المحامية رباب المعبي : حكم لصالح موكلنا بأحقيتة للمبالغ محل ...  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات يوسيرين: رفع مستوى روتين العناية بالبشرة مع ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    اكتشفي منتجات لاروش بوزيه الفريدة من نوعها في ويلنس سوق  آخر رد: الياسمينا    <::>    منتجات العناية بالبشرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    استكشف سر جمال شعرك في ويلنس سوق، الوجهة الأولى للعناية بالش...  آخر رد: الياسمينا    <::>    ويلنس سوق : وجهتك الأساسية لمنتجات العناية الشخصية والجمال  آخر رد: الياسمينا    <::>    موقع كوبون جديد للحصول على اكواد الخصم  آخر رد: الياسمينا    <::>    إيجار ليموزين في مطار القاهرة  آخر رد: الياسمينا    <::>    ليموزين المطار في مصر الرفاهية والراحة في خدمة المسافرين  آخر رد: الياسمينا    <::>    حفل تكريم أوائل الثانوية العامة للعام الدراسي 2023.  آخر رد: الياسمينا    <::>   
 
العودة   منتدى المسجد الأقصى المبارك > القرآن الكريم > آيات القرآن الكريم
التسجيل التعليمات الملحقات التقويم مشاركات اليوم البحث

 
إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
  #1  
قديم 05-23-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي البقرة 002 - آية 020 - يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ ع

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مرحبا بكم معنا في المسجد الأقصى المبارك
سورة 002 - البقرة - آية رقم 020

يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

صدق الله العظيم
السابق التالي
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم

آخر تعديل بواسطة admin ، 12-28-2010 الساعة 02:19 PM
رد مع اقتباس
 
 
  #2  
قديم 12-21-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق 1-11

تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق 1-11

{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَـٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ }.

قال أبو جعفر: فأما الظلـمات فجمع، واحدها ظلـمة وأما الرعد فإن أهل العلـم اختلفوا فـيه فقال بعضهم: هو ملك يزجر السحاب. ذكر من قال ذلك:

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة عن الـحكم، عن مـجاهد، قال: الرعد ملك يزجر السحاب بصوته.

وحدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة عن الـحكم عن مـجاهد مثله.

وحدثنـي يحيى بن طلـحة الـيربوعي، قال: حدثنا فضيـل بن عياض، عن لـيث، عن مـجاهد مثله.

وحدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم قال: أنبأنا إسماعيـل بن سالـم عن أبـي صالـح، قال: الرعد ملك من الـملائكة يسبح.

وحدثنـي نصر ابن عبد الرحمن الأودي، قال: حدثنا مـحمد بن يعلـى، عن أبـي الـخطاب البصري، عن شهر بن حوشب قال: الرعد: ملك موكل بـالسحاب، يسوقه كما يسوق الـحادي الإبل، يسبح كلـما خالفت سحابة سحابة صاح بها، فإذا اشتد غضبه طارت النار من فـيه، فهي الصواعق التـي رأيتـم.

وحدثت عن الـمنـجاب بن الـحارث، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبـي روق، عن الضحاك، عن ابن عبـاس، قال: الرعد: ملك من الـملائكة اسمه الرعد، وهو الذي تسمعون صوته.

حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا عبد الـملك بن حسين عن السدي، عن أبـي مالك، عن ابن عبـاس، قال: الرعد: ملك يزجر السحاب بـالتسبـيح والتكبـير.

وحدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا علـيّ بن عاصم، عن ابن جريج، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس، قال: الرعد: اسم ملك، وصوته هذا تسبـيحه، فإذا اشتدّ زجره السحاب اضطرب السحاب واحتك فتـخرج الصواعق من بـينه.

حدثنا الـحسن، قال: حدثنا عفـان، قال: حدثنا أبو عوانة، عن موسى البزار، عن شهر بن حوشب عن ابن عبـاس، قال: الرعد: ملك يسوق السحاب بـالتسبـيح، كما يسوق الـحادي الإبل بحدائه.

حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: حدثنا يحيى بن عبـاد وشبـابة قالا: ثنا شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد، قال: الرعد: ملك يزجر السحاب.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا عتاب بن زياد، عن عكرمة، قال: الرعد: ملك فـي السحاب يجمع السحاب كما يجمع الراعي الإبل.

وحدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: الرعد: خَـلْقٌ من خَـلْقِ الله جل وعز سامع مطيع لله جل وعز.

حدثنا القاسم بن الـحسن، قال: حدثنا الـحسين بن داود، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قال: إن الرعد ملك يؤمر بـازجاء السحاب فـيؤلف بـينه، فذلك الصوت تسبـيحه.
-1-

وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاح، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قال: الرعد: ملك.

وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا حماد بن سلـمة، عن الـمغيرة بن سالـم، عن أبـيه أو غيره، أن علـي بن أبـي طالب قال: الرعد: ملك.

حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد، قال: أخبرنا موسى بن سالـم أبو جهضم مولـى ابن عبـاس، قال: كتب ابن عبـاس إلـى أبـي الـخلَد يسأله عن الرعد؟ فقال: الرعد: ملك.

حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم، قال: حدثنا عمر بن الولـيد السنـي، عن عكرمة، قال: الرعد: ملك يسوق السحاب كما يسوق الراعي الإبل.

حدثنـي سعد بن عبد الله بن عبد الـحكم، قال: حدثنا حفص بن عمر، قال: حدثنا الـحكم بن أبـان، عن عكرمة، قال: كان ابن عبـاس إذا سمع الرعد، قال: سبحان الذي سبحت له، قال: وكان يقول: إن الرعد: ملك ينعق بـالغيث كما ينعق الراعي بغنـمه.

وقال آخرون: إن الرعد: ريح تـختنق تـحت السحاب، فتصاعد فـيكون منه ذلك الصوت ذكر من قال ذلك:

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا بشر بن إسماعيـل، عن أبـي كثـير، قال: كنت عند أبـي الـخلَد، إذ جاءه رسول ابن عبـاس بكتاب إلـيه، فكتب إلـيه: كتبت تسألنـي عن الرعد، فـالرعد: الريح.

حدثنـي إبراهيـم بن عبد الله، قال: حدثنا عمران بن ميسرة، قال: حدثنا ابن إدريس عن الـحسن بن الفرات، عن أبـيه، قال: كتب ابن عبـاس إلـى أبـي الـخلد يسأله عن الرعد، فقال: الرعد: ريح.

قال أبو جعفر: فإن كان الرعد ما ذكره ابن عبـاس ومـجاهد، فمعنى الآية: أو كصيب من السماء فـيه ظلـمات وصوت رعد لأن الرعد إنْ كان ملكاً يسوق السحاب، فغير كائن فـي الصيب لأن الصِّيب إنـما هو ما تـحدَّر من صوب السحاب والرعد: إنـما هو فـي جوّ السماء يسوق السحاب، علـى أنه لو كان فـيه يـمر لـم يكن له صوت مسموع، فلـم يكن هنالك رعب يرعب به أحد لأنه قد قـيـل: إن مع كل قطرة من قطر الـمطر ملكاً، فلا يعدو الـملك الذي اسمه الرعد لو كان مع الصيب إذا لـم يكن مسموعاً صوته أن يكون كبعض تلك الـملائكة التـي تنزل مع القطر إلـى الأرض فـي أن لا رعب علـى أحد بكونه فـيه. فقد عُلـم إذْ كان الأمر علـى ما وصفنا من قول ابن عبـاس إن معنى الآية: أو كمثل غيث تـحدر من السماء فـيه ظلـمات وصوت رعد إن كان الرعد هو ما قاله ابن عبـاس، وأنه استغنى بدلالة ذكر الرعد بـاسمه علـى الـمراد فـي الكلام من ذكر صوته. وإن كان الرعد ما قاله أبو الـخـلد فلا شيء فـي قوله: «فـيه ظلـمات ورعد» متروك، لأن معنى الكلام حينئذٍ: فـيه ظلـمات ورعد الذي هو وما وصفنا صفته.
-2-

وأما البرق، فإن أهل العلـم اختلفوا فـيه فقال بعضهم بـما:

حدثنا مطر بن مـحمد الضبـي، قال: حدثنا أبو عاصم ح وحدثنـي مـحمد بن بشار قال: حدثنـي عبد الرحمن بن مهدي ح وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قالوا جميعاً: حدثنا سفـيان الثوري، عن سلـمة بن كهيـل، عن سعيد بن أشوع، عن ربـيعة بن الأبـيض، عن علـيّ قال: البرق: مخاريق الـملائكة.

حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا عبد الـملك بن الـحسين، عن السدي عن أبـي مالك، عن ابن عبـاس: البرق مخاريق بأيدي الـملائكة يزجرون بها السحاب.

وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا حماد، عن الـمغيرة بن سالـم، عن أبـيه أو غيره أن علـيّ بن أبـي طالب قال: الرعد: الـملك، والبرق: ضربه السحاب بـمخراق من حديد.

وقال آخرون: هو سوط من نور يزجر به الـملك السحاب.

حدثت عن الـمنـجاب بن الـحارث، قال: حدثنا بشر بن عمارة عن أبـي روق، عن الضحاك، عن ابن عبـاس بذلك.

وقال آخرون: هو ماء. ذكر من قال ذلك:

حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا بشر بن إسماعيـل، عن أبـي كثـير، قال: كنت عند أبـي الـخلَد إذ جاءه رسول ابن عبـاس بكتاب إلـيه، فكتب إلـيه: تسألنـي عن البرق، فـالبرق: الـماء.

حدثنا إبراهيـم بن عبد الله، قال: حدثنا عمران بن ميسرة، قال: حدثنا ابن إدريس، عن الـحسن بن الفرات، عن أبـيه، قال: كتب ابن عبـاس إلـى أبـي الـخلَد يسأله عن البرق، فقال: البرق: ماء.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن رجل من أهل البصرة من قرائهم، قال: كتب ابن عبـاس إلـى أبـي الـخلَد رجل من أهل هجر يسأله عن البرق، فكتب إلـيه: كتبت إلـيّ تسألنـي عن البرق: وإنه من الـماء.

وقال آخرون: هو مَصْعُ مَلَكٍ.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا سفـيان عن عثمان بن الأسود، عن مـجاهد، قال: البرق: مَصْع مَلَك.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا هشام، عن مـحمد بن مسلـم الطائفـي، قال: بلغنـي أن البرق ملك له أربعة أوجه: وجه إنسان، ووجه ثور، ووجه نسر، ووجه أسد، فإذا مصع بأجنـحته فذلك البرق.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن وهب بن سلـيـمان، عن شعيب الـجبـائي، قال: فـي كتاب الله الـملائكة حملة العرش، لكل ملك منهم وجه إنسان، وثور، وأسد، فإذا حركوا أجنـحتهم فهو البرق. وقال أمية بن أبـي الصلت:
رَجُلٌ وَثَوْرٌ تَـحْتَ رِجْلِ يَـمِينِهِ
والنَّسْرُ للاخْرَى وَلَـيْثٌ مُرْصَدُ
-3-

حدثنا الـحسين بن مـحمد، قال: حدثنا علـيّ بن عاصم، عن ابن جريج، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس: البرق: ملك.

