موقع كوبون جديد للحصول على اكواد الخصم  آخر رد: الياسمينا    <::>    إيجار ليموزين في مطار القاهرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    ليموزين المطار في مصر الرفاهية والراحة في خدمة المسافرين  آخر رد: الياسمينا    <::>    حفل تكريم أوائل الثانوية العامة للعام الدراسي 2023.  آخر رد: الياسمينا    <::>    دورة البادل، كانت فكرة وبالجهد نجحت  آخر رد: الياسمينا    <::>    لاونج بموقع مميز ودخل ممتاز للتقبيل في جدة حي الخالدية  آخر رد: الياسمينا    <::>    تورست لايجار السيارات والليموزين في مصر  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    كود خصم تويو 90% خصم 2024  آخر رد: الياسمينا    <::>    المحامية رباب المعبي تحاضر عن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإر...  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > القرآن الكريم > آيات القرآن الكريم

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #1  
قديم 05-23-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي البقرة 002 - آية 017 - مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِن

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مرحبا بكم معنا في المسجد الأقصى المبارك
سورة 002 - البقرة - آية رقم 017

مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ

صدق الله العظيم
السابق التالي
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم

آخر تعديل بواسطة admin ، 12-05-2010 الساعة 10:39 AM
رد مع اقتباس
 
 
  #2  
قديم 11-23-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق 1-6

تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق 1-6


قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وكيف قـيـل: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً } وقد علـمت أن الهاء والـميـم من قوله: { مَثَلُهُمْ } كناية جماعة من الرجال أو الرجال والنساء. «والذي» دلالة علـى واحد من الذكور؟ فكيف جعل الـخبر عن واحد مثلاً لـجماعة؟ وهلاّ قـيـل: مثلهم كمثل الذين استوقدوا ناراً وإن جاز عندك أن تـمثل الـجماعة بـالواحد فتـجيز لقائل رأى جماعة من الرجال فأعجبته صورهم وتـمام خـلقهم وأجسامهم أن يقول: كأن هؤلاء، أو كأن أجسام هؤلاء، نـخـلة.

قـيـل: أما فـي الـموضع الذي مثل ربنا جل ثناؤه جماعة من الـمنافقـين بـالواحد الذي جعله لأفعالهم مثلاً فجائز حسن، وفـي نظائره كما قال جل ثناؤه فـي نظير ذلك: تَدُورُ أعْيُنُهُمْ كالَّذِي يُغْشَى عَلَـيْهِ مِنَ الـمَوْتِ يعنـي كدوران عين الذي يغشى علـيه من الـموت، وكقوله: ما خَـلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ بـمعنى إلا كبعث نفس واحدة.

وأما فـي تـمثـيـل أجسام الـجماعة من الرجال فـي طول وتـمام الـخـلق بـالواحدة من النـخيـل، فغير جائز ولا فـي نظائره لفرق بـينهما.

فأما تـمثـيـل الـجماعة من الـمنافقـين بـالـمستوقد الواحد، فإنـما جاز لأن الـمراد من الـخبر عن مثل الـمنافقـين الـخبر عن مثل استضاءتهم بـما أظهروا بألسنتهم من الإقرار وهم لغيره مستبطنون من اعتقاداتهم الرديئة، وخـلطهم نفـاقهم البـاطن بـالإقرار بـالإيـمان الظاهر. والاستضاءةُ وإن اختلفت أشخاص أهلها معنى واحد لا معان مختلفة. فـالـمثل لها فـي معنى الـمَثَل للشخص الواحد من الأشياء الـمختلفة الأشخاص. وتأويـل ذلك: مثل استضاءة الـمنافقـين بـما أظهروه من الإقرار بـالله وبـمـحمد صلى الله عليه وسلم، وبـما جاء به قولاً وهم به مكذّبون اعتقاداً، كمثل استضاءة الـموقد ناراً. ثم أسقط ذكر الاستضاءة وأضيف الـمثل إلـيهم، كما قال نابغة بنـي جعدة:

وكَيْفَ تُواصِلُ مَن أصْبَحَتْخِلالَتُهُ كأبـي مَرْحَبِ

يريد كخلالة أبـي مرحب، فأسقط «خلالة»، إذ كان فـيـما أظهر من الكلام دلالة لسامعيه علـى ما حذف منه. فكذلك القول فـي قوله: { مَثَلُهُمْ كمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً } لـما كان معلوماً عند سامعيه بـما أظهر من الكلام أن الـمثل إنـما ضرب لاستضاءة القوم بـالإقرار دون أعيان أجسامهم حسن حذف ذكر الاستضاءة وإضافة الـمثل إلـى أهله. والـمقصود بـالـمثل ما ذكرنا، فلـما وصفنا جاز وحسن قوله: { مَثَلُهُمْ كمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً } ويشبه مثل الـجماعة فـي اللفظ بـالواحد، إذ كان الـمراد بـالـمثل الواحد فـي الـمعنى. وأما إذا أريد تشبـيه الـجماعة من أعيان بنـي آدم أو أعيان ذوي الصور والأجسام بشيء، فـالصواب من الكلام تشبـيه الـجماعة بـالـجماعة والواحد بـالواحد، لأن عين كل واحد منهم غير أعيان الآخرين. ولذلك من الـمعنى افترق القول فـي تشبـيه الأفعال والأسماء، فجاز تشبـيه أفعال الـجماعة من الناس وغيرهم إذا كانت بـمعنى واحد بفعل الواحد، ثم حذف أسماء الأفعال، وإضافة الـمثل والتشبـيه إلـى الذين لهم الفعل، فـيقال: ما أفعالكم إلا كفعل الكلب، ثم يحذف فـيقال: ما أفعالكم إلا كالكلب أو كالكلاب، وأنت تعنـي: إلا كفعل الكلب وإلا كفعل الكلاب.

-1-

ولـم يجز أن تقول: ما هم إلا نـخـلة، وأنت تريد تشبـيه أجسامهم بـالنـخـل فـي الطول والتـمام. وأما قوله: { اسْتَوْقَدَ ناراً } فإنه فـي تأويـل أوقد، كما قال الشاعر:

وَدَاعٍ دَعَايا مَنْ يُجِيبُ إلـى النَّدَى



فَلَـمْ يَسْتَـجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُـجِيبُ

يريد: فلـم يجبه. فكان معنى الكلام إذا مثل استضاءة هؤلاء الـمنافقـين فـي إظهارهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللـمؤمنـين بألسنتهم من قولهم: آمنا بـالله وبـالـيوم الآخر وصدقنا بـمـحمد، وبـما جاء به، وهم للكفر مستبطنون فـيـما الله فـاعل بهم، مثل استضاءة موقد نار بناره حتـى أضاءت له النار ما حوله، يعنـي ما حول الـمستوقد.

وقد زعم بعض أهل العربـية من أهل البصرة أن «الذي» فـي قوله: { كمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً } بـمعنى «الذين» كما قال جل ثناؤه: وَالَّذِي جاءَ بـالصّدْقِ وصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الـمُتَّقُون. وكما قال الشاعر:

فَإنَّ الَّذِي حَانَتْ بِفَلْـجٍ دِمَاؤُهُمْ



هُمْ الْقَوْمُ كُلُّ الْقَوْمِ يَا أمَّ خَالِدِ

قال أبو جعفر: والقول الأول هو القول لـما وصفنا من العلة، وقد أغفل قائل ذلك فرق ما بـين الذي فـي الآيتـين وفـي البـيت، لأن «الذي» فـي قوله:

{ وَالَّذِي جاءَ بِـالصّدقِ } (الزمر39: 33)

قد جاءت الدلالة علـى أن معناها الـجمع، وهو قوله:

{ أولَئِكَ هُمُ الـمُتَّقُونَ } (الزمر39: 33)
وكذلك الذي فـي البـيت، وهو قوله: دماؤهم. ولـيست هذه الدلالة فـي قوله: { كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً }. فذلك فرق ما بـين «الذي» فـي قوله: { كمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً } وسائر شواهده التـي استشهد بها علـى أن معنى «الذي» فـي قوله: { كمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً } بـمعنى الـجماعة، وغير جائز لأحد نقل الكلـمة التـي هي الأغلب فـي استعمال العرب علـى معنى إلـى غيره إلا بحجة يجب التسلـيـم لها.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فروي عن ابن عبـاس فـيه أقوال أحدها ما:

حدثنا به مـحمد بن حميد، قال: حدثنا سلـمة عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن أبـي مـحمد، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس، قال: ضرب الله للـمنافقـين مثلاً فقال: { مَثَلُهُمْ كمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَـمَّا أضَاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وتَرَكَهُمْ فـي ظُلُـماتٍ لا يُبْصِرُونَ } أي يبصرون الـحق ويقولون به، حتـى إذا خرجوا به من ظلـمة الكفر أطفئوه بكفرهم بهِ ونفـاقهم فـيه، فتركهم فـي ظلـمات الكفر فهم لا يبصرون هدى ولا يستقـيـمون علـى حق. والآخر ما:

حدثنا به الـمثنى به إبراهيـم، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: حدثنا معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس: { مَثَلُهُمْ كمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً } إلـى آخر الآية.


