتحققه بصدق الاستغاثة.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #43  
قديم 01-05-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 404 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى

تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 404 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى



{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }


قوله تعالى { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } اي منازل الدينَ انْعَمْتَ عليهم بالمعرفة وحسن الادَبَ في الخدمة وايضاً أنعمت عليهم باليقين التّام والصدق على الدَّوام واطلاعِهم على مكائد النفس والشيطان وكشف غرائب الصفات وعجائب انوار الذاتِ والاستقامة في جميع الاحوال وبسعادة الهداية الى القربة بعناية الازلية وهم الانبياء والاولياء والصديقون والمقربون والعارفون والامناءُ والنخباء قال ابو عثمان انعمت عليهم بان عَرّفتَهم مهالك الصّراط ومكائد الشيطانِ وجناية النفس وقال بعضهم أنعمت عليهم في سابق الازل بالسعادة وقال جعفر بن محمد انعمت عليهم بالعلم بك والفهم منك وقيل انعمتُ عليهم بمشاهدة المنعم دون النعمة وقال بعضهم انعمتَ عليهم بالرّضا بقضائك وقَدرك وقيل انعمت عليهم بمخالفة النفس والهوى والاقبال عليك بدوم الوفاء وقال حميد فيما قضيتَه من المضارّ والمسارّ وقال بعضهم انعمت عليهم بالاقبال عليك والفهم عنك ويقال طريق من اَفْنَيْتَهم عنهم طاقتهم بك حتى لم يقفوا في الطريق ولم يسدَّهم عنك خفايا المكر وقيل صراط من انعمت عليهم حتى يُحرسوا من مكائد الشيطان ومغاليط النفوس ومخايل الظنون ويقالُ من طهرتَهم من اثارهم حتى وصلوا اليك بك ويقال صراط من انعمت عليهم بالنظر اليك والاستعانة بك والتبرى من الحول والقوّة وشهود ما سبق لَهُم من السعادة في سابق الاختيار والعلم بتَوَحدك فيما قَضَيْته من المسارّ والمضار ويقال انعمت عليهم بحفظ الأدب في اوقات الخدمة واستشعار نعت الهيبة وقيل صراط من أنعمت عليهم من تأدَّبوا بالخلوة عند غليات بوادي الحقائق حتى لم يخرجوا عن حد العلم فلم يخلوا بشئ من اعد الهيبة ولم يضيعوا من احكام العبودية عند ظهور سلطان الحقيقة وقيل صراط مَن انعمتَ عليهم بل حفظت عليهم آداب الشريعة واحكامَها الشرع وقيل صراط من انعمت عليهم حتى لم يطف شموسُ معارفهم انوارَ ورَعهم ولم يضيعوا من احكام العبودية عند ظهور سلطان الحقيقة.

قوله تعالى { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } يعني المطرودين عن باب العبودية وقال ابو عثمان الذين غَضَبت عليهم وخذلتهم ولم تحفظ قلوبهم حتى تَهَوَّدوا وتنصَّروا وقال الاستاذ الذين صدْمتهم هوازم الخذلان وأدركتهم مصائب الحرمان قال ابو العباس الدينَورَى وكلتهم الى حَوْلهم وقوتهم وعرّيتهم من حولك وقوّتك وقيل هم الذّين لَحِقَهم ذُلّ الهوان واصابهم سوء الخسران وشَغَلوا في الحلال باجتلاب الحظوظ وهو في التحقيق مكرر ويحسبون انهم على شئ وللحق في شقاوَتهم سِرّ ولا الضّالين عن شهود سابق الاختيار وجَرَيان تصاريف الاقدار { وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } يعني المفلسين عن نفائس المعرفة وايضا غير المغضوب عليهم بالمكر والاستدراج { وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } عن انوار السبل والمنهاج وايضاً { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } بالحجاب { وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } عن رؤية المآب وايضاً غير المغضوب عليهم بالانفصال ولا الضالين عن الوِصَال وقال ابن عطاء غير المخذولين والمطرودين والمنهانين الذين ضلوا عن الطريق الحقّ وقيل { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم } في طريق الهلكى { وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } عن طريق الهدى لاتباع الهوى واما في قوله آمين اي استدعاء العارفين مزيد القربة مع استقامة المعرفة من رب العالمين والافتقار الى الله بنعت الانظار لاقتباس الانوار وايضا قاصدين الى الله بمراتب النوعية والرّهبة وقال ابن عطاء اي كذلك فافعل ولا تكلني الى نفسى طرفة عين وقال جعفر آمين قاصدين نحوك وانْتَ اعَزُّ من ان تخيبَ قاصِداً.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #44  
قديم 01-06-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق 1-6

تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق 1-6


{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }


{ صراط الذين انعمت عليهم } بدل من الاول بدل الكل والانعام ايصال النعمة وهى فى الاصل الحالة التى يستلذها الانسان فاطلقت على ما يستلذه من نعمة الدين الحق. قال ابو العباس ابن عطاء هؤلاء المنعم عليهم هم طبقات فالعارفون انعم الله عليهم بالمعرفة والاولياء انعم الله عليهم بالصدق والرضى واليقين والصفوة والابرار انعم الله عليهم بالحلم والرأفة والمريدون انعم الله عليهم بحلاوة الطاعة والمؤمنون انعم الله عليهم بالاستقامة.

وقيل هم الانبياء والصديقون والشهداء والصالحون كما قال تعالى

{ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً } [الأَنعام6: 153]

الى ذاته تعالى كما اضيف الدين والهدى تارة الى الله تعالى نحو

{ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ } [آل عمران3: 83]
{ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ } [آل عمران3: 73]

وتارة الى العباد نحو


الاول بيان ان ذلك كله له شرعا ولنا نفعا كما قال تعالى

{ شَرَعَ لَكُم مِنَ الدِّينِ } [الشورى42: 13].

والثانى انه له ارتضاء واختيارا ولنا سلوكا وائتمارا. والثالث انه اضافه الى نفسه قطعا لعجب العبد والى العبد تسلية لقلبه. والرابع انه اضافه الى العبد تشريفا له وتقريبا والى نفسه قطعا لطمع ابليس عنه كما قيل لما نزل قوله تعالى

{ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [المنافقون63: 8]

قال الشيطان ان لم اقدر على سلب عزة الله ورسوله اسلب عزة المؤمنين فقال الله تعالى

{ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً } [فاطر35: 10]

فقطع طمعه كذا فى التيسير.


وتكرار الصراط اشارة الى ان الصراط الحقيقى صراطان من العبد الى الرب ومن الرب الى العبد فالذى من العبد الى الرب طريق مخوف كم قطع فيه القوافل وانقطع به الرواحل ونادى منادى العزة لاهل العزة الطلب رد والسبيل سد وقاطع الطريق يقطع على هذا الفريق

{ لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } [الأعراف7: 16] الآية

والذى من الرب الى العبد طريق آمن وبالامان كائن قد سلم فيه القوافل وبالنعم محفوف المنازل يسير فيه سيارته ويقاد بالدلائل قادته

{ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّنَ } [النساء4: 69] الآية

اى انعم الله على اسرارهم بانوار العناية وعلى ارواحهم باسرار الهداية وعلى قلوبهم بآثار الولاية وعلى نفوسهم فى قمع الهوى وقهر الطبع وحفظ الشرع بالتوفيق والرعاية وفى مكايد الشيطان بالمراقبة والكلاية.


والنعم اما ظاهرة كارسال الرسل وانزال الكتب وتوفيق قبول دعوة الرسل واتباع السنة واجتناب البدعة وانقياد النفس للاوامر والنواهي والثبات على قدم الصدق ولزوم العبودية.

واما باطنة وهى ما انعم على ارواحهم فى بداية الفطرة باصابة رشاش نوره كما قال عليه السلام " ان الله خلق الخلق فى ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن اصابه ذلك النور فقد اهتدى ومن اخطأه فقد ضل "
-1-

فكان فتح باب صراط الله الى العبد من رشاش ذلك النور واول الغيث رش ثم ينسكب فالمؤمنون ينظرون بذلك النور المرشوش الى مشاهدة المغيث وينتظرون الغيث ويستعينون { اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم } بجذبات الطافك وفتحت عليهم ابواب فضلك ليهتدوا بك اليك فأصابوا بما اصابهم بك منك كذا فى التأويلات النجمية.

قال الشيخ صدر الدين القنوى قدس سره فى الفكوك فى تأويل الحديث المذكور لا شك ان الوجود المحض يتعقل فى مقابلته العدم المضاد له فان للعدم تعينا فى التعقل لا محالة وله الظلمة كما ان الوجود له النورانية ولهذا يوصف الممكن بالظلمة فانه يتنور بالوجود فيظهر فظلمته من احد وجهيه الذى يلى العدم وكل نقص يلحق الممكن ويوصف به انما ذلك من احكام النسبة العدمية واليه الاشارة بقوله النبى صلى الله عليه وسلم " ان الله خلق الخلق فى ظلمة ثم رش عليه من نوره فظهر " وخلق ههنا بمعنى التقدير فان التقدير سابق على الايجاد ورش النور كناية عن افاضة الوجود على الممكنات فاعلم ذلك انتهى كلام الشيخ.

{ غير المغضوب عليهم ولا الضالين } بدل من الذين على معنى ان المنعم عليهم هم الذين سلموا من الغضب والضلال.

وكلمة غير على ثلاثة اوجه الاول بمعنى المغايرة وفارسيته " جز " قال الله تعالى


والثانى بمعنى لا وفارسيته " نا " قال تعالى


والثالث بمعنى الا وفارسيته " مكر " قال تعالى


وصرفها ههنا على هذه الوجوه محتمل غير ان معنى الاستثناء مخصوص بقراءة النصب.

والغضب ثوران النفس عند ارادة الانتقام يعنى انه حالة نفسانية تحصل عند غليان النفس ودم القلب لشهوة الانتقام وهنا نقيض الرضى او ارادة الانتقام او تحقيق الوعيد او الاخذ الاليم او الطبش الشديد او هتك الاستار والتعذيب بالنار لان القاعدة التفسيرية ان الافعال التى لها اوائل بدايات واواخر غايات اذا لم يمكن اسنادها الى الله باعتبار البدايات يراد بها حين الاسناد غاياتها كالغضب والحياء والتكبر والاستهزاء والغم والفرح والضحك والبشاشة وغيرها والضلال والعدول عن الطريق السوى عمدا او خطأ. والمراد بالمغضوب عليهم العصاة وبالضالين الجاهلون بالله لان المنعم عليهم هم الجامعون بين العلم والعمل فكان المقابل لهم من اختل احدى قوتيه العاقلة والعاملة والمخل بالعمل فاسق مغضوب عليه لقوله تعالى فى القاتل عمدا

{ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ } [النساء4: 93]

والمخل بالعلم جاهل ضال كقوله تعالى

{ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ } [يونس10: 32]

والمغضوب عليهم هم اليهود لقوله تعالى فى حقهم

-2-

{ مَن لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ } [المائدة5: 60]

والضالون النصارى لقوله تعالى فى حقهم

{ قَد ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً } [المائدة5: 77]

وليس المراد تخصيص نسبة الغضب باليهود ونسبة الضلال بالنصارى لان الغضب قد نسب ايضا الى النصارى وكذا الضلال قد نسب الى اليهود فى القرآن بل المراد انهما اذا تقابلا فالتعبير بالغضب الذى هو ارادة الانتقام لا محالة باليهود فى القرآن بل المراد انهما اذا تقابلا فالتعبير الذي هو ارادة الانتقام لا محالة باليهود أليق لغاية تمردهم فى كفرهم من اعتدائهم وقتلهم الانبياء وقولهم

{ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ } [آل عمران3: 181]

وغير ذلك.