وقد حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: الصواعق ملك يضرب السحاب بـالـمخاريق يصيب منه من يشاء.

قال أبو جعفر: وقد يحتـمل أن يكون ما قاله علـيّ بن أبـي طالب وابن عبـاس ومـجاهد بـمعنى واحد وذلك أن تكون الـمخاريق التـي ذكر علـيّ رضي الله عنه أنها هي البرق هي السياط التـي هي من نور التـي يزجي بها الـملك السحاب، كما قال ابن عبـاس. ويكون إزجاء الـملك السحاب: مَصْعَهُ إياه بها، وذاك أن الـمِصَاعَ عند العرب أصله الـمـجالدة بـالسيوف، ثم تستعمله فـي كل شيء جُولد به فـي حرب وغير حرب، كما قال أعشى بنـي ثعلبة وهو يصف جواري يـلعبن بحلـيهن ويجالدن به.
إذَا هُنَّ نازَلْنَ أقْرَانَهُنَّ
وكانَ الـمِصَاعُ بِـمَا فـي الـجُؤَنِ

يقال منه: ماصعه مِصَاعاً. وكأن مـجاهداً إنـما قال: «مصع ملك»، إذ كان السحاب لا يـماصع الـملك، وإنـما الرعد هو الـمـماصع له، فجعله مصدراً من مصعه يَـمْصَعُه مصعاً، وقد ذكرنا ما فـي معنى الصاعقة ما قال شهر بن حوشب فـيـما مضى.

وأما تأويـل الآية، فإن أهل التأويـل مختلفون فـيه. فرُوي عن ابن عبـاس فـي ذلك أقوال أحدها ما:

حدثنا به مـحمد بن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس:

{ أوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السمَّاءِ فِـيهِ ظُلُـمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أصَابِعَهُمْ فـي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الـمَوْتِ } (البقرة2: 19)

أي هم من ظلـمات ما هم فـيه من الكفر والـحذر من القتل علـى الذي هم علـيه من الـخلاف، والتـخوّف منكم علـى مثل ما وصف من الذي هو فـي ظلـمة الصيب، فجعل أصابعه فـي أذنـيه من الصواعق حذر الـموت { يَكادَ البَرْقُ يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ } أي لشدة ضوء الـحق، { كُلَّـما أضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِـيهِ وَإذَا أظْلَـمَ عَلَـيْهِمْ قَامُوا } أي يعرفون الـحق ويتكلـمون به، فهم من قولهم به علـى استقامة، فإذا ارتكسوا منه إلـى الكفر قاموا متـحيرين. والآخر ما:


حدثنـي به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم:

{ أوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السمَّاءِ فِـيهِ ظُلُـماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } (البقرة2: 19)

إلـى: { إِنَّ اللَّهَ علـى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }: أما الصيب والـمطر. كانا رجلان من الـمنافقـين من أهل الـمدينة هربـا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى الـمشركين، فأصابهما هذا الـمطر الذي ذكر الله فـيه رعد شديد وصواعق وبرق، فجعلا كلـما أضاء لهما الصواعق جعلا أصابعهما فـي آذانهما من الفَرَق أن تدخـل الصواعق فـي مسامعهما فتقتلهما، وإذ لـمع البرق مشوا فـي ضوئه، وإذا لـم يـلـمع لـم يبصرا قاما مكانهما لا يـمشيان، فجعلا يقولان: لـيتنا قد أصبحنا فنأتـي مـحمداً فنضع أيدينا فـي يده فأصبحا فأتـياه فأسلـما ووضعا أيديهما فـي يده وحسن إسلامهما.

-4-

فضرب الله شأن هذين الـمنافقـين الـخارجين مثلاً للـمنافقـين الذين بـالـمدينة. وكان الـمنافقون إذا حضروا مـجلس النبـي صلى الله عليه وسلم، جعلوا أصابعهم فـي آذانهم فَرَقاً من كلام النبـي صلى الله عليه وسلم أن ينزل فـيهم شيء أو يذكروا بشيء فـيقتلوا، كما كان ذانك الـمنافقان الـخارجان يجعلان أصابعهما فـي آذانهما، وإذا أضاء لهم مشوا فـيه. فإذا كثرت أموالهم وولد لهم الغلـمان وأصابوا غنـيـمة أو فتـحاً مشوا فـيه، وقالوا: إن دين مـحمد صلى الله عليه وسلم دين صدق فـاستقاموا علـيه، كما كان ذانك الـمنافقان يـمشيان إذا أضاء لهم البرق مشوا فـيه، وإذا أظلـم علـيهم قاموا. فكانوا إذا هلكت أموالهم، وولد لهم الـجواري، وأصابهم البلاء قالوا: هذا من أجل دين مـحمد، فـارتدّوا كفـاراً كما قام ذانك الـمنافقان حين أظلـم البرق علـيهما. والثالث ما:

حدثنـي به مـحمد بن سعد قال: حدثنـي أبـي، قال: حدثنـي عمي، عن أبـيه، عن جده، عن ابن عبـاس:

{ فـيه ظلـمات ورعد وبرق } (البقرة2: 19)

إلـى آخر الآية، هو مثل الـمنافق فـي ضوء ما تكلـم بـما معه من كتاب الله وعمل، مراءاةً للناس، فإذا خلا وحده عمل بغيره. فهو فـي ظلـمة ما أقام علـى ذلك. وأما الظلـمات فـالضلالة، وأما البرق فـالإيـمان، وهم أهل الكتاب. وإذا أظلـم علـيهم، فهو رجل يأخذ بطرف الـحق لا يستطيع أن يجاوزه. والرابع ما:


حدثنـي به الـمثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالـح، قال: حدثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس:

{ أوْ كَصَيِّبٍ منَ السمَّاء } (البقرة2: 19)

وهو الـمطر، ضرب مثله فـي القرآن يقول: «فـيه ظلـمات»، يقول: ابتلاء. «ورعد» يقول: فـيه تـخويف، وبرق { يَكادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ } يقول: يكاد مـحكم القرآن يدلّ علـى عورات الـمنافقـين، { كُلَّـما أضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِـيهِ } يقول: كلـما أصاب الـمنافقون من الإسلام عزّاً اطمأنوا، وإن أصابوا الإسلام نكبة، قالوا: ارجعوا إلـى الكفر. يقول: { وَإذَا أظْلَـمَ عَلَـيْهِمْ قامُوا } كقوله:


ثم اختلف سائر أهل التأويـل بعد ذلك فـي نظير ما رُوي عن ابن عبـاس من الاختلاف.

فحدثنـي مـحمد بن عمرو البـاهلـي، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى بن ميـمون، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: إضاءة البرق وإظلامه علـى نـحو ذلك الـمثل.

وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد مثله.
-5-

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد مثله.

وحدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زُريع، عن سعيد، عن قتادة فـي قول الله:

{ فِـيهِ ظُلُـمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } (البقرة2: 19)

إلـى قوله: { وَإذَا أظْلَـمَ عَلَـيْهِمْ قامُوا } ، فـالـمنافق إذا رأى فـي الإسلام رخاء أو طمأنـينة أو سلوة من عيش، قال: أنا معكم وأنا منكم وإذا أصابته شدة حقحق والله عندها فـانقُطع به فلـم يصبر علـى بلائها، ولـم يحتسب أجرها، ولـم يَرْجُ عاقبتها.


وحدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة:

{ فِـيهِ ظُلُـماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } (البقرة2: 19)

يقول: أخبر عن قوم لا يسمعون شيئاً إلا ظنوا أنهم هالكون فـيه حذراً من الـموت، والله مـحيط بـالكافرين. ثم ضرب لهم مثلاً آخر فقال: { يَكادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ كُلَّـما أضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِـيهِ } يقول: هذا الـمنافق، إذا كثر ماله وكثرت ماشيته وأصابته عافـية قال: لـم يصبنـي منذ دخـلت فـي دينـي هذا إلاّ خير، { وَإِذَا أظْلَـمَ عَلَـيْهِمْ قامُوا } يقول: إذا ذهبت أموالهم وهلكت مواشيهم وأصابهم البلاء قاموا متـحيرين.


وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج، عن عبد الله بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس:

{ فِـيهِ ظُلُـمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } (البقرة2: 19)

قال: مثلهم كمثل قوم ساروا فـي لـيـلة مظلـمة ولها مطر ورعد وبرق علـى جادة، فلـما أبرقت أبصروا الـجادّة فمضوا فـيها، وإذا ذهب البرق تـحيروا. وكذلك الـمنافق كلـما تكلـم بكلـمة الإخلاص أضاء له، فإذا شك تـحير ووقع فـي الظلـمة، فكذلك قوله: { كُلَّـما أضَاءَ لَهُمْ مَشَوا فِـيهِ وَإذَا أظْلَـمَ عَلَـيْهِمْ قَامُوا } ثم قال: فـي أسماعهم وأبصارهم التـي عاشوا بها فـي الناس { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمَعِهِمْ وأبْصَارِهِمْ } قال أبو جعفر:


وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو نُـميـلة، عن عبـيد بن سلـيـمان البـاهلـي، عن الضحاك بن مزاحم: { فِـيهِ ظُلُـماتٌ } قال: أما الظلـمات فـالضلالة، والبرق: الإيـمان.

وحدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثنـي عبد الرحمن بن زيد فـي قوله:

{ فِـيهِ ظُلُـماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } (البقرة2: 19)

فقرأ حتـى بلغ: { إِنَّ اللَّهَ علـى كُلّ شَيْءٍ قَدِير } قال: هذا أيضاً مثل ضربه الله للـمنافقـين، كانوا قد استناروا بـالإسلام كما استنار هذا بنور هذا البرق.


وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج: لـيس شيءٌ فـي الأرض سمعه الـمنافق إلا ظنّ أنه يراد به وأنه الـموت كراهية له، والـمنافق أكره خـلق الله للـموت، كما إذا كانوا بـالبَراز فـي الـمطر فرّوا من الصواعق.

حدثنا عمرو ابن علـيّ، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء فـي قوله:

-6-

وهذه الأقوال التـي ذكرنا عمن رويناها عنه، فإنها وإن اختلفت فـيها ألفـاظ قائلـيها متقاربـات الـمعانـي لأنها جميعاً تنبىء عن أن الله ضرب الصيب لظاهر إيـمان الـمنافق مثلاً، ومثَّل ما فـيه من ظلـمات بضلالته، وما فـيه من ضياء برق بنور إيـمانه، واتقاءه من الصواعق بتصيـير أصابعه فـي أذنـيه بضعف جنانه وتحير فؤاده من حلول عقوبة الله بساحته، ومشيه فـي ضوء البرق بـاستقامته علـى نور إيـمانه، وقـيامه فـي الظلام بحيرته فـي ضلالته وارتكاسه فـي عمهه.

