وحدة الوجود
HTM |
|
Wave |
الموضوع |
موضوع |
|
|
|
300343 |
|
|
|
|
300001 |
|
|
|
|
8 |
اعذروني على طول المقال لكن للأهمية
ابن عربي وكتابه ? الفصوص?
#إبن_عربي_وعقيدة_وحــــدة_الـوجــــود
ما هي عقيدة وحدة الوجود الكفرية؟
وما المقصود منها؟
وما هو موقف أهل العلم منها؟.
وحدة الوجود-- معناها: أنه ليس هناك إلا وجود واحد، كل العالم مظاهر ومجال له، فالله- سبحانه- هو الموجود الحق، وكل ما عداه ظواهر وأوهام، ولا توصف بالوجود إلا بضرب من التوسع والمجاز؛ وهذه النظرية سرت إلى بعض المتصوفة عن طريق الفلاسفة، وعن طريق الإسماعيلية الباطنية الذين خالطوهم وأخذوا عنهم مذهبهم القائل بحلول الإله في أئمتهم، وصوروه أعني الصوفية، بصورة أخرى تتفق مع مذهب الباطنية في الحقيقة، وإن اختلفت في الاصطلاح والألفاظ....".
هذا المذهب الذي، خَوَّلَ لمثل الحلاج أن يقول: أنا الله ولمثل ابن عربي أن يقول: إن عجل بنى إسرائيل أحد المظاهر التي اتخذها الله وحل فيها، والذي جرّه فيما بعد إلى القول بوحدة الأديان لا فرق بين سماوي وغير سماوي، إذ الكل يعبدون الإله الواحد المتجلي في صورهم وصور جميع المعبودات.. هذا المذهب الذي يذهب بالدين من أساسه، هل يكون سائغا ومقبولا أن نجعله أصلا نبنى عليه أفهامنا لآيات القرآن الكريم؟.
مما يفسد على المسلمين عقيدتهم ويوقعهم في حيرة وشك من كتاب ربهم.
قال الحافظ الذهبي في كتابه العرش (1/ 81) في معرض كلامه عن المعطلة:
وهناك مسلك رابع: وهو مسلك أصحاب وحدة الوجود الذين يعطون أسماءه سبحانه لكل شيء في الوجود، إذ كان وجود الأشياء عندهم هو عين وجوده، ما ثمت فرق إلا بالإطلاق والتقييد.
وفي العرش أيضاً (1/ 89)
الدرجة الرابعة: أهل وحدة الوجود
الذين لا يميزون الخالق بصفات تميزه عن المخلوق، ويقولون بأن وجود الخالق هو وجود المخلوق. فعلى سبيل المثال هم يقولون: بأن الله هو المتكلم بكل ما يوجد من الكلام وفي ذلك يقول ابن عربي:
ألا كل قولٍ في الوجودِ كلامه ... سواءٌ علينا نثره ونظامه
يعم به أسماع كل مكون ... فمنه إليه بدؤه وختامه
(الفتوحات المكية (4/141) ط: دار صادر، بيروت)
فيزعمون أنه هو المتكلم على لسان كل قائل. ولا فرق عندهم بين قول فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات 24] و {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص 28] وبين القول الذي يسمعه موسى {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه 14] . بل يقولون: إنه الناطق في كل شيء، فلا يتكلم إلا هو، ولا يسمع إلا هو، حتى قول مسيلمة الكذاب، والدجال، وفرعون، يصرحون بأن أقوالهم هي قوله".
وهذا قول أصحاب وحدة الوجود كابن عربي، وابن سبعين وابن الفارض، والعفيف التلمساني.
وأصل مذهبهم: أن كل واحد من وجود الحق، وثبوت الخلق، يساوى الآخر ويفتقر إليه، وفي هذا يقول ابن عربي: (فصوص الحكم صـ83)
فيعبدني وأعبده ... ويحمدني وأحمده
ويقول: إن الحق يتصف بجميع صفات العبد المحدثات، وإن المحدث يتصف بجميع صفات الرب، وأنهما شيء واحد إذ لا فرق في الحقيقة بين الوجود والثبوت (بغية المرتاد ص397، 398).
فهو الموصوف عندهم بجميع صفات النقص والذم والكفر والفواحش والكذب والجهل، كما هو الموصوف عندهم بصفات المجد والكمال فهو العالم والجاهل، والبصير والأعمى، والمؤمن والكافر، والناكح والمنكوح، والصحيح والمريض، والداعي والمجيب، والمتكلم والمستمع، وهو عندهم هوية العالم ليس له حقيقة مباينة للعالم، وقد يقولون لا هو العالم ولا غيره، وقد يقولون: هو العالم أيضا وهو غيره، وأمثال هذه المقالات التي يجمع فيها في المعنى بين النقيضين مع سلب النقيضين (بغية المرتاد ص408).
وفي كتاب العرش (1/ 91) يقول الحافظ الذهبي
وهؤلاء الاتحادية يجمعون بين النفي العام والإثبات العام فعندهم أن ذاته لا يمكن أن ترى بحال وليس له اسم ولا صفة ولا نعت، إذ هو الوجود المطلق الذي لا يتعين، وهو من هذه الجهة لا يرى ولا اسم له.
ويقولون: إنه يظهر في الصور كلها، وهذا عندهم هو الوجود الاسمي لا الذاتي، ومن هذه الجهة فهو يُرى في كل شيء، ويتجلى في كل موجود، لكنه لا يمكن أن ترى نفسه، بل تارة يقولون كما يقول ابن عربي: ترى الأشياء فيه، وتارة يقولون يرى هو في الأشياء وهو تَجلِّيه في الصور، وتارة يقولون كما يقول ابن سبعين:
عين ما ترى ذات لا ترى ... وذات لا ترى عين ما ترى
وهم مضطربون لأن ما جعلوه هو الذات عدم محض، إذ المطلق لا وجود له في الخارج مطلقاً بلا ريب، لم يبق إلا ما سموه مظاهر ومجالي، فيكون الخالق عين المخلوقات لا سواها، وهم معترفون بالحيرة والتناقض مع ما هم فيه من التعطيل والجحود. وفي هذا يقول ابن عربي:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيداً ... وإن قلت بالتشبيه كنت محدداً
ثم قال الذهبي في 1/ 92 من المرجع السابق
كلام غلاة المعطلة المتقدم ذكره يدور على أحد أصلين:
1ـ الأصل الأول: النفي والتعطيل الذي يقتضي عدمه، بأن جعلوا الحق لا وجود له، ولا حقيقة له في الخارج أصلاً وإنما هو أمر مطلق في الأذهان. وهذا الذي عليه المكذبة النفاة، والمتجاهلة الواقفة، والمتجاهلة اللاأدرية.
2ـ الأصل الثاني: أن يجعلوا الحق عين وجود المخلوقات، فلا يكون للمخلوقات خالق غيرها أصلاً، ولا يكون رب كل شيء ولا مليكه. وهذا الذي عليه حال أهل وحدة الوجود الاتحادية في أحد حاليهم فهذا حقيقة قول القوم وإن كان بعضهم لا يشعر بذلك.
وفي كتاب الرد على القائلين بوحدة الوجود المسمى "مرتبة الوجود ومنزلة الشهود" صـ13 لعلي بن سلطان محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (ت 1014هـ) المعروف بملا علي القاري المحقق: علي رضا بن عبد الله بن علي رضا
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله الَّذِي أوجد الْأَشْيَاء شَرها وَخَيرهَا وَهُوَ فِي عين أهل الْحق يكون غَيرهَا وَصلى الله عَلَيْهِ وَسلم على من بَين نَفعهَا وضرها وعَلى آله وَأَصْحَابه وَأَتْبَاعه وأحزابه السائرين فِي السلوك سَيرهَا.
أما بعد... فَيَقُول الملتجئ إِلَى حرم ربه الْبَارِي عَليّ بن سُلْطَان مُحَمَّد الْقَارِي إِنَّه ورد سُؤال من صَاحب حَال مضمونه أَنه قَالَ بعض المتصوفة للمريد عِنْد تلقينه كلمة التَّوْحِيد: اعْتقِد أَن جَمِيع الْأَشْيَاء بِاعْتِبَار بَاطِنهَا مُتحد مَعَ الله تَعَالَى وَبِاعْتِبَار ظَاهرهَا مُغَاير لَهُ وسواه.
