سكاي فليكس يوفر لك كل احتياجاتك الخاصه في مكان واحد  آخر رد: الياسمينا    <::>    دعوة لحضور لقاء "القانون وريادة الأعمال" للتعريف بالإجراءات ...  آخر رد: الياسمينا    <::>    مكتب انجاز استخراج تصاريح الزواج  آخر رد: الياسمينا    <::>    المحامية رباب المعبي : حكم لصالح موكلنا بأحقيتة للمبالغ محل ...  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات يوسيرين: رفع مستوى روتين العناية بالبشرة مع ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    اكتشفي منتجات لاروش بوزيه الفريدة من نوعها في ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات العناية بالبشرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    استكشف سر جمال شعرك في ويلنس سوق، الوجهة الأولى للعناية بالش...  آخر رد: الياسمينا    <::>    ويلنس سوق : وجهتك الأساسية لمنتجات العناية الشخصية والجمال  آخر رد: الياسمينا    <::>    موقع كوبون جديد للحصول على اكواد الخصم  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > القرآن الكريم > آيات القرآن الكريم
التسجيل التعليمات الملحقات التقويم مشاركات اليوم البحث

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #21  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق

تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }


معنى قوله أو لإباحته ضرب مثلهم إمَّا بهذا وإما بذلك شبَّه القرآن بمطرٍ ينزل من السماء، وشبَّه ما في القرآن من الوعد والوعيد بما في المطر من الرعد والبرق، وشبه التجاءهم إلى الفرار عند سماع أصوات الرعد. كذلك الإشارة لأصحاب الغفلات إذا طرق أسماعَهم وعظُ الواعظين، أو لاحت لقلوبهم أنوار السعادة؛ ولو أقلعوا عمَّا هم فيه من الغفلة لَسَعِدُوا، لكنهم ركنوا إلى التشاغل بآمالهم الكاذبة، وأصروا على طريقتهم الفاسدة، وتعللوا بأعذار واهية، ويحلِفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم، يهلكون أنفسهم، ويسعون في الخطرِ بأيْمانهم:

إن الكريم إذا حباك بوُدِّهسَتَرَ القبيحَ وأظهر الإحسانا
وكذا الملول إذا أراد قطيعةًملّ الوِصال وقال كان وكانا
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #22  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } * { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }



والظلمات هي الصفات النفسانية، والشكوك الخيالية والوهمية، والوساوس الشيطانية مما تحيرهم وتوحشهم. والرعد هو التهديد الإلهيّ والوعيد القهريّ الوارد في القرآن والآيات والآثار المسموعة والمشاهدة مما يخوّفهم فيفيد أدنى انكسار لقلوبهم الطاغية وانهزام لنفوسهم الآبية. والبرق هو اللوامع النورية والتنبهات الروحية عند سماع الوعد وتذكير الآلاء والنعماء مما يطمعهم ويرجيهم، فيفيدهم أدنى شوق وميل إلى الإجابة.

ومعنى { يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حَذَر الموت } يتشاغلون عن الفهم بالملاهي والملاعب عن سماع آيات الوعيد، ولكي لا ينجع فيهم فيقطعهم عن اللذات الطبيعية بهمّ الآخرة، إذ الانقطاع عن اللذات الحسيّة هو موتهم، والله قادر عليهم، قاطع إياهم عن تلك اللذات المألوفة بالموت الطبيعي، قدرة المحيط بالشيء الذي لا يفوته منه، فلا فائدة لحذرهم.

{ يكادُ البرقُ } أي: اللامع النوريّ { يخطَفُ أبصارَهُم } أي: عقولهم المحجوبة بالنعاس عن نور الهداية والكشف، إذ العقل بصر القلب { كلما أضاء لهم مشوا فيه } أي: ترقوا وقربوا من قبول الحق والهدى، { وإذا أظلم عليهم قاموا } أي: ثبتوا على حيرتهم في ظلمتهم { ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم } لطمس أفهامهم وعقولهم، ومحا نور استعدادهم، كما للفريق الأول فلم يتأثروا بسماع الوحي أصلاً { إن الله على كلّ شيء قدير } الشيء الموجود الخارجيّ الواجب والممكن، والموجود الذهني الممكن والممتنع إذ اللاشيء هو المعدوم الصرف الذي ليس في الذهن ولا في الخارج، لكن تعلق القدرة به خصصه بالممكن وأخرج عنه الواجب والممتنع بدليل العقل.

هذا آخر الكلام في الأصناف السبعة على سبيل الإجمال، وفصل بين فريقي الأشقياء وأوجز ذكر الفريق الأوّل وأعرض عنهم، إذ الكلام فيهم لا يجدي. وبالغ في ذكر الفريق الثاني، وذمّهم، وتعييرهم، وتقبيح صورة حالهم، وتهديدهم، وإبعادهم، وتهجين سيرهم، وعاداتهم لإمكان قبولهم للهداية وزوال مرضهم العارض، واشتعال نور قرائحهم بمدد التوفيق الإلهيّ عسى التقريع يكسر أعواد شكائمهم، والتوبيخ يقلع أصول رذائلهم، فتتزكى بواطنهم وتتنوّر قلوبهم بنور الإرادة، فيسلكوا طريق الحق. ولعل موادعة المؤمنين وملاطفتهم إياهم ومدجالستهم معهم، تستميل طباعهم فتهيج فيهم محبة مّا، وشوقاً تلين به قلوبهم إلى ذكر الله، وتنقاد به نفوسهم لأمر الله، فيتوبوا ويصلحوا كما قال الله تعالى:



__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #23  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } * { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُم كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَو شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِم وَأَبْصَارِهِم إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


قلت: { أو } للتنويع، أو بمعنى الواو، و { الصيب }: المطر، فَيْعِلٌ، من صاب المطر إذا نزل، وهو على حذف مضاف، أي: أو كذي صيب، وأصله: صيوب، كسيد، قلبت الواو ياء وأدغمت، ولا يوجد هذا إلا في المعتل كميت وهين وضيق وطيب.

و { الرعد }: الصوت الذي يخرج من السحاب، و { البرق }: النور الذي يخرج منه. قال ابن عزيز: رُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنَّ الله عزَّ وجلَّ ينشىءُ السَّحَابَ فَتنطِقُ أحْسَنَ النطْق، وتَضْحَكُ أحسَنُ الضحك، فنطقها الرعدُ، وضَحِكُها البَرْقُ " وقال ابن عباس: " الرعدُ مَلَكٌ يسوقُ السَّحابَ، والبرقُ سَوْطٌ مِنْ نُورٍ يَزْجُرُ بهِ السَّحَاب). هـ. والصواعق: قطعة من نار تسقط من المخراق الذي بيد سائق السحاب، وقيل: تسقط من نار بين السماء والأرض، والله تعالى أعلم.

يقول الحقّ جلّ جلاله: ومثل المنافقين أيضاً كأصحاب مطر غزير { فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ } وهدير أصابهم في ليلة مظلمة وقفراء مُدْلهمة. فيه { بَرْقٌ } يلمع، وصاعقة تقمع، إذا ضرب الرعد وعظم صوته جعلوا { أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم } من الهول والخوف حذراً من موت أنفسهم، وقد ماتت أرواحهم وقلوبهم، وإذا ضرب البرق كاد { أن يخطف أبصارهم } ، فإذا لمع أبصروا الطريق، و { مشوا فيه، وإذا أظلم عيهم قاموا } متحيرين حائدين عن عين التحقيق،

{ وَاللَّهُ مِن وَرَآئِهِم مُّحِيطُ } [البُرُوج85: 20].

{ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ } بصوت ذلك الرعد، { وَأَبْصَارِهِمْ } بلمعان ذلك البرق، { إن الله على كل شيء قدير } لا يعجزه شيء.


هذا مثلهم في تحيّرهم واضطرابهم، فيحتمل أن يكون من التشبيه المركب، وهو تشبيه الجملة بالجملة، أو من المفَصَّل، فيكون المطر مثالاً للقرآن، وفيه ذكر الكفر والنفاق المُشَبَّهَيْن بالظلمات، والوعد عليه والزجر المشبّه بالرعد، والحُجج الباهرة التي تكاد أحياناً تبهرهم المشبهة بالبرق، وتخوفهم وروعُهم هو جَعْل أصابعهم في آذانهم، لئلا يسمعون فيميلوا إلى الإيمان، وفَضْحُ نفاقهم وتكاليفُ الشرع التي يكرهونها هي الصواعق. والله تعالى أعلم.

الإشارة: أهل الخصوصية إذا ظهروا بين العموم بأحوال غريبة وعلوم وَهْبية، وأسرار ربانية وأذكار نورانية، دهشوا منهم وتحيّروا في أمرهم، وخافوا على أنفسهم، فإذا سمعوا منهم علوماً لدنية وأسراراً ربانية فرّوا منها، وجعلوا أصابعهم في آذانهم، خوفاً على نفسهم أن تفارق عوائدها وهواها، وإذا خاصمهم أحد من العموم ألجموه بالحجة، فتكاد تلك الحجة تخطفه إلى الحضرة، كلما لمع له شيء من الحق مشى إلى حضرته، وإذا كرّت عليه الخصوم والخواطر، وأظلم عليه الحال، وقف في الباب حيران، ولو شاء الله لذهب بعقله وسمعه وبصره، فيبصر به إلى حضرته. من استغرب أن ينقذه الله من شهوته، وأن يخرجه من وجود غفلته، فقد استعجز القدرة الإلهية

{ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ مُّقْتَدِراً } الكهف18: 45].

-1-

فالصِّيَّب الذي نزل من السماء كِنَايةٌ عن الواردات والأحوال التي ترد على قلوب العارفين، ويظهر أثرها على جوارحهم، والظلمات التي فيها كناية عن اختفاء بعضها عن أهل الشريعة فينكرونها، والرعد كناية عن اللهج بذكر الله جهراً في المحافل والحلق، والبرق كناية عن العلوم الغريبة التي ينطقون بها والحجج التي يحتجون بها على الخصوم، فإذا سمعها العوام اشمأزت قلوبهم عن قبولها، فإذا وقع منهم إنصاف تحققوا صحتها فمالوا إلى جهتها، ومَشَوْا إلى ناحيتها، فإذا كَرَّت عليهم الخصوم قاموا منكرين، ولو شاء ربك لهدى الناس جميعاً


ولما ذكر الحق من تخلق بالإيمان ظاهراً وباطناً، ومن تحلّى به كذلك، ومن أخفى الكفر وأظهر الإيمان، دعا الكل إلى توحيده وعبادته.


-2-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #24  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير القرآن/ علي بن ابراهيم القمي (ت القرن 4 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تفسير القرآن/ علي بن ابراهيم القمي (ت القرن 4 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }


{ أو كصيب من السماء } أي كمطر من السماء وهو مثل الكفار.