فتأويـل الآية إذا إذا كان الأمر علـى ما وصفنا: أَوَ مَثَلُ ما استضاء به الـمنافقون من قـيـلهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللـمؤمنـين بألسنتهم: آمنا بـالله وبـالـيوم الآخر وبـمـحمد وما جاء به، حتـى صار لهم بذلك فـي الدنـيا أحكام الـمؤمنـين، وهم مع إظهارهم بألسنتهم ما يظهرون بـالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من عند الله وبـالـيوم الآخر، مكذِّبون، ولـخلاف ما يظهرون بـالألسن فـي قلوبهم معتقدون، علـى عَمًى منهم وجهالة بـما هم علـيه من الضلالة لا يدرون أيّ الأمرين اللذين قد شرعا لهم فـيه الهداية فـي الكفر الذي كانوا علـيه قبل إرسال الله مـحمداً صلى الله عليه وسلم بـما أرسله به إلـيهم، أم فـي الذي أتاهم به مـحمد صلى الله عليه وسلم من عند ربهم؟ فهم من وعيد الله إياهم علـى لسان مـحمد صلى الله عليه وسلم وَجِلُون، وهم مع وجلهم من ذلك فـي حقـيقته شاكون فـي قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً. كمثل غيث سرى لـيلاً فـي مزنة ظلـماء ولـيـلة مظلـمة يحدوها رعد ويستطير فـي حافـاتها برق شديد لـمعانه كثـير خَطَرانه، يكاد سنا برقه يذهب بـالأبصار، ويختطفها من شدة ضيائه ونور شعاعه وينهبط منها نارات صواعق تكاد تدع النفوس من شدة أهوالها زواهق. فـالصيب مثلٌ لظاهر ما أظهر الـمنافقون بألسنتهم من الإقرار والتصديق، والظلـمات التـي هي فـيه لظلـمات ما هم مستبطنون من الشك والتكذيب ومرض القلوب. وأما الرعد والصواعق فلـما هم علـيه من الوجل من وعيد الله إياهم علـى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فـي آي كتابه، إما فـي العاجل وإما فـي الآجل، أي يحل بهم مع شكهم فـي ذلك: هل هو كائن، أم غير كائن، وهل له حقـيقة أم ذلك كذب وبـاطل؟ مَثَلٌ. فهم من وجلهم أن يكون ذلك حقاً يتقونه بـالإقرار بـما جاء به مـحمد صلى الله عليه وسلم بألسنتهم مخافة علـى أنفسهم من الهلاك ونزول النقمات. وذلك تأويـل قوله جل ثناؤه:

{ يَجْعَلُونَ أصَابِعَهُمْ فِـي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الـمَوْتِ } (البقرة2: 19)

يعنـي بذلك يتقون وعيد الله الذي أنزله فـي كتابه علـى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بـما يبدونه بألسنتهم من ظاهر الإقرار، كما يتقـي الـخائف أصوات الصواعق بتغطية أذنـيه وتصيـير أصابعه فـيها حذراً علـى نفسه منها.

-7-

وقد ذكرنا الـخبر الذي رُوي عن ابن مسعود وابن عبـاس أنهما كانا يقولان: إن الـمنافقـين كانوا إذا حضروا مـجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخـلوا أصابعهم فـي آذانهم فَرَقاً من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل فـيهم شيء، أو يُذكروا بشيء فـيقتلوا. فإن كان ذلك صحيحاً، ولست أعلـمه صحيحاً، إذ كنت بإسناده مرتابـاً فإن القول الذي روي عنهما هو القول. وإن يكن غير صحيح، فأولـى بتأويـل الآية ما قلنا لأن الله إنـما قص علـينا من خبرهم فـي أول مبتدأ قصصهم أنهم يخادعون الله ورسوله والـمؤمنـين بقولهم آمنا بـالله وبـالـيوم الآخر، مع شك قلوبهم ومرض أفئدتهم فـي حقـيقة ما زعموا أنهم به مؤمنون مـما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند ربهم، وبذلك وصفهم فـي جميع آي القرآن التـي ذكر فـيها صفتهم. فكذلك ذلك فـي هذه الآية.

وإنـما جعل الله إدخالهم أصابعهم فـي آذانهم مثلاً لاتقائهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والـمؤمنـين بـما ذكرنا أنهم يتقونهم به كما يتقـي سامع صوت الصاعقة بإدخال أصابعه فـي أذنـيه. وذلك من الـمَثَلِ نظير تـمثـيـل الله جل ثناؤه ما أنزل فـيهم من الوعيد فـي آي كتابه بأصوات الصواعق، وكذلك قوله:

{ حَذَرَ الـمَوْت } (البقرة2: 19)

جعله جل ثناؤه مثلاً لـخوفهم وإشفـاقهم من حلول عاجل العقاب الـمهلك الذي توعده بساحتهم، كما يجعل سامع أصوات الصواعق أصابعه فـي أذنـيه حذر العطب والـموت علـى نفسه أن تزهق من شدتها. وإنـما نصب قوله: حذر الـموت علـى نـحو ما تنصب به التكرمة فـي قولك: زرتَكَ تكرمَةَ لك، تريد بذلك: من أجل تكرمتك، وكما قال جل ثناؤه: { وَيَدْعُونَنَا رَغَبـاً وَرَهَبـاً } علـى التفسير للفعل. وقد رُوي عن قتادة أنه كان يتأوّل قوله:

{ حَذَرَ الـمَوْت } (البقرة2: 19)

حذراً من الـموت.


حدثنا بذلك الـحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا معمر عنه.

وذلك مذهب من التأويـل ضعيف، لأن القوم لـم يجعلوا أصابعهم فـي آذانهم حذراً من الـموت فـيكون معناه ما قال إنه مراد به حذراً من الـموت، وإنـما جعلوها من حذار الـموت فـي آذانهم.

وكان قتادة وابن جريج يتأوّلان قوله:

{ يَجْعَلُونَ أصَابِعَهُمْ فـي آذَانهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الـمَوْتِ } (البقرة2: 19)

أن ذلك من الله جل ثناؤه صفةٌ للـمنافقـين بـالهلع. وضعف القلوب، وكراهة الـموت، ويتأوّلان فـي ذلك قوله:

{ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَـيْهِمْ } (المنافقون63: 4)

ولـيس الأمر فـي ذلك عندي كالذي قالا. وذلك أنه قد كان فـيهم من لا تنكر شجاعته ولا تدفع بسالته كقزمان الذي لـم يقم مقامه أحد من الـمؤمنـين بـأحد و دونه. وإنـما كانت كراهتهم شُهود الـمشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركهم معاونته علـى أعدائه لأنهم لـم يكونوا فـي أديانهم مستبصرين ولا برسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقـين، فكانوا للـحضور معه مشاهده كارهين، إلا بـالتـخذيـل عنه.

-8-

ولكن ذلك وصف من الله جل ثناؤه لهم بـالإشفـاق من حلول عقوبة الله بهم علـى نفـاقهم، إما عاجلاً، وإما آجلاً.

ثم أخبر جل ثناؤه أن الـمنافقـين الذين نعتهم النعت الذي ذكر وضرب لهم الأمثال التـي وصف وإن اتقوا عقابه وأشفقوا عذابه إشفـاق الـجاعل فـي أذنـيه أصابعه حِذَار حلول الوعيد الذي توعدهم به فـي آي كتابه، غير منـجيهم ذلك من نزوله بعَقْوَتهم وحلوله بساحتهم، إما عاجلاً فـي الدنـيا، وإما آجلاً فـي الآخرة، للذي فـي قلوبهم من مرضها والشك فـي اعتقادها، فقال:

{ وَاللَّهُ مُـحِيطٌ بـالكافِرِينَ } (البقرة2: 19)

بـمعنى جامعهم فمـحلٌّ بهم عقوبته.


وكان مـجاهد يتأوّل ذلك كما:

حدثنـي مـحمد بن عمرو البـاهلـي، قال: حدثنا أبو عاصم عن عيسى ابن ميـمون، عن عبد الله بن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول الله:

{ وَاللَّهُ مُـحِيطٌ بـالكافِرِينَ } (البقرة2: 19)

قال: جامعهم فـي جهنـم.


وأما ابن عبـاس فروي عنه فـي ذلك ما:

حدثنـي به ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس:

{ وَاللَّهُ مُـحِيطٌ بـالكافِرِينَ } (البقرة2: 19)

يقول: الله منزل ذلك بهم من النقمة.


حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج عن ابن جريج، عن مـجاهد فـي قوله:


ثم عاد جل ذكره إلـى نعت إقرار الـمنافقـين بألسنتهم، والـخبر عنه وعنهم وعن نفـاقهم، وإتـمام الـمثل الذي ابتدأ ضربه لهم ولشكهم ومرض قلوبهم، فقال: { يَكَادُ البَرْقُ } يعنـي بـالبرق: الإقرار الذي أظهروه بألسنتهم بـالله وبرسوله وما جاء به من عند ربهم، فجعل البرق له مثلاً علـى ما قدمنا صفته. { يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ } يعنـي: يذهب بها ويستلبها ويـلتـمعها من شدة ضيائه ونور شعاعه. كما:

حدثت عن الـمنـجاب بن الـحارث، قال: حدثنا بشر بن عمار، عن أبـي روق، عن الضحاك، عن ابن عبـاس، فـي قوله: { يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ } قال: يـلتـمع أبصارَهم ولـمّا يفعل.

قال أبو جعفر: والـخطف: السلب، ومنه الـخبر الذي رُوي عن النبـي صلى الله عليه وسلم «أنه نهى عن الـخطفة» يعنـي بها النُّهْبَة ومنه قـيـل للـخُطاف الذي يخرج به الدلو من البئر خُطَّاف لاختطافه واستلابه ما علق به. ومنه قول نابغة بنـي ذبـيان:
خطَاطِيفُ حُجْنٍ فِـي حبـالٍ مَتِـينَةٍتَـمُدُّ بِها أيْدٍ إلَـيْكَ نَوَازِعُ

فجعل ضوء البرق وشدة شعاع نوره كضوء إقرارهم بألسنتهم وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبـما جاء به من عند الله والـيوم الآخر وشعاع نوره، مثلاً.