-2-

هذا مثل ضربه الله للـمنافقـين أنهم كانوا يعتزون بـالإسلام فـيناكحهم الـمسلـمون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفـيء، فلـما ماتوا سلبهم الله ذلك العز كما سلب صاحب النار ضوءه وتركهم فـي ظلـمات، يقول فـي عذاب. والثالث ما:

حدثنـي به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم: { مَثَلُهُمْ كمَثَلِ الذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَـمَّا أضَاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فـي ظُلُـماتٍ لا يُبْصِرُونَ }: زعم أن أناساً دخـلوا فـي الإسلام مَقْدَم النبـي صلى الله عليه وسلم الـمدينة، ثم إنهم نافقوا فكان مثلهم كمثل رجل كان فـي ظلـمة فأوقد ناراً فأضاءت له ما حوله من قذى أو أذى، فأبصره حتـى عرف ما يتقـي، فبـينا هو كذلك إذ طفئت ناره فأقبل لا يدري ما يتقـي من أذى، فكذلك الـمنافق كان فـي ظلـمة الشرك فأسلـم فعرف الـحلال من الـحرام، والـخير من الشرّ. فبـينا هو كذلك إذ كفر، فصار لا يعرف الـحلال من الـحرام، ولا الـخير من الشر. وأما النور فـالإيـمان بـما جاء به مـحمد صلى الله عليه وسلم، وكانت الظلـمة نفـاقهم. والآخر ما:

حدثنـي به مـحمد بن سعيد، قال: حدثنـي أبـي سعيد بن مـحمد، قال: حدثنـي عمي عن أبـيه عن جده عن ابن عبـاس قوله: { مَثَلَهُمُ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً } إلـى:

{ فَهُمُ لاَ يَرْجِعُونَ } (البقرة2: 18)

ضربه الله مثلاً للـمنافق، وقوله: { ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ } قال: أما النور فهو إيـمانهم الذي يتكلـمون به. وأما الظلـمة: فهي ضلالتهم وكفرهم، يتكلـمون به وهم قوم كانوا علـى هدى ثم نزع منهم فعتوا بعد ذلك. وقال آخرون بـما.

حدثنـي به بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة قوله: { مَثَلَهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نارا فَلَّـمَا أضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وتَرَكَهُمْ فِـي ظُلُـمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ } وإن الـمنافق تكلـم بلا إلٰه إلا الله فأضاءت له فـي الدنـيا فناكح بها الـمسلـمين وعاد بها الـمسلـمين ووارث بها الـمسلـمين وحقن بها دمه وماله. فلـما كان عند الـموت سُلبها الـمنافق لأنه لـم يكن لها أصل فـي قلبه ولا حقـيقة فـي علـمه.

وحدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: { مَثَلَهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَـمَّا أضَاءَتْ ما حَوْلَهُ } هي لا إلٰه إلا الله أضاءت لهم فأكلوا بها وشربوا وأمنوا فـي الدنـيا ونكحوا النساء وحقنوا بها دماءهم، حتـى إذا ماتوا ذهب الله بنورهم وتركهم فـي ظلـمات لا يبصرون.

وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي أبو نـميـلة، عن عبـيد بن سلـيـمان، عن الضحاك بن مزاحم قوله: { كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَـمَّا أضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ } قال: أما النور فهو إيـمانهم الذي يتكلـمون به وأما الظلـمات، فهي ضلالتهم وكفرهم.

-3-

وقال آخرون بـما:

حدثنـي به مـحمد بن عمرو البـاهلـي، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى بن ميـمون، قال: حدثنا ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد فـي قول الله: { مَثَلَهُمُ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَـمَّا أَضَاءَتْ ما حَوْلَهُ } قال: أما إضاءة النار: فإقبـالهم إلـى الـمؤمنـين والهدى وذهاب نورهم: إقبـالهم إلـى الكافرين والضلالة.

وحدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم، قال: حدثنا أبو حذيفة، عن شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { مَثَلَهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَـمَّا أضَاءَتْ ما حَوْلَهُ }: أما إضاءة النار: فإقبـالهم إلـى الـمؤمنـين والهدى وذهاب نورهم: إقبـالهم إلـى الكافرين والضلالة.

حدثنـي القاسم، قال: حدثنـي الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد مثله.

وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج، عن عبد الله بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس، قال: ضرب مثل أهل النفـاق فقال: { مَثَلَهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً } قال: إنـما ضوء النار ونورها ما أوقدتها، فإذا خمدت ذهب نورها، كذلك الـمنافق كلـما تكلـم بكلـمة الإخلاص أضاء له، فإذا شك وقع فـي الظلـمة.

وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثنـي عبد الرحمن بن زيد فـي قوله: { كمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً } إلـى آخر الآية. قال: هذه صفة الـمنافقـين، كانوا قد آمنوا حتـى أضاء الإيـمان فـي قلوبهم كما أضاءت النار لهؤلاء الذين استوقدوا ثم كفروا، فذهب الله بنورهم، فـانتزعه كما ذهب بضوء هذه النار، فتركهم فـي ظلـمات لا يبصرون.

وأولـى التأويلات بـالآية ما قاله قتادة والضحاك، وما رواه علـيّ بن أبـي طلـحة عن ابن عبـاس. وذلك أن الله جل ثناؤه إنـما ضرب هذا الـمثل للـمنافقـين الذين وصف صفتهم وقصّ قصصهم من لدن ابتدأ بذكرهم بقوله:

{ ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَا بـاللَّهِ وبَـالـيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِـمُؤْمِنِـينَ } (البقرة2: 8)

أي لا الـمعلنـين بـالكفر الـمـجاهرين بـالشرك.

ولو كان الـمثل لـمن آمن إيـماناً صحيحاً ثم أعلن بـالكفر إعلاناً صحيحاً علـى ما ظنّ الـمتأول قول الله جل ثناؤه: { كمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَـمَّا أضَاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهْ بنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فـي ظُلُـمَاتِ لا يُبْصِرُونَ } أن ضوء النار مثل لإيـمانهم الذي كان منهم عنده علـى صحة، وأن ذهاب نورهم مثل لارتدادهم وإعلانهم الكفر علـى صحة لـم يكن هنالك من القوم خداع ولا استهزاء عند أنفسهم ولا نفـاق، وأنى يكون خداع ونفـاق مـمن لـم يبدلك قولاً ولا فعلاً إلا ما أوجب لك العلـم بحاله التـي هو لك علـيها، وبعزيـمة نفسه التـي هو مقـيـم علـيها؟ إن هذا بغير شك من النفـاق بعيد ومن الـخداع بريء، فإن كان القوم لـم تكن لهم إلا حالتان: حال إيـمان ظاهر، وحال كفر ظاهر، فقد سقط عن القوم اسم النفـاق لأنهم فـي حال إيـمانهم الصحيح كانوا مؤمنـين، وفـي حال كفرهم الصحيح كانوا كافرين، ولا حالة هناك ثالثة كانوا بها منافقـين.

-4-

وفـي وصف الله جل ثناؤه إياهم بصفة النفـاق ما ينبىء عن أن القول غير القول الذي زعمه من زعم أن القوم كانوا مؤمنـين ثم ارتدوا إلـى الكفر فأقاموا علـيه، إلا أن يكون قائل ذلك أراد أنهم انتقلوا من إيـمانهم الذي كانوا علـيه إلـى الكفر الذي هو نفـاق، وذلك قول إن قاله لـم تدرك صحته إلا بخير مستفـيض أو ببعض الـمعانـي الـموجبة صحته. فأما فـي ظاهر الكتاب، فلا دلالة علـى صحته لاحتـماله من التأويـل ما هو أولـى به منه. فإذا كان الأمر علـى ما وصفنا فـي ذلك، فأولـى تأويلات الآية بـالآية مثل استضاءة الـمنافقـين بـما أظهروا بألسنتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الإقرار به، وقولهم له وللـمؤمنـين: آمَنا بـاللَّهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ وَالـيَوْمِ الآخِر، حتـى حُكم لهم بذلك فـي عاجل الدنـيا بحكم الـمسلـمين فـي حقن الدماء والأموال والأمن علـى الذرية من السبـاء، وفـي الـمناكحة والـموارثة كمثل استضاءة الـموقد النار بـالنار، حتـى إذا ارتفق بضيائها وأبصر ما حوله مستضيئاً بنوره من الظلـمة،حتى خمدت النار وانطفأت، فذهب نوره، وعاد الـمستضيء به فـي ظلـمة وحيرة. وذلك أن الـمنافق لـم يزل مستضيئاً بضوء القول الذي دافع عنه فـي حياته القتل والسبـاء مع استبطانه ما كان مستوجبـاً به القتل وسلب الـمال لو أظهره بلسانه، تُـخيِّـل إلـيه بذلك نفسه أنه بـالله ورسوله والـمؤمنـين مستهزىء مخادع، حتـى سوّلت له نفسه، إذ ورد علـى ربه فـي الآخرة، أنه ناج منه بـمثل الذي نـجا به فـي الدنـيا من الكذب والنفـاق. أوَ ما تسمع الله جل ثناؤه يقول إذ نعتهم ثم أخبر عند ورودهم علـيه:

{ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهِ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَىْء أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَـٰذِبُونَ } (المجادلة58: 18)

ظناً من القوم أن نـجاتهم من عذاب الله فـي الآخرة فـي مثل الذي كان به نـجاتهم من القتل والسبـاء وسلب الـمال فـي الدنـيا من الكذب والإفك، وأن خداعهم نافعهم هنالك نفعه إياهم فـي الدنـيا. حتـى عاينوا من أمر الله ما أيقنوا به أنهم كانوا من ظنونهم فـي غرور وضلال، واستهزاء بأنفسهم وخداع، إذ أطفأ الله نورهم يوم القـيامة فـاستنظروا الـمؤمنـين لـيقتبسوا من نورهم، فقـيـل لهم: ارجعوا وراءكم فـالتـمسوا نوراً واصلوا سعيراً. فذلك حين ذهب الله بنورهم وتركهم فـي ظلـمات لا يبصرون، كما انطفأت نار الـمستوقد النار بعد إضاءتها له، فبقـي فـي ظلـمته حيران تائها لقول الله جل ثناؤه:

{ يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلْمُنَـٰفِقَـٰتُ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَاءكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذابُ *يُنادونَهُمْ ألَم نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أنْفُسَكُمَ وَتَرَبَصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأمانِيُّ حتى جاءَ أمْرُ اللهِ وَغَرَكُمْ باللهِ الغَرُورُ *فاليَوْمَ لا يُؤْخَذُ منْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْ لاَكُمْ وَبِئْسَ المَضِير } (الحديد57: 13-15)