فان قلت من المعلوم ان المنعم عليهم غير الفريقين فما الفائدة فى ذكرهما بعدهم. قلت فائدته وصف ايمانهم بكمال الخوف من حال الطائفتين بعد وصفه بكمال الرجاء في قوله { الذين انعمت عليهم } قال عليه السلام " لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا ".

واعلم ان حكم الغضب الالهى تكميل مرتبة قبضة الشمال فانه وان كان كلتا يديه المقدستين يمينا مباركة لكن حكم كل واحدة يخالف الاخرى فالارض جميعا قبضته والسموات مطويات بيمينه فلليد الواحدة المضاف اليها عموم السعداء الرحمة والحنان وللاخرى القهر والغضب ولوازمهما فسر حكم الغضب هو التكميل المشار اليه فى الجمع بين حكم اليدين والوقاية ولصاحب الاكلة اذا ظهرت فى عضو واحد وقدر أن يكون الطبيب والده او صديقه او شقيقه فانه مع فرط محبته يبادر لقطع العضو المعتل لما لم يكن فيه قابلية الصلاح والسر الثالث التطهير كالذهب الممزوج بالرصاص والنحاس اذا قصد تمييزه لا بد وان يجعل فى النار الشديدة والضلال هو الحيرة فمنها ما هى مذمومة ومناه ما هى محمودة ولها ثلاث مراتب حيرة اهل البدايات وحيرة المتوسطين من اهل الكشف والحجاب وحيرة اكابر المحققين واول مزيل للحيرة الاولى تعين المطلب المرجح كرضى الله والتقرب اليه والشهود الذاتي ثم معرفة الطريق الموصل كملازمة شريعة الكمل ثم السبب المحصل كالمرشد ثم ما يمكن الاستعانة به فى تحصيل الغرض من الذكر والفكر وغيرهما ثم معرفة العوائق وكيفية ازالتها كالنفس والشيطان فاذا تعينت هذه الامور الخمسة حينئذ تزول هذه الحيرة وحيرة الاكابر محمودة لا تظنن ان هذه الحيرة سببها قصور فى الادراك ونقص مانع من كمال الجلاء هنا والاستجلاء لما هناك بل هذه حيرة يظهر حكمها بعد كمال التحقق بالمعرفة والشهود ومعاينة سر كل وجود والاطلاع التام على احدية الوجود. وفى تفسير النجم

{ غير المغضوب عليهم ولا الضالين } [الفاتحة1: 7]

هم الذين اخطأهم ذلك النور فضلوا فى تيه هوى النفس وتاهوا فى ظلمات الطبع والتقليد فغضب الله عليهم مثل اليهود ولعنهم بالطرد والتبعيد حتى لم يهتدوا الى الشرع القويم ووقعوا عن الصراط المستقيم اى عن المرتبة الانسانية التى خلق فيها الانسان فى احسن تقويم ومسخوا قردة وخنازير صورة أو معنى او لما وقعوا عن الصراط المستقيم فى سد البشرية نسوا ألطاف الربوبية وضلوا عن صراط التوحيد فاخذهم الشيطان بشرك الشرك كالنصارى فاتخذوا الهوى الها والدنيا الها وقالوا

-3-

{ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ } [المائدة5: 73]
{ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُم } [التوبة9: 67]


هذا بحسب اول الحال وفيه وجه آخر معتبر فيه عارض المآل وهوان يراد غير المغضوب عليهم بالغيبة بعد الحضور والمحنة بعد السرور والظلمة غب النور نعوذ بالله من الحور بعد الكور اى من الرجوع الى النقصان بعد الزيادة ولا الضالين بغلبة الفسق والفجور وانقلاب السرورة بالشرور ووجه ثالث يعبر فى السلوك الى ملك الملوك وهو غير المغضوب عليهم بالاحتباس فى المنازل والانقطاع عن القوافل ولا الضالين بالصدود عن المقصود

{ ءَامِّينَ } [المائدة5: 2]

اسم فعل بمعنى استجب معناه يا الله استجب دعاءنا او افعل يا رب بنى على الفتح كأين وكيف لالتقاء الساكنين وليست من القرآن اتفاقا لانها لم تكتب فى الامام ولم ينقل احد من الصحابة والتابعين ومن بعدهم رضى الله تعالى عنهم أنها قرآن لكن يسن ان يقول القارئ بعد الفاتحة آمين مفصولة عنها لقوله عليه السلام " علمنى جبريل آمين عند فراغى من قراءة الفاتحة وقال انه كالختم على الكتاب " وزاده على رضى الله عنه توضيحا فقال [آمين خاتم رب العالمين ختم به دعاء عبده] فسره ان الخاتم كما يمنع عن المختوم الاطلاع عليه والتصرف فيه يمنع آمين عن دعاء العبد الخيبة.


وقال وهب يخلق بكل حرف منه ملك يقول اللهم اغفر لمن قال آمين وفى الحديث " الداعى والمؤمن شريكان " يعنى به قوله تعالى

{ قَد أُجِيبَت دَعْوَتُكُمَا } [يونس10: 89]

قال عليه السلام " اذا قال الامام ولا الضالين فقولوا آمين فان الملائكة تقولها فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه "

وسره ما مر فى كلام وهب اما الموافقة فقيل فى الزمان وقيل فى الاخلاص والتوجه الاحدى. واختلف فى هؤلاء الملائكة قيل هم الحفظة وقيل غيرهم ويعضده ما روى انه عليه السلام قال " فان من وافق قوله قول اهل السماء " ويمكن ان يجمع بين القولين بان يقولها الحفظة واهل السماء ايضا.

قال المولى الفنارى فى تفسير الفاتحة ان الفاتحة نسخة الكمال لمن اخرج للاستكمال من ظلمة العدم والاستهلاك فى نور القدم الى انوار الروحانية ثم بواسطة النفخ الى عالم الجسمانية ليكمل مرتبة الانسانية التى لجمعيتها مظنة الانانية فاحتاج الى طلب الهداية الى منهاج العناية التى منها جاء ليرجع من الوجود الى العدم بل من الحدوث الى القدم فيفقد الموجود فقدانا لا يجده ليجد المفقود وجدانا لا يفقده ولما حصل لهم رتبة الكمال بقبول هذا السؤال كما قال ولعبدى ما سأل فاضافه الى نفسه بلام التمليك ثم ختم اكرم الا كرمين نسخة حالهم بخاتم آمين اشارة الى ان عباده المخلصين ليس لاحد من العالمين ان يتصرف فيهم بان يفك خاتم رب العالمين ولهذا ايس ابليس فقال
-4-

{ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } [الحجر15: 40]

وعدد آيات سورة الفاتحة سبع فى قول الجمهور على ان احداها ما آخرها انعمت عليهم لا التسمية او بالعكس وعدد كلماتها، ففى التيسير انها خمس وعشرون وحروفها مائة وثلاثة وعشرون.

وفى عين المعانى كلماتها سبع وعشرون وحروفها مائة واثنان واربعون وسبب الاختلاف بعد عدم إعتبار البسملة اعتبار الكلمات المنفصلة كتابة او المستقلة تلفظا واعتبار الحروف الملفوظة او المكتوبة او غيرهما. وسئل عطاء أى وقت انزلت فاتحة الكتاب قال انزلت بمكة يوم الجمعة كرامة اكرم الله بها محمد عليه السلام وكان معها سبعة آلاف ملك حين نزل بها جبريل على محمد عليهما السلام. روى ان عيرا قدمت من الشام لابى جهل بمال عظيم وهى سبع فرق ورسول الله واصحابه ينظرون اليها واكثر الصحابة بهم جوع وعرى فخطر ببال النبى صلى الله عليه وسلم شئ لحاجة اصحابه فنزل قوله تعالى

{ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي } [الحجر15: 87]

اى مكان سبع قوافل لابى جهل لا ينظر الى ما اعطيناك مع جلالة هذه العطية فلم تنظر الى ما اعطيته من متاع الدنيا الدنية ولما علم الله ان تمنيه لم يكن لنفسه بل لاصحابه قال

{ وَلَا تَحْزَن عَلَيْهِمْ } [النحل16: 127]

وامره بما يزيد نفعه على نفع المال فقال

{ وَاخْفِض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } [الحجر15: 88]

فان تواضعك اطيب لقلوبهم من ظفرهم بمحبوبهم ومن فضائلها ايضا قوله عليه السلام " لو كانت فى التوراة لما تهود قوم موسى ولو كانت فى الانجيل لما تنصر قوم عيسى ولو كانت فى الزبور لما مسخ قوم داود عليهم السلام وأيما مسلم قرأها اعطاه الله من الاجر كانما قرأ القرآن كله وكأنما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة " ومن فضائلها ايضا ان الحروف المعجمة فيها اثنان وعشرون واعوان النبى صلى الله عليه وسلم بعد الوحى اثنان وعشرون وان ليست فيها سبعة احرف ثاء الثبور وجيم الجحيم وخاء الخوف وزاى الزقوم وشين الشقاوة وظاء الظلمة وفاء الفراق فمعتقد هذه السورة وقارئها على التعظيم والحرمة آمن من هذه الاشياء السبعة.


وعن حذيفة رضى الله عنه انه عليه السلام قال " ان القوم ليبعث الله عليهم العذاب حتما مقضيا فيقرأ صبى من صبيانهم فى المكتب الحمد لله رب العالمين فيسمعه ويرفع عنهم بسببه العذاب اربعين سنة " وقد مر ما روى من ايداع علوم جميع الكتب فى القرآن ثم فى الفاتحة فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير الكل ومن قرأها فكأنما قرأ الكل.
-5-

قال تفسير الكبير والسبب ان المقصود من جميع الكتب علم الاصول والفروع والمكاشفات وقد علم اشتمالها عليها.

قال الفنارى وذلك لما علم ان اولها الى قوله تعالى

{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } [الفاتحة1: 4].