فَقلت: هَذَا كَلَام ظَاهر الْفساد مائل إِلَى وحدة الْوُجُود أَو الإتحاد كَمَا هُوَ مَذْهَب أهل الْإِلْحَاد؛ فالتمس مني بعض الإخوان أَن أوضح هَذَا الْأَمر وفْق الْإِمْكَان من الْبَيَان.
فَأَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَبِيَدِهِ أزمة التَّحْقِيق إِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَانَ وَلم يكن قبله وَلَا مَعَه شَيْء عِنْد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة بِإِجْمَاع الْعلمَاء خلافًا للفلاسفة، وَبَعض الْحُكَمَاء مِمَّن يَقُول بقدم الْعَالم وَوُجُود بعض الْأَشْيَاء، وَهُوَ مَرْدُود لقَوْله تَعَالَى: {الله خَالق كل شَيْء} أَي مَوْجُود مُمكن فِي عَالم مشهود وَمن الْمحَال أَن يكون الْحَادِث بباطنه متحداً بالقديم الموجد مَعَ أَنه مُخَالف لمَذْهَب الموحد فَإِن الإثنينية تنَافِي الْوحدَة اليقينية قَالَ الله تَعَالَى {لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} فَكيف بالآلهة المتعددة وَالَّذِي يعرف من السَّادة الصُّوفِيَّة أَنهم يَقُولُونَ يَنْبَغِي للسالك أَن ينظر حَال تكَلمه كلمة التَّوْحِيد عِنْد لَا إِلَه بِنَظَر النَّفْي والفناء إِلَى السوى وَعند إِلَّا الله الثُّبُوت والبقاء إِلَى الْمولى وَقد تقرر فِي علم العقائد أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ محلاً للحوادث فَإِن الْحُدُوث عبارَة عَن وجودٍ لَاحقٍ لعدمٍ سَابق، فَيكون مَعَ الْقَدِيم غير لَائِق، ثمَّ الْمَقْصُود من كلمة التَّوْحِيد نفي كَون الشَّيْء يسْتَحق الْعُبُودِيَّة، وَإِثْبَات الربوبية لمن لَهُ اسْتِحْقَاق الألوهية، وَإِلَّا فالكفار كَانُوا عارفين للوجود، ومغايرته لما سواهُ، كَمَا أخبر بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُم بقوله {وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} أَي أوجد العلويات والسفليات من حيّز الْعَدَم إِلَى صفحة الْوُجُود ليَقُولن الله أَي الذَّات الْوَاجِب الْوُجُود
وفي المرجع السابق "مرتبة الوجود ومنزلة الشهود" صـ 27 لعلي بن سلطان محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: 1014هـ) المعروف بملا علي القاري
ثمَّ هَؤُلَاءِ الجهلة بعقولهم الكاسدة، وآرائهم الْفَاسِدَة، يَزْعمُونَ أَنهم يُرِيدُونَ التَّوْفِيق بَين الدَّلَائِل الَّتِي عِنْدهم مِمَّا يسمونها العقليات، وَهِي فِي الْحَقِيقَة مَحْض الجهليات، وَبَين الدَّلَائِل النقلية، المنقولة عَن الْكتاب وَالسّنة، وَقد يتفوهون: أَنهم يُرِيدُونَ التَّحْقِيق والتدقيق، بالتوفيق بَين الشَّرِيعَة والفلسفة كَمَا يَقُول كثير من المبتدعة من المتنسكة، والجهلة من المتصوفة، حَيْثُ يَقُولُونَ: إِنَّمَا نُرِيد الْإِحْسَان بِالْجمعِ بَين الْإِيمَان والإتقان، والتوفيق بَين الشَّرِيعَة والحقيقة؛ ويدسون فِيهَا دسائس مذاهبهم الْبَاطِلَة، ومشاربهم العاطلة، من الِاتِّحَاد والحلول والإلحاد والاتصال وَدَعوى الْوُجُود وَالْمُطلق وَأَن الموجودات عين الْحق ويتوهمون أَنهم فِي مقَام الجمعية وَالْحَال أَنهم فِي عين التَّفْرِقَة والزندقة، وكما يَقُول كثير من الْمُلُوك والحكام والأمراء إِذا خالفوا فِي بعض أَحْكَام الْإِسْلَام: إِنَّمَا نُرِيد الْإِحْسَان بالسياسة الْحَسَنَة والتوفيق بَينهمَا وَبَين الشَّرِيعَة المستحسنة؛ فَكل من طلب أَن يحكم فِي شَيْء من أَمر الدّين غير مَا هُوَ ظَاهر الشَّرْع الْمُبين لَهُ نصيب من ذَلِك وَهُوَ هَالك فِيمَا هُنَالك.
وفي المرجع السابق "مرتبة الوجود ومنزلة الشهود" (ص 33)
وَقَالَ الشَّيْخ الْعَلامَة شرف الدّين ابْن المقريء وَلِهَذَا طَائِفَة من الْعَوام وَقَعُوا فِي الْفِتْنَة من هَذَا الْكَلَام وَقَالُوا هَذَا الْكَلَام بَاطِن لَا يعرفهُ إِلَّا أهل الإلهام ولبسوا على النَّاس حَتَّى أصغى الْجَاهِل إِلَى أَقْوَالهم من أَن كل شَيْء هُوَ الله وَأَن الْخَالِق هُوَ الْمَخْلُوق وَأَن الْمَخْلُوق هُوَ الْخَالِق وَأَن الألوهية بالجعل، فَمن جَعَلْتَه إلهك، فقد عَرفتَه وَمَا عرفك، وَأَن الْمَنْفِيّ فِي لَا إِلَه إِلَّا الله هُوَ الْمُثبت، فَجعلُوا كلمة الشَّهَادَة مَا لَا معنى لَهُ، وَلَا فَائِدَة تَحْتَهُ، وَأَشْبَاه هَذَا من كَلَامهم مَا لَا يُحْصى كَثْرَة، وَهُوَ فِي كِتَابه يَأْمر بِعبَادة الْأَوْثَان، والتنقل فِي الْأَدْيَان، بقوله: إياك أَن تقتصر على مُعْتَقد وَاحِد فيفوتك خير كثير، فَاجْعَلْ نَفسك هيولى لسَائِر المعتقدات؛ فَمَا كتبه إِلَّا كَسُمٍّ دُسَّ فِي الْإِسْلَام، ومصيبة أُصِيب بهَا كثير من الْأَنَام،
وفي شرح العقيدة الطحاوية للإمام ابن أبي العز الحنفـي صـ 28 تحقيق الشيخ شاكر
وهذا القول قد أفضى بقوم الى القول بالحلول والإتحاد ، وهو أقبح من كفر النصارى ، فإن النصارى خصوه بالمسيح ، وهؤلاء عموا جميع المخلوقات. ومن فروع هذا التوحيد : أن فرعون وقومه كاملو الإيمان ، عارفون بالله على الحقيقة .
ومن فروعه : أن عباد الأصنام على الحق والصواب ، وأنهم إنما عبدوا الله لا غيره.
ومن فروعه : أنه لا فرق في التحريم التحليل بين الأم والأخت والأجنبية، ولا فرق بين الماء والخمر، والزنا والنكاح ، والكل من عين واحدة ، لا بل هو العين الواحدة
ومن فروعه : أن الأنبياء ضيقوا على الناس .
تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً .
عقيدة وحــــدة الـوجــــود (ب)
قال ملا علي القاري بعد ذلك في كتابه "مرتبة الوجود ومنزلة الشهود"(صـ20،21)
وَقد قَالَت الصُّوفِيَّة: الجمعية بِدُونِ التَّفْرِقَة زندقة، والتفرقة بِدُونِ الجمعية كفر ومفسقة، وَقَالُوا إِن المريد فِي مقَام الْمَزِيد يَنْبَغِي أَن يَقُول فِي بَاطِنه عِنْد كلمة التَّوْحِيد أَولاً: لَا معبود إِلَّا الله، وَهَذِه شَرِيعَة، ثمَّ يَقُول: لَا مَوْجُود إِلَّا الله وَهَذِه طَريقَة، ثمَّ لَا مشهود إِلَّا الله وَهَذِه حَقِيقَة، وَلَا يلْزم مِنْهُ الِاسْتِهْلَاك من عين الأحدية مَا توهمه الوجودية من عكس الْقَضِيَّة؛ فَإِذا عرفت ذَلِك مَا يعْتد الوجودية على مَا هُنَالك من نِسْبَة القَوْل الْبَاطِل الَّذِي صدر من الْقلب الغبي، إِلَى الشَّيْخ مُحي الدّين بن عَرَبِيّ، الله أعلم بِصِحَّة النِّسْبَة فِي الرِّوَايَة ليحكم بِكفْر قَائِله بِنَاء على مَا تَقْتَضِيه الدِّرَايَة.
وَهُوَ أَنه ذكر فِي الفتوحات المكية بالعبارة الردية وَهِي قَوْله: "سُبْحَانَ من أظهر الْأَشْيَاء وَهُوَ عينهَا" وَهَذَا كَمَا ترى مُخَالف لجَمِيع أَرْبَاب النَّحْل والملل الإسلامية وموافق لما عَلَيْهِ الطبيعية والدهرية.
وَلذَا كتب الْعَارِف الرباني الشَّيْخ عَلَاء الدولة السمناني فِي حَاشِيَة على هَذِه الْعبارَة الدنية: أَيهَا الشَّيْخ لَو سَمِعت من أحد أَنه يَقُول فضلَة الشَّيْخ عينه لَا تسامحه بل تغْضب عَلَيْهِ فَكيف يسوغ الْعَاقِل أَن ينْسب إِلَى الله تَعَالَى هَذَا الهذيان، تُب إِلَى الله تَعَالَى تَوْبَة نصُوحًا، لتنجو من هَذِه الورطة الوعرة، الَّتِي يستنكف مِنْهَا الدهريون والطبيعيون واليونانيون والشكمانيون، ثمَّ قَالَ(أي الشيخ السمناني): وَمن لم يُؤمن بِوُجُوب وجوده فَهُوَ كَافِر حَقِيقِيّ، وَمن لم يُؤمن بوحدانيته فَهُوَ مُشْرك حَقِيقِيّ، وَمن لم يُؤمن بنزاهته من جَمِيع مَا يخْتَص بالممكن فَهُوَ ظَالِم حَقِيقِيّ لِأَنَّهُ ينْسب إِلَيْهِ مَا لَا يَلِيق بِكَمَال قدسه وَالظُّلم وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه وَلذَلِك قَالَ تَعَالَى فِي مُحكم كِتَابه {أَلا لعنة الله على الظَّالِمين} وسبحانه وَتَعَالَى عَن وصف الْجَاهِلين.
وفي صـ 27 من المرجع السابق
ثمَّ هَؤُلَاءِ الجهلة بعقولهم الكاسدة وآرائهم الْفَاسِدَة يَزْعمُونَ أَنهم يُرِيدُونَ التَّوْفِيق بَين الدَّلَائِل الَّتِي عِنْدهم مِمَّا يسمونها العقليات، وَهِي فِي الْحَقِيقَة مَحْض الجهليات، وَبَين الدَّلَائِل النقلية المنقولة عَن الْكتاب وَالسّنة، وَقد يتفوهون أَنهم يُرِيدُونَ التَّحْقِيق والتدقيق، بالتوفيق بَين الشَّرِيعَة والفلسفة، كَمَا يَقُول كثير من المبتدعة من المتنسكة، والجهلة من المتصوفة، حَيْثُ يَقُولُونَ إِنَّمَا نُرِيد الْإِحْسَان بِالْجمعِ بَين الْإِيمَان والإتقان، والتوفيق بَين الشَّرِيعَة والحقيقة، ويدسون فِيهَا دسائس مذاهبهم الْبَاطِلَة ومشاربهم العاطلة من الِاتِّحَاد والحلول والإلحاد والاتصال، وَدَعوى الْوُجُود وَالْمُطلق، وَأَن الموجودات عين الْحق، ويتوهمون أَنهم فِي مقَام الجمعية، وَالْحَال أَنهم فِي عين التَّفْرِقَة والزندقة، وكما يَقُول كثير من الْمُلُوك والحكام والأمراء إِذا خالفوا فِي بعض أَحْكَام الْإِسْلَام: إِنَّمَا نُرِيد الْإِحْسَان بالسياسة الْحَسَنَة، والتوفيق بَينهمَا وَبَين الشَّرِيعَة المستحسنة؛ فَكل من طلب أَن يحكم فِي شَيْء من أَمر الدّين غير مَا هُوَ ظَاهر الشَّرْع الْمُبين لَهُ نصيب من ذَلِك وَهُوَ هَالك فِيمَا هُنَالك.
وفيه صـ 34 وما بعدها
وَقَالَ شيخ مَشَايِخنَا الْعَلامَة الْجَزرِي: وَأحسن مَا عِنْدِي فِي أَمر هَذَا الرجل أَنه لما ارتاض غلبت عَلَيْهِ السَّوْدَاء فَقَالَ مَا قَالَ فَلهَذَا اخْتلف كَلَامه اخْتِلَافاً كثيراً، وتناقض تناقضاً ظَاهراً، فَيَقُول الْيَوْم شَيْئا وَغداً بِخِلَافِهِ،
قلت: (أي ملا علي القاري): وَيُؤَيّد مَا نقل عَنهُ أَنه قَالَ (أي الشيخ الجزري): من لم يقل بِكُفْرِهِ (أي ابن عربي) فَهُوَ كَافِر،
قَالَ(أي الشيخ الجزري): والظانون بِهِ خيرًا أحد رجلَيْنِ:
إِمَّا أَن يكون سليم الْبَاطِن لَا يتَحَقَّق معنى كَلَامه وَيَرَاهُ صوفياً، ويبلغه اجْتِهَاده وَكَثْرَة علمه فيظن بِهِ الْخَيْر.
وَإِمَّا أَن يكون زنديقاً إباحياً حلولياً يعْتَقد وحدة الْوُجُود وَيَأْخُذ مَا يُعْطِيهِ كَلَامه من ذَلِك مُسلماً، وَيُظْهِر الْإِسْلَام، وَاتِّبَاع الشَّرْع الشريف فِي الْأَحْكَام.
وَلَقَد جرى بيني وَبَين كثير من عُلَمَائهمْ بحث أفْضى إِلَى أَن قلت: اجْمَعُوا بَين قَوْلكُم وَبَين التَّكْلِيف وَأَنا أكون أول تَابع لكم.
وَلَقَد نقل الإِمَام عماد الدّين بن كثير، عَن الْعَلامَة تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ، عَن شيخ الْإِسْلَام ابْن دَقِيق الْعِيد، الْقَائِل فِي آخر عمره: لي أَرْبَعُونَ سنة مَا تَكَلَّمت كلمة إِلَّا وأعددت لَهَا جَوَابا بَين يَدي الله تَعَالَى، وَقد سَأَلت شَيخنَا سُلْطَان الْعلمَاء عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام عَن ابْن عَرَبِيّ فَقَالَ: شيخ سوء، كَذَّاب، يَقُول بقدم الْعَالم، وَلَا يحرم فرجاً.
وَقَالَ الْجَزرِي: وَبِالْجُمْلَةِ فَالَّذِي أقوله وأعتقده، وَسمعت من أَثِق بِهِ من شيوخي، الَّذين هم حجَّة بيني وَبَين الله تَعَالَى، أَن هَذَا الرجل إِن صَحَّ هَذَا الْكَلَام الَّذِي فِي كتبه مِمَّا يُخَالف الشَّرْع المطهر، وَقَالَهُ وَهُوَ فِي عقله، وَمَات وَهُوَ مُعْتَقد ظَاهره، فَهُوَ أنجس من الْيَهُود وَالنَّصَارَى، فَإِنَّهُم لَا يسْتَحلُّونَ أَن يَقُولُوا ذَلِك، ثمَّ إِنَّمَا يؤول كَلَام الْمَعْصُوم وَلَو فتح بَاب تَأْوِيل كل كَلَام ظَاهره الْكفْر لم يكن فِي الأَرْض كَافِر، مَعَ أَن هَذَا الرجل يَقُول فِي فتوحاته وَهَذَا كَلَام على ظَاهره لَا يجوز تَأْوِيله انْتهى.