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #25  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق 1-3

تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق 1-3

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }


اللغة والتفسير:

الصيب على فيعل من صاب يصوب، وأصله صَيوِبْ، لكن استقبلتها ياء ساكنة فقلبت الواو ياء وأدغمتا، كما قيل: سيد من ساد يسود، وجيد من جاد يجود، قياساً مطرداً. والصيب المطر. وكل نازل من علو إلى أسفل يقال فيه صاب يصوب قال الشاعر:

كأنهم صابت عليهم سحابهصواعقها لطيرهن دبيب


وقال عبيد بن الأبرص:

حيّ عفاها صيب رعدهداني النواحي مغدق وابل


وهذا مثل ضربه الله للمنافقين، كان المعنى: أو كاصحاب صيب. فجعل كفر الاسلام لهم مثلا فيما ينالهم فيه من الشدائد، والخوف. وما يستضيئون به من البرق مثلا لما يستضيئون به من الاسلام. وما ينالهم من الخوف في البرق بمنزلة ما يخافونه من القتل بدلالة قوله:

{ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } (المنافقون63: 4)

وقال ابن عباس: الصيب القطر. وقال عطا: هو المطر. وبه قال ابن مسعود، وجماعة من الصحابة. وبه قال قتادة. وقال مجاهد: الصيب: الربيع.

وتأويل الآية: مثل استضاءة المنافقين بضوء إقرارهم بالاسلام مع استسرارهم الكفر كمثل مُوقِد نار، يستضيء بضوء ناره، أو كمثل مطر مظلم ودقه يجري من السماء تحمله مزنة ظلماء في ليلة مظلمة. فان قيل: فان كان المثلان للمنافقين فلمَ قال: { أو كصيب } وأو لا تكون إلا للشك وان كان مثلهم واحداً منهما، فما وجه ذكر الآخر بأو وهي موضوعه للشك من المخبر عما أخبر به؟ قيل: إن { أو } قد تستعمل بمعنى الواو كما تستعمل للشك بحسب ما يدل عليه سياق الكلام. قال توبة بن الحمير:

وقد زعمت ليلى باني فاجرلنفسي تقاها أو عليها فجورها


ومعلوم أن توبة لم يقل ذلك على وجه الشك، وانما وضعها موضع الواو وقال جرير:

نال الخلافة أو كانت له قدراكما أتى ربه موسى على قدر


ومثله كثير. قال الزجّاج: معنى { أو } في الآية التخيير، كأنه قال: إنكم مخيرون بان تمثلوا المنافقين تارة بموقد النار، وتارة بمن حصل في المطر. يقال: جالس الحسن أو ابن سيرين. أي: انت مخير في مجالسة من شئت منهما.

والرعد: قال قوم: هو ملك موكل بالسحاب يسبح. روي ذلك عن مجاهد وابن عباس، وابي صالح. وهو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام). وقال قوم: هو ريح يختنق تحت السماء. رواه ابو خالد عن ابن عباس. وقال قوم: هو اصطكاك اجرام السحاب. فمن قال انه ملك قدر فيه صوته، كأنه قال: فيه ظلمات وصوت رعد، لأنه روي انه يزعق به، كما يزعق الراعي بغنمه. والصيب اذا كان مطراً. والرعد إذا كان صوت ملك، كان يجب أن يكون الصوت في المطر، لأنه قال { فيه } والهاء راجعة اليه، والمعلوم خلافه، لأن الصوت في السحاب والمطر في الجو إلى أن ينزل.
-1-

ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن يقال: لا يمتنع أن يحل الصوت المطر حين انفصاله من السحاب، ولا مانع يمنع منه، ويحتمل أن يكون المراد بفي (مع)؛ كأنه قال: معه ظلمات ورعد. وقد بينا جوازه فيما مضى.

واما البرق، فمروي عن علي (عليه السلام) أنه قال: مخاريق الملائكة من حديد، تضرب بها السحاب، فتنقدح منها النار. وروي عن ابن عباس: انه سوط من نور، يزجر به الملك السحاب. وقال قوم: إنه ما رواه ابو خالد عن ابن عباس. وقال مجاهد: هو مصع ملك. والمصاع: المجالدة بالسيوف وبغيرها. قال أعشى بني ثعلبة، يصف جواري لعبن بحليهن:

اذا هن نازلن أقرانهنوكان المصاع بما في الجون


يقال منه: ماصعه مصاعا، والمعاني متقاربة، لأن قول علي عليه السلام: إنه مخاريق. وقول ابن عباس: إنه سياط يتقاربان. وما قال مجاهد: إنه مصاع قريب، لأنه لا يمتنع انه أراد مصاع الملك بذلك، وإزجاره به.

والصواعق جمع صاعقة: وهو الشديد من صوت الرعد، فتقع منه قطعة نار تحرق ما وقعت فيه. والصاعقة: صيحة العذاب. والصاعاق: الصوت الشديد للثور والحمار صعق صعاقا. والصعق: الموت من صوت الصاعقة. والصعق الغشي من صوت الصاعقة. صعق فهو صعق. ومنه قوله:

{ وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً } (الأعراف7: 143)

وروي شهر ابن حوشب: ان الملك اذا اشتد غضبه، طارت النار من فيه، فهي الصواعق. وقيل: إن الصواعق نار تنقدح من اصطكاك الاجرام. وقريش وغيرهم من الفصحاء يقولون: صاعقة وصواعق، والقوم يصعقون. وتميم وبعض ربيعة يقولون: صواقع، والقوم يصقعون.


وفي تأويل الآية، وتشبيه المثل أقاويل:

روي عن ابن عباس: أنه مثل للقرآن. شبه المطر المنزل من السماء بالقرآن وما فيه الظلمات بما في القرآن من الابتلاء. وما فيه من الرعد بما في القرآن من الزجر. وما فيه من البرق بما فيه من البيان. وما فيه من الصواعق بما في القرآن من الوعيد آجلا، والدعاء إلى الجهاد عاجلا.

والثاني ـ وقيل: إنه مثل للدنيا وما فيها من الشدة والرخاء، والبلاء كالصيب الذي يجمع نفعاً وضراً، فان المنافق يدفع عاجل الضر، ويطلب آجل النفع.

والثالث ـ انه مثل القيمة لما يخافونه من وعيد الآخرة، لشكهم في دينهم وما فيه من البرق بما فيه من إظهار الاسلام، من حقن دمائهم، ومناكحتهم، ومواريثهم، وما فيه من الصواعق بما في الاسلام من الزواجر بالعقاب في العاجل والآجل.

والرابع ـ أنه ضرب الصيب مثلا بضرب إيمان المنافق. ومثل ما في الظلمات بضلالته. وما فيه من البرق بنور إيمانه. وما فيه من الصواعق بهلاك نفاقه.

والوجه الأخير اشبه بالظاهر، وأليق بما تقدم.

وروي عن ابن مسعود، وجماعة من الصحابة: أن رجلين من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فاصابهما المطر الذي ذكره الله (فيه رعد شديد وصواعق وبرق)، فجعلا كلما اصابتهما الصواعق، جعلا أصابعهما في آذانهما من الفرق أن تدخل الصواعق في آذانهما فتقتلهما واذا لمع البرق مشيا في ضوئه، واذا لم يلمع، لم يبصرا، فاقاما في مكانهما لا يمشيان.
-2-

فجعلا يقولان: ليتنا قد اصبحنا فنأتي محمداً، فنضع أيدينا في يده. فاصبحا فاتياه، وأسلما، وحسن إسلامهما فضرب الله شأن هذين المنافقين مثلا لمنافقي المدينة؛ وأنهم اذا حضروا النبي (صلى الله عليه وسلم)، جعلوا أصابعهم فرقاً من كلام النبي (صلى الله عليه وسلم) أن ينزل فيهم شيء، كما قام ذانك المنافقان، يجعلان أصابعهما في آذانهما.

{ وإذا أضاء لهم مشوا فيه }: يعني اذا كثرت اموالهم، وأصابوا غنيمة وفتحاً، مشوا فيه، وقالوا دين محمد (صلى الله عليه وآله) صحيح.

{ وإذا أظلم عليهم قاموا }: يعني اذا أهلكت أموالهم، وولد البنات، واصابهم البلاء، قالوا: هذا من أجل دين محمد (صلى الله عليه وسلم)، وارتدوا كما قام ذانك المنافقان اذا أظلم البرق عليهما. ويقوي عندي، أن هذا مثل آخر، ضربه الله بالرعد والبرق ولما هم فيه من الحيرة والالتباس. يقول لا يرجعون إلى الحق إلا خلسا كما يلمع البرق، ثم يعودون الى ضلالهم واصلهم الذي هم عليه ثابتون واليه يرجعون. والكفر كظلمة الليل والمطر الذي يعرض في خلالهما البرق لمعاً. وهم في اثناء ذلك يحذرون الوعيد والعذاب العاجل إن أظهروا الكفر كما يحذرون الصواعق من الرعد، فيضعون أصابعهم في آذانهم ارتياعا وانزعاجا في الحال ثم يعودون إلى الحيرة والضلال.

{ حذر الموت }: نصب على التمييز وتقديره { من حذر الموت }. ويجوز ان يكون نصباً، لأنه مفعول له فكأنه قال: يفعلون هذا الأجل حذر الموت. ويحتمل أن يكون نصباً على الحال.

والموت: ضد الحياة. والاماتة: فعل بعده الموت. والميتة: ما لم تدرك ذكاته. والميتة: ألموت في حال مخصوص من ذلك ميتة سوء. والموتان: وقوع الموت في المواشي. وموّتت المواشي: اذا كثر فيها الموت. وموتان الأرض: التي لم تزرع.

والحذر: طلب السلامة من المضرة. وحذّره تحذيرا، وحاذره محاذرة والحذيرة: المكان الغليظ، لأنه يتحذر منه.

قوله: { محيط بالكافرين } يحتمل أمرين:

احدهما ـ إنه عالم بهم ـ وإن كان عالماً بغيرهم ـ إنما خصهم لما فيه من التهديد.

والثاني ـ إنه المقتدر عليهم ـ وان كان مقتدراً على غيرهم ـ، لأنه تقدم ذكرهم، ولما فيه من الوعيد. والمحيط: القادر. قال الشاعر:

أحطنا بهم حتى اذا ما تيقنوابما قدروا مالوا جميعاً إلى السلم


أي قدرنا عليهم. فاما الاحاطة بمعنى كون الشيء حول الشيء، مما يحيط به فلا يجوز على الله تعالى، لأنه من صفات الأجسام. والذي يجوز، الاحاطة بمعنى الاقدار والملك. كما يقال: أحاط ملكك بمال عظيم: يعنون أنه يملك مالا عظيما. ويقال: حاطه يحوطه حوطا: اذا حفظه من سوء يلحقه. ومنه الحائط، لأنه يحيط بما فيه. واحاط به: جعل عليه كالحائط الدائر. والاحتياط: الاجتهاد في حفظ الشيء.
-3-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #26  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }


{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } اى حال المنافقين فى قرع الكلمات المهدّدة المندرجة فيها الرّحمة المستنيرة بنورها القلوب اسماعهم كصيّب اى مطر او سحاب فهو معطوف على قوله كمثل الّذى استوقد لا على الّذى استوقد كما قيل { فِيهِ ظُلُمَاتٌ } ظلمة اللّيل وظلمة تتابع المطر وظلمة تراكم السّحاب.