-5-

فإن قال لنا قائل: إنك ذكرت أن معنى قول الله تعالـى ذكره: { كمَثَلِ الذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَـما أضَاءَتْ ما حَوْلَهُ }: خمدت وانطفأت، ولـيس ذلك بـموجود فـي القرآن، فما دلالتك علـى أن ذلك معناه؟ قـيـل: قد قلنا إن من شأن العرب الإيجاز والاختصار إذا كان فـيـما نطقت به الدلالة الكافـية علـى ما حذفت وتركت، كما قال أبو ذؤيب الهذلـي:

عَصَيْتُ إلَـيْهَا القَلْبَ إنـي لأمْرِها



سَمِيعٌ فَمَا أدْرِي أَرُشْدٌ طِلاُبِها




يعنـي بذلك: فما أدري أرشد طلابها أم غيّ، فحذف ذكر «أم غيّ»، إذ كان فـيـما نطق به الدلالة علـيها. وكما قال ذو الرمة فـي نعت حمير:

فَلَـمَّا لَبِسْنَ اللَّـيْـلَ أوْ حِينَ نَصَّبَتْ



لَهُ مِنْ خَذَا آذَانها وَهْوَ جانِـحُ




يعنـي: أو حين أقبل اللـيـل. فـي نظائر لذلك كثـيرة كرهنا إطالة الكتاب بذكرها. فكذلك قوله: { كمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَـمَّا أضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ } لـما كان فـيه وفـيـما بعده من قوله: { ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وتَرَكَهُمْ فِـي ظُلُـمَاتٍ لا يُبْصِرُون } َ دلالة علـى الـمتروك كافـية من ذكره اختصر الكلام طلب الإيجاز. وكذلك حذف ما حذف واختصار ما اختصر من الـخبر عن مثل الـمنافقـين بعده، نظير ما اختصر من الـخبر عن مثل الـمستوقد النار لأن معنى الكلام: فكذلك الـمنافقون ذهب الله بنورهم وتركهم فـي ظلـمات لا يبصرون بعد الضياء الذي كانوا فـيه فـي الدنـيا بـما كانوا يظهرون بألسنتهم من الإقرار بـالإسلام وهم لغيره مستبطنون، كما ذهب ضوء نار هذا الـمستوقد بـانطفـاء ناره وخمودها فبقـي فـي ظلـمة لا يبصر، والهاء والـميـم فـي قوله: { ذَهَبَ الله بنُورِهمْ } عائدة علـى الهاء والـميـم فـي قوله: { مَثَلُهُمْ }.

-6-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم

آخر تعديل بواسطة admin ، 12-15-2010 الساعة 08:33 PM
رد مع اقتباس
 
 
  #3  
قديم 12-15-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق 1-4

تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق 1-4

{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } * { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ }


لما جاء بحقيقة صفتهم عقبها بضرب المثل زيادة في الكشف وتتميماً للبيان. ولضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء المثل والنظائر ـ شأن ليس بالخفي في إبراز خبيات المعاني، ورفع الأستار عن الحقائق، حتى تريك المتخيل في صورة المحقق، والمتوهم في معرض المتيقن، والغائب كأنه مشاهد. وفيه تبكيت للخصم الألد، وقمع لسورة الجامح الأبيّ، ولأمر مّا أكثر الله في كتابه المبين وفي سائر كتبه أمثاله، وفشت في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام الأنبياء والحكماء. قال الله تعالى:

{ وَتِلْكَ ٱلاْمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ ٱلْعَـٰلِمُونَ } [العنكبوت29: 43]

ومن سور الإنجيل سورة الأمثال. والمثل في أصل كلامهم: بمعنى المثل، وهو النظير. يقال: مثل ومثل ومثيل، كشبه وشبه وشبيه. ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده: مثل. ولم يضربوا مثلاً، ولا رأوه أهلا للتسيير، ولا جديراً بالتداول والقبول، إلا قولاً فيه غرابة من بعض الوجوه. ومن ثمّ حوفظ عليه وحمى من التغيير. فإن قلت: ما معنى مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً، وما مثل المنافقين ومثل الذي استوقد ناراً حتى شبه أحد المثلين بصاحبه؟ قلت: قد استعير المثل استعارة الأسد للمقدام، للحال أو الصفة أو القصة، إذا كان لها شأن وفيها غرابة، كأنه قيل: حالهم العجيبة الشأن كحال الذي استوقد ناراً. وكذلك قوله:

{ مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } [الرعد13: 35]

أي وفيما قصصنا عليك من العجائب: قصة الجنة العجيبة. ثم أخذ في بيان عجائبها.

{ وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلاْعْلَىٰ } [النحل16: 60]

أي الوصف الذي له شأن من العظمة والجلالة.

{ مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ } [الفتح48: 29]

أي صفتهم وشأنهم المتعجب منه. ولما في المثل من معنى الغرابة قالوا: فلان مثلة في الخير والشر، فاشتقوا منه صفة للعجيب الشأن. فإن قلت: كيف مثلت الجماعة بالواحد؟ قلت: وضع الذي موضع الذين، كقوله:

{ وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُواْ } [التوبة9: 69]

والذي سوّغ وضع الذي موضع الذين، ولم يجز وضع القائم موضع القائمين ولا نحوه من الصفات أمران: أحدهما: أنّ «الذي» لكونه وصلة إلى وصف كل معرفة بجملة، وتكاثر وقوعه في كلامهم، ولكونه مستطالاً بصلته، حقيق بالتخفيف، ولذلك نهكوه بالحذف فحذفوا ياءه ثم كسرته ثم اقتصروا به على اللام وحدها في أسماء الفاعلين والمفعولين. والثاني: أن جمعه ليس بمنزلة جمع غيره بالواو والنون. وإنما ذاك علامة لزيادة الدلالة. ألا ترى أن سائر الموصولات لفظ الجمع، والواحد فيهن واحد. أو قصد جنس المستوقدين. أو أريد الجمع أو الفوج الذي استوقد ناراً. على أنّ المنافقين وذواتهم لم يشبهوا بذات المستوقد حتى يلزم منه تشبيه الجماعة بالواحد؛ إنما شبهت قصتهم بقصة المستوقد. ونحوه قوله:

{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } [الجمعة62: 5]، وقوله:
{ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِىّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } [محمد47: 20].

-1-

ووقود النار: سطوعها وارتفاع لهبها. ومن أخواته: وقل في الجبل إذا صعد وعلا، والنار: جوهر لطيف مضيء حارّ محرق. والنور: ضوءها وضوء كل نير، وهو نقيض الظلمة. واشتقاقها من نار ينور إذا نفر؛ لأنّ فيها حركة واضطراباً، والنور مشتق منها. والإضاءة: فرط الإنارة. ومصداق ذلك قوله:

{ هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَاء وَٱلْقَمَرَ نُوراً } [يونس10: 5]،

وهي في الآية متعدية. ويحتمل أن تكون غير متعدية مسندة إلى ما حوله. والتأنيث للحمل على المعنى؛ لأنّ ما حول المستوقد أماكن وأشياء. ويعضده قراءة ابن أبي عبلة «ضاءت». وفيه وجه آخر، وهو أن يستتر في الفعل ضمير النار. ويجعل إشراق ضوء النار حوله بمنزلة إشراق النار نفسها، على أنّ ما مزيدة أو موصولة في معنى الأمكنة. و { حَوْلَهُ } نصب على الظرف وتأليفه للدوران والإطافة. وقيل للعام: حول؛ لأنه يدور. فإن قلت: أين جواب لما؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أن جوابه { ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ }. والثاني: أنه محذوف كما حذف في قوله:

{ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ } [يوسف12: 15].

وإنما جاز حذفه لاستطالة الكلام مع أمن الإلباس للدالّ عليه، وكان الحذف أولى من الإثبات لما فيه من الوجازة، مع الإعراب عن الصفة التي حصل عليها المستوقد بما هو أبلغ من اللفظ في أداء المعنى، كأنه قيل: فلما أضاءت ما حوله خمدت فبقوا خابطين في ظلام، متحيرين متحسرين على فوت الضوء، خائبين بعد الكدح في إحياء النار. فإن قلت: فإذا قدّر الجواب محذوفاً فبم يتعلق { ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ }؟ قلت: يكون كلاماً مستأنفاً. كأنهم لما شبهت حالهم بحال المستوقد الذي طفئت ناره، اعترض سائل فقال: ما بالهم قد أشبهت حالهم حال هذا المستوقد؟ فقيل له: ذهب الله بنورهم. أو يكون بدلاً من جملة التمثيل على سبيل البيان. فإن قلت: قد رجع الضمير في هذا الوجه إلى المنافقين فما مرجعه في الوجه الثاني؟ قلت: مرجعه الذي استوقد؛ لأنه في معنى الجمع. وأما جمع هذا الضمير وتوحيده في { حَوْلَهُ } ، فللحمل على اللفظ تارة، وعلى المعنى أخرى. فإن قلت: فما معنى إسناد الفعل إلى الله تعالى في قوله: { ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ }؟ قلت: إذا طفئت النار بسبب سماوي ريح أو مطر، فقد أطفأها الله تعالى وذهب بنور المستوقد. ووجه آخر، وهو أن يكون المستوقد في هذا الوجه مستوقد نار لا يرضاها الله. ثم إما أن تكون ناراً مجازية كنار الفتنة والعداوة للإسلام، وتلك النار متقاصرة مدّة اشتعالها قليلة البقاء. ألا ترى إلى قوله:

{ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ } [المائدة5: 64]،

وإما ناراً حقيقية أوقدها الغواة ليتوصلوا بالاستضاءة بها إلى بعض المعاصي، ويتهدوا بها في طرق العبث، فأطفأها الله وخيب أمانيهم. فإن قلت: كيف صح في النار المجازية أن توصف بإضاءة ما حول المستوقد؟ قلت: هو خارج على طريقة المجاز المرشح فأحسن تدبره.