وَقد صنف الْعَلامَة ابْن نور الدّين مجلداً كَامِلاً فِي الرَّد على ابْن عَرَبِيّ سَمَّاهُ "كشف الظلمَة عَن هَذِه الْأمة"، أَقُول والعاقل تكفيه الْإِشَارَة وَلَا يحْتَاج إِلَى تَطْوِيل الْعبارَة، وَأما مَا ذكره صَاحب الْقَامُوس فِي فتواه عِنْد مدح ابْن عَرَبِيّ؛ فبناء على حسن ظَنّه بِهِ، لعدم الِاطِّلَاع على كَلَامه، وَفهم مرامه، أَو لموافقة مشربه، ومطابقة مذْهبه، وَأما قَوْله إِن إِنْكَار جمَاعَة من فُقَهَاء الظَّاهِر العاجزين عَن فهم شَيْء من مَعَاني كَلَام الشَّيْخ وحقائقه فَإِنَّهُم مَتى سمعُوا كَلَامه أَنْكَرُوا وبدعوا وشنعوا لعدم فهم مرامه أَلَيْسَ حَافظ الْأمة أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ يَقُول حفظت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعاءين من الْعلم فبثثت أَحدهمَا فِيكُم وَأما الآخر فَلَو بثثته لقطع مني هَذَا البلعوم كَذَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ أَرَادَ بِهِ عُلُوم الْحَقِيقَة الَّتِي لَيست من شَأْن أهل الظَّاهِر لِأَن ذَلِك خَاص بِمَا خصّه الله تَعَالَى من الصديقين والأدباء المقربين، فَهُوَ خطأ ظَاهر، وَغلط باهر من وَجْهَيْن أَحدهمَا: أَن الْمَشَايِخ المعتبرين قد أَنْكَرُوا عَلَيْهِ كَمَا ثَبت واشتهر من إِنْكَار الشَّيْخ الرباني عَلَاء الدولة السمناني.
وَالثَّانِي: استدلاله بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور فَإِنَّهُ لَا شكّ فِي صِحَة مبناه وَإِنَّمَا أَخطَأ فِيمَا ذكره من بَيَانه مَعْنَاهُ، لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خصّه بِعلمٍ لَا يجوز إفشاؤه، لكَونه مُخَالفا لظَاهِر الشَّرِيعَة، وَقد أجمع الْفُقَهَاء والصوفية والعرفاء أَن كل حَقِيقَة تخَالف ظَاهر الشَّرِيعَة فَهِيَ زندقة مَعَ أَن أَبَا هُرَيْرَة غير مَشْهُور بِهَذَا الْعلم، وَلَا أحد أَخذ عَنهُ من طرق الْمَشَايِخ، وَرِجَال أسانيدهم، وَإِنَّمَا الْمَشْهُور من الصَّحَابَة فِي هَذَا الْفَنّ بِاعْتِبَار الْحَال الصّديق الْأَكْبَر، وَبِاعْتِبَار الْمقَال عَليّ رَضِي الله عَنهُ، وَقد انْتهى إِلَيْهِمَا طرق الصُّوفِيَّة المرضية.
وَالصَّوَاب فِي معنى الحَدِيث المسطور هُوَ أَنه سمع مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعض أَحَادِيث فِي مذمة بني أُميَّة وَكَانَ يخَاف على نَفسه من يزِيد وَزِيَادَة بعض أذيته فَمَا أظهر شَيْئا من ذَلِك لعذره هُنَالك ذكره لبَعض الْخَواص من أَصْحَابه لِئَلَّا يدْخل تَحت قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من كتم علما ألْجم بلجام من نَار) وَقد بيّنت فِيمَا بسطت الْكَلَام بِذكر فتاوي الْعلمَاء الْأَعْلَام فِي رسالتي الْمُسَمَّاة "فر العون مِمَّن يَدعِي إِيمَان فِرْعَوْن".........
ثم قال (صـ 38)
وَتحرم مطالعة كتبه لِأَنَّهَا مشحونة بِمَا يُخَالف عقائد الْمُسلمين، فِي مقَام الْإِيمَان والتصديق، ثمَّ أعلم أَن القَوْل بالحلول والاتحاد الْمُوجب لحُصُول الْفساد والإلحاد شَرّ من الْمَجُوس والثنوية والمانوية الْقَائِلين بالأصلين النُّور والظلمة وَأَن الْعَالم صدر عَنْهُمَا وهم متفقون على أَن النُّور خير من الظلمَة، وَهُوَ الْإِلَه الْمَحْمُود، وَأَن الظلمَة شريرة مذمومة، وهم متنازعون فِي الظلمَة هَل هِيَ قديمَة أَو محدثة، فَلم يثبتوا بَين متماثلين وَقد قَالَ تَعَالَى رداً عَلَيْهِم {لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} وَقَالَ {الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَجعل الظُّلُمَات والنور} فَمن أَصَابَهُ ذَلِك النُّور فقد اهْتَدَى، وَمن أخطأه فقد ضل واعتدى، وَكَذَا شَرّ من النَّصَارَى الْقَائِلين بالتثليث.
ثم يقول في "مرتبة الوجود ومنزلة الشهود" (صـ 39)
وَهَذَا دأب أهل الْبَاطِن، أَنهم يروجون مَذْهَبهم بانتسابه إِلَى بعض أهل الْحق عِنْد الْجُهَّال، مِمَّن لَا تَمْيِيز لَهُ بَين الْأَقْوَال، كالشيعة ينتسبون إِلَى الإِمَام جَعْفَر الصَّادِق، وَهُوَ بَرِيء مِنْهُم، ومتنزه عَنْهُم، عِنْد من يعرف مقَامه، ويتبين لَهُ مرامه، حِين يسمع كَلَامه، وكالملحدين يتعلقون بأشعار الْعَطَّار، والحافظ، ومير قَاسم الْأَنْوَار، وأمثالهم من أَرْبَاب الْأَسْرَار، وكما أَنا المبتدعة كلهم يستدلون على مدعائهم بِالْآيَاتِ القرآنية، وَبَعض الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة.
ثم يكمل في صـ 40
وَقد ثَبت بضرورة الْعقل وأدلة النَّقْل وجود موجودين أَحدهمَا وَاجِب، وَالْآخر مُمكن، أَحدهمَا قديم، وَالْآخر حَادث، أَحدهمَا غَنِي، وَالْآخر فَقير إِلَى الله، أَحدهمَا خَالق، وَالْآخر مَخْلُوق
ونحو هذ أيضاً في (صـ 101)
قَالَ فِي الفتوحات: من أَن التخلي عِنْد الْقَوْم اخْتِيَار الْخلْوَة والإعراض عَن الْأُمُور المشغلة من الحضرة، وَعِنْدنَا هُوَ التخلي من الْوُجُود الْمُسْتَفَاد، لِأَن فِي اعْتِقَاد الْعَوام أَن وجود الْغَيْر حق، وَفِي نفس الْأَمر لَيْسَ إِلَّا وجود الْحق جلّ وَعلا. انْتهى
وَلَا يخفى أَن هَذَا أَيْضا يُشِير إِلَى وحدة الْوُجُود وَهُوَ مُخَالف لما عَلَيْهِ أَرْبَاب الشُّهُود من أَن العابد غير المعبود، وَالشَّاهِد غير الْمَشْهُود، وَغَايَة الْأَمر أَن ظُهُور الْخلق يخفى أَو يفنى عِنْد نور الْحق كغيبة الْكَوَاكِب الثواقب فِي حَضْرَة شمس الْمَشَارِق والمغارب، وَكَذَا شمس الجوانب منخسفة ومنكسفة عِنْد تجلي رب الْمَشَارِق والمغارب، فَكُن من الْأَقَارِب لَا من الْأَجَانِب كَيْلا يَقع لَك خطأ فِي تَحْقِيق الْمَرَاتِب.