تحقيق الرعد والبرق والسّحاب والمطر

{ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } اعلم انّ السّحاب والرّعد والبرق من جملة كائنات الجوّ وسبب تكوّن السّحاب تصاعد البخار من الاراضي الرّطبة المتسخنّه بالشمس او بكونها كبريّتية او مالحة سبخة فاذا تصاعد البخار ووصل قبل تحلّله واستحالته الى الهواء الى قريب كرة الزمهرير تراكم وصار سحاباً حاجباً لما وراءه، والبخار عبارة عن أجزاء رشّيّة مائيّة مختلطة بأجزاء هوائيّة وبعد التّراكم يجتمع الاجزاء المائيّة ويستحيل شيئ من الاجزاء الهوائيّة الى الماء فان لم تنعقد ببرودة الهواء صارت مطراً، وان انعقدت بعد الاجتماع صارت برداً، وان انعقدت قبل الاجتماع التّامّ صارت ثلجاً، وقد يتصاعد من الاراضى السّبخة والكبريّتية دخان مختلط مع البخار، والدّخان مركّب من الاجزاء الارضيّة والاجزاء النّاريّة المختلطة بالاجزاء الهوائيّة، فاذا وصل ذلك البخار الى كرة الزّمهرير وتراكم واحتبس الاجزاء الدخانيّة بين الاجزاء البخاريّة والحال انّ الاجزاء الارضيّة مائلة بالطّبع الى السّفل والاجزاء النّاريّة مائلة بالطّبع الى العلو فما دام النّاريّة غالبة يتحرّك الاجزاء الدّخانيّة من بين السّحاب الى العلو بالشدّة وان كانت الاجزاء الارضيّة غالبة تتحرّك الى السّفل بالشدّة وبحركتها الشّديدة تخرق السّحاب الّذى هو أغلظ من الهواء ويحصل من خرقها الصّوت الّذى يسمّى رعداً، فان كان مادّة الدخان لطيفة يشتعل بتسخين الحركة وسخونة الاجزاء النّاريّة وينطفى بسرعة ويسمّى برقاً، وان كانت غليظة يشتعل ولا ينطفى بسرعة بل يبقى حتّى يصل الى الارض ويسمّى صاعقة، ولا ينافى ما ذكر ما ورد فى الاخبار من انّ الرّعد أصوات أسواط الملائكة الموكّلة على السّحاب { يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم } حال او صفة او مستأنف جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل ما حال النّاس والضّمير راجع الى النّاس المستفاد بالملازمة { مِّنَ ٱلصَّوَاعِقِ } من اجل الصّواعق جمع الصاعقة { حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } من خرق صوت الصّاعقة اصمختهم او ضمير يجعلون راجع الى المنافقين كأنّه سأل سائل عن حال المنافقين الممثّل لهم، ويكون الصّواعق حينئذٍ مجازاً عن الكلمات الّتى تقرع أسماعهم ممّا فيه تهديدٌ ووعيدٌ شديدٌ وهذا أوفق بقوله { وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكافِرِينَ } اى بهم فوضع الظّاهر موضع المضمر اشعاراً بذمٍّ آخر لهم، هذا على ان يكون ضمير يجعلون راجعاً الى المنافقين والجملة حالاً من فاعل يجعلون والمعنى لا ينفعهم الحذر اذ لا يمكن الفرار من حكمه.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #27  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ) مصنف و مدقق



{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } * { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


ثم ضرب مثلاً آخر فقال: { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ }. يقول هذا المثل أيضاً مثل المنافق. والصيِّب المطر. ذكروا عن النبي عليه السلام أنه " كان إذا استسقى قال:اللهم صيّباً هيّناً " وهو تفسير مجاهد: { فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } قال [بعضهم]: كان المنافقون إذا أصابوا في الإِسلام رخاء وطمأنينة طابت أنفسهم في ذلك وسروا به في حال دنياهم، وإذا أصابتهم فيه شدة لم يصبروا عليها ولم يرجوا عاقبتها. فالظلمات هي الشدة، والرعد هو التخوّف إذا تخوّفوا أن تأتيهم شدّة. والمطر فيه الرزق، وتكون فيه الظلمة والرعد والبرق، فضرب الله ذلك مثلاً، والبرق مَثَل نور الإِسلام في تفسير الحسن. وقال ابن عباس: هو نور القرآن. وهو واحد.

{ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي ءَاذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ } وهذا كراهية من المنافقين للجهاد لأنهم لم تكن لهم حسبة في الشهادة والجهاد في سبيل الله.

قال الله: { وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرينَ }. يقول: والله محيط بالمنافقين، وهو كفر دون كفر الشرك. يقول: هو من وراء المنافقين حتى يخزيهم بنفاقهم وكفرهم.

قوله: { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ } أي مضوا فيه { وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا } [أي بقوا لا يبصرون]، يعني بذلك المنافقين يقول: إن المنافقين إذا رأوا في الإِسلام رخاء وطمأنينة طابت أنفسهم بذلك وسرّوا به في حال الدنيا، وإذا أصابتهم شدة قطع بهم عند ذلك فلم يصبروا على بلائها، ولم يحتسبوا أجرها، ولم يرجوا عاقبتها. قال: { وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } حين أقروا ولم يوفوا. { إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #28  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق 1-9

تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق 1-9

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }


{ أَوْ كَصَيِّبٍ }: عطف على قوله:

{ كمثل الذى استوقد ناراً } (البقرة2: 17)

بتقدير مضافين، أى كمثل أصحاب صيب كما ذكر فى المعطوف عليه المثل، وصاحب الاستيقاد، ويدل لتقدير أصحاب أيضاً رجوع الضمير إليه فى قوله { يَجْعَلُونَ } وأن الممثل به أصحاب الصيب لا الصيب نفسه، أو لأحد الشيئين أو الأشياء، وإن شئت فقل لتلعيق الحكم بأحد الشيئين فصاعدا بقطع النظر عن التخيير والإباحة والشك والتشكيك والإبهام والتقسيم والإضراب، فإن المقيدة لأحد المعانى المذكورة بخصوصه هو التركيب بواسطتها لا هى نفسها، فإنها لا تفيد بذاتها إلا تحصيل الحكم لأحد شيئين أو أشياء، وإذا أضيف إليها أفادت أحد تلك المعانى فمجاز مثل أن يقال أو تقيد الشك أو التخيير أو الإباحة أو نحو ذلك وأما أن يقال أو للشك أو للتخير أو نحو ذلك بمعنى أنها تستعمل حيث أريد ذلك، أو أنها معونة فيه فليس بمجاز، ويعلم من قولى بقطع النظر.. إلخ أن أو حقيقة فى المعنى الموجود فى تلك المعانى جميعاً وهو مطلق حصول الحكم لأحد الشيئين أو الأشياء، مجاز فى تعيين ذلك الحصول على طريق التخيير أو طريق الإباحة أو نحوهما، وهذا أقعد من قول الزمخشرى والقاضى: إن أو فى الأصل للتساوى فى الشك، ثم اتسع فيها فأطلقت للتساوى من غير شك، مثل: جالس الحسن وابن سيرين، فإنها تفيد التساوى فى حسن مجالسة الحسن وابن سيرين من غير شك، ومثل قوله عز وجل:

{ وَلَا تُطِع مِنْهُم ءَاثِماً أَو كَفُوراً } (الإنسان76: 24)

فإنها تفيد التساوى فى وجوب عصيانه الآثم والكفور، لكن قولهما وفق باللغة، وإذا استعملت أو بمعنى الواو فمجاز لا غير، وأو فى قوله عز وعلا: { أَوْ كَصَيْبٍ } تحتمل أن تكون بمعنى الواو وأن تكون مستعملة فى تحصيل الحكم لأحد الشيئين، والحكم هو التشبيه، وذلك التحصيل على طريق التخير بمعنى أنه يصح تشبيه المنافقين بالذى استوقد ناراً، أو يصح بأصحاب الصيب كلاهما سواء فى الجواز فأنت مخير فى تشبيههم بالمستوقد أو بأصحاب الصيب، والمشهور فى التخير عدم صحة الجمع، فإيضاح تخريج الآية أن يقال المعنى: إنك إذا أردت الاختصار وتشبيههم تشبيهاً واحداً فقط فشبههم بالمستوقد فقط، أو بأصحاب الصيب فقط، وإن شئت فقل التحصيل فى الآية على طريق الإباحة، أى شبههم بهما أو بأحدهما، ولست أريد أنهما سواء فى التشبيه من كل وجه، بل سواء فى أصل الجواز كما صرحت به، إذا قلت سواء فى أصل الجواز، وإلا فتشبيههم بأصحاب الصيب أبلغ لأنه أدل على شدة الحيرة والأمر وفظاعته، ولذلك أخر فى الآية على سبيل الترقى من الأهون إلى الأغلظ.


وتعلم من كلامى أنه لا يشترط التصريح بالطلب فى التخير والإباحة أو تقديره، بل تكفى عنايته وهو ظاهر كلام ابن مالك، فإن معنى الآية شبه المنافقين بالمستوقد أو بأصحاب الصيب فإن الطلب لم يصرح به فيها، ولم يكن محذوفاً مقدراً واشترط كثير أن يكون مصرحاً به أو محذوفاً مقدراً، والصيب المطر سواء فسرنا السماء بالسحاب أو بسماء الدنيا، ويجوز تفسير الصيب بالسحاب على أن السماء سماء الدنيا، وسمى المطر والسحاب صيباً من الصوب بمعنى النزول، لأنهما ينزلان إلى الأرض، ونزول السحاب إليها نزول مائه، وقد قيل أيضاً إنهما ينزلان من السماء، وأيضاً قد يدنو السحاب من الأرض بعد ما كان أبعد، ومن استعمال الصيب وصفاً للسحاب قول الشماخى:
-1-

محا آيه نسج الجنوب مع الصباوأسحم دان صادق الوعد صيب


وآيه جمع آية ونسج والهاء للمنزل الجنوب مع الصبا تخالفهما كتخالف الطعم والغزل لتقابلهما، فيدخل كل فى الآخر، فالجنوب ريح من ناحية سهيل عن يمين مستقبل المشرق، والصبا ريح من المشرق، والأسحم السحاب الأسود والدانى القريب من الأرض، سمى كونه بحال يطمع فى أمطاره مطراً نافعاً وعدا تنزيلا لحالة منزلة النطق بوعد الأمطار، فوصفه بصدق الوعد، والصيّب الكثير الأمطار وتلك الصفات أولى بالسحاب، فحمل الصيب عليه أولا، وإن كان يجوز حمله على المطر باطلاق أوصاف السحاب على المطر مجازاً لتقاربهما غالباً، والأكثر فى الآية على المراد المطر وهو تفسير مجاهد، وكان صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قال: " اللهم صيباً هنيئاً " وأصله صيوب بفتح الصاد وإسكان الياء الزائدة وكسر الواو، اجتمعت الواو والياء وسكنت السابقة منهما فقلبت الواو ياء وأدغمت فيها الياء فوزنه فيعل بذلك الضبط، ويجوز أن يكون أصله صويبا بوزن كريم، قدمت الياء على الواو فكان الاجتماع المذكور فالإدغام المذكور، وسكون الياء قبل التقديم ميت لكونها بعد كسرة، وبعده حى لكونها بعد فتحة، فوزنه على هذا قبل التقديم فيعل ككريم، وبعده بحسب اللفظ فيعل وفيه فى سيد من الأوجه، وقد ذكرتها فى شرح عصام الدين، ونكر الصيب تعظيماً لأن المراد نوع من المطر أو من السحاب شديد، كما نكر النار فى قوله:

{ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً } (البقرة2: 17)

وقرى أو كصائب والصيب أبلغ.