-2-

فإن قلت: هلا قيل ذهب الله بضوئهم؟ لقوله: { فَلَمَّا أَضَاءتْ }؟ قلت: ذكر النور أبلغ؛ لأنّ الضوء فيه دلالة على الزيادة. فلو قيل: ذهب الله بضوئهم، لأوهم الذهاب بالزيادة وبقاء ما يسمى نوراً، والغرض إزالة النور عنهم رأساً وطمسه أصلاً. ألا ترى كيف ذكر عقيبه { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَـٰتٍ } والظلمة عبارة عن عدم النور وانطماسه، وكيف جمعها، وكيف نكرها، وكيف أتبعها ما يدل على أنها ظلمة مبهمة لا يتراءى فيها شبحان وهو قوله: { لاَّ يُبْصِرُونَ }. فإن قلت: فلم وصفت بالإضاءة؟ قلت: هذا على مذهب قولهم: للباطل صولة ثم يضمحل. ولريح الضلالة عصفة ثم تخفت، ونار العرفج مثل لنزوة كل طماح. والفرق بين أذهبه وذهب به، أن معنى أذهبه: أزاله وجعله ذاهباً. ويقال: ذهب به إذا استصحبه ومضى به معه. وذهبت السلطان بماله: أخذه (فلما ذهبوا به)،

{ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ } [المؤمنون23: 91].

ومنه: ذهب به الخيلاء. والمعنى: أخذ الله نورهم وأمسكه،

{ وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ } [فاطر35: 2]

فهو أبلغ من الإذهاب. وقرأ اليماني: أذهب الله نورهم. وترك: بمعنى طرح وخلى، إذا علق بواحد، كقولهم: تركه ترك ظبي ظله. فإذا علق بشيئين كان مضمناً معنى صير، فيجري مجرى أفعال القلوب كقول عنترة:

فَتَرَكْتُهُ جَزَرَ السِّبَاعِ يَنُشْنَهُ


ومنه قوله: { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَـٰتٍ } أصله: هم في ظلمات، ثم دخل ترك فنصب الجزأين. والظلمة عدم النور. وقيل: عرض ينافي النور. واشتقاقها من قولهم: ما ظلمك أن تفعل كذا: أي ما منعك وشغلك، لأنها تسدّ البصر وتمنع الرؤية. وقرأ الحسن «ظلمات» بسكون اللام وقرأ اليماني «في ظُلمة» على التوحيد. والمفعول الساقط من { لاَّ يُبْصِرُونَ } من قبيل المتروك المطرح الذي لا يلتفت إلى إخطاره بالبال، لا من قبيل المقدر المنوى، كأنّ الفعل غير متعدّ أصلاً، نحو { يَعْمَهُونَ } في قوله:

{ وَيَذَرُهُمْ فِى طُغْيَـٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ } [الأعراف7: 186].

فإن قلت: فيم شبهت حالهم بحال المستوقد؟ قلت: في أنهم غب الإضاءة خبطوا في ظلمة وتورّطوا في حيرة. فإن قلت: وأين الإضاءة في حال المنافق؟ وهل هو أبداً إلا حائر خابط في ظلماء الكفر؟ قلت: المراد ما استضاءوا به قليلاً من الانتفاع بالكلمة المجراة على ألسنتهم، ووراء استضاءتهم بنور هذه الكلمة ظلمة النفاق التي ترمي بهم إلى ظلمة سخط الله وظلمة العقاب السرمد. ويجوز أن يشبه بذهاب الله بنور المستوقد اطلاع الله على أسرارهم وما افتضحوا به بين المؤمنين واتسموا به من سمة النفاق. والأوجه أن يراد الطبع، لقوله: { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ }. وفي الآية تفسير آخر: وهو أنهم لما وصفوا بأنهم اشتروا الضلالة بالهدى، عقب ذلك بهذا التمثيل ليمثل هداهم الذي باعوه بالنار المضيئة ما حول المستوقد، والضلالة التي اشتروها وطبع بها على قلوبهم بذهاب الله بنورهم وتركه إياهم في الظلمات.


-3-

وتنكير النار للتعظيم. كانت حواسهم سليمة ولكن لما سدّوا عن الإصاخة إلى الحق مسامعهم، وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم، وأن ينظروا ويتبصروا بعيونهم جعلوا كأنما أيفت مشاعرهم وانتقضت بناها التي بنيت عليها للإحساس والإدراك كقوله:

صُم إذا سَمِعُوا خَيْراً ذُكِرْتُ بِهوإنْ ذُكِرْتُ بُسوءٍ عِنْدَهُمْ أَذِنُوا
أَصَمُّ عَمَّا سَاءَهُ سَمِيعُأ
َصَمُّ عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي لا أرِيدُهُواسمع خلق الله حين أريد ف
أصَممت عمراً وأعميتهعَنِ الجُودِ والفَخْرِ يَوْمَ الفَخَار


فإن قلت: كيف طريقته عند علماء البيان؟ قلت: طريقة قولهم «هم ليوث» للشجعان، وبحور للأسخياء. إلا أنّ هذا في الصفات، وذاك في الأسماء، وقد جاءت الاستعارة في الأسماء والصفات والأفعال جميعاً. تقول: رأيت ليوثاً، ولقيت صماً عن الخير، ودجا الإسلام. وأضاء الحق. فإن قلت: هل يسمى ما في الآية استعارة؟ قلت: مختلف فيه. والمحققون على تسميته تشبيهاً بليغاً لا استعارة؛ لأنّ المستعار له مذكور وهم المنافقون. والاستعارة إنما تطلق حيث يطوى ذكر المستعار له، ويجعل الكلام خلواً عنه صالحاً لأن يراد به المنقول عنه والمنقول إليه، لولا دلالة الحال أو فحوى الكلام، كقول زهير:

لَدَى أَسَدٍ شَاكِي السِّلاَحِ مُقَذَّفٍلَهُ لِبَدٌ أَظْفَارُهُ لَمْ تُقَلَّمِ


ومن ثم ترى المفلقين السحرة منهم كأنهم يتناسون التشبيه ويضربون عن توهمه صفحاً. قال أبو تمام:

ويُصْعِدُ حتَّي يَظُنَّ الجَهُولُبأَنَّ لهُ حَاجَةً في السَّمَاءْ


وبعضهم:

لا تَحْسَبُوا أَنَّ في سِرْبَالِهِ رَجُلاًففِيهِ غَيْثٌ وَلَيْثٌ مُسْبِلٌ مُشْبِل


وليس لقائل أن يقول: طوى ذكرهم عن الجملة بحذف المبتدأ فأتسلق بذلك إلى تسميته استعارة لأنه في حكم المنطوق به، نظيره قول من يخاطب الحجاج:

أَسَدٌ عَلَيَّ وفي الحُرُوبِ نَعَامَةٌفَتْخاءُ تَنْفُرُ مِنْ صَفِيرِ الصَّافِرِ


ومعنى { لاَ يَرْجِعُونَ } أنهم لا يعودون إلى الهدى بعد أن باعوه، أو عن الضلالة بعد أن اشتروها، تسجيلاً عليهم بالطبع، أو أراد أنهم بمنزلة المتحيرين الذين بقوا جامدين في مكانهم لا يبرحون، ولا يدرون أيتقدّمون أم يتأخرون؟ وكيف يرجعون إلى حيث ابتدءوا منه؟

-4-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #4  
قديم 12-15-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ }


اللغة: المثل والمثل والشبه والشبه نظائر وحقيقة المثل ما جعل كالعلم على معنى سائر يشبه فيه الثاني بالأول ومثاله قول كعب بن زهير:

كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبِ لَنَا مَثَلاًوَمَا مَوَاعِيدُه إِلاَّ الأَبَاطِيلُ


فمواعيد عرقوب علم في كل ما لا يصح من المواعيد ومنه التمثال لأنه يشبه الصورة والذي قد يوضع موضع الجمع كقولـه تعالى:

{ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } [الزمر39: 33] ثم قال
{ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } [البقرة2: 177]


قال الشاعر:

وَإِنَّ الَّذِي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِماؤُهُمْهُمُ القَوْمُ كُلُّ القَوْمِ يَا أُمَّ خالِدِ


واستوقد بمعنى أوقد مثل استجاب بمعنى أجاب وقيل استوقد أي طلب الوقود والوقود بفتح الواو الحطب والنار جوهر مضيء حار محرق وأصله من النور يقال نار وأنار واستنار بمعنى, والمنارات العلامات وأضاء يكون لازماً ومتعدياً يقال أضاء الشيء بنفسه وأضاء غيره والذي في الآية متعدّ والترك للشيء والكف عنه, والإِمساك نظائر والظلمات جمع ظلمة وأصلها انتقاص الحق من قولـه ولا تظلم منه شيئاً أي لم تنقص ومنه ومن أشبه أباه فما ظلم أي ما انتقص حق الشيء والإبصار إِدراك الشيء بحاسة البصر يقال أبصر بعينه والإبصار بالقلب مشبه به.

الإعراب: مثلهم مبتدأ وكمثل الذي خبره والكاف زائدة تقديره مثلهم مثل الذي استوقد ناراً ونحوه قولـه:

{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ } [الشورى42: 11]

أي ليس مثله شيء واستوقد ناراً وما اتصل به من صلة الذي والعائد إلى الذي المضمر الذي في استوقد ولما يدل على وقوع الشيء لوقوع غيره وهو بمعنى الظرف والعامل فيه جوابه منصوب بوقوعِ الإِضاءة عليه وحوله نصب على الظرف وهو صلة ما يقال هم حولَه وحولَيْه وحوالَه وحوالَيْه وقوله ذهب الله بنورهم أي أذهب الله نورهم, والفعل الذي لا يتعدى يتعدى إلى المفعول بحرف الجر وبهمزة النقل, والباء في قوله بنورهم يتعلق بذهب وفي ظلمات يتعلق بتركهم وقوله لا يبصرون في موضع نصب على الحال والعامل فيه تركهم أي تركهم غير مبصرين.