قال صاحب الصوارم الحداد القاطعة لعلائق أرباب الاتحاد (صـ 61) محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (المتوفى: 1250هـ)
جَوَاب ابْن تَيْمِية وَالشَّيْخ إِبْرَاهِيم الجعبري وَابْن عبد السَّلَام على السُّؤَال السَّابِق
أجَاب الإِمَام ابْن تَيْمِية بِمَا حَاصله أَن كل كلمة من هَذِه الْكَلِمَات كفر بِلَا نزاع بَين الْمُسلمين وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى فضلاً عَن كَونه كفراً فِي شَرِيعَة الْإِسْلَام، ثمَّ قَالَ وَصَاحب هَذَا الْكتاب الَّذِي هُوَ فصوص الحكم وَأَمْثَاله، مثل صَاحبه الغرنوي والتلمساني وَابْن سبعين والسنكري وأتباعهم، مَذْهَبهم الَّذِي هم عَلَيْهِ أَن الْوُجُود وَاحِد ويسمون أهل وحدة الْوُجُود، وَيدعونَ التَّحْقِيق والعرفان فهم يجْعَلُونَ وجود الْخَالِق عين وجود الْمَخْلُوقَات فَكل مَا يَتَّصِف بِهِ الْمَخْلُوقَات من حسن وقبح، ومدح وذم إِنَّمَا اتّصف بِهِ عِنْدهم عين الْخَالِق.
قَالَ (أي ابْن تَيْمِية): وَيَكْفِيك بكفرهم أَن من أخف أَقْوَالهم أَن فِرْعَوْن مَاتَ مُؤمناً برياً من الذُّنُوب كَمَا قَالَ (يَعْنِي ابْن عَرَبِيّ)
ثمَّ أَخذ يعدد من هَذِه الْكَلِمَات حَتَّى قَالَ إِن كفرهم أعظم من كفر الْيَهُود وَالنَّصَارَى
ثمَّ قَالَ بعد كَلَام طَوِيل هَذِه الْفَتْوَى لَا تحمل بسط كَلَام هَؤُلَاءِ وَبَيَان كفرهم وإلحادهم فَإِنَّهُم من جنس القرامطة الباطنية والإسماعيلية الَّذين كَانُوا أكفر من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَإِن قَوْلهم يتَضَمَّن الْكفْر بِجَمِيعِ الْكتب وَالرسل.
وقَالَ الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الجعبري لما اجْتمع بِابْن عَرَبِيّ صَاحب هَذَا الْكتاب قَالَ: رَأَيْت شَيخاً نحيفاً يُكَذِّبُ بِكُلِ كتابٍ أنزلهُ الله تَعَالَى وَبِكُل نَبِي أرْسلهُ.
وَقَالَ الْفَقِيه أَبُو مُحَمَّد بْن عبد السَّلَام لما قدم من الْقَاهِرَة وسألوه عَن ابْن عَرَبِيّ فَقَالَ شيخ سوء، معتوه، يَقُول بقدم الْعَالم، وَلَا يحرم فرجاً، قَالَ ذَلِك قبل أَن يظْهر من قَوْله إِن الْعَالم هُوَ الله ثمَّ قَالَ بعد أَن عدد مثالبهم: وَلم أصف عشر مَا يذكرُونَهُ من الْكفْر.
ثمَّ قَالَ فرؤوسهم أَئِمَّة كفر، وَيجب قَتلهمْ، وَلَا تقبل تَوْبَة أحد مِنْهُم إِذا أَخذ قبل التَّوْبَة، فَإِنَّهُ من أعظم الزَّنَادِقَة.
ثمَّ قَالَ وَيجب عُقُوبَة كل من انتسب إِلَيْهِم، أَو ذب عَنْهُم، أَو أثنى عَلَيْهِم، أَو عظم كتبهمْ، أَو عُرِفَ بمساعدتهم ومعاونتهم، أَو كَرِهَ الْكَلَام فيهم، بل تجب عُقُوبَة كل من عرف حَالهم وَلم يعاون على الْقيام عَلَيْهِم فَإِن الْقيام على هَؤُلَاءِ من أعظم الْوَاجِبَات لأَنهم أفسدوا الْعُقُول والأديان على خلق من الْمَشَايِخ وَالْعُلَمَاء والأمراء والملوك.
وفي الهدية الهادية إلى الطائفة التجانية (صـ 42) أبو شكيب محمد تقي الدين بن عبد القادر الهلالي (المتوفى: 1407هـ)
قول أبى بكر الأصم: (إن وَلِيَّ الله لا يَرى بقلبه غير الله) إن كان يريد بذلك أنه لا يرى أن أحدا يستحق العبادة غير الله فلا يرى أن هناك ربا غير الله، ولا معطياً ولا مانعاً ولا حافظاً ولا رافعاً ولا محيياً ولا مميتاً ولا متصرفاً على الحقيقة في الدنيا والآخرة إلا الله، فكلامه حق، وإن كان يريد أن الولي لا يرى وجوداً إلا الله، كما يقول أصحاب وحدة الوجود فهو باطل، وهؤلاء زنادقة أخذوا هذه العقيدة الفاسدة المناقضة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة من فلاسفة الهند واليونانيين، وذلك خلاف ما جاءت به أنبياء الله وكتب الله تعالى.
ومن أقوالهم الباطلة، أعني أصحاب وحدة الوجود (من حد فقد ألحد) يعني من رأى هنالك رباً ومربوباً وعابداً ومعبوداً وخالقاً ومخلوقاً فقد ألْحد وضل، لأن الوجود عندهم واحد، فتوحيده من تحصيل الحاصل، وابن عربي الحاتمي الذي تقدم ذكره في كلام صاحب الرماح من مشاهير المعتقدين وحدة الوجود، وفي ذلك يقول في الفتوحات:
العبد رب والرب عبد ... يا ليت شعري من المكلف
إن قلت عبد فذاك حق ... أو قلت رب أنَّ يكلف
ويقول في الفتوحات إن الذين عبدوا العجل ما عبدوا غير الله.
وكذلك عبد الكريم الجيلي في كتابه (الإنسان الكامل) وابن الفارض في ديوانه.
وفي كتاب الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان (صـ 18)
ثم تلقاها عنهم دعاة: "وحدة الوجود" و"الاتحاد" و"الحلول" وغيرهم من المنتسبين إلى الإسلام من ملاحدة المتصوفة في مصر، والشام، وأرض فارس، وأقاليم العجم، ومن غلاة الرافضة، وهي من مواريثهم عن التتر وغيرهم، حتى بلغ الحال أن بعض هؤلاء الملاحدة يجيزون التهود، والتنصر، بل فيهم من يرجح دين اليهود والنصارى على دين الإسلام، وهذا فاشٍ فيمن غلبت عليهم الفلسفة منهم، ثم انتقلوا إلى أن أفضل الخلق عندهم هو: " المحقق " وهو: الداعي إلى الحلول والاتحاد.
وقد كشفهم شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في مواضع من كتبه .
وقد قُمِعَت هذه الدعوة الكفرية بمواجهة علماء الإسلام لها، والمناداة عليها، وعلى منتحليها، بأنها كفرٌ وردةٌ عن الإسلام.
وكان لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - مواقف إسلامية مشهورة خالدة، ولغيره من علماء المسلمين الذين ردوا على هؤلاء الغلاة، مثل الحلاج: الحسين بن منصور الفارسي، المقتول على الردة سنة 309 ، وابن عربي محمد بن علي الطائي، قدوة السوء للقائلين بوحدة الوجود، في كتابه: الفصوص، المتوفى سنة 638، وابن سبعين. ت سنة 669، والتلمساني. ت سنة 690، وابن هود. ت سنة 699، وغيرهم كثير.