اشارة الى العقائد المبدئية المتعلقة بالإلهيات ذاتا وصفة وفعلا لان حصر الحمد يقتضى حصر الكمالات الذاتية والوصفية والفعلية ثم بالنبوات والولايات لانهما اجلاء النعم او اخصاؤها ثم الى العقائد المعادية لكونه مالكا للامر كله يوم المعاد واوسطها من قوله { اياك نعبد واياك نستعين } الى اقسام الاحكام الرابطة بين الحق والعبد من العبادات وذلك ظاهر من المعاملات والمزاجر لان الاستعانة الشرعية اما لجلب المنافع او لدفع المضار وآخرها الى طلب المؤمن وجوه الهداية المرتبة على الايمان المشار اليه فى القسم الاول والاسلام المشار اليه فى القسم الثانى وهى وجوه الاحسان اعنى المراتب الثلاث من الالخلاق الروحانية المحمودة ثم المراقبات المعهودة فى قوله عليه السلام " أن تعبد الله كأنك تراه "

ثم الكمالات المشهودة عند الاستغراق فى مطالع الجلال الرافع لكاف التشبيه الذى فى ذلك الخبر والدافع لغضب تنزيه الجبر وضلال نسبة القدر وهذه هى المسماة بعلوم المكاشفات والله اعلم باسرار كلية المبطنات.
-6-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #45  
قديم 01-06-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق 1-3

تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق 1-3

{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }


قلت: { صراط } بدل من الأول - بدل الكل من الكل - وهو في حكم تكرير العامل من حيث إنه المقصود بالنسبة، وفائدته: التوكيد والتنصيص على أن طريق المسلمين هو المشهود عليه بالاستقامة، على آكد وجه وأبلغه؛ لأنه جعله كالتفسير والبيان له، فكأنه من البيِّن الذي لا خفاء فيه، وأن الصراط المستقيم ما يكون طريق المؤمنين، و { غير المغضوب عليهم } بدل من { الذين } على معنى أن المُنْعَمَ عليهم هم الذي سَلِمُوا من الغضب والضلال. أو صفة له مُبيَّنة أو مقيدة على معنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة، وهي نعمة الإيمان، وبين السلامة من الغضب والضلال، وذلك إنما يصح بأحد تأويلين: إجراء الموصول مجرى النكرة، إذ لم يُقصد به معهود كالمعرَّف في قوله:

ولَقَد أَمُرُ علُى اللئيم يَسُبنّي


أو يُجعل { غير } مَعْرِفةً؛ لأنه أُضيف إلى مآلَهُ ضدٍّ واحد، وهو المنعمُ عليه، فيتعينُ تَعيُّن الحركة غير السكون، وإلا لزِم عليه نعت المعرفة بالنكرة. فتأملْهُ.

والغضبُ: ثَوَرانُ النفس إرادةَ الانتقام، فإذا أسند إلى الله تعالى أريد غايته وهو العقوبة، و { عليهم } نائب فاعل: و { لا } مَزيدة لتأكيد ما في { غير } من معنى النفي، فكأنه قال: ولا المغضوب عليهم ولا الضالين، وقرأ عمرُ رضي الله عنه: { وغير الضالين } ، والضلال: والعدول عن الطريق السوي عمداً أو خطأً، وله عرض عَريضٌ والتفاوت بين أدناه وأقصاه كبير. قاله البيضاوي.

وإنما أَسند النعمة إلى الله والغضبَ إلى المجهول تعليماً للأدب،

{ مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ... } [النِّساء4: 79] الآية.


يقول الحقّ جلّ جلاله في تفسير الطريق المستقيم: هو طريق الذين أنعمتُ عليهم بالهداية والاستقامة، والمعرفة العامة والخاصة، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، والمُنعَم عليهم في الآية مطلق، يصدق كل منعَم عليه بالمعرفة والاستقامة في دينه، كالصحابة وأضرابِهِمْ، وقيل: المراد بهم أصحاب سيّيدنا موسى عليه السلام قبل التحريف. وقيل: أصحاب سيدنا عيسى قبل التغيير. والتحقيق أنه عام.

قال البيضاوي: ونِعَمُ الله وإن كانت لا تُحصى كما قال الله:

{ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ } [إبراهيم14: 34]

تنحصر في جنسين: دنيوي وأخروي.


فالأول: وهو الدنيوي - قسمان: موهبي وكَسْبِي، والموهبي قسمان: رُوحاني، كنفخ الروح فيه وإشراقه بالعقل وما يتبعه من القوي، كالفهم والفكر والنطق، وجسماني: كتخليق البدن بالقوة الحالة فيه والهيئات العارضة له من الصحة وكمال الأعضاء. والكسبي: كتزكية النفس عن الرذائل، وتحليتها بالأخلاق الحسنة والملكات الفاضلة، وتزيين البدن بالهيئات المطبوعة والحُلي المستحسنة، وحصول الجاه والمال.

والثاني: وهو الأُخروي: أن يغفر له ما فَرَطَ منه ويرضى عنه ويُبوأهُ في أعلى علِّيين، مع الملائكة المقربين أبد الآبدين، والمراد القسمُ الأخير، وما يكون وُصْلة إلى نيله من القسم الأول، وأما ما عدا ذلك فيشترك فيه المؤمن والكافر.
هـ.

-1-

قال ابن جُزَيّ: النعم التي يقع عليها الشكر ثلاثة أقسام، دنيوية: كالصحة والعافية والمال الحلال. ودينية: كالعلم والتقوى والمعرفة. وأخرويةٌ: كالثواب على العمل القليل بالعطاء الجزيل: وقال أيضاً: والناس في الشكر على مقامين: منهم مَن يشكر على النعم الواصلة إليه، الخاصة به، ومنهم مَن يشكر الله عن جميع خلقه على النعم الواصلة إلى جميعهم. والشكر على ثلاث درجات: فدرجة العوام، الشكر على النعم، ودرجة الخواص: الشكر على النعم والنقم وعلى كل حال، ودرجة خواص الخواص: أن يغيب عن رؤية النعمة بمشاهدة المُنعم. قال رجل لإبراهيم بن أدهَمَ رضي الله عنه: الفقراء إذا أُعْطُوا شَكَرُوا وإذا مُنعوا صَبَبروا، فقال إبراهيم: هذه أخلاقُ الكلاب، ولكن القومَ إذا مُنِعوا شكروا وإذا أُعْطُوا آثروا. هـ.

ثم احترس من الطريق غير المستقيمة، فقال: { غير المغضوب عليهم } أي: غير طريق الذين غضبت عليهم، فلا تهدنا إليها ولا تسلك بنا سبيلها، بل سلَّمنَا من مواردها. والمراد بهم: اليهود، كذا فسرها النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويَصْدُقُ بحسب العموم على كل من غضب الله عليهم، { ولا الضالين } أي: ولا طريق الضالين، أي: التالفين عن الحق، وهم النصارى كما قال صلى الله عليه وسلم. والتفسيران مأخوذان من كتاب الله تعالى. قال تعالى في شأن اليهود:

{ فَبَآءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ } [البَقَرَة2: 90]،

وقال في حق النصارى:

{ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ السَّبِيلِ } [المَائدة5: 77 }.


واعلم أن الحق - سبحانه - قسم خلقه على ثلاثة أقسام: قسم أعدَّهم للكرم والإحسان، ليُظْهِرَ فيهم اسم الكريم أو الرحيم، وهو المنعم عليه بالإيمان والاستقامة. وقسم أعدَّهم للانتقام والغضب، ليُظهر فيهم اسمه المنتقم أو القهار، وهم المغضوب وعليهم والضالون عن طريق الحق عقلاً أو عملاً، وهم الكفار، وقسم أعدَّهم الله للحِلْم والعفو، ليُظهر فيهم اسمه تعالى الحليم والعفو، وهم أهل العصيان من المؤمنين.

فمن رَامَ أن يكونَ الوجودُ خالياً من هذه الأقسام الثلاثة، وأن يكون الناس كلهم سواء في الهداية أو ضدها، فهو جاهل بالله وبأسمائه؛ إذ لا بد من ظهور آثار أسمائه في هذا الآدمي، من كرم وقهرية وحِلْم وغير ذلك. والله تعالى أعلم.

الإشارة: الطريق المستقيم التي أمرنا الحق بطلبها هي: طريق الوصول إلى الحضرة، التي هي العلم بالله على نعت الشهود والعيان، وهو مقام التوحيد الخاص، الذي هو أعلى درجات أهل التوحيد، وليس فوقه إلا مقامُ توحيد الأنبياء والرسل، ولا بد فيه من تربية على يد شيخ كامل عارف بطريق السير، قد سلك المقامات ذوقاً وكشفاً، وحاز مقام الفناء والبقاء، وجمع بين الجذب والسلوك؛ لأن الطريق عويص، قليلٌ خُطَّارُهُ، كثيرٌ قُطَّاعُه، وشيطانُ هذا الطريق فَقِيهٌ بمقاماته ونوازِله، فلا بد فيه من دليل، وإلا ضلّ سالكها عن سواء السبيل، وإلا هذا المعنى أشار ابن البنا، حيث قال:

-2-

وَإِنَّمَا القَوْمُ مُسَافِرُونَلِحَضْرَةِ الْحَقِّ وَظَاعِنُونَ
فَافْتَقَرُوا فِيهِ إلَى دَلِيلذِي بَصَرٍ بالسَّيْرِ وَالْمَقِيلِ
قَدْ سَلَكَ الطَّرِيقَ ثُمَّ عَادَلِيُخْبِرَ الْقَوْمَ بِمَا اسْتَفَادَ


وقال في لطائف المنن: (من لم يكن له أستاذ يصله بسلسلة الأتباع، ويكشف له عن قلبه القناع، فهو في هذا الشأن لَقيطٌ لا أب له، دَعِيٍّ لا نَسَبَ له، فإن يكن له نور فالغالب غلبة الحال عليه، والغالب عليه وقوفه مع ما يرد من الله إليه، لم تَرْضْهُ سياسةُ التأديب والتهذيب، ولم يَقُدْهُ زمَانمُ التربية والتدريب)، فهذا الطريق الذي ذكرنا هو الذي يستشعره القارئ للفاتحة عند قوله: { اهدنا الصراط المستقيم } مع الترقي الذي ذكره الشيخ أو العباس المرسي رضي الله عنه المتقدم، وإذا قرأ { صراط الذين أنعمت عليهم } استشعر، أَيْ: أنعمتَ عليهم بالوصول والتمكين في معرفتك.

وقال الورتجبي: اهدنا مُرَادَك مِنَّا؛ لأن الصراط المستقيم ما أراد الحق من الخلق، من الصدق والإخلاص في عبوديته وخدمته. ثم قال: وقيل: اهدنا هُدَى العِيَانِ بعد البيان، لتستقيم لك حسب إرادتِك. وقيل: اهدنا هُدَى مَنْ يكون منك مبدؤه ليكون إليك منتهاه. ثم قال: وقال بعضهم: اهدنا، أي: ثبِّتْنا على الطريق الذي لا اعوجاج فيه، منازل الذين أنعمت عليهم بالمعرفة والمحبة وحسن الأدب في الخدمة. ثم قال: وقال بعضهم: اهدنا، أي: ثبِّتْنا على الطريق الذي لا اعوجاج فيه، وهو الإسلام، وهو الطريق المستقيم والمنهاج القويم { صراط الذين أنعمت عليهم } أي: منازل الذين أنعمت عليهم بالمعرفة والمحبة وحسن الأدب في الخدمة. ثم قال: { غير المغضوب عليهم } يعني: المطرودين عن باب العبودية، { ولا الضالين } يعني المُفْلِسين عن نفائس المعرفة. هـ.

قلت: والأحسن أن يقال: { غير المغضوب عليهم } هم الذين أَوْقَفَهُمْ عن السير اتباعُ الحظوظ والشهوات، فأوقعهم في مَهَاوِي العصيان والمخالفات، { ولا الضالين } هم الذين حبسهم الجهل والتقليد، فلم تنفُذْ بصائرهم إلى خالص التوحيد، فنكصوا عن توحيد العيان إلى توحيد والبرهان، وهو ضلال عند أهل الشهود والعِيان، ولو بلغ في الصلاح غايةَ الإمكان.