{ مِنَ السَّمَآءِ }: من السحاب أو من سماء الدنيا أحد السماوات السبع، وكلما علاك وأظلك يسمى سماء كسحاب وسقف وثوب منشور فوقك، وإذا قلنا السماء سماء الدنيا، فأل للعهد الحضورى أو الذهنى أو الذكرى، فإنه قد عهد فى الذهن من ذكر صيب ومن ذكر غيره فى غير هذه الآية، وتقرر أن الماء من السماء على المتبادر من سائر الآيات، وكذا السحاب ويؤيد هذا التبادر قوله عز وجل:

{ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } (النور24: 43)

إلا إن أراد ينزل من جهة السماء، وفى ظاهر ذلك رد على الحكماء الزاعمين أن المطر ينعقد من أبخرة الأرض، وعلى من قال ينعقد من البحر فذكر السماء مع أن المطر لا يكون إلا منها للرد عليهم، ويجوز أن تعتبر كل قطعة من السماء سماء فيكون كلما تحت تلك القطعة من أفق يسمى سماء، فتكون أل للاستغراق فيفيد أن الغمام مطبق آخذ بآفاق السماء، ولا شك أن المطبق المظلم المريد المبرق كذلك أعظم تخويفاً من الغمام الذى هو دون ذلك، فهذه مبالغة عظيمة مع المبالغة لتنكير الصيب ويجمع الصاد المستعلية وتشديد ما بعدها مع الباء الموحدة التى صفتها الشدة، وبها قيل إن الصوب فرط الانسكاب والوقوع، وبأن صيب فعيل وهو صفة مشبه دالة على الثبوت سواء قلنا أصله فعيل ككريم، أو غير منقول عن فعيل أو بأنه صفة مبالغة محولة عن صائب وأصله صويب كنصير، وإذا قلنا السماء السحاب فأل للحقيقة، وإن قلنا السماء السحاب وسماء الدنيا لنزول الماء منها جميعاً وعلوها كما جمعاً بين الحقيقة والمجاز بلفظ واحد إن قيل السماء حقيقة فى أحد السماوات مجاز فى السحاب، وكان جمعاً بين معنيى كلمة واحدة قيل حقيقة فيهما وفى كلما علاك.

-2-

{ فِيهِ }: أى فى الصيب بمعنى السحاب أو بمعنى المطر أو فى السماء بمعنى السحاب.

{ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ }: بيان حصول الظلمة والرعد والبرق فى الصيب بمعنى السحاب، أو فى السماء بمعنى السحاب أن فيه ظلمة سواده، وظلمة تكاثفه وظلمة تطبيقه، وظلمة الليل الحاصلة فيه وتحته، وأن فيه الرعد والبرق وإنما يصلنا البرق من داخلة، وقيل ظلمات السحاب ظلمات تكاثفه وفقط، وبيان حصول ذلك فى الصيب بمعنى المطر إن فيه ظلمة تكاثفه بتتابع القطر، وظلمة غمامه، وظلمة الليل الحاصلة فيه، وأن الرعد والبرق فى أعلاه، وحيث يصوب ملتمسين به فكأنهما فيه، فلفظة فى جاءت استعارة تبعية للملابسة المخصوصة الشبيهة بملابسة الظرفية، الحقيقة تقول زيد فى البلد وما هو إلا فى موضع واحد يشغله جسمه، وما يلتحق به من ثياب التى لبسها ونحوها تشبيهاً لكونه فى بعض البلد، يكون مظروف عم جميع الظرف، ولكن يلزم على ذلك جمع بين الحقيقة والمجاز بكلمة واحدة، فإن حصول الظلمات فى المطر حقيقة، اللهم إلا أن يقال إن ذلك من عموم المجاز، واختلف فى الجمع بينهما على جوازه مرجوحة، وخلاف الأصل، ويتخرج أيضاً من الجمع بينهما بتقدير فيه هكذا، فيه ظلمات وفيه رعد وبرق، وبيان التجوز المذكور كله، أن الرعد والبرق فى الجزء المتصل بحيث ينحدر المطر لا فى كله ولا هما تابعان له حيث ما تصوب، وإن قلنا المراد بالظلمات ظلمات السحاب، أضيفت إلى المطر، كان الكلام مجازاً أيضاً فى جهة الظلمات، ولذلك أن تقول المجاز مرسل لعلاقة المحاورة بأن تعتبر ظلمات السحاب، فإنهن والرعد والبرق مجاورات للمطر لا فيه، إذ لم نعتبر حصول الرعد والبرق فى المطر حيث ينحدر ويصوب، وفيه خبر، وظلمات مبتدأ، والجملة نعت لصيب أو حال من السماء أو من صيب لنعته بقوله: { مِنَ السَّمَآءِ } أو لتعلقه به أو نعت للسماء إذا جعلنا فيه للحقيقة، فإنه يجوز نعته حينئذ والحالية له، ويجوز كون النعت أو الحال فى ذلك كله هو قوله: { فِيهِ } فيكون ظلمات فاعل له مرفوعاً به، لاعتماده على منعوت أو ذى حال، وقرئ بإسكان لام ظلمات كما مر، وللتعظيم والتهويل نكر الظلمة وجمعها، ونكر الرعد والبرق، وللتنويع كأنه قيل نوع عظيم من الظلمات والرعد والبرق، فهن ظلمات داجنة ورعد قاصف وبرق خاطف، ولم يجمع رعد وبرق لأنهما فى الأصل مصدران، والمصدر يصلح للقليل والكثير، فالجمع المقصود فيهما يفيده لفظهما بلا تغيير له إلى صيغة الجمع، واعتبر أصلهما فى جواز استعمالهما فى معنى الجمع أو لأنهما باقيان على المصدرية، كأنه قيل وإرعاد وإبراق بكسر الهمزتين مصدرى أرعد وأبرق، ويقال أيضاً رعدت السماء رعداً، وبرقت برقاً، والرعد صوت يسمع من السحاب كما قال الجوهرى، وسببه فيما ألهمنى ربى سبحانه وتعالى ضرب الملك الماء بعضه ببعض، والمشهور أن سببه اضطراب اجرام السحاب واصطكاكها إذ ساقتها الريح، فاضطرابها واصطكاكها بالريح، ويطلق الرعد على الملك والمشهور الأول وهو أنسب بالآية، وهو مشترك بين الملك والصوت.

-3-

ففى بعض الأحاديث أنه ملك موكل بالسحاب بيده مخراق من نار يزجر به السحاب يسوقه إلى حيث يشاء الله، وصوته ما يسمع، وفى بعض الأحاديث أنه ملك ينعق بالغيث كما ينعق الراعى بغنمه، وفى بعضها أنه ملك يسوق السحاب بالتسبيح كما يسوق الحادى الإبل بحدائه، وفى بعضها أنه ملك يسمى به وهو الذى يستمعون صوته، فعن ابن عباس وشهر بن حوشب ومجاهد وغيرهم: هو ملك يزجر السحاب بهذا الصوت المسموع كلما خالفته سحابة صاح بها، فاشتد غضبه فطارت النار من فيه هى الصواعق، وأكثر العلماء أن الرعد ملك، وذلك الصوت تسبيحه وزجر للسحاب، وقال على بن أبى طالب: الرعد اسم الصوت المسموع وهو مأخوذ من الرعدة، سواء بمعنى الصوت أو الملك، فإن ذلك الصوت مرتعد والملك مرتعد من صوته، وأيضاً ذلك الصوت على القول بأنه من الماء، سببه ارتعاد الماء واضطرابه، والبرق هو النور الذى يلمع من السحاب مأخوذ من قولك برق الشىء بريقاً أى لمع، قيل هو لمعان الصوت الذى يزجر به السحاب، وقال على بن أبى طالب عن النبى صلى الله عليه وسلم: المخراق حديد بيد الملك يسوق به السحاب، وقال ابن عباس: هو سوط نور بيد الملك يزجر به السحاب، وعنه أن البرق ملك يتراءى.

{ يَجْعَلُونَ }: هذا وما بعده إلى قوله: { قاموا } عائد إلى تهويل الصيب وظلماته ورعده وبرقه، فالجملة نعت أو حال لصيب أو لرعد وبرق، وهو أولى لعدم الفصل بالعطف والرابط محذوف، أى الصواعق منه أو منهما أو الرابط أل أى صواعقه أو صواعقهما هذا ما أقول.

-4-

وقال غيرى الجملة جواب سؤال مقدر كأنه قيل: كيف حالهم مع تلك الشدة والهول الحاصلين من الظلمات والرعد والبرق والصيب؟ فقيل: يجعلون أى يجعل أصحاب الصيب، فحذف المضاف للصيب وروى هنا كقوله:

يسقون من ورد البريص عليهمبردى يصفق بالرحيق السلسل


فمن، بفتح الميم، مفعول يسقون، والبريص مفعول ورد، ومعنى ورد بلغ ووصل، والبريص نهر تشعب من بردى، وبردى نهر كبير بدمشق وألفه للتأنيث، وهو فعلى من البرودة، مفعول ثان يسقون على حذف مضاف، أى ماء بردى، وقد روعى هذا المضاف فى قوله: يصفق بالتذكير أى يصفى ماؤها، ولو روعى المضاف إليه وهو بردى لقيل تصفق، والباء بمعنى مع.

{ أَصَابِعَهُمْ }: أى أناملهم وهى رءوس الأصابع، فأطلق اسم الكل على البعض للمبالغة فى سدهم آذانهم حتى لا يسمعوا شيئاً من الصوت، فهو مجاز مرسل علاقته الكلية أو البعضية، أو هما، إذ سمى البعض باسم الكل، فالأصابع كلمة مستعملة فى غير ما وضعت له، ويجوز أن يقدر مضاف أى أنامل أصابعهم أو رءوس أصابعهم، فيكون مجاز الحذف، وعليه فالأصابع كلمة مستعملة فيما وضعت له، وفى حذفت المضاف أيضاً مبالغة إذا يبقى ظاهر اللفظ كأنهم يجعلون أصابعهم كلها لا أناملها فقط، وذلك على سبيل التوزيع، أى يجعل كل واحد أصبعاً فى أذنيه، فلكل واحد أذنان يجعل فى كل واحدة أصبعاً من أصابعه، كقولك لبس القوم نعالهم، والمراد بالأصابع السبابات إذ هى المعهودة فى سد الآذان، ولم تذكر لأن اسمها من السب فتركت لآداب القرآن ولم يسمها بالمسبحة والسباحة والمهللة والدعاء لأنهم لا يعرفونها بهذه الأسماء، لأنهن مستحدثات، أو أطلق ولم يعين بالاسم، لأنهم قد يسدون آذانهم بغيرها كالصغيرة لرقتها، فيدخل منها ما لا يدخل من غيرها، والتى تليها لغلظ أعلاها فتعم السد، وكالوسطى لغلظ أعلاها وطولها وقوتها، وكالإبهام لأنها أمكن فى العمل وأقوى وأغلظ وأوسع، ويشير إلى أنهم لشدة هولهم لا يتخيرون أصبعاً بل ما تيسر من الأصابع.

{ فِى ءَآذانِهِم }: جمع أذن.