ثم قال تعالـى ذكره: { كُلَّـما أضَاءَ لَهُمْ } يعنـي أن البرق كلـما أضاء لهم، وجعل البرق لإيـمانهم مثلاً. وإنـما أراد بذلك أنهم كلـما أضاء لهم الإيـمان وإضاءته لهم أن يروا فـيه ما يعجبهم فـي عاجل دنـياهم من النصرة علـى الأعداء، وإصابة الغنائم فـي الـمغازي، وكثرة الفتوح، ومنافعها، والثراء فـي الأموال، والسلامة فـي الأبدان والأهل والأولاد، فذلك إضاءته لهم لأنهم إنـما يظهرون بألسنتهم ما يظهرونه من الإقرار ابتغاء ذلك، ومدافعة عن أنفسهم وأموالهم وأهلـيهم وذراريهم، وهم كما وصفهم الله جل ثناؤه بقوله:
-9-

{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ علـى حَرْفٍ فَـانْ أصَابَهُ خَيْرٌ اطْمأنَّ وَإنْ أصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ علـى وَجْهِهِ } (الحج22: 11)

ويعنـي بقوله: { مَشَوْا فِـيهِ } مشوا فـي ضوء البرق. وإنـما ذلك مثل لإقرارهم علـى ما وصفنا. فمعناه: كلـما رأوا فـي الإيـمان ما يعجبهم فـي عاجل دنـياهم علـى ما وصفنا، ثبتوا علـيه وأقاموا فـيه، كما يـمشي السائر فـي ظلـمة اللـيـل وظلـمة الصيب الذي وصفه جل ثناؤه، إذا برقت فـيها بـارقة أبصر طريقه فـيها { وَإِذَا أظْلَـمَ } يعنـي ذهب ضوء البرق عنهم. ويعنـي بقوله: «علـيهم»: علـى السائرين فـي الصيب الذي وصف جل ذكره، وذلك للـمنافقـين مثل. ومعنى إظلام ذلك: أن الـمنافقـين كلـما لـم يروا فـي الإسلام ما يعجبهم فـي دنـياهم عند ابتلاء الله مؤمنـي عبـاده بـالضرّاء وتـمـحيصه إياهم بـالشدائد والبلاء من إخفـاقهم فـي مغزاهم وإنالة عدوّهم منهم، أو إدبـار من دنـياهم عنهم أقاموا علـى نفـاقهم وثبتوا علـى ضلالتهم كما قام السائرون فـي الصيب الذي وصف جل ذكره إذا أظلـم وخفت ضوء البرق، فحار فـي طريقه فلـم يعرف منهجه.

قال أبو جعفر: وإنـما خص جل ذكره السمع والأبصار بأنه لو شاء أذهبها من الـمنافقـين دون سائر أعضاء أجسامهم للذي جرى من ذكرها فـي الآيتـين، أعنـي قوله:

{ يَجْعَلُونَ أصَابِعَهُمْ فِـي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ } (البقرة2: 19)

وقوله: { يَكادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ كُلَّـما أضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِـيهِ } فجرى ذكرها فـي الآيتـين علـى وجه الـمثل. ثم عقب جل ثناؤه ذكر ذلك بأنه لو شاء أذهبه من الـمنافقـين عقوبة لهم علـى نفـاقهم وكفرهم، وعيداً من الله لهم، كما توعدهم فـي الآية التـي قبلها بقوله:

{ وَاللَّهُ مُـحِيطٌ بـالكافرِينَ } (البقرة2: 19)

واصفـاً بذلك جل ذكره نفسه أنه الـمقتدر علـيهم وعلـى جمعهم، لإحلال سخطه بهم، وإنزال نقمته علـيهم، ومـحذرهم بذلك سطوته، ومخوّفهم به عقوبته، لـيتقوا بأسه، ويسارعوا إلـيه بـالتوبة. كما:


حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن أبـي مـحمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس: { وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهمْ وأبْصَارِهِمْ } لـما تركوا من الـحق بعد معرفته.

وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس، قال: ثم قال يعنـي قال الله فـي أسماعهم يعنـي أسماع الـمنافقـين وأبصارهم التـي عاشوا بها فـي الناس: { وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأبْصَارِهِمْ }.

قال أبو جعفر: وإنـما معنى قوله: { لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وأبْصَارِهِمْ } لأذهب سمعهم وأبصارهم، ولكن العرب إذا أدخـلوا البـاء فـي مثل ذلك قالوا: ذهبت ببصره، وإذا حذفوا البـاء قالوا: أذهبت بصره، كما قال جل ثناؤه: آتنا غَدَاءَنَا ولو أدخـلت البـاء فـي الغداء لقـيـل: ائتنا بغدائنا.
-10-

قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: وكيف قـيـل: { لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ } فوحد، وقال: { وأبْصَارِهِمْ } فجمع؟ وقد علـمت أن الـخبر فـي السمع خبر عن سمع جماعة، كما الـخبر فـي الأبصار خبر عن أبصار جماعة؟ قـيـل: قد اختلف أهل العربـية فـي ذلك، فقال بعض نـحويـي الكوفـي: وحد لسمع لأنه عنى به الـمصدر وقصد به الـخرق، وجمع الأبصار لأنه عنى به الأعين. وكان بعض نـحويـي البصرة يزعم أن السمع وإن كان فـي لفظ واحد فإنه بـمعنى جماعة، ويحتـجّ فـي ذلك بقول الله:

{ لا يَرْتَدُّ إلَـيْهِمْ طَرْفُهُمْ } (إبراهيم14: 43)

يريد لا ترتد إلـيهم أطرافهم، وبقوله:

{ وَيُوَلونَ الدُّبُرَ } (القمر54: 54)

يراد به أدبـارهم. وإنـما جاز ذلك عندي لأن فـي الكلام ما يدلّ علـى أنه مراد به الـجمع، فكان فـيه دلالة علـى الـمراد منه، وأداء معنى الواحد من السمع عن معنى جماعة مغنـياً عن جِماعِهِ، ولو فعل بـالبصر نظير الذي فعل بـالسمع، أو فعل بـالسمع نظير الذي فعل بـالأبصار من الـجمع والتوحيد، كان فصيحاً صحيحاً لـما ذكرنا من العلة كما قال الشاعر:
كُلُوا فـي بَعْضِ بَطْنكُمْو تَعِفُّوافإنَّ زَمانَنا زَمَنٌ خَمِيصُ

فوحد البطن، والـمراد منه البطون لـما وصفنا من العلة.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { إنَّ اللَّهَ علـى كُلّ شَيْءٍ قَدِير }.

قال أبو جعفر: وإنـما وصف الله نفسه جل ذكره بـالقدرة علـى كل شيء فـي هذا الـموضع، لأنه حذر الـمنافقـين بأسه وسطوته وأخبرهم أنه بهم مـحيط وعلـى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير، ثم قال: فـاتقونـي أيها الـمنافقون واحذروا خداعي وخداع رسولـي وأهل الإيـمان بـي لا أحل بكم نقمتـي فإنـي علـى ذلك وعلـى غيره من الأشياء قدير. ومعنى قدير: قادر، كما معنى علـيـم: عالـم، علـى ما وصفت فـيـما تقدم من نظائره من زيادة معنى فعيـل علـى فـاعل فـي الـمدح والذم.
-11-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #3  
قديم 12-28-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق 1-2


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


اللغة: الخطف أخذ في استلاب يقال خطف يخطِف وخطِيف يخطف لغتان والثاني أفصح وعليه القراءة ومنه الخطاف ويقال للذي يخرج به الدلو من البئر خطاف لاختطافه قال النابغة:

خَطَاطِيْفٌ حُجْنٌ في حِبَالٍ مَتينَةٍتُمَدُّ بِهَا أَيْدٍ إليْكَ نَوازعُ


وقاموا أي وقفوا والمشيئة الإرادة والشيء ما يصح أن يعلم ويخبر عنه. قال سيبويه: هو أول الأسماء وأعمها وأبهمها لأنه يقع على المعدوم والموجود, وقيل إنه لا يقع إلا على الموجود والصحيح الأول وهو مذهب المحققين من المتكلمين ويؤيده قولـه تعالى في هذه الآية { إن الله على كل شيء قدير } فإن كل شيء سواه محدث وكل محدث فله حالتان حالة عدم وحالة وجود وإذا وجد حرج عن أن يكون مقدوراً للقادر لأن من المعلوم ضرورة أن الموجود لا يصح أن يوجد فعلمنا أنه إنما يقدر عليه في حال عدمه ليخرجه من العدم إلى الوجود وعلى هذه المسألة وأكثر مسائل التوحيد.

الإعراب: كاد من أفعال المقاربة ولا يتم بالفاعل ويحتاج إلى خبره الفعل المضارع فقولـه يكاد فعل والبرق مرفوع بأنه اسم يكاد وفاعله ويخطف أبصارهم في موضع نصب بأنه خبر يكاد وكلما أصله كل وضم إليه ما الجزاء وهو منصوب بالظرف والعامل فيه أضاء ومعناه متى ما أضاء لهم مشوا فيه وأضاء في موضع جزم بالشرط ومشوا في موضع الجزاء وإذا أظلم قد تقدم إعراب مثله ولو حرف معناه امتناع الشيء لامتناع غيره وإذا وقع الفعل بعده وهو منفي كان مثبتاً في المعنى وإذا وقع مثبتاً كان منفياً في المعنى فقولـه ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم قد انتفى فيه ذهاب السمع والإبصار بسب انتفاء المشيئة.

المعنى: { يكاد البرق يخطف أبصارهم } المراد يكاد ما في القرآن من الحجج النيرة ويخطف قلوبهم من شدة إزعاجها إلى النظر في أمور دينهم كما أن البرق يكاد يخطف أبصار أولئك كلما أضاء لهم مشوا فيه لاهتدائهم إلى الطريق بضوء البرق كذلك المنافقون كلما دعوا إلى خير وغنيمة أسرعوا وإذا وردت شدة على المسلمين تحيّروا لكفرهم ووقفوا كما وقف أولئك في الظمات متحيزين, وقيل إذا آمنوا صار الإيمان لهم نوراً فإذا عادوا إلى ظلمة العقاب, وقيل هم اليهود لما نصر المسلمون ببدر قالوا هذا الذي بشّر به موسى فلما نكبوا بأحد وقفوا وشكوا وقولـه: { ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم } إنما خص السمع والبصر بالذكر لما جرى من ذكرهما في الآيتين فقال: { ولو شاء الله } أذهبهما من المنافقين عقوبة لهم على نفاقهم وكفرهم وهذا وعيد لهم بالعقاب كما قال في الآية الأولى: { والله محيط بالكافرين } وقولـه بسمعهم مصدر يدل على الجمع أو واحد موضوع للجمع كقول الشاعر:
-1-

كُلُوْا في بَعْضِ بَطْنِكُمُ تَعِيشُوُافإنَّ زَمانَكُمْ زَمَنٌ خَميصُ


أي بطونكم والمعنى ولو شاء الله لأظهر على كفرهم فأهلكهم ودمّر عليهم لأنه على كل شيء قدير وهو مبالغة القادر وقيل إن قولـه سبحانه: { إن الله على كل شيء قدير } عام فهو قادر على الأشياء كلها على ثلاثة أوجه على المعدومات بأن يوجدها وعلى الموجودات بأن يفنيها وعلى مقدور غيره بأن يقدر عليه ويمنع منه وقيل هو خاص في مقدوراته دون مقدور غيره فإن مقدوراً واحداً بين قادرين لا يمكن أن يكون لأنه يؤدي إلى أن يكون الشيء الواحد موجوداً مهدوماً ولفظه كل قد يستعمل على غير عموم نحو قولـه تعالى:

{ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } [الأحقاف46: 25].