وقال في الإحياء: إذا قلت: { بسم الله الرحمن الرحيم } فافْهَمْ أن الأمور كلها بالله، وأن المراد ها هنا المُسمَّى، وإذا كانت الأمورُ كلها بالله فلا جرَم أنَّ الحمد كله لله، ثم قال: وإذا قلت: { الرحمن الرحيم } فأحضرْ في قلبك أنواعَ لطفه لتتفتحَ لك رحمتُه فينبعث به رجاؤُك، ثم استشعر من قلبك التعظيم والخوف من قولك: { يوم الدين }. ثم قال: ثم جَدَّد الإخلاص بقولك: { إياك نعبد }. وجدَّد العجز والاحتياج والتبرِّيَ من الحوْل والقوة بقولك: { وإياك نستعين } ، ثم اطلب اسم حاجتك، وقل: { اهدنا الصراط المستقيم } الذي يسوقنا إلى جوارك ويُفضي بنا إلى مرضاتك، وزِدْهُ شرحاً وتفصيلاً وتأكيداً، واستشهد بالذين أفاض عليهم نعم الهداية من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، دون الذين غضب عليهم من الكفار والزائغين واليهود والنصارى والصابئين. هـ. ملخصاً.

وقال القشيري: قوله تعالى: { اهدنا الصراط المستقيم } الأمر في هذه الآية مضمر، أي: قولوا: اهدنا. والصراط المستقيم: طريق الحق، وهو ما عليه أهل التوحيد، أي: أرشدْنا إلى الحق لئلا نتكل على وسائط المعاملات، فيقعَ على وجه التوحيد غُبَارُ الظنون والحسابات لتكون دليلنا عليك، ثم قال: { صراط الذين أنعمت عليهم } أي: الواصلين بك إليك، ثم قال: { غير المغضوب عليهم } بنسيان التوفيق والتَّعامِي عن رؤية التأييد، { ولا الضالين } عن شهودِ سابقِ الاختيار، وجريان تصاريف الأقدار. هـ.

-3-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #46  
قديم 01-06-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق 1-2


{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }


الاعراب:

أجمع المفسرون والقراء على جر { غير } لأنها نعت للذين، وانما جاز أن تكون نعتاً للذين، والذين معرفة وغير نكرة لأن الذين بصلتها ليست بالمعرفة كالأسماء المعية التي هي أعلام كزيد وعمرو وانما هي كالنكرات اذا عرّفت كالرجل والبعير فلما كانت الذين كذلك كانت صفتها كذلك ايضاً وجاز ان تكون نعتاً للذين، كما يقال لا أجلس إلا إلى العالم غير الجاهل، ولو كانت بمنزلة الأعلام لما جاز، كما لم يجز في قولهم: مررت بزيد غير الظريف، فلا يجرها على انها نعت، وان نصبتها في مثل هذا جاز على الحال. ويحتمل ايضاً ان تكون مجرورة لتكرير العامل الذي خفض الذين فكأنك قلت: صراط الذين انعمت عليهم، صراط غير المغضوب عليهم ويتقارب معناهما لأن الذين انعمت عليهم هم الذين لم يغضب عليهم وقرىء في الشواذ غير المغضوب عليهم بالنصب، ووجهها ان تكون صفة للهاء والميم اللتين في عليهم، العائدة على الذين؛ لانها وان خفضت بعلى فهي موضع نصب بوقوع الانعام عليها، ويجوز ان يكون نصباً على الحال وقال الاخفش والزجّاج: انها نصب على وجه الاستثناء من معاني صفة الذين أنعمت عليهم، وتقديره: إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم إلا المغضوب عليهم الذين لم تنعم عليهم في اديانهم فلا تجعلنا منهم، ويكون استثناء من غير جنس كما قال النابغة للذبياني:

وقفت فيها أصيلا لا اسائلهاأعيت جوابا وما بالربع من أحد
إلا الاواري لأيا ما ابينهاوالنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد


وقال الفرّاء: وتغلب هذا خطأ، لأنه لو كان كذلك لما قال: ولا الضالين لأن لا نفي وجحد. ولا يعطف على جحد إلا بجحد، ولا يعطف بالجحد على الاستثناء وانما يعطف بالاستثناء على استثناء وبالجحد على الجحد. يقولون قام القوم إلا أخاك وإلا أباك ولا قام أخوك ولا أبوك، ولا يقولون ما قام القوم إلا أخاك ولا أباك، فعلى هذا تكون { غير } بمعنى: لا فكأنه قال لا المغضوب عليهم ولا الضالين. قال الرماني: من نصب على الاستثناء جعل لا صلة، كما انشد ابو عبيدة

في بئر لا حور سرى وما شعر


أي في بئر هلكة.

{ والمغضوب عليهم } هم اليهود عند جميع المفسرين الخاص والعام، لأنه تعالى قد أخبر انه غضب عليهم وجعل فيهم القردة والخنازير، { ولا الضالين } هم النصارى لأنه قال:

{ وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ } (المائدة5: 77)

وقال { لعن الذين كفروا } يعني النصارى. وروي ذلك عن النبي (صلى الله عليه وسلم). وقال بعضهم لا: زائدة تقديره: غير المغضوب عليهم والضالين كما قال:

{ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ } (الأعراف7: 12)

أي معناه أن تسجد قال ابو النجم:


فما ألوم البيض ألا تسخرالما رأين الشِّمط القفندرا

-1-

يعني أن تسخر. وتكون غير بمعنى سوى. وقد بينا ضعف هذا عند الكوفيين لما مضى، ولأنه انما يجوز ذلك اذا تقدمه نفي كقول الشاعر:

ما كان يرضى رسول الله فعلهموالطيبان ابو بكر ولا عمر


واما الغضب من الله فهو ارادة العقاب المستحق بهم، ولعنهم وبراءته منهم واصل الغضب الشدة ومنه الغضبة الصخرة الصلبة الشديدة المركبة في الجبل المخالفة له ورجل غضوب شديد الغضب والغضوب الحية الخبيثة لشدتها والغضوب الناقة العبوس واصل الضلال الهلاك ومنه قوله { أإذا ضللنا في الأرض } أي هلكنا ومنه قوله تعالى { وأضل أعمالهم } أي أهلكها. والضلال في الدين الذهاب عن الحق والاضلال الدعاء إلى الضلال والحمل عليه ومنه قوله تعالى:

{ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ } (طه20: 85)

والاضلال الاخذ بالعاصين إلى النار والاضلال الحكم بالضلال والاضلال التحيير بالضلال بالتشكيك لتعدل عنه. واليهود ـ وان كانوا ضلالا ـ والنصارى ـ وان كانوا مغضوباً عليهم - فانما خص الله تعالى كل فريق منهم بسمة يعرف بها ويميز بينه وبين غيره بها وان كانوا مشتركين في صفات كثيرة وقيل انه أراد بـ { المغضوب عليهم ولا الضالين } جميع الكفار وانما ذكروا بالصفتين لاختلاف الفائدتين


وروى جابر ابن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال الله تعالى: " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي فله ما سأل فاذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال حمدني عبدي واذا قال الرحمن الرحيم قال أَثنى عليّ عبدي، واذا قال مالك يوم الدين قال مجدني عبدي ثم قال هذا لي وله ما بقي "

ولا يجوز عندنا ان يقول القارىء عند خاتمة الحمد: آمين فان قال ذلك في الصلاة متعمداً بطلت صلاته لانه كلام لا يتعلق بالصلاة، ولأنه كلام لا يستقل بنفسه وانما يفيد اذا كان تأميناً على ما تقدم ومتى قصد بما تقدم الدعاء لم يكن تالياً للقرآن، فتبطل صلاته وان قصد التلاوة لا يكون داعياً فلا يصح التأمين وان قصدهما فعند كثير من الاصوليين ان المعنيين المختلفين لا يصح ان يردا بلفظ واحد ومن اجاز ذلك ـ وهو الصحيح ـ منع منه لقيام الدلالة على المنع من ذلك فلأجل ذلك لم يجز.
-2-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #47  
قديم 01-06-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ) مصنف و مدقق

تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ) مصنف و مدقق

{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }


{ (7) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }: في المعاني وتفسير الامام عن أمير المؤمنين عليه السلام: أي قولوا إهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك لا بالمال والصحة فانهم قد يكونون كفاراً أو فساقاً. وقال: هم الذين قال الله تعالى: ومن يُطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقاً.

{ (7) غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ }: قال هم اليهود الذين قال الله فيهم من لعنه الله وغضب عليه.

{ وَلاَ الْضَّالِّيْنَ }: قال هم النصارى الذين قال الله فيهم: قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً.

وزاد في تفسير الامام عليه السلام ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام كل من كفر بالله فهو مغضوب عليه وضال عن سبيل الله.

وفي المعاني عن النبي صلّى الله عليه وآله الذين أنعمت عليهم شيعة عليّ عليه السلام يعني أنعمت عليهم بولاية عليّ بن ابي طالب عليه السلام لم تغضب عليهم ولم يضلوا.

وعن الصادق عليه السلام يعني محمداً وذريته.

والقمّي عنه عليه السلام أن المغضوب عليهم النصاب، والضالين أهل الشكوك الذين لا يعرفون الإمام.

أقول: ويدخل في صراط المنعم عليهم كل وسط واستقامة في اعتقاد أو عمل فهم الذين قالوا: ربنا الله ثم استقاموا. وفي صراط المغضوب عليهم كل تفريط وتقصير ولا سيما إذا كان عن علم كما فعلت اليهود بموسى وعيسى ومحمد وفي صراط الضالين كل افراط وغلو لا سيما إذا كان عن جهل كما فعلت النصارى بعيسى وذلك لأن الغضب يلزمه البعد والطرد والمقصّر هو المدبر المعرض فهو البعيد والضّلال هو الغيبة عن المقصود والمفرط هو المقبل المجاوز فهو الذي غاب عنه المطلوب.

والعيّاشي عن النبي صلّى الله عليه وآله " أن ام الكتاب أفضل سورة أَنزلها الله في كتابه وهي شفاء من كل داء إلا السّام يعني الموت ".

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام: من لم يبرئه الحمد لم يبرئه شيء.

وعن الصادق عليه السلام: لو قرأت الحمد على ميت سبعين مرّة ثم ردت فيه الروح ما كان عجيباً.

وفي رواية: أنها من كنوز العرش.

وفي العيون وتفسير الإمام عن الصادق عليه السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: قال الله عزّ وجلّ: " قسمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل إذا قال العبد: بسم الله الرحمن الرحيم قال الله جلّ جلاله: بدأ عبدي باسمي وحق علي أن أُتمم له أموره وأُبارك له في أحواله فإذا قال الحمد لله ربّ العالمين قال جلّ جلاله: حمدني عبدي وعلم أن النعم التي له من عندي وان البلايا التي اندفعت عنه فبتطولي اشهدكم أني اضيف له إلى نعم الدنيا نعم الآخرة وادفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا، وإذا قال الرحمن الرحيم قال جل جلاله: شهد لي عبدي بأني الرحمن الرحيم أشهدكم لأوفرن من نعمتي حظه ولأجزلن من عطائي نصيبه فإذا قال مالك يوم الدين قال الله تعالى: أشهدكم كما اعترف بأني الملك يوم الدين لأسهلن يوم الحساب حسابه ولأقبلن حسناته ولأجاوزن عن سيئاته فإذا قال العبد: إِياك نعبد قال الله عز وجل صدق عبدي إياي يعبد أشهدكم لأثيبنه على عبادته ثواباً يغبطه كل من خالفه في عبادته لي فإذا قال وأِيّاك نستعين قال الله تعالى: بي استعان وإليّ التجأ أشهدكم لأعيننه على أمره ولأغيثنه في شدائده ولآخذن بيده يوم نوائبه فإذا قال إهدنا الصراط المستقيم إلى آخر السورة قال الله جل جلاله هذا لعبدي ولعبدي ما سأل فقد استجبت لعبدي واعطيته ما أمل ومنته بما منه وَجَل ".


