رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
فهذه الرواية رغم مغايرتها للتي سبقتها فإنها أيضاً ضعيفة لأنها منقطعة، فالزهري لم يدرك علياً ولا صفين فقد ولد سنة خمسين للهجرة أي بعد الفتنة بأكثر من عشرة أعوام، بل اعتبر العلماء أن ما لم يسنده الزهري من المراسيل فلا حجة فيه، فقال الشافعي وابن معين والقطان وغيرهما: مراسيل الزهري ليست بشيء ، والحمد لله على نعمة الإسناد.
ثم هنالك رواية ثالثة تغاير اللتين سبقتاها أيضاً، تدلل على اضطراب هذه الحكاية وإسقاطها عن الاعتبار، فقد روى ابن عساكر والدارقطني واللفظ له عن حضين بن المنذر قال: "لما عزل عمرو معاوية جاء حضين بن المنذر فضرب فسطاطه قريباً من فسطاط معاوية، فبلغ نبأه معاوية، فأرسل إليه فقال: إنه بلغني عن هذا - أي عمرو- كذا وكذا، فاذهب فانظر ما هذا الذي بلغني عنه، فأتيته فقلت: أخبرني عن الأمر الذي وليت أنت وأبو موسى كيف صنعتما فيه؟ قال: قد قال الناس فيه في ذلك ما قالوا، والله ما كان الأمر على ما قالوا، ولكن قلت لأبي موسى: ما ترى في هذا الأمر؟ قال: أرى أنه في النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فقلت: أين تجعلني أنا ومعاوية؟ فقال: إن يستعن بكما ففيكما معونة، وإن يستغن عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما، قال: فكانت هي التي قتل معاوية منها نفسه" .
فهذه الرواية وإن اختلفت عن مرويات كذبة المؤرخين آنفاً من حيث عدم ذكرها لما زعموه من غفلة أبي موسى ومكر عمرو، إلا أنها متفقة معها في خلع الرجلين، مع أن القضية ليست فيمن يكون خليفة، بل فيمن يقتل قتلة عثمان كما تقدم ذكره عن طلحة والزبير وعائشة ومعاوية وعلي، ولعلك تسأل أيضاً كيف يتوصل الحكمان إلى خلع الرجلين ولم نسمع عن أحد أن علياً تنازل عن الخلافة نزولاً لحكم الحكمين، أو قام الناس باختيار غيره خليفة لهم، بل المعروف يقينا أنه رضي الله عنه كان الخليفة واستمر فيها إلى أن قتله الخارجي ابن ملجم، فهذا كله يرد هذه الروايات صحيحها وسقيمها، إضافة إلى اضطراب متنها وتناقضه.
|