وفي كتاب الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية (صـ 400)
فمذهب وحدة الوجود هو اعتقادهم بأن الكائنات المشهودة على كثرتها، هي عين وجود الله، وما هي إلا مظاهر لذاته المنبثة في الكون.
وفي كتاب فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها (3/ 994)
3 - وحدة الوجود:
وحدة الوجود: عقيدة إلحادية تأتي بعد التشبع بفكرة الحلول في بعض الموجودات، ومفادها لا شيء إلا الله وكل ما في الوجود يمثل الله عز وجل، لا انفصال بين الخالق والمخلوق، وأن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى، ليس وجودها غيره، ولا شيء سواه البتة، وهي فكرة هندية بوذية مجوسية.
وهذا هو المبدأ الذي قام عليه مذهب ابن عربي الذي قال: سبحان من خلق الأشياء وهو عينها، وتجرأ على تفسير كتاب الله بغير علم فاستدل بآيات من القرآن الكريم زعماً أن الله أطلق اسم الوجود على نفسه كما في قوله تعالى: {وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ} ، {لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَّحِيماً} ، {يّجِدِ اللهَ غَفُوراً}، واستدل بأحاديث موضوعة مثل حديث: "من عرف نفسه فقد عرف ربه".
وهذا الاستدلال من أغرب وأنكر ما تلفظ به قائل.
إذ كيف يتأتى لهم القول أن القرآن والسنة يدعون إلى الإلحاد والكفر بالله؟ ولا شك أن هذه العقائد الإلحادية قديمة جداً في العبادات الهندية والديانات البوذية. وقد انقسم أصحاب هذه المبادئ الإلحادية إلى فريقين:
1 - الفريق الأول: يرى الله سبحانه وتعالى روحاً وأن العالم جسماً لذلك الروح، فإذا سما الإنسان وتطهر التصق بالروح أي الله.
2 - الفريق الثاني: هؤلاء يزعمون أن جميع الموجودات لا حقيقة لوجودها غير وجود الله، فكل شيء في زعمهم هو الله تجلى فيه.
والإسلام بريء من هذه الأفكار المنحرفة الخرافية كلها {هُوَ الأول وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ} ، وهؤلاء يقولون أن الله ما دام هو أصل وجود هذه الممكنات المشاهدة فكأن الموجودات في حكم العدل، والوجود الحقيقي هو الله الذي تجلى في أفعاله ومخلوقاته، وبالتالي فإن العقائد كلها حقائق والناس لا خلاف بينهم حقيقة، والديانات كلها ترجع إلى حقيقة واحدة، هذا ولا شك أنه خلط وانحراف شنيع أدى بمن أعتنقه إلى خذلان المسلمين وترك أمر الجهاد.
ولهذا نجد أن المستشرقين اهتموا كثيراً بدراسة ظاهرة التصوف؛ لأنها تحقق أهدافهم في إلهاء المسلمين وتفرق كلمتهم، وبالتالي فإنهم وجدوا فيها معيناً لهم على نشر الإلحاد وإنكار النبوات، ونبذ التكاليف الشرعية، والدعوة إلى القول بوحدة الأديان، وتصويبها جميعاً مهما كانت، حتى وإن كانت عبادة الحجر والشجر.
والواقع أنه ما من مسلم يشك في كفر أو ارتداد من قال بوحدة الوجود، وعلماء الإسلام حين حكموا بكفر غلاة المتصوفة، من القائلين بوحدة الوجود والحلول والاتحاد حكموا أيضاً بكفر من لم ير تكفيرهم.
ولابن عربي في كتابه "فصوص الحكم"، وكتابه الآخر "الفتوحات المكية" من الأقوال في وحدة الوجود ونفي الفرق بين الخالق والمخلوق وثبوت اتحادهما تماماً أقوال لا تكاد تحصر نثراً ونظماً.
ومن عتاة دعاة وحدة الوجود الجيلي صاحب كتاب "الإنسان الكامل" وقد ترجم له الشعراني وأطال في ترجمته، ابتدأها بقوله:
"ومنهم أبو صالح سيدي عبد القادر الجيلي رضي الله عنه". ثم جاء في أخباره بما لا يصدقه عاقل.
ومما يدل على تعمق الجليلي في القول بوحدة الوجود وأنه لم يعد بينه وبين الله أي فارق، ولا بينه وبين كل المخلوقات في هذا الكون أي فارق أيضاً، ما أورده في كتابه الإنسان الكامل :
لي الملك في الدارين لم أَرَ فيهما ... سوايَ فأرجو فضله أو فأخشاه
وقد حزت أنواع الكمال ... جمال جلال الكل ما أنا إلا هو
لي الملك والملكوت نسجي وصنعي ... لي الغيب والجبروت مني منشاه
وفي المرجع السابق أيضاً (3/ 1004)
وقد سلك هذا المسلك في الاعتقاد بوحدة الوجود جماعة أخرى من الصوفية......
وأما العلاقة بين وحدة الوجود ووحدة الشهود: فإنه يرى بعض العلماء أن بين وحدة الوجود ووحدة الشهود فارقاً بعيداً، وذلك أن وحدة الوجود هي الحلول والاتحاد وعدم التفرقة بين الله وبين غيره من الموجودات، بينما وحدة الشهود عند بعضهم هي بمعنى شدة مراقبة الله تعالى بحيث يعبده كأنه يراه.
ومن هنا ظن هذا البعض أن وحدة الشهود لا غبار على من يقول بها، ومنهم من يؤكد على أن وحدة الشهود هي الدرجة الأولى إلى وحدة الوجود، والواقع أن التفريق بين وحدة الشهود ووحدة الوجود ليس له أساس ثابت بل هو قائم على غير دليل إلا دليلاً واحداً هو الذوق الصوفي.
وفي المرجع السابق (3/ 1006)
خير البشر لم يستعمل هذه الحالة ولا نطق باسمها في عبادته لربه، ولا كان أصحابه أيضاً يقولون بها. فكان شأنهم أنهم يعبدون الله وهم على أشد ما يكونون من الوجل والخوف أن ترد عليهم أعمالهم مع وجود أشد الطمع في نفوسهم لعفو ربهم وتجاوزه عنهم يعبدونه بالخوف والرجاء، ووحدة الشهود ووحدة الوجود لم تعرف إلا بين الفئات الذين امتلأت نفوسهم إعجاباً وتيهاً بأعمالهم وقَلَّت هيبة الله تعالى في نفوسهم.
وأما بالنسبة للتحريم والتحليل فأهل وحده الوجود منهم لا شيء يحرم عندهم؛ لأن الكل عين واحدة وفعل الخير وفعل الشر والقبيح والحسن إنما هي أفعال لا فروق بينها لاحتواء الذات لها كلها، ولذلك فقد حصل من بعض كبارهم وأئمتهم ما يستقبح الشخص مجرد ذكره؛ إذ كان منهم الزناة واللوطية والملاحدة، ثم لا يحق لأي شخص أن يعترض؛ لأن الشيخ لا يفعل شيئاً إلا لحكمة.
وأيضاً لا يفعل هذه الأمور التي يعتبرها الناس فواحش بجسمه وروحه بل بجسمه فقط، وأما روحه فهي أجل من أن تتدنى إلى فعل هذه الأمور الجسيمة، وقد وجدوا من الناس الذين هم أضل من البهائم من يصدقهم في كل ما يصدر عنهم، فصدقوهم في التفرقة بين ما يفعلونه بأجسامهم لحكمة، وبين ما في أرواحهم من السمو والتعالي عن ما يفعله سائر الناس، والعقل من أجل نعم الله على الإنسان.
ثم اخترعوا مفهوماً ضالاً وهو أنه قد يصل الأمر أحياناً إلى حد أن للولي شريعته الخاصة، وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم تلقي شريعته الخاصة، فلا يمنع أن يحصل الخلاف بينهما، ويكون الجميع على الصواب، فالولي يتلقى شريعته عن الله مباشرة وهي شريعة للخاصة، ومحمد صلى الله عليه وسلم تلقى شريعته عن الله مباشرة وهي شريعة للعوام.