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #48  
قديم 01-06-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق 1-3

تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق 1-3


{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }


{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } فانّ الانعام للانسان ايتائه ما يلائم انسانيّته والملايم لانسانيّته هى الولاية المخرجة له الى فعليّاته الانسانيّة، والفعليّات الانسانيّة من مراتب الولاية والآثار الصّادرة والّلازمة من فعليّاته الانسانيّة من التّوسط فى الامور المذكورة وهكذا الاعمال المعينة على الخروج المذكور انّما هى نعمة باعتبار اتّصالها بالنّعمة الّتى هى الولاية ولذلك ورد عن مولينا امير المؤمنين (ع) فى تفسيره انّه قال: قولوا اهدنا صراط الّذين انعمت عليهم بالتّوفيق لدينك وطاعتك لا بالمال والصّحة فانّهم قد يكونون كفّارا او فسّاقاً قال وهم الّذين قال الله تعالى

{ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّنَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً } [النساء4: 69].

والنّعم الصوريّة ان كانت مرتبطة بالولاية كانت نعمةً والاّ صارت نقمة اذا كانت معينة على الخروج الى الفعليّات الغير الانسانيّة وهكذا كان حال الفعليّات الانسانيّة بعد ما حصلت بالولاية يعنى اذا صارت مسخّرة للشّيطان بعد ما كانت مسخّرة للرّحمن صارت نقمة بعد ما كانت نعمةً، ولمّا كان المنعم عليهم بالولاية هم المتوسّطين بين التفريط والتقصير فى ترك الولاية والافراط المخرج عن حدّ الولاية وصراطهم كان متوسّطاً بين التّفريط والافراط فى جملة الامور وصفهم بقوله { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } فانّه قد فّسر المغضوب عليهم بالمفرّطين المقصّرين والضّالّون بالمفرطين المتجاوزين لانّ المفرّط المقصّر لمّا لم يبلغ الى الولاية لم يصر مرضيّاً اصلاً والمفرط فى امر الولاية لمّا صار بالوصول الى حدّ الولاية مرضيّاً خرج من المغضوبيّة لكنّه بتجاوزه عن حدّ الولاية ضلّ عن طريق الانسانيّة وعن طريق الرّضا فانّ المعيار للرّضا والغضب وللافراط والتفريط هو الولاية لا غير لانّها حدّ استقامة الانسان وسبب ارتضائه وقد يفّسر " المغضوب " عليهم بمن لم يبلغ فى وصفه مقام النّبىّ (ص) او الامام (ع) والضّالّ بمن وصفهما بما هو فوق ادراكه او فوق مقامهما وبهذا المعنى فّسرا باليهود والنّصارى وان كان يجوز ان يكون تفسيرهما باليهود والنّصارى باعتبار المعنى الاوّل ويجوز ان يجعل عطف الضّالّين من قبيل عطف الاوصاف المتعدّدة لذات واحدة فانّ المفرّط والمفرط كليهما مغضوب عليهما وضالاّن بمعنى انّهما فاقدان للطّريق سواء كان الفقدان بعد الوجدان او قبل الوجدان، وقد يفسّر " المغضوب عليهم " بالنّصاب لشدّة غضب الله عليهم " والضّالون " بمن لم يعرف الامام وبمن كان شاكّاً فيه.


اعلم انّ السّورة المباركة تعليم للعباد كيف يحمدون ويثنون على الله تعالى وكيف يقرؤن ويرتقون فى قراءتهم وكيف يخاطبون ويسألون فالامر بالاستعاذة فى اوّل القراءة للاشارة الى انّ الانسان واقع بين تصرّف الرّحمن والشّيطان الاّ من عصمه الله فاذا اراد القرائة او الثّناء على الله والمناجاة له ينبغى ان يستعيذ من تصرّف الشّيطان ويلتجئ الى حفظ الله وامانه حتّى لا يكمن الشّيطان خلف قلبه ولا يخلى الفاظ ثنائه ومقرؤاته من معانيها المقصودة لله ولا يدخل فيها المعانى الشّيطانيّة فيصير الحامد حامداً للشّيطان وقارياً لكتاب الشّيطان وهو يحسب انّه حامد لله وقار لكتاب الله ويكون داخلاً فى مصداق قوله تعالى
-1-

{ يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ } [آل عمران3: 78]

يعنى لا لسان الله

{ بِٱلْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ } [آل عمران3: 78]

فلا بدّ للمستعيذ ان يكون ملتفتاً الى ما يقول ويجعل حاله حال الاستعاذة من الشّيطان والاّ كان استعاذته كقراءته بتصرّف الشّيطان واستعاذة من الرّحمن لا الى الرّحمن وجعل التسميّة جزء من اوّل كلّ سورة والامر بها فى اوّل كلّ امر اشارة الى انّ الفاعل لكلّ فعل وخصوصاً عند تلاوة القرآن الّذى هو كلام الله ينبغى ان يسم نفسه بسمة من سمات الله حتّى يصير لسانه وسائر اعضائه آلات لتلك السّمة وكلامه وافعاله كلاماً وافعالاً لذلك الاسم فيصبح جعلها لله فانها ان لم تكن من الله لم تكن لله ولم يسم نفسه بسمة من سمات الله صار متّسماً بسمة من سمات نفسه وسمات الشّيطان فصارت اعضاؤه آلات للشّيطان فكان افعالها افعالاً صادرة من الشّيطان وراجعة اليه وصار القارى والفاعل ممّن يلوون السنتهم بالكتاب وممّن قال الله فيهم

{ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ } [البقرة2: 79]

لا بيد الله ثمّ ينظر الى سعة ظهوره تعالى بصفاته فى كلّ سمة من سماته فينظر الى جملة اضافاته تعالى الظّاهرة من تلك السّمة بالنّسبة الى اهل مملكته ان كان قاصراً عن رؤية اضافاته بالنّسبة الى خارج مملكته فيصفها بأمّهات اضافاته تعالى وهى رحمته الرّحمانيّة الدّالة على الابداء والابقاء ورحمته الرّحيميّة الدّالة على الاعادة وافاضة الكمالات الاختياريّة الانسانيّة حتّى يستعدّ بذلك التّوصيف للنّظر الى الله تعالى وتوصيفه بصفاته فى حمده وثنائه بدون وساطة سماته وتختلف السّمات بحسب اختلاف حال القارى والمتّسم فتلك السّمة بالنّسبة الى المنقادين القابلين للولاية الغائبين عن الله وعن امامهم هى جهة النّفس المنقادة لولىّ امرها وهى المقوّمة والرّازقة المبقية بالنّسبة الى اهل مملكتها والمفيضة لكمالاتها الاختياريّة وبالنّسبة الى من عرف ووجد انموذجات اسمائه تعالى فى وجوده تلك الانموذجات وبالنّسبة الى من حضر عند شيخه ووجد مثال شيخه فى مملكته هى صورة شيخه وهو اوّل مقامات المعرفة بالنّورانيّة، وبالنّسبة الى من خرج من مقام التقدّر وعاين الاشياء مجرّدة عن التقدّر روحانيّة شيخه مجرّدة عن التقدّر، وبالنّسبة الى من خرج عن مقام التحدّد والتقيّيدات الامكانيّة مقام الاطلاق المعبّر عنه بالمشيّة وبالنّسبة الى الجامع لجميع المقامات سمات تمام المقامات وبعد الاستعداد للنّظر الى الذّات من غير احتجاب بحجب السمات ينبغى للقارى ان يجرّد النّظر عن الاسماء وينظر الى الله فى كلّ شيئ وفيئ، ولا يرى من الاشياء الاّ الحدود والنقائص ولا يرى صفات الكمال الاّ من الله، ويطلق لسانه بصيغة الحمد انشاءً او اخباراً بنحو حصر المحامد او الحامديّة او المحموديّة فيه تعالى، ويصفه بربوبيّته الّتى هى حفظ الاشياء بكمالاتها الموجودة وتبليغها الى كمالاتها المفقودة وهكذا الى آخر السورة بنحو ما ذكر سابقاً.

-2-

ثمّ اعلم انّ للسّالكين الى الله اسفاراً ومنازل ومقامات ومراحل لا يحصيها الاّ الله وقد قالوا انّها بحسب الامّهات منحصرة فى أربعة اسفار، الاوّل، السّفر من الخلق الى الحقّ وهو السّير من حدود الكثرات والنّظر اليها الى الحقّ الاوّل، ومنتهى هذا السّفر الوصول الى حدود القلب ومشاهدة الحقّ الاوّل فى مظاهره بصفاته واسمائه، ولا ينفكّ السّالك فى هذا السّفر من العنا وكلفة التّكليف وفى حقّ هذا السّالك قال المولوى قدّس سرّه:

جملة دانسته كه اين هستى فخ استذكرو فكر اختيارى دوزخ است


والثّاني، السّفر من الحقّ فى مظاهره الى الحقّ المطلق وفى هذا السّفر يتبدّل الكلفة راحة والمرارة لذّة والخوف أمناً، وفى هذا السّفر ورطات مهلكات كما سيجيئ. والثّالث، السّفر بالحقّ فى الحقّ، وفى هذا السّفر يسير السّالك بتسيير الحقّ من غير شعور منه بسيره ولا بذاته، والسّلاّك فى هذا السّفر احد مصاديق قوله تعالى " انّ اوليائى تحت قبابى لا يعرفهم غيرى " والرّابع، السّفر الحقّ فى الخلق وابتداء هذا السّفر ابتداء الرّبوبيّة وانتهاء العبوديّة ومقامات هذا السّفر لا يحصيها الاّ الله وتحديد عدد الانبياء (ع) والاوصياء (ع) بمأئةٍ واربعة وعشرين الفاً اشارة الى امّهات تلك المقامات وسيجيئ تحقيق تامٌّ لبيان الاسفار ومراتب الانسان عند قوله تعالى

{ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } [البقرة2: 219]

فى سورة البقرة. اذا تنبّهت بذلك فاعلم انّ السّورة المباركة اشارة اجمالاً الى الاسفار الاربعة المذكورة فانّ الاستعاذة اشارة الى السّفر من الخلق الى الحقّ لانّ هذا السّفر فرار من الكثرات ومظاهر الشّيطان الى عالم التّوحيد ومظاهر الحقّ تعالى، و الاستعاذة القّولية اخبار بهذا الالتجاء والاستعاذة الفعليّة نفس ذلك الالتجاء والفرار، والتسميّة الى قوله مالك يوم الدّين اشارة الى السّفر من الحقّ الى الحقّ فانّ التسميّة اخبار بالاتّصاف بصفاته تعالى وما بعده الى مالك يوم الدّين اعلام بحركة السّالك فى صفات الحقّ تعالى الى ظهور مالكيّته وفناء العبد من ذاته وهذا السّفر حركة فى صفات الحقّ تعالى الى فناء العبد، وقوله { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } اشارة الى السّفر بالحقّ في الحقّ لانّ مالكيّته تعالى لا يظهر الاّ اذا صار العبد فانياً من فعله ووصفه وذاته وبفناء ذاته يتمّ عبوديّته وبعد كمال عبوديّته لا يكون سيره الاّ فى الحقّ المطلق ولا يكون الاّ بالحقّ لعدم ذات له، وقوله تعالى { اهدنا الصّراط المستقيم } اشارة الى السّفر بالحقّ فى الخلق وهذا هو الرّجعة الاختياريّة فى العالم الصّغير والبقاء بعد الفناء والصّحو بعد المحو، وينبغى ان يكون هذا السّفر بحفظ الوحدة فى الكثرات والصّراط المستقيم فى هذا السّفر هو محفوظيّة الوحدة فى الكثرة بحيث لا يغلب احديهما على الاخرى ولا يختفى احديهما تحت الاخرى وهذه الاحوال قد تطرؤ على السّلاك سواء استشعروا بها او لم يستشعروا.