المعنى: مثلهم أي مثل هؤلاء المنافقين لما أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر { كمثل الذي استوقد } أي أوقد ناراً أو كمثل الذي طلب الضياء بإيقاد النار في ليلة مظلمة فاستضاء بها واستدفأ ورأى ما حوله فاتقى ما يحذر ويخاف وأمن فبينا هو كذلك إذ أطْفِئت ناره فبقي مظلماً خائفاً متحيراً, كذلك المنافقون لما أظهروا كلمة الإيمان واستناروا بنورها واعتزّوا بعزها فناكحوا المسلمين ووارثوهم وأمنوا على أموالهم وأولادهم فلما ماتوا عادوا إلى الظلمة والخوف وبقوا في العذاب وذلك معنى قولـه: { فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم } وهذا هو المروي عن ابن عباس وقتادة والضحاك والسدّي وكان يجب في حق النظم أن يكون اللفظ فلما أضاءت ما حوله أطفأ الله ناره ليشاكل جواب لمّا معنى هذه القضية ولكن لما كان أطفاء هذه النار مثلاً لإذهاب أقيم إذهاب النور مقام الإطفاء وحذف جواب لما إيجازاً واختصاراً لدلالة الكلام عليه كما قال أبو ذؤيب:
-1-

دَعانِي إِلَيْهَا القَلْبُ إِنّي لأمرهمُطِيعٌ فَمَا أَدْرِي أرُشْدٌ طِلابُهَا


وتقديره أرشد أم غيُّ طلابها فحذف للإيجار. ومعنى إذهاب الله نورهم هو أن الله تعالى يسلبهم ما أعطوه من النور مع المؤمنين في الآخرة وذلك قولـه تعالى فيما أخبر عنهم

{ انظُرُونَا نَقْتَبِس مِن نُورِكُم } [الحديد57: 13]

قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً وقيل في معنى إِذهاب نور المنافقين وجه آخر وهو اطلاع الله المؤمنين على كفرهم فقد ذهب منهم نور الإِسلام بما أظهر الله من كفرهم. وقال سعيد بن جبير ومحمد بن كعب وعطاء الآية نزلت في اليهود وانتظارهم خروج النبي صلى الله عليه وسلم وإيمانهم به واستفتاحهم به على مشركي العرب فلما خرج كفروا به وذلك أن قريظة والنضير وبني قَينقاع قدموا من الشام إلى يثرب حين انقطعت النبوة من بني إسرائيل وأفضت إلى العرب فدخلوا المدينة يشهدون لمحمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة وأن أمته خير الأمم, وكان يغشاهم رجل من بني إسرائيل يقال له عبد الله بن هيبان قبل أن يوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم كل سنة فيحضّهم على طاعة الله عز وجل وإقامة التوراة والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ويقول إذا خرج فلا تفرقوا عليه وانصروه وقد كنت أطمع أن أدركه ثم مات قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم فقبلوا منه ثم لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به فضرب الله لهم هذا المثل.


سؤال: كيف الله شبه المنافقين أو اليهود وهم جماعة بالذي استوقد ناراً وهو واحد.

الجواب: على وجوه أحدها: أن الذي في معنى الجمع كما قيل في الآية الأخرى والذي جاء بالصدق وَصدّق به وثانيها: أن يقال النون محذوفة من الذي كما جاء في قول الأخطل:

أَبني كُلَيْبٍ إنَّ عَمَّيَّ اللّذَاقَتَلا المُلُوكَ وفَككَّاَ الأغلاَلا


وثالثها: أن يكون الكلام على حذف كأنه قال: مثلهم كمثل أتباع الذي استوقد ناراً ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه كما قال الجعدي:

وكَيْفَ تُوَاصِلُ مَنْ أَصْبَحَتْخِلاَلَتُه كأبِي مَرَحَبِ


يريد كخلالة أبي مرحب ورابعها: أن يقال أراد بالمستوقد الجنس لما في الذي من الإبهام إذ ليس يراد به تعريف واحد بعينه وعلى هذا يكون جواب لما أضاءت ما حوله محذوفاً كأنه قال طفئت والضمير في قولـه ذهب الله بنورهم يعود إلى المنافقين وخامسها: أن يقال هذا تشبيه الحال بالحال فتقديره حال بالحال فتقديره حال هؤلاء المنافقين في جهلهم كحال المستوقد ناراً وتشبيه الحال بالحال جائز كما يقال بلادة هؤلاء كبلادة الحمار ولو قلت هؤلاء كالحمار لم يجز ومعنى قولـه وتركهم في ظلمات لا يبصرون معناه لم يفعل الله لهم النور إذا جاء في صفات الله تعالى, فالمعنى أن لا يفعل الترك هو الكفّ عن الفعل بالفعل وهذا إنما يصح فيمن حلّه فعله والله سبحانه منزه عن أن يحلَّه فعله فمعناه أنه لم يفعل لهم النور حتى صاروا في ظلمة أشد مما كان قبل الإيقاد وقولـه لا يبصرون أي لا يبصرون الطريق.

-2-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #5  
قديم 12-15-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق 1-4

تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق 1-3


اعلم أنا قبل الخوض في تفسير ألفاظ هذه الآية نتكلم في شيئين: أحدها: أن المقصود من ضرب الأمثال أنها تؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه، وذلك لأن الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي، والغائب بالشاهد، فيتأكد الوقوف على ماهيته، ويصير الحس مطابقاً للعقل وذلك في نهاية الإيضاح، ألا ترى أن الترغيب إذا وقع في الإيمان مجرداً عن ضرب مثل له لم يتأكد وقوعه في القلب كما يتأكد وقوعه إذا مثل بالنور، وإذا زهد في الكفر بمجرد الذكر لم يتأكد قبحه في العقول كما يتأكد إذا مثل بالظلمة، وإذا أخبر بضعف أمر من الأمور وضرب مثله بنسج العنكبوت كان ذلك أبلغ في تقرير صورته من الأخبار بضعفه مجرداً، ولهذا أكثر الله تعالى في كتابه المبين وفي سائر كتبه أمثاله، قال تعالى:

{ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَـٰلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ } [العنكبوت29: 43]
{ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَـٰلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ } [الحشر59: 21]

ومن سور الإنجيل سورة الأمثال، وفي الآية مسائل: ـ


المسألة الأولى: المثل في أصل كلامهم بمعنى المثل وهو النظير، ويقال مثل ومثل ومثيل كشبه وشبه وشبيه، ثم قيل للقول الثائر الممثل مضر به بمورده: مثل، وشرطه أن يكون قولاً فيه غرابة من بعض الوجوه.

المسألة الثانية: أنه تعالى لما بين حقيقة صفات المنافقين عقبها بضرب مثلين زيادة في الكشف والبيان. أحدهما: هذا المثل وفيه إشكالات. أحدها: أن يقال: ما وجه التمثيل بمن أعطي نوراً ثم سلب ذلك النور منه مع أن المنافق ليس له نور. وثانيها: أن يقال: إن من استوقد ناراً فأضاءت قليلاً فقد انتفع بها وبنورها ثم حرم، فأما المنافقون فلا انتفاع لهم ألبتة بالإيمان فما وجه التمثيل؟ وثالثها: أن مستوقد النار قد اكتسب لنفسه النور، والله تعالى ذهب بنوره وتركه في الظلمات، والمنافق لم يكتسب خيراً وما حصل له من الخيبة والحيرة فقد أتى فيه من قبل نفسه، فما وجه التشبيه؟ والجواب: أن العلماء ذكروا في كيفية التشبيه وجوهًا: أحدها: قال السدي: إن ناساً دخلوا في الإسلام عند وصوله عليه السلام إلى المدينة ثم إنهم نافقوا، والتشبيه ههنا في نهاية الصحة لأنهم بإيمانهم أولاً اكتسبوا نوراً ثم بنفاقهم ثانياً أبطلوا ذلك النور ووقعوا في حيرة عظيمة فإنه لا حيرة أعظم من حيرة الدين لأن المتحير في طريقه لأجل الظلمة لا يخسر إلا القليل من الدنيا، وأما المتحير في الدين فإنه يخسر نفسه في الآخرة أبد الآبدين. وثانيها: إن لم يصح ما قاله السدي بل كانوا منافقين أبداً من أول أمرهم فههنا تأويل آخر ذكره الحسن رحمه الله، وهو أنهم لما أظهروا الإسلام فقد ظفروا بحقن دمائهم وسلامة أموالهم عن الغنيمة وأولادهم عن السبي وظفروا بغنائم الجهاد وسائر أحكام المسلمين، وعد ذلك نوراً من أنوار الإيمان، ولما كان ذلك بالإضافة إلى العذاب الدائم قليلاً قدرت شبههم بمستوقد النار الذي انتفع بضوئها قليلاً ثم سلب ذلك فدامت حيرته وحسرته للظلمة التي جاءته في أعقاب النور، فكان يسير انتفاعهم في الدنيا يشبه النور وعظيم ضررهم في الآخرة يشبه الظلمة.
-1-