{ مِنَ الصَّوَاعِقِ }: من للتعليل متعلقة بيجعلون نحو سقاه من العيمة بفتح العين أى سقاه لأجل شدة اشتهائه اللبن، وإنما جمعت الصاعقة على صواعق لأنها ليست صفة في الحال، وإن أبقيناها على الوصفية فصفة غير عاقل، تجمع على فواعل قياساً، والصاعقة قصفة رعد هائل معها نار لا تمر بشىء إلا أهلكته، وتؤثر فى الجبل، وهى لطيفة سريعة الخمود سقطت على نخلة فأحرقت نحو النصف وطفئت، وقد تكون بلا رعد. والقصف الكسر، والمراد بقصف الرعد صوته أو شدة صوته. وقال التفتازانى: شدة صوته، والتعريف المذكور ذكره الزمخشرى والقاضى وهو مجاز.
-5-

والحقيقة ما قال الجوهرى: الصاعقة نار تسقط من السماء فى رعد شديد، وذكر بعض أن الصاعقة ثلاثة الموت كقوله تعالى:

{ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ } (الزمر39: 68)

والعذاب كقوله تعالى:

{ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ } (الرعد13: 13)

قال الطيبى: هذه الأشياء متولدة من الصاعقة، فإنها الصوت الشديد من الجو، ثم يكون منه نار أو عذاب أو مزن، وهو مبنى على أنها الصوت، وقد مر أنه مجاز، ومثله قول بعض: الصاعقة الصيحة التى يموت كل من سمعها أو يغشى عليه، وقيل قطعة من العذاب ينزلها الله على من يشاء.


وعن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال: " اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك " رواه الترمذى، وقال: حديث غريب، ولفظ الصاعقة مأخوذ من الصعق وهو شدة الصوت، وقد يطلق لفظ الصاعقة على كل هائل مسموع أو مشاهد، ويقال صعقته الصاعقة إذا أهلكته بالإحراق أو شدة الصوت، ولفظ الصاعقة فى الأصل اسم فاعل، أى قصفة صاعقة، أو صيحة صاعقة، أى مهلكة، وتغلبت عليه الاسمية، والتاء للنقل، أعنى أنها مستصحبة من حيث كان اسم فاعل لا محدثة للتأنيث، ويجوز أن يكون فى الأصل، قبل تغلب الاسمية نعتاً للرعد، أى رعد صاعق، أى قاصف، وعلى هذا الوجه فالتاء محدثة للمبالغة، أى كثير الصعق، كما يقال زيد راوية، أى كثير الرواية، ويجوز أن يكون مصدراً بوزن اسم فاعل كعافية، وكما يستعمل لفظ كاذبة كقوله تعالى:

{ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } (الواقعة56: 2)

أى كذب، وكاشفة كقوله:

{ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ } (النجم53: 58)

أى كشف، ولاغية كقوله تعالى:

{ لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً } (الغاشية88: 11)

أى لغو، وخائنة كقوله تعالى:

{ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ } (المائدة5: 13)

أى خائنة. والعاقبة كقوله تبارك وتعالى:

{ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } (الأعراف7: 128)
{ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } (القصص28: 83)

أى العقبى على أحد أوجه فى الآيات، وقرأ الحسن (من الصواقع) بتقديم القاف على العين، يقال صقعته الصاعقة وصقعه وصعقه بمعنى واحد، فليس أحدهما مقلوباً من الآخر، وفرعاً عليه، لأن كلا مستقل يتصرف، يقال صقع يصقع فهو صاقع صقعاً، وهن صواقع، يقال: صقعه على رأسه، وصقع الديك، وخطيب مصقع، أى مجهر بخطبته، فهما كجبذ وجذب فلو كان مقلوباً لم يتجاوز عن صورة واحدة، وقال الرغب، اللفظان متقاربان وهما الهدة الكبيرة، إلا أن الصقع يقال فى الأجسام الأرضية، والصعق فى الأجسام العلوية. انتهى، أى غالباً. أو معنى قوله يقال بعت وبدليل الآية فى القراءة الثانية وبدليل صعق عمر، وبمعنى هلك أو سكر وصعق بزلزلة الأرض.


{ حَذَرَ الْمَوتِ }: مفعول لأجله منصوب مضاف لمعرفة، والكثير فى مثله الجر بحرف التعليل قيل وهو نادر، واختلف فى قياسه كما بسطته فى النحو ورويت فى قراءتى فى شرح الشريف بن يعلى الحسنى الفاسى على الأجرومية شاهدا على ذلك قول حاتم الطائى:
-6-

* وأغفر عوراء الكريم ادخاره *


أى أغفر فعلته أو كلمته أو خصلته السيئة لادخاره وتمامه.

* وأعرض عن شتم اللئيم تكرما*


والشاهد فى الأول، وأما تكرماً فمفعول لأجله نكرة، ولذلك شواهد أخر، وقرأ ابن أبى ليلى: حذار الموت، بكسر الحاء، وبالألف بعد الذال، وفيه مبالغة أو هو مصدر حاذر، وفى الإتيان به أيضاً مبالغة، لأن المفاعلة صيغة مجالدة ومعاندة، وإن قلت كيف صح تعليلان لشىء واحد بلا بدلية ولا عطف ولا بيان ولا تأكيد لفظى، فإن من التعليلية وحذر تعليلا ليجعل؟ قلت: التعليل بحذر منظور فيه إلى يجعلون مع قوله: { مِنَ الصَّوَاعِقِ } لا لمجرد قوله: { يَجْعَلُونَ } كأنه قال سبب جعلهم أصابعهم فى آذانهم الحاصل لأجل الصواعق هو حذر الموت، أو من بمعنى عن أو فى أو عند، أى فى حال الصواعق أو عند الصواعق، أو حذر حال مبالغة أو حال بتقدير مضاف، أى ذوى حذر الموت أو بالتأويل بحاذرين أى حاذرين الموت، بنصب الموت أو حاذرين الموت بجره، او مفعول مطلق ليجعلون.. إلخ، لأن الجعل محاذرة للموت أو المحذوف أى يحذرون الموت حذراً، فحذف يحذرون وأضيف حذر الموت كسبحان الله، أى يحذرون سماع الصواعق حذر الموت، كضربته ضرب الكافر، ثم رأيت الوجه الأول قد ذكره ابن هشام، إذ قال: وزعم عصرى فى تفسير له على سورة البقرة وآل عمران فى قوله تعالى: { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِى ءَاذَانِهِمْ مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوتِ } أن من متعلقة بحذر أو بالموت، وفيهما تقديم معمول المصدر، وفى الثانى أيضاً تقديم معمول المضاف إليه على المضاف، وحامله على ذلك أنه لو علقه بيجعلون وهو فى موضع المفعول له لزم تعدد المفعول له من غير عطف، إذ كان حذر الموت مفعولا له، وقد أجيب بأن الأول تعليل للجعل مطلقاً والثانى تعليل له مقيد بالأول، والمطلق والمقيد متغايران، فالمعلل متعدد فى المعنى وإن اتحد فى اللفظ... انتهى.

والعصرى بإسكان الصاد نسبة إلى العصر، والمراد به ابن عقيل، وهما فى عصر واحد وبيان تعدد المعلل أن { يَجْعَلُونَ } معلل بقوله من الصواعق، وأن { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِى ءَاذَانِهِمْ مِّنَ الصَّوَاعِق } معلل بقوله: { حَذَرَ المَوْتِ } والموت زوال الحياة عما كانت فيه، وإن شئت فأسقط قولك عما كانت فيه، لأن لفظ الزوال يعنى عنه لأن أصل الزوال العدم بعد الوجود، وذكر صاحب شرح المواقف أن الموت عدم الحياة عما اتصف بها الفعل، وإنما ذكر قولك عما اتصف بها بالفعل لأنه عبر بالعدم، والعدم كما شاع استعماله فى العدم بعد الوجود شاع فى العدم بدون وجود، فيكون بمعنى نفى الوجود، واعتبر صاحب المطالع: الزوال بمعنى العدم، فذكر ما نصه: الموت زوال الحياة عما من شأنه الحياة، فزاد عما من شأنه الحياة ليخرج ما عدمت فيه الحياة، ولم تكن فيه بل ذلك كالحجر، ولو أبقى الزوال على ظاهره لم يحتج لهذه الزيادة، مع أن عبارته توهم تسمية الجنين قبل حلول الحياة فيه ميتاً، وعلى هذه الحدود التقابل بين الموت والحياة تقابل العدم والملكة، وقال بعض: الموت عرض يضاد الحياة لقوله تعالى:

-7-

{ خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ } (الملك67: 2)
فجعل الموت مخلوقاً والعدم لا يخلق، ورد قول هذا البعض بأن الخلق بمعنى التقدير والإعدام مقدرة، وإن قلنا الخلق بمعنى الإيجاد فالمعنى خلق أسباب الموت والحياة، وعلى قول ذلك البعض التقابل بين الموت والحياة تقابل التضاد، وفى معناه عبارة بعضهم الموت عرض لا يصح معه إحساس معاقب للحياة، والصحيح ما ذكرته أولا، وهو المشهور عن أهل اللغة، ويوافقه أن نقول: الموت مفارقة الروح الجسد، وعلى جميع الأقوال هو عرض، وأما ما ورد فى الأحاديث من أنه جسم حيث قيل إنه على صورة كبش لا يمر على أحد إلا مات فمؤول بأنه لم يقصد بالموت حقيقة، بل أراد أنه تصور بصورة كبش، كما ورد فى البخارى ومسلم: " يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار... " الحديث، ومن لازم الموت على كل قول فساد بنية الحيوان، فتفسير الزمخشرى له بفساد بنية الحيوان تفسير باللازم، وإن قلت ما معنى تقابل العدم والملكة؟ قلت معناه تقابل انتفاء الشىء وصلاحيته للثبوت، فالملكة الإمكان والصلوح، وأقسام التقبل فيما يظهر لى أربعة، لأن المتقابلين إما وجوديان أو وجودى وعدمى، فإن كانا وجوديين لا يتصور أحدهما إلا بالآخر كالبنوة مع الأبوة، والأخوة بين الاثنين فمتضايفان، وتقابلهما تقابل التضايف، وإن تصور أحدهما مستقل ولو لم يكن الآخر فمتضادان، وتقابلهما تقابل التضاد، كالسواد والبياض، والموت والحياة، إذا فسرنا الموت بالعرض الذى لا يجامع الحياة، فإن حاصله موجود فى نحو الحجر، وليس حاصل الآخر وهو الحياة موجوداً فيه، وإن كان أحدهما عدمياً والآخر وجوديا فإن اعتبر فى العدمى كون الموضوع قابلا للوجود بحسب شخصه كعدم اللحية عن الأمرد، أو نوعه كعدمها عن المرأة، أو جنسه القريب كعدمها عن الفرس، أو جنسه البعيد كعدمها عن الشجر فهما متقابلان، وتقابلهما تقابل العدم والملكة، ومنه عدم الحياة عمن كانت فيه المسمى بالموت وعدمها من الجنين عند صاحب المطالع، وإن لم يعتبر ذلك فمتقابلان تقابل الإنجاب والسلب، كالسواد وأن لا سواد، والحياة وأن لا حياة، وقيل معنى: { يَجْعَلُونَ أَصَابِعِهُمْ.. إلخ } أنهم كرهوا الجهاد إذ لا رغبة لهم فى الشهادة.

{ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ }: أى وعقاب الله أو إهلاكه محيط بهم إذا جاء فى الدنيا والآخرة لا يجدون عنه خلاصاً، فحذف المضاف، ويجوز أن يكون ذلك استعارة تمثيلية، بأن يشبه إنفاذ وعده فيهم، وتعميمه إياهم، وعدم خلاصهم منه، بخدع أو حيلة، بإحاطة المحيط على المحاط به كله للانتقام، وعدم الخلاص بحيلة أو خدع، أو شبه شمول علمه بهم، وقدرته عليهم بإحاطة القوم المحصى المطلق على المطلق به وفعل الله وصفته أقوى، ومع ذلك يشبهان بفعل غيره وذلك للإفهام والتصوير للحس، ويجوز أن تكون الاستعارة مفردة فى قوله: { مُحِيطٌ } فتكون تبعية تصريحية، بأن يشبه مجرد إنفاذ وعيده أو شمول علمه بهم، أو شمول قدرته بالإحاطة بالشىء بقطع النظر عن توابع ذلك فلا تدخل فى التشبيه، فلا منافاة بين الاستعارتين التمثيلية والمفردة، كما قيل إلا أن يقال إنه أراد المنافاة فى جمعهما فى حال واحد، فإن جمعهما لا يصح، بل تحمل على هذه فقط أو هذه فقط، والجملة معترضة، لأن ما قبلها وما بعدها متصل معنى من قصة واحدة.
-8-

قلنا ما قبلها فى تهويل أمر الصيب وما بعده كذلك، لإن الصواعق من ذلك الصيب والبرق الذى كاد يخطف أبصارهم منه أيضاً، والجملة بعدها مستأنفة ونكتة الاعتراض تعقيب ذكر حذرهم بذكر أنه لا يفيدهم خلاصاً، فالاعتراض كما يكون بين المتصلين صناعة ومعنى كالفعل والفاعل، والتابع والمتبوع يكون بين المتصلين معنى وإن جعلنا جملة يكاد البرق حالا أو نعتاً لصيب أو للسماء أو حالا من هاء فيه كان الاعتراض بين متصلين صناعة ومعنى.
-9-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #29  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }


{ أَوْ كَصَيِّبٍ } أو كمثل أهل صيب، أو بل كمثل أهل صيب، أو يتنوع من ينظر إليهم فى شأنهم بعقله إلى من يشبههم بالمستوقد المذكور، وإلى من يشبههم بأهل الصيب، أو يشك الناظر فى شأنهم أو هم كالمستوقد أو كالصيب أو يباح للعاقبل أن يشبههم بمن شاء منهما، أو يخير أن يقصر التشبيه على أحدهما، والصيب المطر المنحدر من السماء، والصواب الانحدار، والأصل صيوب على الخلاف فى باب سيد، قلبت الواو ياء، وأدغمت فيها الياء، وهو وزن فى معل العين. وشذ فى الصحيح كصيقل، وقيل: هو بوزن طويل، فقلب وشهر أن لفظ صيب اسم، وقيل: وصف بمعنى نازل، وزعم بعض أنه بمعنى منزل، وبعض أنه اسم بمعنى السحاب { مِّنَ السَّمَاءِ } السحاب، أو من جهة السماء وجهتها السحاب. وذكر ذلك مع أنه لا يكون الصيب إلا من السحاب وجهة السماء تلويحا إلى أنه من جميع آفاقها { فِيهِ } فى الصيب كما يتبادر، أو فى السماء أى السحاب. وهو أولى لأن الرعد ملكا كان أو صوته أو صوت ماء هو فى السحاب، لا فى المطر؛ ولو كان البرق يصل الأرض لأنه أولا يجىء من السحاب { ظُلُمَٰتٌ } متراكمات، ظلمة السحاب، ففيه ظلمة ولو فى أجزائه، وظلمة المطر وظلمة الليل المدلول عليه بقوله:

{ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ } [البقرة2: 20]

ويجوز كون فيه نعتا لصيب أو حالاً، وظلمات فاعلة { وَرَعْدٌ } الرعد ملك سمى صوته باسمه، أو يقدر مضاف، أى وصوت رعد، أو اسم موضوع لصوت ملك السحاب. أو هو صوت تضارب الماء، وذلك الصوت مطلقا صاعقة، كما ذكر تقريباً، والمراد أصوات. بدليل جمع الصواعق { وَبَرْقٌ } ملك على هيئة النور، أو نور صوته الذى يزجر به السحاب، لا كما قيل إنه سوط من نار يزجر به السحاب، وأفردا لأنهما مصدران الآن، أو فى الأصل وزعم بعض أنهما أفردا لأن الرعد يسوق السحاب فلو كثر لتفرق السحاب ولم يكن مطبقاً، فتزول شدة الظلمة ولو كثُر البقر ولم تطبق الظلمة، وبعض أنه لم يجمع النور فى القرآن فلم يجمع البرق { يَجْعَلُونَ } يحمل الناس الذين حضرهم الصيب، دل عليهم أن المقام لذكر ظلمة الصيب، والجمل لكونه أول على الإحاطة أبلغ من الإدخال { أَصَٰبِعَهُمْ } أطراف أصابعهم على المجاز بالحذف، أو سماهم باسم الأصابع لأنها بعضها، والمجاز لغوى، ونكتته التهويل بصورة جعل الأصابع إلى أصولها، أو لا مجاز، لأن وضع طرف إصبعه على شىء بصدق جعل أنه وضع إصبعه عليه بلا قرينة ولا علاقة، كما أن قولك سسته بيدى حقيقة ولو كان المس ببعضها ولما فى قوله { فِي ءَاذَٰنِهِمْ } فإنه حقيقة مع أن الجعل ليس فى كل الأذن، وأطبق الأصابع مع أن المعبود السبابة لدهشتهم، حتى إنهم يدخلون أى إصبع اتفقت، ويجوز أن يكون المجاز عقليا بإسناد الجمع للأصابع مع أنه للأنامل { مِّنَ الصَّوَّٰعِقِ } المعهودة بالمعنى فى قوله ورعد، لا باللفظ، كقوله تعالى

-1-

{ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى } [آل عمران3: 36]

فإن قولها، ما فى بطنى، أرادت به الذكر، والمراد بها شدة الصوت، والأكثر فى الصاعقة صوت مع نار، أو نار بلا صوت، لا تمر على شىء إلا أحرقته، وذلك من الجو، وقد يكون معها حجر أو حديد، ويجوز حمل الآية على الصوت مع النار، على أنهم توهموا أن عدم سماع ذلك الصوت منج لهم من أن تصيبهم نار، فيكون الكلام تمثيلا بقوم شأنهم التوهم، فجعلوا أصابعهم فى آذانهم لئلا يسمعوا. ولا يصح ما قيل، إن المشهور أن الصاعقة لرعد الشديد معه قطعة نار، بل هى قطعة النار سواء مع صوت أو دونه وهو فى الأصل صفة من الصعق، بمعنى الصراخ وتاؤه للتأنيث صفة لمؤنث، أو للمبالغة، كراوية لكثير رواية الشعر، وليس قولهم للنقل من الوصفية إلى الاسمية خارجا عن ذلك لأن حاصله أنه كان وصفاً مؤنثاً بالتاء، ثم صار اسماً وقيل مصدر كالعافية والعاقبة { حَذرَ الْمَوْتِ } لأجل حذر الموت بالسمع، وهو تعليل للعلة الأولى التى هى قوله من الصواعق مع معلله، وإنما الممنوع ترادف علل على معلول مجرد بلا تبعية، أو يقدر حاذر بن الموت. أو ذى حذر الموت، أو يجدونها حذر الموت وحاصل الشبه بالصيب المذكور أن القرآن شبيه بالمطر، إذ هو سبب لحياة الدنيا، والقرآن سبب لحياة القلوب، وأن الكفر شبيه بالظلمات فى مطلق الإهلاك وعدم الاهتداء، وفى مطلق الحيرة، والوعيد عليه شبيه بالرعد فى الإرهاب، والحجج شبيهة بالبرق فى الظهور والحسن. وسد آذانهم عن سماع القرآن شبيه بسدها عن الصواعق، وترك دينهم شبيه بالموت عندهم، وذلك تشبيه مفردات بمفردات، وإن شئت فتشبيه مجموع بمجموع تمثيلى { وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكَٰفِرِينَ } بأجسامهم واعتقادهم وأقوالهم وأفعالهم، ولا يخفى عنه ما يعاقبهم عليه، أو قل، وعقاب الله محيط بالكافرين، شبه قدرته بإحاطة المحيط بالشىء، تشبيه الكامل بالناقص على الاستعارة الأصلية، واشتق منه محيط على التبعية، أو الاستعارة تمثيلية، أو الإحاطة الإهلاك ون معناه، أحاطت به خطيئته، أو عالم علم مجازاة، ومن معناه، وأحاط بما لديهم.

-2-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #30  
قديم 12-14-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق 1-8

تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق 1-8

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } * { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


هذا انتقال من تمثيل إلى آخر لتعرية أحوالهم وبيان أوصافهم، والانتقال من مثل إلى آخر مألوف في القرآن الكريم، وفي كلام بلغاء العرب منظومه ومنثوره، وهو لا يأتي إلا مع قصد التأكيد على الشيء لأجل مزيد العناية به، سواء كان لقصد تحبيبه إلى النفوس وتأليفها عليه، أو لقصد تكريهه إليها وتنفيرها منه، ومن أمثلة ما ورد منه في القرآن قوله تعالى:

{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ *أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } [النور24: 39 - 40]،

ومن أمثلة ما ورد من ذلك في كلام العرب قول امرئ القيس:

أصاح ترى برقا أريك وميضهكلمع اليدين في حبيٍ مكلل
يضيء سناه أو مصابيح راهبأمال السليط بالذبال المفتل


فقوله " أو مصابيح راهب.. الخ " معطوف على التشبيه في قوله " كلمع اليدين "؛ وقول لبيد في وصف ناقته:

فلها هباب في الزمام كأنهصهباء خف مع الجنوب جهامها
أو ملمع وسقت لأحقب لاحهطرد الفحول وضربها وكدامها
أفتلك أم وحشية مسبوعةخذلت وهادية الصواري قوامها


ونحوه قول ذي الرُّمَّة:

وثب المسحج من عانات معقلةكأنه مستبان الشك أو جنب


ثم قال:

أذاك أم نمش بالوشي أكرعهمسفع الخد غاد ناشع شبب


ثم قال:

أذاك أم خاضب بالسي مرتعهأبو ثلاثين أمسى وهو منقلب


ويجوز أن يكون العطف في مثل ذلك بأو وبغيرها كما علمت، وأصل أو لتساوي الأمرين في الشك، ثم استعملت في مطلق التسوية، وهي هنا دالة على جواز التمثيل بما سبقها وما وليها.