جاء في كتاب الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة (صـ 69)
الفصل الخامس: القول بوحدة الوجود
لما بدأ القول بالحلول، وجعل المتصوفة غايتهم من التصوف أن يتشبهوا بصفات الله في زعمهم فيكون أحدهم إلهًا يعلم كل شيء، ويتصرف في كل شيء فإن هذا الحال استمر بهم حتى وصلوا في النهاية إلى القول بوحدة الوجود، وأن كل شيء إنما هو الله وأن الله هو الذي في الكون وحده وليس هناك شيء آخر معه.
ومصطلح وحدة الوجود يعني في العقيدة الصوفية أنه ليس هناك موجود إلا الله فليس غيره في الكون، وما هذه الظواهر التي نراها إلا مظاهر لحقيقة واحدة، هي الحقيقة الإلهية (تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا) ، هذه الحقيقة التي تنوعت مجوداتها ومظاهرها في هذا الكون المشاهد، وليس هذا الكون ـ في هذه العقيدة الباطلة ـ إلا الله في زعمهم، تعالى الله عن ذلك..........
ولكن القرن السادس الهجري شهد في أواخره، وبداية القرن الذي يليه رجلًا عجيبًا استطاع أن يصوغ هذه العقيدة صياغة كاملة، ويضرب لها آلاف الأمثلة، ويبني عليها فروعها المختلفة في الاعتقاد والتصور، ويؤلف فيها عشرات الكتب، ذلك الرجل هو محيي الدين بن عربي المتوفي سنة 638هـ
ـ نشأ هذا الرجل في الأندلس، واستقر به المقام في الشام، ورمي بالكفر والزندقة والإلحاد والكذب، ولكن عقيدته ومذهبه وجدت المشيعين والمروجين الذين استطاعوا أن يرفعوه ـ كما رفع نفسه ـ إلى مرتبة الولاية، بل إلى ختم الولاية ومرتبة المشيخة الكبرى وإحياء الدين.
وبالرغم من أن ابن عربي هذا قد زعم أنه نقل علمه وكتبه عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مباشرة، وكتب عن اللوح المحفوظ بلا وساطة، وصاغ عقيدة وحدة الوجود بكل جرأة وبلا مواربة، بل بقليل من التدليس والمراوغة، واستطاع أن يحرف آيات القرآن فيزعم أن قوم هود الكافرين كانوا على الصراط المستقيم، وأن فرعون كان مؤمنًا كامل الإيمان، وأن قوم نوح كانوا مؤمنين، فجازاهم الله بأن أغرقهم في بحار الوحدة، وأدخلهم نار الحب الإلهي ليتنعموا فيها، وأن هارون أخطأ لأنه نهى بني إسرائيل عن عبادة العجل، وما كان العجل إلا المعبود الحق، أو صورة من صور المعبود الحق، وأن قوم نوح أصابوا في عدم تركهم ودًا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا لأنها مظاهر للإله الواحد، وأن النار عذوبة لا عذاب، وأنه ما من إنسان إلا مرحوم مرضي عنه، وأن الله لا يعلم شيئًا قبل وجوده، لأن وجود الشيء هو وجود العلم، بل وجود كل شيء هو ترجمة لوجود الله (تعالى الله عن ذلك) أقول: بالرغم من أن ابن عربي قال هذا الكلام كله، بل هذا جزء يسير جدًا مما قاله، فإنه أدعى بأن كل ذلك قد نقله بلا زيادة ولا نقصان عن الرسول الذي أمره بتبليغ ذلك للناس، وبالرغم أيضًا من كل ذلك فقد وجد هذا الرجل من المروجين والأتباع ما لا يقع تحت الحصر منذ ظهوره إلى زماننا هذا، ومن أمة الإسلام الذين يشهدون في كل يوم مرات كثيرة بأن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وهذا من أعجب العجب.
ويقول ملا علي القاري في كتابه الرد على القائلين بوحدة الوجود (صــ 45)
وَقد بَلغنِي أَن وَاحِدًا مِنْهُم سمع نباح كلب فَقَالَ لبيْك وَسجد لَهُ فَهَل هَذَا إِلَّا كفر صَرِيح لَيْسَ لَهُ تَأْوِيل صَحِيح مَعَ مناقضته لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن أحدكُم إِذا سمع نباح كلب أَو نهيق حمَار فليتعوذ فَإِنَّهُ رأى شَيْطَانا) فَهَؤُلَاءِ أضلّ من كل من تكلم فِي الْكَلَام.
وفي فضائح الصوفية (صـ 48)
وكذلك الشأن في الحلال والحرام فأهل وحدة الوجود في الصوفية لا شيء يحرم عندها لأن عين واحدة.. ولذلك كان منهم الزنادقة واللوطية، ومن يأتون الحمير جهاراً نهاراً. ومنهم من اعتقد أن الله قد اسقط عنه التكاليف وأحل له كل ما حرم على غيره.
وقال في فصل بيان ما هو من المقالات كفر: "كل مقالة صرحت بنفي الربوبية، أو الوحدانية، أو عبادة أحد غير الله، أو مع الله، فهي كفر، كمقالة الدهرية، وسائر فرق أصحاب الاثنين من الديصانية
(هم أصحاب ديصان القائلون بأصلين: النور والظلام، فالأول يصنع الخير قصدا واختيارا، والثاني يفعل الشر طبعا واضطرارا، ويزعمون أن سمع النور وبصره وسائر حواسه شيء واحد. فسمعه هو بصره، وبصره هو حواسه" (الملل والنحل 2 /89).
والمنانية1، وأشباههم من الصابئين2 والنصارى والمجوس3 والذين أشركوا
1- أصحاب ماني بن فاتك الذي ظهر في عهد سابور بن أزدشير. وضع دينا بين المجوسية والنصرانية، وزعم أن العالم مركب من أصلين قديمين نور وظلمة. الأول مصدر الخير، والثاني مصدر الشر. ويدين ماني بأن الظلام امتزج بالنور امتزاجا كليا في هذا الوجود، ولا يمكن أن ينفصل النور عن الظلام إلا بعد أن يفنى هذا العالم، ولهذا حرم الزواج على أتباعه حتى يبيد النوع الإنساني، فيستطيع النور الخلاص من الظلام، ولهذا قتله الملك. ودعوة ماني ذات نزعة تشاؤمية سوداء، شديدة الغلو في الحث على الزهد والحرمان.
2- اختلف في شأن الصابئة. فالمسعودي يرى أنهم عبدة الكواكب، فيقول في المروج, وهو بصدد الحديث عن أحد ملوك الفرس: "وظهر في سنة من ملكه رجل يقال له: بوداسف أحدث مذهب الصابئة، وقال: إن مجالي الشرف الكامل، والصلاح الشامل. ومعدن الحياة في هذا السقف المرفوع "يعني السماء" وأن الكواكب هي المدبرات والواردات والصادرات" (مروج الذهب 1 /222)
ويقول عنهم الحميري في (الحور العين صـ141) "وقال الصابئون: شيئان قديمان: نور وظلام, فالنور عالم, والظلام جاهل. وقيل: إن الصابئين قوم يعبدون الملائكة. وقيل إن الصابئين قوم يخرجون من دين إلى دين".
ويقول الرازي في (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين صـ90): "إنهم قوم يقولون: إن مدبر هذا العالم وخالقه هذه الكواكب السبعة والنجوم، فهم عبدة الكواكب" ويقول الشهرستاني في الملل والنحل "ذكرنا أن الصبوة في مقابل الحنفية. وفي اللغة: صبا الرجل إذا مال وزاغ، فبحكم ميل هؤلاء "يعني الصابئة" على سنن الحق، وزيغهم عن نهج الأنبياء، قيل لهم: الصابئة، وإنما مدار مذهبهم على التعصب للروحانيين".
ويقول في موضع آخر: "ومنهم -أي: من الناس- من يقول بالمحسوس والمعقول والحدود والأحكام، ولا يقول بالشريعة والإسلام، وهم الصابئة" وانظر (القرطبي 1/ 380، وابن خلدون 1 /116)
3- هم الثنويون من الفرس الذين يثبتون أصلين مدبرين قديمين يقتسمان الخير والشر. (انظر الملل والنحل للشهرستاني 2 /59 ط صبيح، الحور العين للحميري صـ142، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي صـ86).