وثالثها: أن نقول ليس وجه التشبيه أن للمنافق نوراً، بل وجه التشبيه بهذا المستوقد أنه لما زال النور عنه تحير، والتحير فيمن كان في نور ثم زال عنه أشد من تحير سالك الطريق في ظلمة مستمرة، لكنه تعالى ذكر النور في مستوقد النار لكي يصح أن يوصف بهذه الظلمة الشديدة، لا أن وجه التشبيه مجمع النور والظلمة. ورابعها: أن الذي أظهروه يوهم أنه من باب النور الذي ينتفع به، وذهاب النور هو ما يظهره لأصحابه من الكفر والنفاق، ومن قال بهذا قال إن المثل إنما عطف على قوله: { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَـٰطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ } فالنار مثل لقولهم: «آمنا» وذهابه مثل لقولهم للكفار: «إنا معكم» فإن قيل وكيف صار ما يظهره المنافق من كلمة الإيمان مثلاً بالنور وهو حين تكلم بها أضمر خلافها؟ قلنا إنه لو ضم إلى القول اعتقاداً له وعملاً به لأتم النور لنفسه، ولكنه لما لم يفعل لم يتم نوره، وإنما سمى مجرد ذلك القول نوراً لأنه قول حق في نفسه. وخامسها: يجوز أن يكون استيقاد النار عبارة عن إظهار المنافق كلمة الإيمان وإنما سماه نوراً لأنه يتزين به ظاهره فيهم ويصير ممدوحاً بسببه فيما بينهم، ثم إن الله تعالى يذهب ذلك النور بهتك ستر المنافق بتعريف نبيه والمؤمنين حقيقة أمره فيظهر له اسم النفاق بدل ما يظهر منه من اسم الإيمان فبقي في ظلمات لا يبصر، إذ النور الذي كان له قبل قد كشف الله أمره فزال. وسادسها: أنهم لما وصفوا بأنهم اشتروا الضلالة بالهدى عقب ذلك بهذا التمثيل ليمثل هداهم الذي باعوه بالنار المضيئة ما حول المستوقد،والضلالة التي اشتروها وطبع بها على قلوبهم بذهاب الله بنورهم وتركه إياهم في الظلمات. وسابعها: يجوز أن يكون المستوقد ههنا مستوقد نار لا يرضاها الله تعالى، والغرض تشبيه الفتنة التي حاول المنافقون إثارتها بهذه النار، فإن الفتنة التي كانوا يثيرونها كانت قليلة البقاء، ألا ترى إلى قوله تعالى:

{ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ } [المائدة5: 64]

وثامنها: قال سعيد بن جبير: نزلت في اليهود وانتظارهم لخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم واستفتاحهم به على مشركي العرب، فلما خرج كفروا به فكان انتظارهم لمحمد صلى الله عليه وسلم كإيقاد النار، وكفرهم به بعد ظهوره كزوال ذلك النور.
-2-

المسألة الثالثة: فأما تشبيه الإيمان بالنور والكفر بالظلمة فهو في كتاب الله تعالى كثير، والوجه فيه أن النور قد بلغ النهاية في كونه هادياً إلى المحجة وإلى طريق المنفعة وإزالة الحيرة وهذا حال الإيمان في باب الدين، فشبه ما هو النهاية في إزالة الحيرة ووجدان المنفعة في باب الدين بما هو الغاية في باب الدنيا، وكذلك القول في تشبيه الكفر بالظلمة، لأن الضال عن الطريق المحتاج إلى سلوكه لا يرد عليه من أسباب الحرمان والتحير أعظم من الظلمة، ولا شيء كذلك في باب الدين أعظم من الكفر، فشبه تعالى أحدهما بالآخر، فهذا هو الكلام فيما هو المقصود الكلي من هذه الآية، بقيت ههنا أسئلة وأجوبة تتعلق بالتعلق بالتفاصيل: السؤال الأول: قوله تعالى: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِى ٱسْتَوْقَدَ نَاراً } يقتضى تشبيه مثلهم بمثل المستوقد، فما مثل المنافقين ومثل المستوقد حتى شبه أحدهما بالآخر؟ والجواب: استعير المثل للقصة أو للصفة إذا كان لها شأن وفيها غرابة، كأنه قيل قصتهم العجيبة كقصة الذي استوقد ناراً، وكذا قوله:

{ مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } [الرعد13: 35]

أي فيما قصصنا عليك من العجائب قصة الجنة العجيبة

{ وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأعْلَىٰ } [النحل16: 60]

أي الوصف الذي له شأن من العظمة والجلالة

{ مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ } [الفتح48: 29]

أي وصفهم وشأنهم المتعجب منه ولما في المثل من معنى الغرابة قالوا: فلان مثله في الخير والشر، فاشتقوا منه صفة للعجيب الشأن. السؤال الثاني: كيف مثلت الجماعة بالواحد؟ والجواب من وجوه: أحدها: أنه يجوز في اللغة وضع «الذي» موضع «الذين» كقوله:

{ وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُواْ } [التوبة9: 69]

وإنما جاز ذلك لأن «الذي» لكونه وصلة إلى وصف كل معرفة مجملة وكثرة وقوعه في كلامهم، ولكونه مستطالاً بصلته فهو حقيق بالتخفيف، ولذلك أعلوه بالحذف فحذفوا ياءه ثم كسرته ثم اقتصروا فيه على اللام وحدها في أسماء الفاعلين والمفعولين. وثانيها: أن يكون المراد جنس المستوقدين أو أريد الجمع أو الفوج الذي استوقد ناراً. وثالثها: وهو الأقوى: أن المنافقين وذواتهم لم يشبهوا بذات المستوقد حتى يلزم منه تشبيه الجماعة بالواحد وإنما شبهت قصتهم بقصة المستوقد. ومثله قوله تعالى:

{ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } [غافر40: 67]

أي يخرج كل واحد منكم. السؤال الثالث: ما الوقود؟ وما النار؟ وما الإضاءة؟ وما النور؟ ما الظلمة؟ الجواب: أما وقود النار فهو سطوعها وارتفاع لهبها، وأما النار فهو جوهر لطيف مضيء، حار محرق، واشتقاقها من نارينور إذا نفر؛ لأن فيها حركة واضطراباً، والنور مشتق منها وهو ضوؤها، والمنار العلامة، والمنارة هي الشيء الذي يؤذن عليه. ويقال أيضاً للشيء الذي يوضع السراج عليه، ومنه النورة لأنها تطهر البدن والإضاءة فرط الإنارة، ومصداق ذلك قوله تعالى:

-3-

{ هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَاء وَٱلْقَمَرَ نُوراً } [يونس10: 5]

و «أضاء» يرد لازماً ومتعدياً. تقول: أضاء القمر الظلمة، وأضاء القمر بمعنى استضاء قال الشاعر:

أضاءت لهم أحسابهم ووجوههمدجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه


وأما ما حول الشيء فهو الذي يتصل به، تقول دار حوله وحواليه، والحول السنة لأنها تحول، وحال عن العهد أي تغير، وحال لونه أي تغير لونه، والحوالة انقلاب الحق من شخص إلى شخص، والمحاولة طلب الفعل بعد أن لم يكن طالباً له، والحول انقلاب العين، والحول الانقلاب، قال الله تعالى:

{ لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } [الكهف18: 108]

والظلمة عدم النور عما من شأنه أن يستنير، والظلمة في أصل اللغة عبارة عن النقصان قال الله تعالى:

{ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمِ مّنْهُ شَيْئًا } [الكهف18: 33]

أي لم تنقص وفي المثل: من أشبه أباه فما ظلم، أي فما نقص حق الشبه، والظلم الثلج لأنه ينتقص سريعًا والظلم ماء السن وطراوته وبياضه تشبيهاً له بالثلج. السؤال الرابع: أضاءت متعدية أم لا؟ الجواب: كلاهما جائز، يقال: أضاءت النار بنفسها وأضاءت غيرها وكذلك أظلم الشيء بنفسه وأظلم غيره أي صيره مظلماً، وههنا الأقرب أنها متعدية، ويحتمل أن تكون غير متعدية مستندة إلى ما حوله والتأنيث للحمل على المعنى لأن ما حول المستوقد أماكن وأشياء، ويعضده قراءة ابن أبي عبلة «ضاء» السؤال الخامس: هلا قيل ذهب الله بضوئهم لقوله: { فَلَمَّا أَضَاءتْ }؟ الجواب: ذكر النور أبلغ لأن الضوء فيه دلالة على الزيادة، فلو قيل ذهب الله بضوئهم لأوهم ذهاب الكمال وبقاء ما يسمى نوراً والغرض إزالة النور عنهم بالكلية. ألا ترى كيف ذكر عقيبه: { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَـٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } والظلمة عبارة عن عدم النور، وكيف جمعها، وكيف نكرها وكيف أتبعها ما يدل على أنها ظلمة خالصة وهو قوله: { لاَّ يُبْصِرُونَ } السؤال السادس: لم قال: { ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ } ولم يقل أذهب الله نورهم والجواب: الفرق بين أذهب وذهب به أن معنى أذهبه أزاله وجعله ذاهباً، ويقال ذهب به إذا استصحبه، ومعنى به معه، وذهب السلطان بماله أخذه قال تعالى:

{ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ } [يوسف12: 15]
{ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ } [المؤمنون23: 91]

والمعنى أخذ الله نورهم وأمسكه

{ وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ } [فاطر35: 2]

فهو أبلغ من الإذهاب وقرأ اليماني «أذهب الله نورهم». السؤال السابع: ما معنى (وتركهم)؟ والجواب: ترك إذا علق بواحد فهو بمعنى طرح وإذا علق بشيئين كان بمعنى صير، فيجري مجرى أفعال القلوب ومنه قوله: { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَـٰتٍ } أصله هم في ظلمات ثم دخل ترك فنصبت الجزئين. السؤال الثامن: لم حذف أحد المفعولين من لا يبصرون؟ الجواب: أنه من قبيل المتروك الذي لا يلتفت إلى إخطاره بالبال، لا من قبيل المقدر المنوي، كأن الفعل غير متعد أصلاً.

-4-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #6  
قديم 12-15-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ }


قوله تعالى: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً } فمثلهم رفع بالابتداء والخبر في الكاف، فهي ٱسم؛ كما هي في قول الأعْشَى:

أتنتهون ولن يَنْهَى ذوِي شَطَطٍكالطعن يذهب فيه الزيتُ والفُتُلُ


وقول ٱمرىء القيس:

ورُحْنَا بِكَابْنِ الماءِ يُجَنبُ وسطَناتَصَوَّبُ فيه العينُ طَوْراً وتَرْتقِي


أراد مثل الطعن، وبمثل ٱبن الماء. ويجوز أن يكون الخبر محذوفاً؛ تقديره مثلهم مستقر كمثل؛ فالكاف على هذا حرف. والمَثَل والمِثْل والمِثيل واحد ومعناه الشبيه. والمتماثلان: المتشابهان؛ هكذا قال أهل اللغة.