اذاقنا الله وجميع المؤمنين منها ومكنّنا فيها والحمد لله اوّلاً وآخراً ولا حول ولا قوّة الاّ بالله العلىّ العظيم.
-3-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #49  
قديم 01-06-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }


{ صِرَٰطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } بعلم الدين والعمل به، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين من كل أمة { غَيْرِ } قال سيبويه: نعت الذين، لأن الذين كالنكرة، لأنه جنس، ولفظ غير نكرة ولو أضيف إلى معرفة، ولا سيما أنه أضيف لمعرفة هى للجنس فهى كالنكرة، وعندى جواز إبدال لمشتق الوصف وما أول به. { الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } اليهود المخالفين لموسى وعيسى. { وَلاَ الضَّالِّينَ } النصارى المخالفين لها، قال صلى الله عليه وسلم: " المغضوب عليهم لتقدمهم زمانا، ولأن الإنعام يقابل بالانتقام، ولأنهم أشد في الكفر والعناد والفساد، وأشد عداوة للذين آمنوا، ولأنهم كفروا بنبيين، عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، والنصارى بواحد، وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم " ، وروى ابن عدى والديلمى والسلفى عنه صلى الله عليه وسلم: " من لم يجد صدقة فليلعن اليهود ".
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #50  
قديم 01-06-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق 1-10 من 28

تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق 1-10 من 28


{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }


فصراط هنا بدل من الصراط الذي ذكر من قبل، وهذا النوع من البدل يعبر عنه النحويون ببدل الكل من الكل، وزعم بعضهم بأن { صِّرَاطَ } الثاني غير { ٱلصِّرَاطَ } الأول، وكأنه نُوى فيه حرف عطف، واختلف هؤلاء في تعيينه، فجعفر بن محمد يرى أنه العلم بالله والفهم عنه، وبعضهم يرى أنه موافقة الباطن للظاهر في إسباغ النعمة، ومنهم من يرى أنه التزام الفرائض والسنن. ودعوى أن { صِّرَاطَ } الثاني غير الأول، ما هي إلا هروب من الواضح إلى المشكل، وفائدة المجيء بالبدل والمبدل منه، التنصيص على أن صراط هؤلاء هو عَلمَ في الإِستقامة، فلو قيل: إهدنا صراط الذين أنعمت عليهم، لم تحصل هذه الفائدة، ومثال ذلك إذا أردت المبالغة في وصف أحد بالكرم والفضل فإنك تقول: (هل أدُلك على أكرم الناس وأفضلهم فلان، فإنك بذلك جعلته علما على الكرم والفضل، بحيث إذا ذكر تُصوِّر الكرم والفضل في أعلى مراتبهما، بين يدي السامع وأمام ناظريه، ولو جئت بأسلوب آخر وقلت: هل أدُلك على فلان أكرم الناس وأفضلهم، لم تفد العبارة هذه المبالغة، وكذلك هنا ذُكر أولا الصراط المستقيم ثم فُسر بصراط الذين انعم الله عليهم، ليكون نصّاً في أن هؤلاء المنعم عليهم هم معالم الإستقامة وأعلام الاعتدال والرشد، يُهتدى بهم إلى مرضاة الرب تعالى.

واختلف في المقصود بهم فالجمهور يرون أنهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، أخذا من قوله تعالى:

{ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً *وَإِذاً لآتَيْنَاهُمْ مِّن لَّدُنَّـآ أَجْراً عَظِيماً *وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } [النساء4: 66- 68]

وهذا هو الذي رواه ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما، وروي عنه: أنهم المؤمنون. وأخرج عبد ابن حميد عن الربيع بن أنس أنهم النبيون، وقيل: هم قوم موسى وعيسى قبل النسخ والتبديل، وقيل: هم المسلمون، وقيل: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وروي عن أبي العالية أنهم محمد صلى الله عليه وسلم وصاحباه أبو بكر وعمر رضي الله عنهم، وانتقد الإِمام محمد عبده تفسير المنعَم عليهم بالمسلمين، محتجا بأن الفاتحة أول سورة نزلت، كما روى عن الإِمام على كرم الله وجهه، وكما حققه الإِمام محمد عبده نفسه.


وإن لم تكن أول سورة على الإِطلاق، فلا خلاف في أنها من أوائل السور ولم يكن المسلمون حال نزول السورة بحيث يطلب الإِهتداء بهداهم، لأن هداهم معقود بالوحي، وتلك هي بداية الوحي، ثم انهم هم المأمورون بأن يطلبوا من الله أن يهديهم هذا الصراط، صراط الذين أنعم عليهم من قبلهم فهم قطعا غيرهم، ورجح الإِمام محمد عبده قول الجمهور أنهم هم الذين أنعم الله عليهم، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وانتقاد الإِمام موجه إلى الذين يزعمون أن هؤلاء المنعم عليهم هم مسلمو هذه الأمة وهو لا ينافي أن يكون المعنيون - وإن كانوا قبل هذه الأمة - من المسلمين أيضا، لما علمت من أن الإِسلام ليس محصورا في هذه الأمّة، وإنما هو دين جميع النبيين والصالحين، وأوضح الإِمام محمد عبده أن ما جاء من ذكر المنعم عليهم إلى آخره، مجمل لما فصل في سائر القرآن من أخبار الأمم وبيان أحوالها مما يقدر بثلاثة أرباع القرآن تقريباً، والمراد من ذلك توجيه الأنظار إلى الإِعتبار بأحوال الأمم في الكفر والإِيمان، والشقاوة والسعادة إذ لا شيء - يهدي الإِنسان كالمثلات والوقائع، فإذا إمتثل المسلمون الأمر والإِرشاد، ونظروا في أحوال الأمم السالفة، وأسباب علمهم، وجهلهم، ورقيهم، وانحطاطهم، وقوتهم، وضعفهم، وعزهم، وذلهم، وسائر ما يعرض للأمم، كان لهذا النظر أثر إيجابي في نفوس المسلمين، يحملهم على الإِقتداء بالصالحين من قبلهم واتباع أسباب العلم والرقي والقوة والعز، ليتمكنوا في الأرض، واجتناب أسباب الجهل والإِنحطاط والضعف والذل التي تؤدي إلى الشقاوة والهلاك والدمار.
-1-

ثم أشار الأستاذ محمد عبده إلى علم التاريخ، وما فيه من الفوائد والثمرات وذكر أن العاقل تأخذه الدهشة والحيرة إذا سمع أن كثيرا من شيوخ الدين من أمة هذا كتابها يعادون بإسم الدين، ويزهدون فيه غيرهم، كما يرغبون بأنفسهم عنه، زاعمين أنه لا حاجة إليه ولا فائدة منه، ثم قال وكيف لا يدهش ويحار والقرآن ينادي بأن معرفة أحوال الأمم من أهم ما يدعو إليه هذا الدين

{ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ٱلْمَثُلاَتُ } [الرعد13: 6].


وأورد بعد هذا سئوالا وهو: كيف يأمرنا الله باتباع صراط من تقدمنا؟! وعندنا احكام وإرشادات لم تكن عندهم، وبذلك كانت شريعتنا أكمل من شرائعهم، وأصلح لزماننا، وما بعده؟ وأجاب عمّا ذكرناه من قبل أن دين الله في جميع الأمم واحد، وانما تختلف الأحكام بالفروع التي تختلف بإختلاف الزمان، وأما الأصول فلا خوف فيها فالإِيمان بالله وبرسله وباليوم الآخر، وترك الشر وعمل البر، والتحلي بالأخلاق الفاضلة والتخلي عن العادات المذمومة، كل من ذلك أمر مشترك بين الجميع، وقد أمرنا الله بالنّظر فيما كانوا عليه، والاعتبار بما صاروا إليه، لنقتدي بهم في القيام على أصول الخير، وهو أمر يتضمن الدليل على أن في ذلك الخير والسعادة، على حسب طريقة القرآن، في قرن الدليل بالمدلول، والعلة بالمعلول والجمع بين السبب والمسبب، وتفصيل الأحكام التي هذه كلياتها بالإِجمال نعرفه من شرعنا، وهدى نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام.
-2-

وزاد السيد محمد رشيد رضا عما قال أستاذه، أن في الإِسلام من ضروب الهداية ما قد يُعَد من الأصول الخاصة به، ويَرى أنه مما يقتضي الاستدراك على ما قرره الأستاذ الشيخ محمد عبده، وذلك نحو بناء العقائد في القرآن على البراهين العقلية والكونية، وبناء الأحكام الأدبية والعملية على قواعد جلب المصالح والمنافع، ودفع المضار والمفاسد، ونحو بيان أن للكون سننا مطّردة تجري عليها عوالمه العاقلة وغيرالعاقلة، وكالحث على النظر في الكائنات لقصد العلم والمعرفة، لما فيها من الحكمة والأسرار التي يرتقي بها العقل، وتتسع بها أبواب المنافع للإِنسان، وكل ذلك مما امتاز به القرآن، وأجاب عن ذلك أنه تكميل لأصول الدين الثلاث، التي بعث بها كل نبي مرسل لجعل بنائه رصينا مناسبا لارتقاء الإِنسان، والأصول الثلاثة هي الإِيمان الصحيح، وعبادة الله تعالى وحده، وحسن المعاملة مع الناس، ولا خلاف فيها في رسالات جميع المرسلين.

والإِنعام أطلق في الآية الكريمة لأن من رُزِق نعمة التوفيق للخير، فكأنما استجمع جميع النعم، والخير بأسره محصور في الإِسلام، فمن هُدي إليه فقد جمع بين نعمة الحال والمآل، وللعلماء رأيان في الكفرة، هل يقال فيهم: إن الله أنعم عليهم أو يمنع ذلك؟ فالمعتزلة يجيزون هذا الوصف في غير المسلمين، وأكثر علماء الكلام من غيرهم يمنعونه، ونجد الفخر الرازي في تفسيره (مفاتيح الغيب) يستدل للقائلين بالمنع بأنه لو جاز نحو هذا الوصف في غير المؤمنين، لأدى ذلك إلى دخولهم ضمنا في قوله سبحانه: { ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } وهذا يقتضي جواز أن يقول الإِنسان في دعائه: (إهدني صراط من أنعمت عليهم من القوم الكافرين) ولما امتنع ذلك بالإِجماع، ثبت لدينا عدم صدق وصف الإِنعام على غير المؤمنين، وأنت إذا تدبرت ما جاء من تقييد في نفس هذه الآية الكريمة إتضح لك بطلان ما يقوله الرازي، فإن قوله سبحانه { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } وصف تقييدي للمنعم عليهم، يُخرج مما يقتضيه إطلاق لفظ الإِنعام، كل من لم يكن على طريقة أصحاب الصراط المستقيم المعنيين في الدعاء، ويدل على ذلك ما جاء في القرآن، من تذكير الناس - مؤمنهم وكافرهم - بآلاء الله، وقد يأتي الخطاب موجها إلى غير المؤمنين، ومما ورد هذا المورد قول الله عز وجل:

{ يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَاشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [البقرة2: 21- 22] وقوله:
{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ *هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [البقرة: 28- 29] وقوله عز وجل


-3-

{ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } [البقرة2: 40] وقوله سبحانه:
{ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } [البقرة2: 122] وقوله تعالى:
{ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ *إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ *فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ *ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } [قريش106: 1-4].