ولا إشكال في ورود مثلين، أو تعاقب عدة أمثال لحالة واحدة كما عرفت من الشواهد، وهذا ينبئك أن المقصود بضرب هذا المثل هو نفس الفريق الذي ضرب له المثل السابق، وهو فريق المنافقين، وهذا هو المأثور عن السلف كما سيأتي إن شاء الله، وعليه أكثر المفسرين، وقد تقدم أن الامام محمد عبده يرى أن تنوع المثلين لاختلاف المراد بكل منهما، وقد سبقه إلى مثل رأيه هذا الإِمام ابن كثير في تفسيره، ورأيهما وإن اختلف في بعض الوجوه فهو متقارب، وذلك أن ابن كثير يتفق مع الامام محمد عبده على أن أصحاب المثل الأول أسوأ حالا من أصحاب المثل الثاني، فعنده أن الفريق الأول أعمق في النفاق وأنأى عن الحق، أما الفريق الثاني فهم منافقون يترددون بين الحق والباطل، والهدى والضلال، فتارة يلمع لهم نور الايمان فيبصرون، وتارة يخبو فيبقون في ضلالهم يعمهون، وحمل على مثل ذلك مَثَلَيْ سورة النور في الذين كفروا، فخص أولهما بأولي الجهل المركب، وثانيهما بأصحاب الجهل البسيط.
-1-

وقد سبق ملخص تفسير الأستاذ الامام لأحوال أصحاب المثلين، وحصره كلتا الطائفتين في اليهود، غير أننا نجده في تفسيره للمثل الثاني يجعل أصحابه فتنة للبشر، ومرضا في الأمم، وحجة على الدين في جميع العصور، لأنهم يصارعون بهواهم عقولهم، ويقاومون بشهواتهم مشاعرهم ومداركهم، ويستطرد في تبيان أحوالهم بأسلوبه البليغ حتى ينتهي به المطاف إلى أنهم نبذوا كتاب الله إذ لم يدرسوه على حقيقته، بل درسوه بجدليات النحو والكلام، فطمسوا أنواره الهادية إلى الحق، وقرأوه بالتجويد والأنغام مع إهمالهم حِكَمَه وأحكامه، ولم يقصدوا من دراسته إلا جمع حطام الدنيا، والاستكثار من منافعها، ولم يُعنوا بما فيه من تفاصيل الحلال والحرام، وعدلوا عن إصلاح القلوب به، ومعالجة النفوس بهداه إلى معالجة الأبدان من الأسقام بكتابته، إلى آخر ما وصفهم به.

وأنتم ترون أن ما ذكره هنا ينافي ما حدده أولا من أن الفريقين من اليهود، فإن هذه الصفات التي ذكرها إنما تنطبق على ضُلاّل هذه الأمة؛ الذين اكتفوا من القرآن الكريم بتلاوته بالأنغام الشجية والألحان المطربة في الحفلات والمؤتمرات، ولم يعنوا بإصلاح نفوسهم به، وتنشئة أولادهم عليه، كأنما القرآن أنزل للاطراب والتسلية، لا للاصلاح والعمل والهداية، اللهم إلا أن يكون الأستاذ أراد مما أورده هنا، أن المثل وإن كان مضروبا في اليهود الذين استبدلوا الضلالة بالهدى، واستحبوا العمى على البصيرة بإهمالهم ما أنزل عليهم، وإطفائهم أنوار الفطرة في نفوسهم بعواصف الأهواء، فإنه ينطبق على من سلك مسلكهم من هذه الأمة، كأولئك الذين وصفهم بما وصفهم به.

وقد علمتم مما سبق أن الذي يقتضيه السياق، ويدل عليه اللفظ، هو أن هذه الأوصاف شاملة لمنافقي هذه الأمة، بغض النظر عن كونهم من العنصر اليهودي، أو من العرب، كما علمتم أن هذه العناية بشرح أوصافهم، وتجلية حالاتهم النفسية، وإماطة الستار عن طواياهم دليل على أنهم لم يكونوا محصورين في زمن الرسالة، وأنهم لم يكونوا مصدر خطر على هذه الأمة ودينها في ذلك العصر فحسب، بل هم مصدر بلاء وعنت وشقاق في كل عصر، فإنهم بالتواء مسالكهم واختلاف مداخلهم ومخارجهم، وتعدد وجوههم، يعسر الحذر منهم، ويقل الانتباه لمكرهم.

والصيب؛ المطر، مأخوذ من صاب يصوب إذا نزل، ومنه قول علقمة:

فلا تعدلي بيني وبين مُعَمَّرسقتك روايا المزن حيث تصوب


وأصله صيْوِب - بإسكان الياء وكسر الواو - ولكن أبدلت الواو ياء وأدغمت، ونحوه ميت وسيد وهين، وتفسيره بالمطر هو رأي الأكثرين، وعُزي إلى ابن مسعود وابن عباس، وآخرين من الصحابة، وأبي العالية ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعطاء، والحسن البصري، وقتادة، وعطية العوفي، وعطاء الخراساني، والربيع بن أنس، وروي عن الضحاك أنه السحاب، واستدل له بقول الشاعر:
-2-

وأسحم دان صادق الرعد صيب


وهو في هذا المثل مشبه به القرآن، روى ذلك ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، واستُدل له بقوله صلى الله عليه وسلم: " مثل ما بعثني الله به من الهدى كمثل الغيث أصاب أرضا فكانت منها نقية.. الخ ".

والسماء ما كان أعلى الأرض، وسنتكلم إن شاء الله عنها فيما يأتي، والصيّب لا ينزل إلا من جهة السماء، فالاخبار عنه أنه من السماء؛ إما لمزيد الكشف والبيان لأجل التهويل والتعظيم، نحو قول امرئ القيس:

كجلمود صخر حطه السيل من عل


مع العلم أن الحط لا يكون إلا من أعلى، ومنه قوله تعالى:

{ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [الأنفال8: 32]،

وإما للدلالة على غزارة الصيّب لانحداره من جميع جهات السماء، بناء على اعتبار كل أفق سماء، وأن التعريف للجنس، وهو قاض بعموم جميع مدلولاته، وهذا هو توجيه الزمخشري، وفيه نظر لأن دلالة التعريف الجنسي على العموم إنما هي في جزئيات الكلي لا في أجزاء الكل، وإما للاشعار بأنه أمر لا يملكون دفعه، وليس ملاكُهُ في أيديهم، وقد اشتهر عند العرب التعبير عما ألم بالناس ولم يكونوا يملكون دفعه بأنه نازل من السماء، وهو توجيه الإِمام محمد عبده، وبناه على أن المقصود بالصيّب في المثل الإِرشادات الإِلهية التي تسنح للأفكار عندما ينقدح ضوء الفطرة، وهو أمر وهبي واقع ما له من دافع، ولا يخلو هذا الوجه من النظر أيضا، فإن المتبادر هنا من كون الصيّب من السماء أمر حسي مشاهد؛ وليس حقيقة معنوية معقولة، والأصل أن لا يعدل عن المتبادر إلى غيره، وبهذا يتضح أن التوجيه الأول هو الذي ينبغي أن لا يعدل عنه.


والظلمات جمع ظُلمة، وقد تقدم معناها، فإن أريد بالصيّب المطر - كما هو رأي الجمهور - فالمراد بالظلمات ظلمة تتابع قطره، وظلمة تطبيق غمامه مع ظلمة الليل الساجي، وتكون " في " هنا بمعنى مع، وإن كان المراد به السحاب - كما هو رأي الضحاك - فالمراد بالظلمات ظلمة سحمته، وظلمة الليل، وظلمة غزارة قطره.

والرعد هو الصوت الذي يصدر من السحاب، والبرق هو اللمعان المضيء في الأفق، وغالبا ما يكون في السحاب، وقد هام أكثر المفسرين في تفسيرهما، وكانت أقوالهم تدور بين ما تلقوه من الأكاذيب الإِسرائيلية والأوهام الإِغريقية؛ فمنهم من قال: إن الرعد ملك يزجر السحاب بصوته، ومنهم من قال: هو ملك يُسَبِّح، والصوت المسموع هو من تسبيحه، وذهب آخرون إلى أنه اسم لصوت الملَك، وذهبوا إلى أن البرق مخراق من حديد يسوق به الملَك السحاب، ومنهم من قال: إنه سوط من نور، إلى ما وراء ذلك من الأقوال العارية عن الدليل، وقد عزاها جماعة من المفسرين إلى جماعة من الصحابة والتابعين، وذكر بعضهم - كابن جرير - أسانيد إلى من رُويت عنهم من الصحابة والتابعين، وهي أسانيد كلها معلولة، لم يثبت شيء منها، ولم يُعْزَ شيء من ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، اللهم إلا ما أخرجه الترمذي عن ابن عباس قال:
-3-

" سألَت اليهودُ النبي صلى الله عليه وسلم عن الرعد ما هو؟ قال: " مَلَك من الملائكة بيده مخاريق من نار؛ يسوق بها السحاب حيث شاء الله. قالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟ " قال: " زجْرُهُ بالسحاب إذا زجره، حتى ينتهى إلى حيث أمره ". قالت: صدقت " وهو حديث ضعيف اتفق على ضفعه أئمة الحديث، وإن تعجب فاعجب لأولئك الذين ينُصُّون على ضعف هذا الحديث، ثم يُعوِّلون عليه في تفسير الرعد والبرق في القرآن، ويبطلون به سائر الأقوال.

الأدلة على منشأ الرعد والبرق:

والأدلة العلمية تدل على أن منشأ الرعد والبرق؛ ما يكون من التَّماسِّ بين السالب والموجب من الكهرباء التي هي في السحاب بجانب كهرباء الأثير، فإن الطاقة الكهربائية منبثة في كل هذه المخلوقات، فإذا حصل هذا التَّماسُّ انقدح هذا النور اللامع ونتج عنه هذا الصوت الهادر، وإذا ما ازداد هذا التماس نزلت هذه الصواعق المهلكة والعياذ بالله، وعندما أدرك الناس هذه الحقيقة وانجلت عنها سُتُر الأوهام، أخذوا يتوقون وقع الصواعق بما يرفعونه على مبانيهم الشاهقة من عمد، يسمونها عمد الصاعقة، على أنه لو كان ما يروونه صحيحا، وثبتت نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لما كان في ذلك منافاة للحقيقة العلمية الثابتة، إذ غاية ما كانت تدل عليه هذه الروايات أن وراء هذه الظواهر الطبيعية ملائكة يسيِّرونها، ومع عدم صحة تلك الروايات، لا داعي إلى تكلف هذا التأويل، هذا مع إيماننا الجازم بأن كل شيء مسخر بأمر الله.

ولم يجمع الرعد والبرق كما جمعت الظلمات؛ إما لأن المراد بالرعد والبرق مصدر رَعَد وبَرَق، والأصل في المصادر أن لا تجمع، وإما لأجل النظر إلى هذا الأصل، وإن كان المراد به هو عينهما، وتنكير صيب ورعد وبرق لأجل النوعية، فكأنه قيل صيب غدق، ورعد قاصف، وبرق وامض.

والتمثيل بأصحاب الصيّب - وإن لم يذكروا - لاقتضاء المقام ذلك، فالضمائر لا بد لها من مرجع، وفي قوله: { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم } ثلاثة ضمائر جمعية، فلذلك قدروا أو كذوي صيب، أو أصحاب صيب.

وذهب الأكثرون من المفسرين والبلغاء إلى أن الأصابع عنا مجاز عن الأنامل لعلاقة الجزئية والكلية، والداعي إلى التجوز المبالغة في وصف حالهم وما أصابهم من الهلع، حتى يكاد أحدهم أن يغرز جميع أصبعه في أذنه، ولا داعي إلى ما ذهبوا إليه، فإن جعل الأصبع في الأذن يصدق حقيقة على إدخال بعضها أو كلها، كما لو قال قائل: لمست بدن فلان، فلا يلزم منه أن يحيط اللمس بجميع بدنه، ومثله يقال في أي عضو، فإن الاخبار عنه بشيء لا يقتضي الاحاطة حتى لا يخرج جزء منه عن مدلول ذلك الخبر، ألا ترون أن الأمة أجمعت على حمل قوله تعالى:
-4-

{ وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } [المائدة5: 38]

على القطع من الرسغ، مع أن لفظ اليد يصدق على الكف والساعد والعضد إلى المنكب.