قوله: { ٱلَّذِي } يقع للواحد والجمع. قال ٱبن الشَّجَرِي هبةُ الله بن عليّ: ومن العرب من يأتي بالجمع بلفظ الواحد؛ كما قال:

وإن الذي حانَتْ بفَلْج دماؤهمهُمُ القومُ كلُّ القومِ يا أمَّ خالدِ


وقيل في قول الله تعالى:

{ وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } [الزمر39:33]

إنه بهذه اللغة، وكذلك قوله: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي } قيل: المعنى كمثل الذين ٱستوقدوا، ولذلك قال تعالى: { ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ }؛ فحمل أوّل الكلام على الواحد، وآخره على الجمع. فأما قوله تعالى:

{ وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ } [التوبة9: 69]

فإن الذي ها هنا وصف لمصدر محذوف تقديره وخضتم كالخوض الذي خاضوا. وقيل: إنما وحّدَ «الذي» و «ٱستوقد» لأن المستوقد كان واحداً من جماعة تولّى الإيقاد لهم، فلما ذهب الضوء رجع عليهم جميعاً فقال: «بنورهم». وٱستوقد بمعنى أوقد؛ مثل ٱستجاب بمعنى أجاب؛ فالسين والتاء زائدتان، قاله الأخفش؛ ومنه قول الشاعر:

وداعٍ دَعَا يا من يُجيب إلى النَّدَىفلم يَستجِبْه عند ذاك مُجِيبُ


أي يجبه. وٱختلف النحاة في جواب لمّا، وفي عود الضمير من «نورهم»؛ فقيل: جواب لمّا محذوف وهو طَفِئت، والضمير في «نورهم» على هذا للمنافقين، والإخبار بهذا عن حال تكون في الآخرة؛ كما قال تعالى:

{ فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ } [الحديد57: 13].

وقيل: جوابه «ذهب»، والضمير في «نورهم» عائد على «الذي»؛ وعلى هذا القول يتم تمثيل المنافق بالمستوقد، لأن بقاء المستوقد في ظلمات لا يبصر كبقاء المنافق في حيرته وتردُّده. والمعنى المرادُ بالآية ضَرْبُ مَثَلٍ للمنافقين، وذلك أن ما يظهرونه من الإيمان الذي تثبت لهم به أحكام المسلمين من المناكح والتوارث والغنائم والأمن على أنفسهم وأولادهم وأموالهم بمثابة من أوقد ناراً في ليلة مظلمة فاستضاء بها ورأى ما ينبغي أن يتقيه وأمن منه؛ فإذا طَفِئت عنه أو ذهبت وصل إليه الأذى وبقي متحيراً؛ فكذلك المنافقون لما آمنوا ٱغْتَرُّوا بكلمة الإسلام، ثم يصيرون بعد الموت إلى العذاب الأليم ـ كما أخبر التنزيل:

{ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } [الحديد57: 13].

وقيل: إن إقبال المنافقين إلى المسلمين وكلامهم معهم كالنار؛ وٱنصرافهم عن مودتهم وٱرتكاسهم عندهم كذهابها. وقيل غير هذا.


قوله: { نَاراً } النار مؤنثة وهي من النور وهو أيضاً الإشراق.
-1-

وهي من الواو؛ لأنك تقول في التصغير: نويرة، وفي الجمع نور وأنوار ونيران، ٱنقلبت الواو ياء لكسر ما قبلها. وضاءت وأضاءت لغتان؛ يقال: ضاء القمرُ يَضُوء ضَوْءاً وأضاء يُضيء؛ يكون لازماً ومتعدّياً. وقرأ محمد بن السَّمَيْقَع: ضاءت بغير ألف، والعامة بالألف؛ قال الشاعر:

أضاءت لهم أحسابُهم ووجوهُهمدُجَى الليل حتى نَظّم الجِزْعَ ثاقِبه


{ مَا حَوْلَهُ } «ما» زائدة مؤكدة. وقيل: مفعولة بأضاءت. و «حَوْله» ظرف مكان، والهاء في موضع خفض بإضافته إليها. و { ذَهَبَ } وأذهب لغتان من الذهاب، وهو زوال الشيء. { وَتَرَكَهُمْ } أي أبقاهم. { فِي ظُلُمَاتٍ } جمع ظُلْمة. وقرأ الأعمش: «ظُلْمات» بإسكان اللام على الأصل. ومن قرأها بالضم فللفرق بين الاسم والنعت. وقرأ أشهب العقيلي: «ظُلَمات» بفتح اللام. قال البصريون: أبدل من الضمة فتحة لأنها أخف وقال الكسائي: «ظُلَمات» جمع الجمع، جمع ظُلَم. { لا يُبْصِرُونَ } فعل مستقبل في موضع الحال؛ كأنه قال: غير مبصرين، فلا يجوز الوقف على هذا على «ظلمات».

-2-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #7  
قديم 12-15-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ }


{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِى ٱسْتَوْقَدَ نَاراً } لما جاء بحقيقة حالهم عقبها بضرب المثل زيادة في التوضيح والتقرير، فإنه أوقع في القلب وأقمع للخصم الألد، لأنه يريك المتخيل محققاً والمعقول محسوساً، ولأمر ما أكثر الله في كتبه الأمثال، وفشت في كلام الأنبياء والحكماء. والمثل في الأصل بمعنى النظير يقال: مَثَل ومِثْل ومَثِيل كشبه وشبه وشبيه، ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده، ولا يضرب إلا ما فيه غرابة، ولذلك حوفظ عليه من التغيير، ثم استعير لكل حال أو قصة أو صفة لها شأن وفيها غرابة مثل قوله تعالى:

{ مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } [الرعد13: 35] وقوله تعالى:
{ وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأعْلَىٰ } [النحل16: 60]

والمعنى حالهم العجيبة الشأن كحال من استوقد ناراً، والذي: بمعنى الذين كما في قوله تعالى:

{ وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُواْ } [التوبة9: 69]

إن جعل مرجع الضمير في بنورهم، وإنما جاز ذلك ولم يجز وضع القائم موضع القائمين لأنه غير مقصود بالوصف، بل الجملة التي هي صلته وهو وصلة إلى وصف المعرفة بها لأنه ليس باسم تام بل هو كالجزء منه، فحقه أنه لا يجمع كما لا نجمع أخواتها، ويستوي فيه الواحد والجمع وليس الذين جمعه المصحح، بل ذو زيادة زيدت لزيادة المعنى ولذلك جاء بالياء أبداً على اللغة الفصيحة التي عليها التنزيل، ولكونه مستطالاً بصلته استحق التخفيف، ولذلك بولغ فيه فحذف ياؤه ثم كسرته ثم اقتصر على اللام في أسماء الفاعلين والمفعولين، أو قصد به جنس المستوقدين، أو الفوج الذي استوقد. والاستيقاد: طلب الوقود والسعي في تحصيله، وهو سطوع النار وارتفاع لهبها. واشتقاق النار من: نار ينور نوراً إذا نفر لأن فيها حركة واضطراباً.


{ فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ } أي: النار، ما حول المستوقد إن جعلتها متعدية، وإلا أمكن أن تكون مسندة إلى ما، والتأنيث لأن ما حوله أشياء وأماكن أو إلى ضمير النار، وما: موصولة في معنى الأمكنة، نصب على الظرف، أو مزيدة، وحوله ظرف وتأليف الحول للدوران. وقيل للعام حول لأنه يدور.

{ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ } جواب لما، والضمير للذي، وجمعه للحمل على المعنى، وعلى هذا إنما قال: { بِنُورِهِمْ } ولم يقل: بنارهم لأنه المراد من أيقادها. أو استئناف أجيب به اعتراض سائل يقول: ما بالهم شبهت حالهم بحال مستوقد انطفأت ناره؟ أو بدل من جملة التمثيل على سبيل البيان. والضمير على الوجهين للمنافقين، والجواب محذوف كما في قوله تعالى:

{ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ } [يوسف12: 15]

للإيجاز وأمن الالتباس. وإسناد الذهاب إلى الله تعالى إما لأن الكل بفعله، أو لأن الإطفاء حصل بسبب خفي، أو أمر سماوي كريح أو مطر، أو للمبالغة ولذلك عدي الفعل بالباء دون الهمزة لما فيها من معنى الاستصحاب والاستمساك، يقال: ذهب السلطان بماله إذا أخذه، وما أخذه الله وأمسكه فلا مرسل له، ولذلك عدل عن الضوء الذي هو مقتضى اللفظ إلى النور، فإنه لو قيل: ذهب الله بضوئهم احتمل ذهابه بما في الضوء من الزيادة وبقاء ما يسمى نوراً، والغرض إزالة النور عنهم رأساً ألا ترى كيف قرر ذلك وأكده بقوله { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَـٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } فذكر الظلمة التي هي عدم النور، وانطماسه بالكلية، وجمعها ونكرها ووصفها بأنها ظلمة خالصة لا يتراءى فيها شبحان.

-1-

وترك في الأصل بمعنى طرح وخلى، وله مفعول واحد فضمن معنى صير، فجرى مجرى أفعال القلوب كقوله تعالى: { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَـٰتٍ }.

وقول الشاعر:

فتركْتُه جَزْرَ السِّباع يَنُشْنَهُيَقضُمْنَ حُسنَ بنانِهِ والمِعْصَمِ


والظلمة مأخوذة من قولهم: ما ظلمك أن تفعل كذا، أي ما منعك، لأنها تسد البصر وتمنع الرؤية. وظلماتهم: ظلمة الكفر، وظلمة النفاق، وظلمة يوم القيامة

{ يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَـٰنِهِم } [الحديد57: 12]

أو ظلمة الضلال وظلمة سخط الله، وظلمة العقاب السرمدي، أو ظلمة شديدة كأنها ظلمة متراكمة، ومفعول { لاَّ يُبْصِرُونَ } من قبيل المطروح المتروك فكأن الفعل غير متعد.