-2-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #4  
قديم 12-28-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق 1-3

تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق 1-3


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


قوله تعالى: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } «يكاد» معناه يقارب؛ يقال: كاد يفعل كذا إذا قارب ولم يفعل. ويجوز في غير القرآن: يكاد أن يفعل؛ كما قال رؤُبة:

قد كاد من طُول البِلَى أن يَمْصَحا


مشتق من المصح وهو الدرس. والأجود أن تكون بغير «أن»؛ لأنها لمقاربة الحال، و «أن» تَصرف الكلام إلى الاستقبال، وهذا متناف؛ قال الله عز وجل:

{ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِٱلأَبْصَارِ } [النور24: 43].

ومن كلام العرب: كاد النعام يطير، وكاد العروس يكون أميراً؛ لقربهما من تلك الحال. وكاد فعلٌ متصرف على فَعِل يَفْعَل. وقد جاء خبره بالاسم وهو قليل، قال: «وَمَا كِدْتُ آئِبا». ويجري مجرى كاد كَرِب وجَعَل وقارب وطَفِق، في كون خبرها بغير «أن»؛ قال الله عز وجل:

{ وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ } [الأعراف7: 22]

لأنها كلها بمعنى الحال والمقاربة؛ والحال لا يكون معها «أن»، فٱعلم.


قوله تعالى: { يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ } الخطف: الأخذ بسرعة؛ ومنه سُمّيَ الطير خُطّافاً لسرعته. فمن جعل القرآن مَثَلاً للتخويف فالمعنى أنّ خَوْفهم مما ينزل بهم يكاد يُذهب أبصارهم. ومن جعله مَثَلاً للبيان الذي في القرآن فالمعنى أنهم جاءهم من البيان ما بهرهم. ويَخْطَف ويَخْطِف لغتان قرىء بهما. وقد خطِفه (بالكسر) يَخْطَفُه خَطْفاً، وهي اللغة الجيدة، واللغة الأخرى حكاها الأخفش: خَطَف يَخْطِف. الجوهري: وهي قليلة رديئة لا تكاد تعرف. وقد قرأ بها يونس في قوله تعالى: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطِفُ أَبْصَارَهُمْ }. وقال النحاس: في «يخطف» سبعة أوجه؛ القراءة الفصيحة: يَخْطَف. وقرأ عليّ بن الحسين ويحيى بن وَثّاب: يخطِف بكسر الطاء؛ قال سعيد الأخفش: هي لغة. وقرأ الحسن وقتادة وعاصم الجَحْدَرِيّ وأبو رجاء العُطَارِدي بفتح الياء وكسرِ الخاء والطاء. ورُوِي عن الحسن أيضاً أنه قرأ بفتح الخاء. قال الفراء: وقرأ بعض أهل المدينة بإسكان الخاء وتشديد الطاء. قال الكسائي والأخفش والفراء: يجوز «يخطِف» بكسر الياء والخاء والطاء. فهذه ستة أوجه موافقة للخط. والسابعة حكاها عبد الوارث قال: رأيت في مصحف أبيّ بن كعب «يتخطف»، وزعم سيبويه والكسائي أن من قرأ «يخطِف» بكسر الخاء والطاء فالأصل عنده يختطِف، ثم أدغم التاء في الطاء فٱلتقى ساكنان فكسرت الخاء لالتقاء الساكنين. قال سيبويه: ومن فتح الخاء ألقى حركة التاء عليها. وقال الكسائي: ومن كسر الياء فلأن الألف في ٱختطف مكسورة. فأما ما حكاه الفراء عن أهل المدينة من إسكان الخاء والإدغام فلا يعرف ولا يجوز؛ لأنه جمع بين ساكنين. قاله النحاس وغيره.

قلت: وروي عن الحسن أيضاً وأبي رجاء «يَخِطَّف». قال ٱبن مجاهد: وأظنه غلطاً؛ وٱستدل على ذلك بأن { خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ } لم يقرأه أحد بالفتح.

{ أَبْصَارَهُمْ } جمع بَصَر، وهي حاسة الرؤية.
-1-

والمعنى: تكاد حجج القرآن وبراهينه الساطعة تَبْهَرهم. ومن جعل «البَرْق» مَثَلاً للتخويف فالمعنى أن خوفهم مما ينزل بهم يكاد يُذهب أبصارهم.

قوله تعالى: { كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ } «كلما» منصوب لأنه ظرف. وإذا كان «كلما» بمعنى «إذا» فهي موصولة والعامل فيه «مَشَوْا» وهو جوابه، ولا يعمل فيه «أضاء»؛ لأنه في صلة ما. والمفعول في قول المبرد محذوف، التقدير عنده: كلما أضاء لهم البرق الطريقَ. وقيل: يجوز أن يكون فَعَل وأفْعَل بمعنىً، كَسكَت وأسْكَت؛ فيكون أضاء وضاء سواء فلا يحتاج إلى تقدير حذف مفعول. قال الفراء: يقال ضاء وأضاء، وقد تقدّم. والمعنى أنهم كلما سمعوا القرآن وظهرت لهم الحجج أنِسُوا ومشَوْا معه، فإذا نزل من القرآن ما يَعْمَوْنَ فيه ويَضِلون به أو يكلَّفونه «قاموا»، أي ثبتوا على نفاقهم؛ عن ٱبن عباس. وقيل: المعنى كلما صلحت أحوالهم في زروعهم ومواشيهم وتوالت النِّعم قالوا: دِين محمد دينٌ مبارك، وإذا نزلت بهم مصيبة وأصابتهم شدّة سَخِطوا وثبتوا في نفاقهم؛ عن ٱبن مسعود وقتادة. قال النحاس: وهذا قول حسن، ويدل على صحته:

{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ } [الحج22: 11].

وقال علماء الصوفية: هذا مَثَلٌ ضربه الله تعالى لمن لم تصح له أحوال الإرادة بدءاً، فارتقى من تلك الأحوال بالدعاوى إلى أحوال الأكابر، كأن تضيء عليه أحوال الإرادة لو صححها بملازمة آدابها، فلما مزجها بالدعاوى أذهب الله عنه تلك الأنوار وبقي في ظلمات دعاويه لا يبصر طريق الخروج منها. وروِي عن ٱبن عباس أن المراد اليهود، لمّا نُصِر النبيّ صلى الله عليه وسلم ببَدْر طمِعوا وقالوا: هذا والله النبيّ الذي بشّرنا به موسى لا تردّ له راية؛ فلما نُكِب بأحُد ٱرتدّوا وشَكّوا؛ وهذا ضعيف. والآية في المنافقين، وهذا أصح عن ٱبن عباس، والمعنى يتناول الجميع.


قوله تعالى: { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } «لو» حرف تَمَنٍّ وفيه معنى الجزاء؛ وجوابه اللام. والمعنى: ولو شاء الله لأطلع المؤمنين عليهم فذهب منهم عِزّ الإسلام بالاستيلاء عليهم وقتلهم وإخراجهم من بينهم. وخصّ السمع والبصر لتقدّم ذكرهما في الآية أوّلاً، أو لأنهما أشرف ما في الإنسان. وقرىء «بأسماعهم» على الجمع؛ وقد تقدّم الكلام في هذا.

قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } عموم، ومعناه عند المتكلمين فيما يجوز وصفه تعالى بالقدرة عليه. وأجمعت الأمة على تسمية الله تعالى بالقدير، فهو سبحانه قدير قادر مقتدر. والقدير أبلغ في الوصف من القادر؛ قاله الزجاجيّ. وقال الهرويّ: والقدير والقادر بمعنىً واحد؛ يقال: قَدَرت على الشيء أقدِرُ قَدْراً وقَدَراً ومَقدِرَة ومَقْدُرة وقُدْرَاناً؛ أي قُدْرة. والاقتدار على الشيء: القدرة عليه. فالله جلّ وعَزّ قادر مقتدر قدير على كل ممكن يقبل الوجود والعدم.
-2-

فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الله تعالى قادر، له قدرة بها فَعَلَ ويَفْعَل ما يشاء على وَفْق علمه وٱختياره. ويجب عليه أيضاً أن يعلم أن للعبد قدرة يكتسب بها ما أقدره الله تعالى عليه على مجرى العادة، وأنه غير مستبدّ بقدرته. وإنما خص هنا تعالى صفته التي هي القدرة بالذكر دون غيرها؛ لأنه تقدّم ذِكرِ فعْلٍ مُضَمَّنهُ الوعيد والإخافة؛ فكان ذكر القدرة مناسباً لذلك. والله أعلم.

فهذه عشرون آية على عدد الكوفيين؛ أربع آيات في وصف المؤمنين، ثم تليها آيتان في ذكر الكافرين، وبقيتها في المنافقين. وقد تقدّمت الرواية فيها عن ٱبن جُرَيج، وقاله مجاهد أيضاً.
-3-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #5  
قديم 12-28-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق 1-3

تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق 1-3


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَـٰرَهُمْ } استئناف ثان كأنه جواب لمن يقول: ما حالهم مع تلك الصواعق؟ وكاد من أفعال المقاربة، وضعت لمقاربة الخبر من الوجود لعروض سببه لكنه لم يوجد، إما لفقد شرط، أو لوجود مانع وعسى موضوعة لرجائه، فهي خبر محض ولذلك جاءت متصرفة بخلاف عسى، وخبرها مشروط فيه أن يكون فعلاً مضارعاً تنبيهاً على أنه المقصود بالقرب من غير أن، لتوكيد القرب بالدلالة على الحال، وقد تدخل عليه حملاً لها على عسى، كما تحمل عليها بالحذف من خبرها لمشاركتهما في أصل معنى المقاربة. والخطف الأخذ بسرعة وقرىء (يَخْطِف) بكسر الطاء ويخطف على أنه يختطف، فنقلت فتحة التاء إلى الخاء ثم ادغمت في الطاء، ويخطف بكسر الخاء لالتقاء الساكنين وإتباع الياء لها، ويخطف ويتخطف.

{ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } استئناف ثالث كأنه قيل: ما يفعلون في تارتي خفوق البرق، وخفيته؟ فأجيب بذلك. وأضاء إما متعد والمفعول محذوف بمعنى كلما نور لهم ممشى أخذوه، أو لازم بمعنى، كلما لمع لهم مشوا في مطرح نوره، وكذلك أظلم فإنه جاء متعدياً منقولاً من ظلم الليل، ويشهد له قراءة أظلم على البناء للمفعول، وقول أبي تمام:

هُمَا أظلَما حالي ثَمَّةَ أجْلَياظلامَيْهِما عن وَجْهِ أَمْرَدَ أشيبِ


فإنه وإن كان من المحدَثين لكنه من علماء العربية، فلا يبعد أن يجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه. وإنما قال مع الإضاءة { كُلَّمَا } ومع الإظلام { إِذَا } لأنهم حراص على المشي، فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها ولا كذلك التوقف. ومعنى (قاموا) وقفوا، ومنه قامت السوق إذا ركدت، وقام الماء إذا جمد. { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَـٰرِهِمْ } أي ولو شاء الله أن يذهب بسمعهم بقصيف الرعد وأبصارهم بوميض البرق لذهب بهما فحذف المفعول لدلالة الجواب عليه، ولقد تكاثر حذفه في شاء وأراد حتى لا يكاد يذكر إلا في الشيء المستغرب كقوله:

فَلَوْ شِئتُ أن أَبكي دَمَاً لَبَكَيْتُه


(ولو) من حروف الشرط، وظاهرها الدلالة على انتفاء الأول لانتفاء الثاني، ضرورة انتفاء الملزوم عند انتفاء لازمه، وقرىء: لأذهب بأسماعهم، بزيادة الباء كقوله تعالى:

{ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } [البقرة2: 195]

وفائدة هذه الشرطية إبداء المانع لذهاب سمعهم وأبصارهم مع قيام ما يقتضيه، والتنبيه على أن تأثير الأسباب في مسبباتها مشروط بمشيئة الله تعالى، وأن وجودها مرتبط بأسبابها واقع بقدرته وقوله


{ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ } كالتصريح به والتقرير له. والشيء يختص بالموجود، لأنه في الأصل مصدر شاء أطلق بمعنى شاء تارة، وحينئذ يتناول البارىء تعالى كما قال:

{ قُلْ أَىُّ شَىْء أَكْبَرُ شَهَـٰدةً قُلِ ٱللَّهِ شَهِيدٌ } [الأنعام6: 19]

-1-

وبمعنى مشيء أخرى، أي مشيء وجوده وما شاء الله وجوده فهو موجود في الجملة وعليه قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ }.