وجملة " يجعلون أصابعهم.. الخ " قيل: إنها حاليّة لايضاح المقصود من الهيئة المشبه بها؛ لأنها كانت مجملة، ولا أدري ما هو العامل فيها عند هذا القائل، على أن المعهود في الأحوال أن تأتي للكشف عن المفردات لا الجُمل، وقد قالوا إن للجمل حكم النكرات ولا تأتي حال من نكرة إلا إذا تقدمتها نحو " لمية موحشا طلل ".

وقيل إنها استئناف بياني لأنه لما ذكر الصيب ورعده وبرقه تبادر سؤال سائل، كيف كانوا يفعلون مع ذلك؟ فأجيب بها.

وقد سبق الكلام عن الصواعق وهي مأخوذة من الصعق؛ وهو الصوت الشديد، ويقال: صعقته الصاعقة إذا أهلكته، كما يقال صعق إذا مات، وقوله { من الصواعق } تعليل قوله { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم } ، فهو سادٌّ مَسد المفعول لأجله، وقوله: { حذر الموت } تعليل للمعلول مع علته فلا يرد عليه أنه لا يترادف تعليلان لمعلول واحد، أفاد ذلك ابن هشام وقطب الأئمة، وذلك أن التعليل الأول بمثابة القيد والمقيد غير المطلق.

والتمثيل يدل على حماقة أصحاب هذه الصورة الممثل بها واستيلاء الحيرة عليهم، فهم عندما انهمر الصيب، وطبق سحابه الأرجاء، وتوالى قصف رعده، ولمعان برقه، كانوا يلجأون إلى سداد آذانهم خشية أن يلج إلى مسامعهم هذا الصوت المزعج فيهلكهم، ظانين أن عدم وصوله إلى مسامعهم مظنة لسلامتهم مما يحذرون، مع أن الموت إنما يكون بمفارقة الأرواح الأجساد، فلا يقي منه اتقاء شيء من الأصوات بسد الآذان دونه، ولكن ذلك شأن الحماقة والجبن إذا استحكما في النفس، ولذلك أردف الله سبحانه بقوله { وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَافِرِينَ } للتنبيه على أن ما يفعلونه لم يكن ليقيهم شيئا من أمر الله الذي خلق الموت والحياة.

واختُلف في هذا التذييل؛ هل هو داخل في التمثيل أو هو خارج عنه جاء معترضا لبيان أن ما استحقه المنافقون إنما كان بسبب كفرهم الذي يوارونه بخداعهم، وفي هذا تقرير لحال الذين ضُرب فيهم المثل لئلا يشتغل السامع بالمثل عن الممثل له، كما أنه يتضمن وعيدا لأصحاب هذه الحالة، وتحذيرا لهم بأن الله تعالى لا تخفى عنه طواياهم.

وإحاطة الله يمكن أن تكون إحاطة علمية كما في قوله:

-5-

{ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً } [الطلاق65: 12]،

أو إحاطة قدرة كما في قوله:

{ وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ } [البروج85: 20]،

أو بمعنى الاهلاك كما في قوله:

{ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } [يوسف12: 66]،

فإن المقام قابل لكل معنى من هذه المعاني، والتعبير بالاحاطة من باب الاستعارة، إما على طريقة التمثيلية وإما على طريقة التبعية.


وقوله { يكاد البرق } يصح أن يكون استئنافا بيانيا لجواز التساؤل عن حالهم مع البرق بعد الاخبار عن حالهم مع الرعد، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في { يجعلون }.

والخطف؛ الأخذ بسرعة، والتعبير بكلما في جانب الاضاءة، وبإذا في جانب الإِظلام، يفيد أنهم حريصون على المشي، فلا يترددون - إذا ما أبصروا الطريق من لمعان البرق - في الإِسراع فيه، وقد تقدم أن " أضاء " يصح أن يكون لازما وأن يكون متعديا، وكذلك " أظلم " غير أن اللزوم في هذا الأخير أكثر، وإنما يترجح التعدي هنا لمقارنته " أضاء " مع قرائن الحال الدالة على أنهم كانوا ينتفعون بإضاءة الطريق فيحرصون عليها، وعليه فيقدر المفعول - وهو الطريق أو الممشى - في الموضعين، والمراد بقيامهم إمساكهم عن المشي.

واختُلف في أفراد هذه الصورة التمثيلية، هل كل فرد منها واقع إزاء نظير له في الصورة الممثلة؛ بحيث يصح أن يستقل بالتشبيه، أو هي مندمجة بالتركيب، ولا داعي إلى الالتفات إلى ما بين كل فرد وآخر من التناسب؟

أقوال في مفردات هذا التمثيل:

وعلى القول الأول فلا محيص عن البحث عما يقابل كل فرد من الهيئة المشبه بها من أفراد الهيئة المشبهة، وهو الذي عليه جمهور أهل التفسير من السلف والخلف، وقد سبق أن جماعة من الصحابة فمَن بعدهم قالوا: إن المراد بالصيب القرآن؛ بجامع أن كلا منهما سبب للمنفعة والحياة، وإليكم بعض ما قيل في المراد بهذه المفردات من التمثيل:

1- الصيب هو القرآن، وما فيه من الاشكال عليهم والعمى هو الظلمات، وما فيه من الوعيد والزجر هو الرعد، وما فيه من النور والحجج التي تبهر عقولهم هي البرق، وتخوفهم وروعهم وحذرهم هي جعل أصابعهم في آذانهم، وفضح نفاقهم واشتهار كفرهم وما يكرهونه من تكاليف الشرع كالجهاد والزكاة هي الصواعق، وعزا ذلك ابن عطية إلى الجمهور، وحمل عليه ما روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن المنافقين في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا القرآن، فضرب الله المثل لهم.

2- أن الصيب مثل الاسلام، والظلمات مثل لما في قلوبهم من النفاق والبرق والرعد مثلان لما يخوّفون به.

3- أخرج ابن جرير وابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: الصيب هو المطر، وهو مثل للمنافق في ضوئه يتكلم بما معه من القرآن مراءاة للناس، فإذا خلا وحده عمل بغيره، فهو في ظلمة ما أقام على ذلك، وأما الظلمات فالضلالات، وأما البرق فالايمان.
-6-

4- البرق مثل للاسلام، والظلمات مثل للفتنة والبلاء.

5- أن الصيب هو القرآن وهدى الاسلام، والظلمات ما يعتريهم من الوحشة عند سماعه؛ كما تعتري السائر في الليل وحشة الغيم، والرعد قوارع القرآن وزواجره، والبرق ظهور أنوار هديه من خلال الزواجر.

6- أن الصيب هو القرآن، وأن الظلمات هي الكفر؛ بجامع أن كلا منهما مهلك، وسبب للحيرة، والرعد هو الوعيد، والبراهين الساطعة هي البرق، وإعراضهم عن القرآن هو سداد آذانهم عن الصواعق، وتركهم دينهم هو الموت عندهم.

وثَم أقوال أخرى كثير منها قريب مما ذكرنا، وبعضها بعيد عن مدلول الآية، ليس على صحته من دليل.

والقول الثاني: هو الذي ذهب إليه الزمخشري وعزاه إلى علماء البيان، وتابعه عليه السيد الجرجاني وأبو السعود وأبو حيان، وحاصله أنه لا داعي إلى تكلف البحث عن وجه الشبه بين مفرد وآخر، لأن القصد من التمثيل تشبيه هيئة مركبة من عدة أفراد، تضامت حتى صارت شيئا واحدا بهيئة أخرى مثلها، والصورة المشبه بها إذا ما اندمجت أفرادها كانت ذات أثر نفسي بالغ، بخلاف ما إذا عزل بعضها عن بعض، فتشبيه المنافقين بالساري في ظلمات الليل، إذا انهمرت عليه السماء بودقها، وأحاط به رعدها وبرقها، وهو في صحراء لا يجد مأوى ولا واقيا، أدل على حيرتهم مما لو فكك التشبيه فشبه كل فرد بآخر، وكذلك تشبيههم في المثل الأول بمن طفئت ناره - بعد إيقادها وإضاءتها ما حوله - فتخبط في ظلمته، وهام في حيرته أبلغ في تصوير حالتهم النفسية وما يعتريهم من الاضطراب مما لو رُوعي في التمثيل التشابه بين كل فرد في الهيئة المشبهة ونظير له في الهيئة المشبه بها، وهذا يعني تناسي الأفراد رأسا في التشبيه المركب، ووصف الزمخشري هذا الرأي بأنه القول الفحل، والمذهب الجزل، وبناء عليه لا داعي إلى تقدير مضاف قبل لفظة صيب، لولا ما يقتضيه من ضرورة وجود معاد للضمائر في قوله { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم } ، وما في الآية الثانية من الضمائر.

والمراد بمشيهم فيه مشيهم حيث يشرق نوره، واختُلف في قوله { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } ، قيل: هو داخل في التمثيل، وعليه فمعاد ضمائره إلى أصحاب الصيب، وقيل: هو عائد إلى المنافقين الذين ضُرب لهم المثل؛ وعلى الأول فالمراد؛ ولو شاء الله لذهب بسمعهم بقصيف الرعد، وأبصارهم بوميض البرق، وهو يدل على هول ما لقوا، فقد كان الرعد من قوة الصوت بحيث يذهب بالأسماع؛ لولا أن الله لم يشأ ذلك، وهكذا كان لمعان البرق من الشدة بحيث يذهب بالأبصار؛ لولا مشيئة الله غير ذلك، وذهب بعضهم إلى أن ذهاب السمع والأبصار كناية عن الموت، لأن من مات فقد سمعه وبصره؛ وعلى الثاني فالمقصود أن الله عز وجل لو شاء لأتى على جميع وسائل الهداية عند المنافقين حتى لا يجدي فيهم وعظ واعظ، ولا يفيدهم إرشاد مرشد، غير أنه تعالى أبقى عليهم هذه الأسباب لتكون حجة على من أصر على كفره، وطريقا إلى رشد من عدل عن غيه.
-7-

وبناء على الرأي الأول يُعد هذا الوصف ساريا من الصورة المشبه بها إلى الصورة المشبهة، ويقصد بذلك ما أشرنا إليه من أن الله تعالى أمهل لأولئك المنافقين ليتوب من تاب منهم، وليزداد المصرون ضلال وإثما، وهو يتضمن وعيدا لهم إن لم يبادروا بالاقلاع عن غيهم، والتخلص من النفاق الذي مردوا عليه، ويتأكد ذلك بقوله من بعد { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ، فمن خلق السماوات والأرض، وبيده ملكوت كل شيء، لا يعجزه إتلاف حواس من شاء من خلقه بما شاء من الأسباب، بل لا يعجزه القضاء على حياة من شاء متى شاء.

وهذا التذييل يتلاءم كل الملاءمة مع ما تقدم من تهديد أهل النفاق، وكل ما سبق في وصف المنافقين من بداية قوله تعالى { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا } إلى خاتمة هذه الآية، ينطبق على المنافقين في كل عصر، وكذا ما تجدونه هنا وفيما سبق من الوعيد يشمل منافقي جميع العصور، فلا يغرّن أحد نفسه بأن هذا الوعيد خاص بطائفة مخصوصة في عصر معين، فالنفاق هو النفاق في أي عصر كان، ولا أثر لاختلاف الأزمان في اختلاف وعيده، نسأل الله تعالى العافية وحسن الخاتمة.
-8-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
إضافة رد

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 04:23 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.