والآية مَثَلٌ ضربه الله لمن آتاه ضرباً من الهدى فأضاعه، ولم يتوصل به إلى نعيم الأبد فبقي متحيراً متحسراً، تقريراً وتوضيحاً لما تضمنته الآية الأولى، ويدخل تحت عمومه هؤلاء المنافقون فإنهم أضاعوا ما نطقت به ألسنتهم من الحق باستبطان الكفر، وإظهاره حين خلوا إلى شياطينهم، ومن آثر الضلالة على الهدى المجعول له بالفطرة، أو ارتد عن دينه بعدما آمن، ومن صح له أحوال الإرادة فادعى أحوال المحبة فأذهب الله عنه ما أشرق عليه من أنوار الإرادة، أو مَثَّل لإيمانهم من حيث إنه يعود عليهم يحقن الدماء، وسلامة الأموال والأولاد، ومشاركة المسلمين في المغانم. والأحكام بالنار الموقدة للاستضاءة، ولذهاب أثره وانطماس نوره بإهلاكهم وإفشاء حالهم بإطفاء الله تعالى إياها وإذهاب نورها.
-2-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #8  
قديم 12-15-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير الجلالين/ المحلي و السيوطي (ت المحلي 864 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تفسير الجلالين/ المحلي و السيوطي (ت المحلي 864 هـ) مصنف و مدقق


{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ }


{ مّثْلُهُمْ } صفتهم في نفاقهم { كَمَثَلِ ٱلَّذِى ٱسْتَوْقَدَ } أوقد { نَارًا } في ظلمة { فَلَمَّا أَضَاءتْ } أنارت { مَا حَوْلَهُ } فأبصر واستدفأ وأمِنَ ما يخافه { ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ } أطفأه وجُمِعَ الضمير مراعاة لمعنى (الذي) { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } ما حولهم متحيرين عن الطريق خائفين فكذلك هؤلاء آمِنُوا بإظهار كلمة الإيمان فإذا ماتوا جاءهم الخوف والعذاب.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #9  
قديم 12-15-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق 1-2

{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } * { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ }


{ مّثْلُهُمْ } مرتفع بالابتداء، وخبره إما الكاف في قوله { كَمَثَلِ } لأنها اسم: أي مثل، مثل كما في قول الأعشى:

أتنتهون ولن تنهى ذوى شططكالطعن يذهب فيه الزيت والفتل


وقول امرىء القيس:

ورحنا بِكَابنِ الماء يجنب وسطناتصوّب فيه العين طوراً وترتقى


أراد مثل الطعن وبمثل ابن الماء، ويجوز أن يكون الخبر محذوفاً، أي مثلهم مستنير كمثل، فالكاف على هذا حرف. والمثل: الشبه، والمثلان: المتشابهان و { ٱلَّذِى } موضوع موضع الذين: أي كمثل الذين استوقدوا، وذلك موجود في كلام العرب، كقول الشاعر:

وإن الذي حانت بفلج دماؤهمهم القوم كل القوم يا أمّ خالد

ومنه

{ وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُواْ } [التوبة9: 69] ومنه
{ وَٱلَّذِى جَاء بِٱلصّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } [الزمر39: 33].

ووقود النار: سطوعها وارتفاع لهيبها، و { استوقد } بمعنى أوقد مثل استجاب بمعنى أجاب، فالسين والتاء زائدتان، قاله الأخفش. ومنه قول الشاعر:

ودَاعٍ دَعا يا من يُجيب إلى الندافلم يَسْتَجِبْهُ عند ذاك مُجيبُ


أي: يجبه. والإضاءة فرط الإنارة، وفعلها يكون لازماً ومتعدياً. و { مَا حَوْلَهُ } قيل ما زائدة. وقيل هي موصولة في محل نصب على أنها مفعول أضات وحوله منصوب على الظرفية، و { ذَهَبَ } من الذهاب، وهو زوال الشيء. و { *تركهم } أي: أبقاهم { ظُلُمَـٰتٍ } جمع ظلمة. وقرأ الأعمش بإسكان اللام على الأصل. وقرأ أشهب العقيلي بفتح اللام، وهي عدم النور. و { صُمٌّ } وما بعده خبر مبتدأ محذوف: أي هم. وقرأ ابن مسعود " صماً بكماً عمياً " بالنصب على الذم، ويجوز أن ينتصب بقوله { تركهم }. والصمم: الانسداد، يقال قناة صماء: إذا لم تكن مجوّفة،. وصممت القارورة: إذا سددتها، وفلان أصمّ: إذا انسدت خروق مسامعه. والأبكم: الذي لا ينطق ولا يفهم، فإذا فهم، فهو الأخرس. وقيل الأخرس والأبكم واحد. والعمى: ذهاب البصر. والمراد بقوله: { فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } أي: إلى الحق، وجواب لما في قوله: { فَلَمَّا أَضَاءتْ } ، قيل هو: { ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ } وقيل: محذوف تقديره: طفئت فبقوا حائرين. وعلى الثاني فيكون قوله: { ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ } كلاماً مستأنفاً أو بدلاً من المقدر.

ضرب الله هذا المثل للمنافقين لبيان أن ما يظهرونه من الإيمان مع ما يبطنونه من النفاق لا يثبت لهم به أحكام الإسلام، كمثل المستوقد الذي أضاءت ناره ثم طفئت، فإنه يعود إلى الظلمة، ولا تنفعه تلك الإضاءة اليسيرة، فكان بقاء المستوقد في ظلمات لا يبصر كبقاء المنافق في حيرته وتردده. وإنما وصفت هذه النار بالإضاءة مع كونها نار باطل، لأن الباطل كذلك تسطع ذوائب لهب ناره لحظة ثم تخفت. ومنه قولهم «للباطل صولة ثم يضمحلّ» وقد تقرر عند علماء البلاغة أن لضرب الأمثال شأناً عظيماً في إبراز خفيات المعاني، ورفع أستار محجبات الدقائق ولهذا استكثر الله من ذلك في كتابه العزيز، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من ذلك في مخاطباته، ومواعظه.
-1-

قال ابن جرير: إن هؤلاء المضروب لهم المثل هاهنا لم يؤمنوا في وقت من الأوقات، واحتج بقوله تعالى:

{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلأْخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } [البقرة2: 8].

وقال ابن كثير: إن الصواب أن هذا إخبار عنهم في حال نفاقهم وكفرهم، وهذا لا ينفي أنه كان حصل لهم إيمان قبل ذلك، ثم سلبوه وطبع على قلوبهم كما يفيده قوله تعالى:

{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ءامَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } [المنافقون63: 3].

قال ابن جرير: وصحّ ضرب مثل الجماعة بالواحد كما قال

{ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِى يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } [الأحزاب33: 19]

أي: كدوران عيني الذي يغشى عليه من الموت، وقال تعالى:

{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } [الجمعة62: 5].


وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِى ٱسْتَوْقَدَ نَاراً } قال: هذا مثل ضربه الله للمنافقين كانوا يعتزون بالإسلام فيناكحهم المسلمون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفيء، فلما ماتوا سلبهم الله العزّ كما سلب صاحب النار ضوءه { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَـٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } يقول: في عذاب { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ } فهم لا يسمعون الهدى، ولا يبصرونه ولا يعقلونه. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِى ٱسْتَوْقَدَ نَاراً } قالوا: إن ناساً دخلوا في الإسلام عند مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ثم نافقوا، فكان مثلهم كمثل رجل كان في ظلمة فأوقد ناراً فأضاءت ما حوله من قذى وأذى فأبصره حتى عرف ما يتقي، فبينما هو كذلك إذا طفئت ناره فأقبل لا يدري ما يتقي من أذى. فكذلك المنافق كان في ظلمة الشرك، فأسلم فعرف الحلال من الحرام، والخير من الشرّ، فبينما هو كذلك إذ كفر، فصار لا يعرف الحلال من الحرام ولا الخير من الشرّ، فهم صم بكم هم الخرس، فهم لا يرجعون إلى الإسلام.

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: { كَمَثَلِ ٱلَّذِى ٱسْتَوْقَدَ نَاراً } قال: ضربه الله مثلاً للمنافق، وقوله { ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ } قال: أما النور فهو إيمانهم الذي يتكلمون به، وأما الظلمة فهو ضلالهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد نحوه. وأخرجا أيضاً عن قتادة نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة، والحسن والسدي، والربيع بن أنس نحو ما تقدم.

-2-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #10  
قديم 12-15-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق

تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق

{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ }


قوله تعالى { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِى ٱسْتَوْقَدَ نَاراً } روى معاوية بن طلح عن علي بن أبي طلحة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت هذه الآية في شأن اليهود الذين هم حوالي المدينة فقال: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِى ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ } يعني كمثل من كان في المفازة في الليلة المظلمة، وهو يخاف السباع فأوقد ناراً فآمن بها من السباع { فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ } طفئت ناره وبقي في الظلمة كذلك اليهود الذين كانوا حوالي المدينة كانوا يقرون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يخرج وكانوا إذا حاربوا أعداءهم من المشركين يستنصرون باسمه فيقولون بحق نبيك أن تنصرنا فلما أخرج - النبي صلى الله عليه وسلم - وقدم المدينة حسدوه وكذبوه وكفروا به فطفئت نارهم وبقوا في ظلمات الكفر، وقال مقاتل: نزلت في المنافقين يقول مثل المنافق مع النبي - صلى الله عليه وسلم - كمثل رجل في مفازة فأوقد ناراً (فأمن) بها على نفسه وعياله وماله فكذلك المنافق يتكلم بلا إله إلا الله مرآة الناس ليأمن بها على نفسه (وأهله) وعياله وماله ويناكح مع المسلمين وكان له نور بمنزلة المستوقد النار يمشي في شوءها ما دامت ناره تتقد، فلما أضاءت النار أبصر ما حوله بنورها وذهب نورها فبقي في ظلمة. قوله تعالى { ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ } أي يذهب الله بنور الإيمان الذي يتكلم به { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَـٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } الهدى فكذلك المنافق إذا بلغ آخر عمره بقي في ظلمة كفره. وهكذا فسره قتادة والقتبي وغيرهما.

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
إضافة رد
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع
ابحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 05:17 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.