{ ٱللَّهُ خَـٰلِقُ كُلّ شَىْء } [الرعد13: 16]

فهما على عمومهما بلا مثنوية. والمعتزلة لما قالوا الشيء ما يصح أن يوجد وهو يعم الواجب والممكن، أو ما يصح أن يعلم ويخبر عنه فيعم الممتنع أيضاً، لزمهم التخصيص بالممكن في الموضعين بدليل العقل.


والقدرة: هو التمكن من إيجاد الشيء. وقيل صفة تقتضي التمكن، وقيل قدرة الإنسان، هيئة بها يتمكن من الفعل وقدرة الله تعالى: عبارة عن نفي العجز عنه، والقادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل، والقدير الفعال لما يشاء على ما يشاء ولذلك قلما يوصف به غير الباري تعالى، واشتقاق القدرة من القدر لأن القادر يوقع الفعل على مقدار قوته، أو على مقدار ما تقتضيه مشيئته. وفيه دليل على أن الحادث حال حدوثه والممكن حال بقائه مقدوران وأن مقدور العبد مقدور لله تعالى، لأنه شيء وكل شيء مقدور لله تعالى. والظاهر أن التمثيلين من جملة التمثيلات المؤلفة، وهو أن يشبه كيفية منتزعة من مجموع تضامت أجزاؤه وتلاصقت حتى صارت شيئاً واحداً بأخرى مثلها، كقوله تعالى:

{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا } [الجمعة62: 5] الآية،

فإنه تشبيه حال اليهود في جهلهم بما معهم من التوراة، بحال الحمار في جهله بما يحمل من أسفار الحكمة. والغرض منهما تمثيل حال المنافقين من الحيرة والشدة، بما يكابد من انطفأت ناره بعد إيقادها في ظلمة، أو بحال من أخذته السماء في ليلة مظلمة مع رعد قاصف وبرق خاطف وخوف من الصواعق. ويمكن جعلهما من قبيل التمثيل المفرد، وهو أن تأخذ أشياء فرادى فتشبهها بأمثالها كقوله تعالى:

كأنَّ قلوبَ الطير رَطْباً ويابِسالَدَى وكرِها العنَّابُ والحشفُ البالي


بأن يشبه في الأول: ذوات المنافقين بالمستوقدين، وإظهارهم الإيمان باستيقاد النار وما انتفعوا به من حقن الدماء وسلامة الأموال والأولاد وغير ذلك بإضاءة النار ما حول المستوقدين، وزوال ذلك عنهم على القرب بإهلاكهم وبإفشاء حالهم وإبقائهم في الخسار الدائم، والعذاب السرمد بإطفاء نارهم والذهاب بنورها. وفي الثاني: أنفسهم بأصحاب الصيب وإيمانهم المخالط بالكفر والخداع بصيب فيه ظلمات ورعد وبرق، من حيث إنه وإن كان نافعاً في نفسه لكنه لما وجد في هذه الصورة عاد نفعه ضراً ونفاقهم حذراً عن نكايات المؤمنين، وما يطرقون به من سواهم من الكفرة بجعل الأصابع في الآذان من الصواعق حذر الموت، من حيث إنه لا يرد من قدر الله تعالى شيئاً، ولا يخلص مما يريد بهم من المضار وتحيرهم لشدة الأمر وجهلهم بما يأتون، ويذرون بأنهم كلما صادفوا من البرق خفقة انتهزوها فرصة مع خوف أن تخطف أبصارهم فخطوا خطاً يسيرة، ثم إذا خفي وفتر لَمَعانُهُ بقوا متقيدين لا حراك بهم.
-2-

وقيل: شبه الإيمان والقرآن وسائر ما أوتي الإنسان من المعارف التي هي سبب الحياة الأبدية بالصَيِّب الذي به حياة الأرض. وما ارتكبت بها من الشبه المبطلة، واعترضت دونها من الاعتراضات المشككة بالظلمات. وشبه ما فيها من الوعد والوعيد بالرعد، وما فيها من الآيات الباهرة بالبرق، وتصامهم عما يسمعون من الوعيد بحال من يهوله الرعد فيخاف صواعقه فيسد أذنيه عنها مع أنه لا خلاص لهم منها وهو معنى قوله تعالى:

{ وَٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكـٰفِرِينَ } [البقرة2: 19]

واهتزازهم لما يلمع لهم من رشد يدركونه، أو رفد تطمح إليه أبصارهم بمشيهم في مطرح ضوء البرق كلما أضاء لهم، وتحيرهم وتوقفهم في الأمر حين تعرض لهم شبهة، أو تعن لهم مصيبة بتوقفهم إذا أظلم عليهم.


ونبه سبحانه بقوله: { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَـٰرِهِمْ } على أنه تعالى جعل لهم السمع والأبصار ليتوسلوا بها إلى الهدى والفلاح، ثم إنهم صرفوها إلى الحظوظ العاجلة، وسدوها عن الفوائد الآجلة، ولو شاء الله لجعلهم بالحالة التي يجعلونها لأنفسهم، فإنه على ما يشاء قدير.
-3-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #6  
قديم 12-28-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير الجلالين/ المحلي و السيوطي (ت المحلي 864 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تفسير الجلالين/ المحلي و السيوطي (ت المحلي 864 هـ) مصنف و مدقق


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


{ يَكَادُ } يقرب { ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ } يأخذها بسرعة { كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ } أي في ضوئه { وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } وقفوا، تمثيل لإزعاج ما في القرآن من الحجج قلوبَهم وتصديقهم لما سمعوا فيه مما يحبون ووقوفهم عما يكرهون. { وَلَوْ شَاءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ } بمعنى أسماعهم { وَأَبْصَٰرِهِمْ } الظاهرة كما ذهب بالباطنة { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ } شاءه { قَدِيرٌ } ومنه إذهاب ما ذُكِرَ.


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #7  
قديم 12-28-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق

تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


قوله تعالى { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَـٰرَهُمْ } أي ضوء البرق يذهب ويختلس بأبصارهم من شدة ضوء البرق فكذلك نور إيمان المنافق يكاد يغطي على الناس كفره في سره حتى لا يعلموا كفره. وقد قيل: معناه يكاد أن يظهر عليهم نور الإسلام، فيثبتون على ذلك. ثم قال: { كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ } أي كلما لمع البرق في الليلة المظلمة مضوا فيه { وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ } أي: إذا ذهب ضوء البرق { قَامُواْ } متحيرين فكذلك المنافق، إذا تكلم بلا إله إلا الله، يمضي مع المؤمنين، [ويمنع بها] من السيف، فإذا مات بقي متحيراً نادماً. ويقال: معناه كلما أضاء لهم مشوا فيه، أي كلما ظهر لهم دليل نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وظهر لهم علاماته مالوا إليه، وإذا أظلم عليهم، أي إذا أصاب المسلمين محنة، كما أصابتهم يوم أحد، وكما أصابتهم يوم بئر معونة قاموا، أي ثبتوا على كفرهم. وروى أسباط عن السدى أنه قال: كان رجلان من المنافقين هربا من المدينة إلى المشركين، فأصابهما من المطر الذي ذكر الله فيه ظلمات ورعد وبرق، كلما أصابهما الصواعق جعلا أصابعهما في آذانهما فإذا لمع البرق مشيا في ضوئه، وإذا لم يلمع لم يبصرا شيئاً، فقاما مكانهما فجعلا يقولان يا ليتنا لو أصبحنا فنأتي محمداً - صلى الله عليه وسلم - فنضع أيدينا في يده، فأصبحا فأتياه فأسلما وحسن إسلامهما فضرب الله في شأن هذين المنافقين الخارجين مثلاً للمنافقين الذين كانوا بالمدينة. ثم قال تعالى: { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَـٰرِهِمْ } قال بعضهم بسمعهم الظاهر الذي في الرأس وأبصارهم التي في الأعين كما ذهب بسمع قلوبهم، وأبصار قلوبهم عقوبة لهم. قيل: معناه ولو شاء لجعلهم صماً وعمياً في الحقيقة كما جعلهم صماً وعمياً في الحكم. قد قيل: معناه، ولو شاء الله لجعلهم صماً وعمياً في الآخرة كما جعلهم في الدنيا. وروي في إحدى الروايتين عن ابن عباس أنه قال: هذا من المكتوم الذي لا يفسر. ثم قال تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ } من العقوبة وغيرها.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #8  
قديم 12-28-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق 1-2

تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق 1-2


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


قوله تعالى: { يَكَادُ البَرْق يخطَفْ أبْصارهُمْ }. يكاد بمعنى: يقارب، وهي كلمة إذا أثبتت انتفى الفعل، وإذا نفيت ثبت الفعل. وسئل بعض المتأخرين فقيل له:

أنحوي هذا العصر ما هي كلمةجرت بلسانيْ جرهم وثمود
إذا نفيت والله يشهد أثبتتوإن أثبتت قامت مقام جحود


ويشهد للاثبات عند النفي قوله تعالى:

{ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } [النساء4: 78] وقوله
{ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَد يَرَاهَا } [النور24: 40] ومثله
{ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ } [الزخرف43: 52]

ويشهد للنفي عند الإثبات قوله تعالى

{ يَكَادُ الْبَرْقُ } [البقرة2: 20] و
{ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ } [النور24: 43] و
{ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ } [النور24: 35].

وقال ابن قتيبة: كاد: بمعنى هم ولم يفعل. وقد جاءت بمعنى الإثبات قال ذو الرمة:

ولو أن لقمان الحكيم تعرضتلعينيه ميّ سافراً كاد يَبرَق


أي: لو تعرضت له لبرق، أي: دهش وتحير.

قلت: وقد قال ذو الرمة في المنفية ما يدل على أنها تستعمل للاثبات، وهو قوله:

اذا غيَّر النأي المحبين لم يكدرسيس الهوى من حبِّ ميَّة يبرح


أراد: لم يبرح.