إلى ما وراء ذلك من آيات الإِمتنان، التي تعم المؤمن والكافر تارة، وتخص الكافرين تارة أخرى، أمّا ما قيل من أن هذه العطايا التي بسطها الله للكفار ليست إنعاما عليهم، وإنما هي استدراج ولا تساوى شيئا، إذا قيست بما ينتظرهم من عقاب، فالجواب عنه: أنه وإن كانت استدراجا فهي لا تنافي أن تكون إنعاما، كما نص عليه الكتاب في خطاب بني إسرائيل، والعقاب العظيم الذي ينتظر الكفار ليس مترتبا على النعم، وإنما هو مترتب على كفرهم بها وبواهبها سبحانه وتعالى، والكفر قد كان باختيارهم، ولم يكونا عليه مكرهين.

والنعمة عرّفها بعض العلماء بأنها الحالة التي يستلذها الإِنسان، وقسمها بعضهم إلى دنيوية وأخروية، والدنيوية إلى روحانية وجسمانية، فالروحانية نفخ الروح وإنارة العقل وإذكاء المشاعر، والجسمانية تكوين الجسم وتجهيزه بالطاقات المختلفة والحواس المتنوعة، والأخروية هي الفوز برضوان الله والسعادة بجواره، في جنات عدن، وهي تترتب على نعمة الهداية المترتبة على التوفيق لاستخدام العقل فيما يؤدي إلى الخير، وبهذا التقسيم يتضح لك أن من النعم ما يكون مشتركا بين المؤمن والكافر، ومنها ما يكون خاصا بالمؤمنين، والمنعم عليهم هنا هم المؤمنون، لأنهم الذين وفقوا لسلوك صراط الحق، المؤدى إلى رضوان الله عز وجل، وطريقهم هو طريق العز والنصر في الدنيا، والفوز والسعادة في الدار الآخرة، فإن الله سبحانه قد وعد بالاستخلاف والتمكين للمؤمنين الملتزمين لنهج الإِيمان

{ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً } [النور24: 55].


{ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }

الجمهور قرأوا بجر { غَيْرِ } وابن كثير قرأ بنصبها، وروى عنه الجر، ولا إشكال في قراءة النصب، لأن { غَيْرِ } يلزمها التنكير، وإن أضيفت إلى المعارف كمثل، وذلك أنك إذا قلت: رأيت غيرك فكل، ما سوى المخاطب يحتمل أن يكون المراد، وكذلك إذ قلت: رأيت مثلك فإن الاعداد المحتمل قصدها من أمثاله لا تحصى، لكثرة ووجوه المماثلة، وعليه فالنصب هنا على الحال، وأما قراءة الجر فلعلماء العربية فيها رأيان: أولهما أن تكون { غَيْرِ } بدلا من { ٱلَّذِينَ } أو بدلا من الضمير في { عَلَيْهِم } والوجه الثاني ضعيف، وهذا الرأي مبني على جواز الإِبدال بالمشتق وما في حكمه، ويرى أبو حيان ضعفه. ثانيهما: أن تكون { غَيْرِ } صفة للذين وهو مبني على أحد أمرين إما اعتبار { ٱلَّذِينَ } في حكم المعرّف بلام الجنس، وهو المعبر عنه بالمعهود الذهني، فإنه يكون مَعرفة بالنظر إلى مدلوله وله حكم النكرة بالنظر إلى قرينة البعضية المبهمة، ولذلك يعامل معاملتها في الوصف بالجملة وهى في حكم النكرة، نحو قول الشاعر:
-4-

ولقد أمر على اللئيم يسبنيفمضيت ثمت قلت لا يعنيني


وإما اعتبار { غَيْرِ } في حكم المعرفة، نظراً إلى وقوعها بين معرفتين متضادتين، وفي مثل هذه الحالة تكتسب التعريف، نحو قولك: إلزم العلم غير الجهل، وقولك: إرغب في الحياة غير الموت، فإنه لا ضد للعلم إلا الجهل، ولا ضد للحياة إلا الموت، وكذلك قول الله تعالى: { ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } فإن هؤلاء لا ضد لهم إلا ما جاء بعد { غَيْرِ }.

وانتقد أبو السعود إعتبار { ٱلَّذِينَ } في حكم المعهود الذهني في الإِبهام، لأنه لا معنى لأن يضاف بدل { الصراط المستقيم } إلى الموصول إلا لشهرته وتميزه، المنافيين للإِبهام، فإن البدل يراد به إيضاح المبدل منه. أما الزمخشري فإنه سوغ كل واحد من الإِعتبارين. وابن جرير اعتبرهما في حكم الوجه الواحد، وأضاف إليه وجها آخر وهو تقدير { صِرَاطَ } مضاف إلى { غَيْرِ } ، وفي هذا تكلف لا يخفى على متأمل، وأنت إذا نظرت في الرأي الأول، وجدته لا يخلو من مسوغ، فإن توغل { غَيْرِ } في الإِسمية كافٍ لإِعطائها بعض أحكام الجوامد كالبدلية، وإن كانت في حكم المشتق، والوصف أيضا ليس بالضعيف لإِمكان اعتبار إكتساب { غَيْرِ } هنا للتعريف بسبب وقوعها بين ضدين، وقد علمت مما نقلناه عن أبي السعود بطلان دعوى أن الإِسم الموصول في قوله { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } في حكم النكرة، وبهذا تعلم عدم صحة ما قاله العلامة الساليكوتي وغيره، في تسويغ تلك الدعوى مما حاصله أنه لا صحة لإِرادة جنس المنعم عليهم من حيث هو إذ لا صراط له، ولا غرض يتعلق بطلب صراط من أنعم عليهم على سبيل الاستغراق، سواء أريد استغراق الأفراد والجماعات، أو المجموع من حيث المجموع، فالمطلوب صراط جماعة ممن أنعم عليهم بالنعم الأُخروية وهم طائفة من المؤمنين لا بأعيانها، فإن نظر إلى البعضية المبهمة المستفادة من إضافة الصراط إليهم كالنكرة، وإن نظر إلى مفهومه الجنسي أي المنعم عليهم كان معرفة، نقل ذلك العلامة الألوسي ولم يعقب عليه إلا بقوله: ولا يخلو من دغدغة، وبطلانه يظهر من حيث أن صراط جميع المنعم عليهم صراط واحد، وهو الذي ذكره الله تعالى في قوله:

{ وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [الأنعام6: 153]

وقد صوره النبي صلى الله عليه وسلم للأذهان في صورة المحسوس، عندما خط خطا في الأرض مستقيما لا عوج فيه، وقال: " (هذا صراط الله) وخط عن يمينه، خطوطا وقال: (هذه السبل، ما من سبيل إلاَّ وعلى رأسه شيطان يدعو إليه) " ثم تلا الآية، وهذا يعني أن صراط أي فرد من المنعم عليهم هو صراط الجنس كله، وليس لكل طائفة منهم صراط خاص، حتى يقال بأن الصراط المقصود هنا هو صراط طائفة من المؤمنين، ويؤكد ذلك أن الصراط المبدل منه معرّف، وما أريد بالبدل إلا مزيد الإِيضاح فلا معنى لمجيئه مبهما، ولو كان مبهما - كما قالوا - لما صح أن يكون علما على الاستقامة ومجانبة الإِنحراف والاعوجاج.

-5-

و { غَيْرِ } هنا أشربت معنى النفي، فلذلك صح أن تقابل بلا النافيه، ولو كانت للإستثناء المحض لما جاز ذلك.

و " الغضب " هو انفعال نفسي يدفع صاحبه إلى الإِنتقام، وهذا لا يليق بجلال الله سبحانه، المنزه عن جميع صفات المخلوقين، فلذلك أول الغضب في مثل هذا المقام، إما بمسبِّبه القريب وهو إرادة الانتقام، أو بمسبّبه البعيد وهو إنزال العقوبة، ولفظة الغضب تدل على الشدة، ولذلك يطلق العرب وصف الغضوب على الناقة العبوس، وعلى الحيّة الخبيثة، ويسمون الدرقة من جلد البعير المطويّ بعضه على بعض " غضبه " كما يسمون بذلك الصخرة المتميزة في الجبل، ومنه قول الراجز: أو غضبة في هضبة ما أمنعا.

و { الضلال } يطلق على الذهاب عن الطريق السوي، ومنه قوله عز من قائل:

{ أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ } [السجدة32: 10]

أي غبنا فيها بالموت، ومنه قول العرب: ضل اللبن في الماء إذا إمتزج به.


وجيء بفعل الإِنعام مسندا إلى ضمير الخطاب، الموجه إلى الله، بخلاف الغضب والإِضلال، لأجل تعليم العباد كيف يتأدبون في مخاطبته عز وجل.

وجمهور المفسرين: على أن المراد بالمغضوب عليهم اليهود وبالضالين النصارى، وذكر ابن أبي حاتم أنه لا يعلم خلافا بين المفسرين في ذلك، وهو من التفسير المأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج عبد الرزاق وأحمد في مسنده وعبد بن حميد وابن جرير والبغوي وابن المنذر وأبو الشيخ عن عبد الله بن شقيق قال: " أخبرني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى على فرس له، ويسأله رجل من بني القيْن فقال: من المغضوب عليهم يا رسول الله؟ قال: (اليهود) قال فمن الضالون؟ قال: (النصارى) " وأخرجه إبن مردويه عن عبد الله بن شقيق عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأجابه بما ذكر، وأخرج البيهقي عن عبد الله بن شقيق عن رجل من بني القيْن أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله.. إلخ وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن عبد الله بن شقيق قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاصر أهل وادي القرى فقال له رجل.. إلخ، وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسّنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
-6-

" إن المغضوب عليهم هم اليهود وإن الضالين هم النصارى " وأخرج أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم وصححه والطبراني " عن الشريد قال: مرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس هكذا، وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على ألية يدي فقال: أتقعد قعدة المغضوب عليم " وهذا التفسير مروي عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما وروى عن الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وكثير من أئمة التابعين فَمن بعدهم، قال الشوكاني: والمصير إلى هذا التفسير النبوي متعين وهو الذي أطبق عليه أئمة التفسير من السلف.

وعضد هذا التفسير باقتران ذكر اليهود بالغضب وذكر النصارى بالضلال في عدة آيات من الكتاب نحو قوله عز وجل:

{ بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [البقرة2: 90] وقوله:
{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } [المائدة5: 60] وقوله عز من قائل:
{ لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } [المائدة5: 78] وقوله تعالى:
{ قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوۤاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } [المائدة5: 77]،

والأوْلى - كما قال الألوسي: الاستدلال بالحديث، لأن الغضب والضلال وردا في القرآن لجميع الكفار على العموم قال تعالى:

{ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ٱللَّهِ } [النحل16: 106] وقال:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلَٰلاً بَعِيداً } [النساء4: 167] وقال
{ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } [الفرقان25: 44].