قوله تعالى: { يخطَفُ أبْصارَهُم }

قرأ الجمهور بفتح الياء، وسكون الخاء وفتح الطاء. وقرأَ أبان بن تغلب، وأبان بن يزيد كلاهما عن عاصم، بفتح الياء وسكون الخاء، وكسر الطاء مخففاً. ورواه الجعفي عن أبي بكر عن عاصم، بفتح الياء وكسر الخاء، وتشديد الطاء، وهي قراءة الحسن كذلك، إلا أنه كسر الياء. وعنه: فتح الياء والخاء مع كسر الطاء المشددة.

ومعنى «يخطف» يستلب، وأصل الاختطاف: الاستلاب، ويقال لما يخرج به الدلو: خطاف، لأنه يختطف ما علق به. قال النابغة:

خطاطيف حجْنٍ في حبالٍ متينةتمُدُّ بها أيدٍ إِليك نوازع


والحجن المتعقفة وجمل خيطف: سريع المر، وتلك السرعة الخطفى.

قوله تعالى: { كلما أَضَاءَ لهم }

قال الزجاج: يقال ضاء الشيء يضوء، وأضاء يضيء، وهذه اللغة الثانية هي المختارة.

فصل

واختلف العلماء ما الذي يشبه الرعد مما يتعلق بأحوال المنافقين على ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه التخويف الذي في القرآن، قاله ابن عباس.

والثاني: أنه ما يخافون أن يصيبهم من المصائب إذا علم النبي والمؤمنون بنفاقهم، قاله مجاهد والسدي.

والثالث: أنه ما يخافونه من الدعاء إلى الجهاد، وقتال من يبطنون مودته، ذكره شيخنا.

واختلفوا: ما الذي يشبه البرق من أحوالهم على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه ما يتبين لهم من مواعظ القرآن وحكمه.

والثاني: أنه ما يضيء لهم من نور إسلامهم الذي يظهرونه. والثالث: أنه مثل لما ينالونه باظهار الإسلام من حقن دمائهم، فانه بالإِضافة إِلى ما ذخر لهم في الأجل كالبرق.

واختلفوا في معنى قوله: { يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق } على قولين. أحدهما: أنهم كانوا يفرون من سماع القرآن لئلا يأمرهم بالجهاد مخالفة الموت، قاله الحسن والسدي.
-1-

والثاني: أنه مثل لإِعراضهم عن القرآن كراهية له، قاله مقاتل.

واختلفوا في معنى { كلما أضاء لهم مشوا فيه } على أربعة أقوال.

أحدها: أن معناه: كلما أتاهم القرآن بما يحبون تابعوه، قاله ابن عباس والسدي.

والثاني: أن إضاءة البرق حصول ما يرجونه من سلامة نفوسهم وأموالهم، فيسرعون إلى متابعته، قاله قتادة.

والثالث: أنه تكلمهم بالاسلام، ومشيهم فيه، اهتداؤهم به، فاذا تركوا ذلك وقفوا في ضلالة، قاله مقاتل.

والرابع: أن إِضاءته لهم: تركهم بلا ابتلاء ولا امتحان، ومشيهم فيه: إقامتهم على المسالمة باظهار ما يظهرونه. ذكره شيخنا.

فأما قوله تعالى: { وإِذا أظْلَم علَيهِم } فمن قال: إضاءته: إتيانه إياهم بما يحبون، قال: إظلامه: إتيانه إياهم بما يكرهون. وعلى هذا سائر الأقوال التي ذكرناها بالعكس.

ومعنى { قاموا }: وقفوا.

قوله تعالى: { ولو شاء الله لَذَهبَ بسَمْعهم وأبْصارهم } قال مقاتل: معناه: لو شاء لأذهب أسماعهم وأبصارهم عقوبة لهم. قال مجاهد: من أول البقرة أربع آيات في نعت المؤمنين، وآيتان في نعت الكافرين، وثلاث عشرة في نعت المنافقين.
-2-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #9  
قديم 12-28-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ) مصنف و مدقق

تفسير تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ) مصنف و مدقق



{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


{ يَكَادُ } يقارب، الخطف: الاستلاب بسرعة. { أَضَآءَ لَهُم } الحق. { مَّشَوْاْ فِيهِ } تبعوه { وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ } بالهوى تركوه، أو كلما غنموا وأصابوا خيراً تبعوا المسلمين، وإذا أظلم فلم يصيبوا خيراً قعدوا عن الجهاد. { لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ } أسماعهم.


كلوا في نصف بطنكم تعيشوا ........................
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
 
  #10  
قديم 12-30-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق 1-6

تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق 1-6



{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ }


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَـٰرَهُمْ } الخطف الأخذ بسرعة، و «كاد» يستعمل لتقريب الفعل جداً، وموضع يخطف نصب لأنه خبر «كاد». { كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم } «كل» ظرف و «ما» نكرة موصوفة معناها الوقت، والعائد محذوف أي كل وقت أضاء لهم فيه، والعامل فيه جوابها وهو { مَّشَوْاْ فِيهِ } أي في ضوئه وهو استئناف ثالث كأنه جواب لمن يقول: كيف يصنعون في تارتي خفوق البرق وخفيته؟ وهذا تمثيل لشدة الأمر على المنافقين بشدته على أصحاب الصيب وما هم فيه من غاية التحير والجهل بما يأتون وما يذرون إذا صادفوا من البرق خفقة مع خوف أن يخطف أبصارهم انتهزوا تلك الخفقة فرصة فخطوا خطوات يسيرة، فإذا خفي وفتر لمعانه بقوا واقفين. و «أضاء» متعدٍ كلما نور لهم ممشى ومسلكاً أخذوه، والمفعول محذوف. أو غير متعدٍ أي كلما لمع لهم مشوا في مطرح نوره. والمشي جنس الحركة المخصوصة فإذا اشتد فهو سعي فإذا ازداد فهو عدوٌ. { وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ } «أظلم» غير متعدٍ وذكر مع «أضاء» «كلما» ومع «أظلم» «إذا» لأنهم حراص على وجود ما همهم به معقود من إمكان المشي، فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها ولا كذلك التوقف. { قَامُواْ } وقفوا وثبتوا في مكانهم ومنه قام الماء إذا جمد. { وَلَوْ شَاءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ } بقصيف الرعد { وَأَبْصَـٰرِهِمْ } بوميض البرق. ومفعول «شاء» محذوف لدلالة الجواب عليه أي ولو شاء الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بهما ولقد تكاثر هذا الحذف في «شاء» وأراد لا يكادون يبرزون المفعول إلا في الشيء المستغرب كنحو قوله:

فلو شئت أن أبكي دماً لبكيتهعليه ولكن ساحة الصبر أوسع


وقوله تعالى:


{ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي إن الله قادر على كل شيء.

لما عدد الله فرق المكلفين من المؤمنين والكفار والمنافقين وذكر صفاتهم وأحوالهم وما اختصت به كل فرقة مما يسعدها ويشقيها ويحظيها عند الله ويرديها أقبل عليهم بالخطاب وهو من الالتفات المذكور فقال: { يا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ } قال علقمة: ما في القرآن «يا أيها الناس» فهو خطاب لأهل مكة، وما فيه «يا أيها الذين آمنوا» فهو خطاب لأهل المدينة، وهذا خطاب لمشركي مكة، و «يا» حرف وضع لنداء البعيد، وأي والهمزة للقريب، ثم استعمل في مناداة من غفا وسها وإن قرب ودنا تنزيلاً له منزلة من بعد ونأى، فإذا نودي به القريب المقاطن فذاك للتوكيد المؤذن بأن الخطاب الذي يتلوه معتنى به جداً. وقول الداعي «يا رب» وهو أقرب إليه من حبل الوريد استقصار منه لنفسه واستبعاد لها عن مظان الزلفى هضماً لنفسه وإقراراً عليها بالتفريط مع فرط التهالك على استجابة دعوته.

-1-

و «أي» وصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام كما أن «ذو» و «الذي» وصلتان إلى الوصف بأسماء الأجناس ووصف المعارف بالجمل، وهو اسم مبهم يفتقر إلى ما يزيل إبهامه فلا بد أن يردفه اسم جنس أو ما يجري مجراه يتصف به حتى يتضح المقصود بالنداء. فالذي يعمل فيه «يا أي»، أي والتابع له صفته نحو «يا زيد الظريف» إلا أن «أيا» لا يستقل بنفسه استقلال زيد فلم ينفك عن الصفة، وكلمة التنبيه المقحمة بين الصفة وموصوفها لتأكيد معنى النداء وللعوض عما يستحقه أي من الإضافة. وكثر النداء في القرآن على هذه الطريقة لأن ما نادى الله به عباده من أوامره ونواهيه ووعده ووعيده أمور عظام وخطوب جسام، يجب عليهم أن يتيقظوا لها ويميلوا بقلوبهم إليها وهم عنها غافلون، فاقتضت الحال أن ينادوا بالآكد الأبلغ. { ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } وحدوه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كل عبادة في القرآن فهي توحيد { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } صفة موضحة مميزة لأنهم كانوا يسمون الآلهة أرباباً. والخلق إيجاد المعدوم على تقدير واستواء، وعند المعتزلة إيجاد الشيء على تقدير واستواء، وهذا بناء على أن المعدوم شيء عندهم لأن الشيء ما صح أن يعلم ويخبر عنه عندهم، وعندنا هو اسم للموجود. خلقكم بالإدغام: أو عمرو. { وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } احتج عليهم بأنه خالقهم وخالق من قبلهم لأنهم كانوا مقرين بذلك فقيل لهم: إن كنتم مقرين بأنه خالقكم فاعبدوه ولا تعبدوا الأصنام. { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } أي اعبدوا على رجاء أن تتقوا فتنجوا بسببه من العذاب. و «لعل» للترجي والإطماع ولكنه إطماع من كريم فيجري مجرى وعده المحتوم وفاؤه، وبه قال سيبويه. وقال قطرب: هو بمعنى «كي» أي لكي تتقوا. { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ } أي صير ومحل «الذي» نصب على المدح أو رفع بإضمار هو «فراشاً» بساطاً تقعدون عليها وتنامون وتتقلبون وهو مفعول ثانٍ لجعل، وليس فيه دليل على أن الأرض مسطحة أو كرية إذ الافتراش ممكن على التقديرين. { وَٱلسَّمَاءَ بِنَاءً } سقفاً كقوله تعالى:


وهو مصدر سمي به المبنى. { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَاءً } مطراً { فَأَخْرَجَ بِهِ } بالماء، نعم خروج الثمرات بقدرته ومشيئته وإيجاده ولكن جعل الماء سبباً في خروجها كماء الفحل في خلق الولد وهو قادر على إنشاء الكل بلا سبب كما أنشأ نفوس الأسباب والمواد، ولكن له في إنشاء الأشياء مدرجاً لها من حال إلى حال وناقلاً من مرتبة إلى مرتبة، حكماً وعبراً للنظار بعيون الاستبصار. و «من» في { مِنَ ٱلثَّمَرٰتِ } للتبعيض أو للبيان { رِزْقاً } مفعول له إن كانت «من» للتبعيض، ومفعول به لـ «أخرج» إن كانت للبيان.