واليهود والنصارى جميعا جديرون بوصف الضلال، حقيقون بالغضب، لذا يتوجه السئوال عن وصف اليهود " بالمغضوب عليهم " والنصارى " بالضالين " وأجاب عنه ابن جرير: بأن الله وسم لعباده كل فريق بما تكررت العبارة عنه به وفهم به امره ولم يره ابن عطية هذه الإِجابة تشفي غليلا - وإنها لكذلك - لذلك عدل عنها إلى الجواب، بأن أفاعيل اليهود من اعتدائهم وتعنتهم وكفرهم، مع رؤيتهم الآيات، وقتلهم الأنبياء بغير حق أمور توجب الغضب في عرف الناس فسمى الله ما أحل بهم غضبا، والنصارى لم تصدر منهم هذه الأشياء، وإنما ضلوا من أول أمرهم، دون أن يقع منهم ما يوجب غضبا خاصا بأفاعيلهم في عرف الناس بل، الغضب العام الذي يستحقه كل كافر، فلذلك وصفت كل واحدة من الطائفتين بما وصفت به.
-7-

ونقل الفخر الرازي تضعيف هذا التفسير، لأن منكري الصانع والمشركين أخبث دينا من اليهود والنصارى، فكان الإِحتراز عن دينهم أوْلى، واختار الفخر أن يُحمل المغضوب عليهم على كل من أخطأ في الأعمال الظاهرة وهم الفساق، ويَحمل الضالون على كل من أخطأ في الإِعتقاد، لأن اللفظ عام والتقييد خلاف الأصل، وذكر وجها آخر وهو أن المغضوب عليهم الكفار، والضالين المنافقون، لأن الله تعالى بدأ بذكر المؤمنين والثناء عليهم في أوائل البقرة ثم ثنَّى بذكر الكفار وتوعّدهم، ثم ثلّث بذكر المنافقين وتصوير أحوالهم، فيُحتمل أن يكون المغضوب عليهم هنا الكفار والضالون المنافقين كما أن المُنعَم عليهم المؤمنون، ورد ذلك الألوسي بأنه لا قول لقائل، ولا قياس لقايس بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين، وحكى القرطبي أن المغضوب عليهم هم متبعو البدع، والضالين هم الذين ضلوا عن سنن الهدى وذكر عن السُّلَمِيّ في حقائقه، والماوردي في تفسيره، أنهما حكيا: بأن المغضوب عليهم من أسقط فرض هذه السورة في الصلاة، والضالين من ضل عن بركة قراءتها.

قال القرطبي: وليس بشيء، ونقل عن الماوردي قوله: وهذا وجه مردود لأن ما تعارضت فيه الأخبار وتقابلت فيه الآثار، وانتشر فيه الخلاف، لم يجز أن يطلق عليه هذا الحكم.

ويرى بعض المفسرين أن المغضوب عليهم هم الذين نبذوا الحق وراء ظهورهم بعد معرفتهم به، وقيام حجته عليهم، والضالين هم الذين لم يعرفوا الحق رأسا، أو عرفوه على غير وجهه الصحيح، ومن بين القائلين بذلك الإِمام محمد عبده، وأوضح أن المغضوب عليهم ضالون أيضا، لأنهم بنبذهم الحق وراء ظهورهم قد استدبروا الغاية واستقبلوا غير وجهتها، فلا يصلون منها إلى مطلوب ولا يهتدون فيه إلى مرغوب، ولكن فرقا بين من عرف الحق فأعرض عنه على علم، وبين من لم يظهر له الحق فهو تائه بين الطرق لا يهتدي إلى الجادة الموصلة منها، وهم من لم تبلغهم الرسالة، أو بلغتهم على وجه لم يتبين لهم فيه الحق، فهؤلاء هم أحق باسم الضالين، فإن الضال حقيقة هو التائه الواقع في عماية، لا يهتدي معها إلى المطلوب، والعَماية في الدين هي الشبهات التي تلبس الحق بالباطل، وتشبّه الصواب بالخطأ.

وقسّم الإِمام محمد عبده الضّالين إلى أقسام:-

الأول: من حُرموا بلوغ دعوة الرسالة إليهم، أو بلغتهم على غير وجهها الصحيح، فهؤلاء لم يُرزَقُوا من أنواع الهداية إلا ما يحصل بالحس والعقل، وحُرموا رشد الدين ومن الطبيعي أن لا تستقيم أحوالهم في شئونهم الدنيوية، ولو قُدِّر أن استقامت على الوجه الصحيح، فلا محيص لهم عن الضلال فيما تكون به نجاة الأرواح وتتحقق به سعادتها في الدار الآخرة على أنَّ الدين المستقيم من شأنه أن يفيض على أهله من روح الحياة ما تكون به سعادتهم في الدنيا والآخرة معا، فمن حرم الدين حرم السعادتين، وظهر أثر التخبط والإِضطراب في أعماله المعاشية، وحل به الرزايا ما يكون عادة نتيجة الضلال والخبط وهي سنة الله في هذا العالم ولن تجد لسنته تبديلا.
-8-

ويرى الإِمام محمد عبده أن أمر هؤلاء في الآخرة إلى الله إن شاء عفا عنهم وإن شاء أخذهم ولن يساووا المهتدين في منازلهم. وزاد السيد محمد رشيد رضا على كلام أستاذه، أن الذين حُرموا هداية الدين لا يُعقل أن يُؤاخذوا في الآخرة على ترك شيء مما لا يُعرف إلا بهذه الهداية، وهو معنى كونهم غير مكلفين، ونسبه إلى جمهور المتكلمين واستدل له بقوله عز وجل:


وانتقد السيد محمد رشيد رضا من قال إنهم مكلفون بالعقل لعدم ظهور وجه لقوله، إلا إن أراد أن حالهم في الآخرة تكون على حسب ارتفاع أرواحهم بهداية العقل وسلامة الفطرة، لأن الناس يتفاوتون في إدراكهم وأعمالهم، بسبب تفاوت استعدادهم الفطري ولإِختلاف وسائل تربيتهم.

ويرى السيد محمد رشيد رضا بهذا الجمع بين القولين في تكليفهم وعدمه أو الفصل بينهما، وذكر أن ما يعطيهم الله تعالى إياه في الدار الآخرة على حسب ما يكونون عليه من الخير أو الشر، ومن الفضيلة أو الرذيلة هو الجزاء العادل على أعمالهم الإِختيارية ويزيدهم الله من فضله إن شاء.

هذه خلاصة كلامهما وأنت تدري أن من الأمور التكليفية ما تكون طريقة معرفته العقل كمعرفة الخالق عز وجل وصفاته الواجبة وانتقاء أضدادها ولذلك يحيل القرآن الكريم إلى التفكر في ملكوت السماوات والأرض، لأجل الإِهتداء إلى معرفة الخالق وعظمته وتقوية الإِيمان به عز وجل، ويشير القرآن الكريم إلى أن الذين يستفيدون من ذلك هم أولوا الألباب الذين يستخدمون ما وهبهم الله تعالى من طاقات العقل والفكر في استجلاء الحقيقة واستظهار الحق، ومن ذلك قوله عز وجل:

{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [البقرة2: 164] وقوله عز من قائل:
{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } [آل عمران3: 190]

والكفار الذين حُرموا نعمة الهداية والدين، قد طمسوا أنوار بصائرهم بما أخلدوا إليه من الكفر وجنحوا إليه من الضلال، ولذلك حكى الله تعالى عنهم قولهم يوم القيامة:

{ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِيۤ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } [الملك67: 10].


إذا تدبرت ذلك، اتضح لك أن من لاحت له معالم الحقيقة وانكشفت لبصيرته أعلام الحق فتعامى عنها مستمسكا بما ورثه من العقائد، لن يكون سالما، وكذلك الذي لا يكلف نفسه مؤونة البحث عن الحق والتفتيش عن الصواب، أما الذي ينشد الحق ويتبع كل بارقة تلمع له من نوره ويحرص على أداء واجباته الإِجتماعية من غير تفريط فيها فذلك الذي تُرجى له السلامة عند الله.
-9-

على أن الحجة قد قامت على الناس بما يسمعون عنه من أخبار النبوات وأحوال النبيين وما عليهم إلا أن يفتشوا عن ضالتهم المنشوده والله لا يضيع عمل عامل


ونحن نسلم أن الشر هو الحكم في العقائد والأعمال ولكنا نرى وجوب استخدام العقل مع تعذر الوصول إلى الشرع وهذا يقضي أن يتجنب الإِنسان كل ما يستقبحه عقله قبل التوصل إلى حكمه الشرعي ولا ريب أن العقول السليمة كلها تقضي بمنع الإِعتداء والظلم والفساد، لأجل ذلك ذهب من ذهب من علمائنا - كالإِمامين أبي سعيد وابن بركه - إلى وجوب تحكيم العقل عند تعذر الوصول إلى الشرع حتى في الأمور العملية ولهذه المسألة مباحث ليس من غرضنا استيفاؤها، فمن أرادها فليطلبها من مظانها ككتاب الإِستقامة للإِمام الكُدَمي ومشارق أنوار العقول للإِمام السالمي رحمهما الله.

الثاني: من بلغته الدعوة على وجه يؤدي إلى النظر، فساق همته إليه واستفرغ جهده فيه ولكن لم يوفق إلى الإِيمان بما دُعي إليه، وانقضى عمره وهو جاد في الطلب، وهذا القسم لا يتكون إلا من أفراد متفرقين في الأمم ولا ينطبق على شعب بأسره من الشعوب، فلا يظهر له أثر سلبي في أحوال شعب أو أمة، وما يكون لهما من سعادة أو شقاء في الحياة الدنيا، أما منزلة صاحب هذه الحالة في الدار الآخرة، فقد نقل الإِمام محمد عبده عن بعض الأشاعرة، أنه ممن تُرجى له رحمة الله تعالى، وعزا صاحب هذا الرأي مثله عن أبي الحسن الأشعري، وعزا الإِمام محمد عبده إلى الجمهور - بناء على رأيهم - أن مؤاخذته أخف من مؤاخذة الجاحد، الذي أنكر التنزيل واستعصى على الدليل وكفر بنعمة العقل ورضي بحظه من الجهل.

هذا ملخص ما قاله في أصحاب هذا القسم، ولكنني أستبعد جدا أن يتجه إنسان إلى الحق غير راغب عن شيء منه ولا مؤثر لهواه عن بعض ما يقتضيه الحق ويستلزمه الرشد مستخدما كل الوسائل الممكنة له في الوصول إليه، ثم يحال بينه وبينه لأن الله تعالى يقول: { وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } والله لا يخلف الميعاد، فلا يتصور هذا بحال وإذا ضل الإِنسان عن جملة الحق أو عن بعضه فما هو إلا نتيجة تقصيره في البحث أو اتباعه الهوى بعدما تبين له الهدى، ومثل هذا لا يصح أن تُرجى له رحمة الله، لأن رحمة الله إنما هى للمتقين.
-10-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
إضافة رد

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 07:51 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.