-2-

وإنما قيل الثمرات دون الثمر والثمار وإن كان الثمر المخرج بماء السماء كثيراً، لأن المراد جماعة الثمرة، ولأن الجموع يتعاور بعضها موقع بعض لالتقائها في الجمعية. { لَكُمْ } صفة جارية على الرزق إن أريد به العين، وإن جعل اسماً للمعنى فهو مفعول به كأنه قيل رزقاً وإياكم. { فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً } هو متعلق بالأمر أي اعبدوا ربكم فلا تجعلوا له أنداداً لأن أصل العبادة وأساسها التوحيد، وأن لا يجعل له ند ولا شريك. ويجوز أن يكون الذي «رفعاً» على الابتداء وخبره «فلا تجعلوا». ودخول الفاء لأن الكلام يتضمن الجزاء أي الذي حفكم بهذه الآيات العظيمة والدلائل النيرة الشاهدة بالوحدانية فلا تتخذوا له شركاء. المثل والند ولا يقال إلا للمثل المخالف المناوىء، ومعنى قولهم ليس لله ند ولا ضد نفي ما يسد مسده ونفي ما ينافيه { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } أنها لا تخلق شيئاً ولا ترزق والله الخالق الرازق، أو مفعول «تعلمون» متروك أي وأنتم من أهل العلم. وجعل الأصنام لله أنداداً غاية الجهل، والجملة حال من الضمير في «فلا تجعلوا».

ولما احتج عليهم بما يثبت الوحدانية ويبطل الإشراك لخلقهم أحياء قادرين وخلق الأرض التي هي مثواهم ومستقرهم، وخلق السماء التي هي كالقبة المضروبة والخيمة المطنبة على هذا القرار وما سوّاه عز وجل من شبه عقد النكاح بين المقلة والمظلة بإنزال الماء منها عليها والإخراج به من بطنها أشباه النسل من الثمار رزقاً لبني آدم، فهذا كله دليل موصل إلى التوحيد مبطل للإشراك، لأن شيئاً من المخلوقات لا يقدر على إيجاد شيء منها، عطف على ذلك ما هو الحجة على إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وما يقرر إعجاز القرآن فقال:

{ وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مّمَّا نَزَّلْنَا } «ما» نكرة موصوفة أو بمعنى الذي { عَلَىٰ عَبْدِنَا } محمد عليه السلام، والعبد اسم لمملوك من جنس العقلاء، والمملوك موجود قهر بالاستيلاء. وقيل: نزلنا دون أنزلنا لأن المراد به النزول على سبيل التدريج والتنجيم وهو من مجازه لمكان التحدي وذلك أنهم كانوا يقولون لو كان هذا من عند الله لم ينزل هكذا نجوماً سورة بعد سورة وآيات غب آيات على حسب النوازل وعلى سنن ما نرى عليه أهل الخطابة والشعر من وجود ما يوجد منهم مفرقاً حيناً فحيناً، شيئاً فشيئاً لا يلقي الناظم ديوان شعره دفعة، ولا يرمي الناثر بخطبه ضربة، فلو أنزله الله لأنزله جملة قال الله تعالى:


فقيل: إن ارتبتم في هذا الذي وقع إنزاله هكذا على تدريج { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ } أي فهاتوا أنتم نوبة واحدة من نوبه، وهلموا نجماً فرداً من نجومه سورة من أصغر السور.

-3-

والسورة الطائفة من القرآن المترجمة التي أقلها ثلاث آيات. وواوها إن كانت أصلاً فإما أن تسمى بسور المدينة وهو حائطها لأنها طائفة من القرآن محدودة محوزة على حيالها كالبلد المسور، أو لأنها محتوية على فنون من العلم وأجناس من الفوائد كاحتواء سور المدينة على ما فيها، وإما أن تسمى بالسورة التي هي الرتبة لأن السور بمنزلة المنازل والمراتب يترقى فيها القارىء، وهي أيضاً في نفسها مرتبة طوال وأوساط وقصار، أو لرفعة شأنها وجلالة محلها في الدين. وإن كانت منقلبة عن همزة فلأنها قطعة وطائفة من القرآن كالسؤرة التي هي البقية من الشيء. وأما الفائدة في تفصيل القرآن وتقطيعه سوراً فهي كثيرة، ولذا أنزل الله تعالى التوراة والإنجيل والزبور وسائر ما أوحاه إلى أنبيائه مسورة مترجمة السورة، وبوب المصنفون في كل فن كتبهم أبواباً موشحة الصدور بالتراجم. منها أن الجنس إذا انطوت تحته أنواع واشتمل على أصناف كان أحسن من أن يكون بياناً واحداً، ومنها أن القارىء إذا ختم سورة أو باباً من الكتاب ثم أخذ في آخر كان أنشط له وأبعث على الدرس والتحصيل منه لو استمر على الكتاب بطوله، ومن ثم جزّأ القراء القرآن أسباعاً وأجزاء وعشوراً وأخماساً، ومنها أن الحافظ إذا حذق السورة اعتقد أنه أخذ من كتاب الله طائفة مستقلة بنفسها لها فاتحة وخاتمة فيعظم عنده ما حفظه ويجل في نفسه، ومنه حديث أنس رضي الله عنه كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جل فينا. ومن ثم كانت القراءة في الصلاة بسورة تامة أفضل. { مِّن مِّثْلِهِ } متعلق بـ «سورة» صفة لها والضمير لما نزلنا أي بسورة كائنة من مثله يعني فأتوا بسورة مما هو على صفته في البيان الغريب وعلو الطبقة في حسن النظم، أو لعبدنا أي فأتوا بمن هو على حاله من كونه أمياً لم يقرأ الكتب ولم يأخذ من العلماء. ولا قصد إلى مثل ونظير هنالك. ورد الضمير إلى المنزل أولى لقوله تعالى:


ولأن الكلام مع رد الضمير إلى المنزل أحسن ترتيباً. وذلك أن الحديث في المنزل لا في المنزل عليه وهو مسوق إليه فإن المعنى وإن ارتبتم في أن القرآن منزل من عند الله فهاتوا أنتم نبذاً مما يماثله. وقضية الترتيب لو كان الضمير مردوداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقال: وإن ارتبتم في أن محمداً منزل عليه فهاتوا قرآناً من مثله، ولأن هذا التفسير يلائم قوله { وَٱدْعُواْ شُهَدَاءَكُم } جمع شهيد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة { مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي غير الله وهو متعلق بـ «شهداءَكم أي ادعوا الذين اتخذتموهم آلهة من دون الله وزعمتم أنهم يشهدون لكم يوم القيامة أنكم على الحق أو من يشهد لكم بأنه مثل القرآن { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } إن ذلك مختلق وأنه من كلام محمد عليه السلام.

-4-

وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي إن كنتم صادقين في دعواكم فأتوا أنتم بمثله واستعينوا بآلهتكم على ذلك.

{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } لما أرشدهم إلى الجهة التي منها يتعرفون صدق النبي عليه السلام، قال لهم: فإذا لم تعارضوه وبان عجزكم ووجب تصديقه فآمنوا وخافوا العذاب المعَدَّ لمن كذب وعاند. وفيه دليلان على إثبات النبوة صحة كون المتحدى به معجزاً، والإخبار بأنهم لن يفعلوا وهو غيب لا يعلمه إلا الله. ولما كان العجز عن المعارضة قبل التأمل كالشكوك فيه لديهم لاتكالهم على فصاحتهم واعتمادهم على بلاغتهم، سيق الكلام معهم على حسب حسبانهم فجيء بـ «إن» الذي للشك دون «إذا» الذي للوجوب، وعبَّر عن الإتيان بالفعل لأنه فعل من الأفعال. والفائدة فيه أنه جارٍ مجرى الكتابة التي تعطيك اختصاراً إذ لو لم يعدل من لفظ الإتيان إلى لفظ الفعل لاستطيل أن يقال «فإن لم تأتوا بسورة من مثله ولن تأتوا بسورة من مثله». ولا محل لقوله «ولن تفعلوا» لأنها جملة اعتراضية، وحسّن هذا الاعتراض أن لفظ الشرط للتردد فقطع التردد بقوله «ولن تفعلوا» و «لا» و «لن» أختان في نفي المستقبل إلا أن في «لن» تأكيداً. وعن الخليل أصلها «لا أن»، وعند الفراء «لا» أبدلت ألفها نوناً، وعند سيبويه حرف موضوع لتأكيد نفي المستقبل، وإنما علم أنه إخبار عن الغيب على ما هو به حتى صار معجزة لأنهم لو عارضوه بشيء لاشتهر فكيف والطاعنون فيه أكثر عدداً من الذابين عنه؟ وشرط في اتقاء النار انتفاء إتيانهم بسورة من مثله لأنهم إذا لم يأتوا بها وتبين عجزهم عن المعارضة صح عندهم صدق الرسول، وإذا صح عندهم صدقه ثم لزموا العناد وأبوا الانقياد استوجبوا النار فقيل لهم: إن استبنتم العجز فاتركوا العناد، فوضع «فاتقوا النار» موضعه لأن اتقاء النار سبب ترك العناد وهو من باب الكناية وهي من شعب البلاغة، وفائدته الإيجاز الذي هو من حلية القرآن. والوقود ما ترفع به النار يعني الحطب، وأما المصدر فمضموم وقد جاء فيه الفتح. وصلة الذي والتي تجب أن تكون معلوماً للمخاطب فيحتمل أن يكونوا سمعوا من أهل الكتاب أو من رسول الله، أو سمعوا قبل هذه الآية قوله تعالى:


وإنما جاءت النار منكرة ثم ومعرفة هنا لأن تلك الآية نزلت بمكة ثم نزلت هذه الآية بالمدينة مشاراً بها إلى ما عرفوه أولاً.

-5-

ومعنى قوله تعالى: «وقودها الناس والحجارة» أنها نار ممتازة عن غيرها من النيران بأنها تتقد بالناس والحجارة وهي حجارة الكبريت، فهي أشد توقداً وأبطأ خموداً وأنتن رائحة وألصق بالبدن أو الأصنام المعبودة فهي أشد تحسيراً. وإنما قرن الناس بالحجـارة لأنهم قرنوا بها أنفسهم في الدنيا حيث عبدوها وجعلوها لله أنداداً ونحوه قوله تعالى:


أي حطبها، فقرنهم بها محماة في نار جهنم إبلاغاً في إيلامهم. { أُعِدَّتْ لِلْكَـٰفِرِينَ } هيئت لهم. وفيه دليل على أن النار مخلوقة خلافاً لما يقوله جهم سنة الله في كتابه أن يذكر الترغيب مع الترهيب تنشيطاً لاكتساب ما يزلف وتثبيطاً عن اقتراف ما يتلف، فلما ذكر الكفار وأعمالهم وأوعدهم بالعقاب قفاه بذكر المؤمنين وأعمالهم وتبشيرهم بقوله:

-6-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس
 
إضافة رد

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 01:09 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.