زعموا أن ظواهر الشريعة وأكثر ما جاءت به الرسل من الأخبار عما كان ويكون من أمور الآخرة والحشر والقيامة والجنة والنار، ليس منها شيء على مقتضى لفظها، ومفهوم خطابها، وإنما خاطبوا بها الخلق على جهة المصلحة، إذ لم يمكنهم التصريح لقصور أفهامهم؛ فمضمون مقالاتهم إبطال الشرائع، وتعطيل الأوامر والنواهي، وتكذيب الرسل والارتياب فيما أتوا به. وكذلك نكفر من ذهب مذهب بعض القدماء في أن في كل جنس من الحيوان نذيراً ونبياً من القردة والخنازير والدواب والدود [ويحتج بقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} [النور: 35] إذ ذلك يؤدي إلى أن توصف أنبياء هذه الأجناس بصفاتهم المذمومة، وفيه من الإزراء على هذا المنصب المنيف ما فيه، مع إجماع المسلمين على خلافه، وتكذيب قائله" ا. هـ.
فكيف بمن يدعي أن الإله عين كل شيء من ذلك؟.
"وكذلك وقع الإجماع على تكفير كل من دافع نص الكتاب, أو خص حديثاً مجمعا على نقله، مقطوعاً به، مجمعاً على حمله على ظاهره، كتكفير الخوارج بإبطال الرجم؛ ولهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو توقف فيهم أو شك, أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده, واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك". ا. هـ.
وقال شيخ الإسلام الشيخ محيي الدين النووي الشافعي: في كتاب الردة من الروضة (7/284).
قال المتولى: "من اعتقد قدم العالم، أو حدوث الصانع -إلى أن قال- أو أثبت له الانفصال، أو الاتصال، كان كافراً" ا. هـ.
فكيف بمن يصرح بأنه عين كل شيء؟ قال: "والرضى بالكفر كفر". قلت: فكيف بمن يصوب كل كفر، وينسب ذلك التصويب إلى نقل الله تعالى له عن نبيه هود عليه السلام؟
قال النووي في الباب الثاني في أحكام الردة:
"إن حكمها إهدار دم المرتد، فيجب قتله إن لم يتب، سواء كان الكفر الذي ارتد إليه كفرا ظاهرا، أو غيره ككفر الباطنية" ا. هـ.
وقال الإمام شرف الدين إسماعيل بن المقري في مختصر الروضة: "فمن اعتقد قدم العالم -إلى أن قال- أو شك في تكفير اليهود والنصارى، وطائفة ابن عربي؛ كفر، لا إن جعل لقرب إسلامه أو بعده عن المسلمين". ا. هـ.
الشطح :
(إحياء علوم الدين 1/ 36)
وأما الشطح فنعني به صنفين من الكلام أحدثه بعض الصوفية
أحدهما: الدعاوي الطويلة العريضة في العشق مع الله تعالى والوصال المغني عن الأعمال الظاهرة حتى ينتهي قوم إلى دعوى الاتحاد وارتفاع الحجاب والمشاهدة بالرؤية والمشافهة بالخطاب فيقولون قيل لنا كذا وقلنا كذا ويتشبهون فيه بالحسين بن منصور الحلاج الذي صلب لأجل إطلاقه كلمات من هذا الجنس ويستشهدون بقوله أنا الحق وبما حكي عن أبي يزيد البسطامي أنه قال سبحاني سبحاني وهذا فن من الكلام عظيم ضرره في العوام، حتى ترك جماعة من أهل الفلاحة فلاحتهم وأظهروا مثل هذه الدعاوي فإن هذا الكلام يستلذه الطبع إذ فيه البطالة من الأعمال، مع تزكية النفس بدرك المقامات والأحوال، فلا تعجز الأغبياء عن دعوى ذلك لأنفسهم، ولا عن تلقف كلمات مخبطة مزخرفة، ومهما أنكر عليهم ذلك لم يعجزوا عن أن يقولوا هذا إنكار مصدره العلم والجدال، والعلم حجاب، والجدل عمل النفس، وهذا الحديث لا يلوح إلا من الباطن بمكاشفة نور الحق؛ فهذا ومثله مما قد استطار في البلاد شرره ، وعظم في العوام ضرره، حتى من نطق بشيءٍ منه: فقتله أفضل في دين الله من إحياء عشرة.
وأما أبو يزيد البسطامي رحمه الله فلا يصح عنه ما يحكى وإن سمع ذلك منه فلعله كان يحكيه عن الله عز وجل في كلام يردده في نفسه كما لو سمع وهو يقول {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني} فإنه ما كان ينبغي أن يفهم منه ذلك إلا على سبيل الحكاية
الصنف الثاني: من الشطح كلمات غير مفهومة، لها ظواهر رائقة وفيها عبارات هائلة، وليس وراءها طائل، إما أن تكون غير مفهومة عند قائلها، بل يصدرها عن خبط في عقله، وتشويش في خياله، لقلة إحاطته بمعنى كلام قرع سمعه، وهذا هو الأكثر.
وإما أن تكون مفهومة له ولكنه لا يقدر على تفهيمها، وإيرادها بعبارة تدل على ضميره، لقلة ممارسته للعلم، وعدم تعلمه طريق التعبير عن المعاني بالألفاظ الرشيقة، ولا فائدة لهذا الجنس من الكلام، إلا أنه يشوش القلوب، ويدهش العقول، ويحير الأذهان، أو يحمل على أن يفهم منها معاني ما أريدت بها، ويكون فهم كل واحدٍ على مقتضى هواه وطبعه.
وقد قال صلى الله عليه وسلم ما حدث أحدكم قوماً بحديث لا يفقهونه إلا كان فتنة عليهم (حديث ما حدث أحدكم قوماً بحديث لا يفهمونه إلا كان فتنة عليهم رواه العقيلي في الضعفاء وابن السني وأبو نعيم في الرياء من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف ولمسلم في مقدمة صحيحه موقوفا على ابن مسعود) وقال صلى الله عليه وسلم كلموا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتريدون أن يكذب الله ورسوله (حديث كلموا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون الحديث رواه البخاري موقوفا على علي ورفعه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من طريق أبي نعيم) وهذا فيما يفهمه صاحبه، ولا يبلغه عقل المستمع، فكيف فيما لا يفهمه قائله؟؟
فإن كان يفهمه القائل دون المستمع فلا يحل ذكره.
وقد نقلنا ما قاله حجة الإسلام الغزالي عن الطامات من إحياء علوم الدين 1/ 37 في الحلقة رقم 5
وفي الإحياء أيضاً 1/ 100
فمن قال إن الحقيقة تخالف الشريعة أو الباطن يناقض الظاهر فهو إلى الكفر أقرب منه إلى الإيمان.
الرسول والولي
قال القاري في الرد على القائلين بوحدة الوجود "مرتبة الوجود ومنزلة الشهود" (صـ 59)
لما رأى أَن الشَّرْع الظَّاهِر لَا سَبِيل إِلَى تَغْيِيره، قَالَ: النُّبُوَّة ختمت لَكِن الْولَايَة لم تختم، وَادّعى من الْولَايَة مَا هُوَ أعظم من النُّبُوَّة، وَمَا يكون للأنبياء وَالْمُرْسلِينَ، والأنبياء يستفيدون مِنْهَا كَمَا قَالَ: شعر
مقَام النُّبُوَّة فِي برزخ ... فويق الرَّسُول وَدون الْوَلِيّ
وَهَذَا قَلب للشريعة، فَإِن الْولَايَة ثَابِتَة للْمُؤْمِنين، كَمَا قَالَ تَعَالَى {أَلا إِن أَوْلِيَاء الله لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ الَّذين آمنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} والنبوة أخص من الْولَايَة، والرسالة أخص من النُّبُوَّة.
قال راقمه أبو معاذ غفر الله له ولوالديه:
من قرأ كلام الصوفية في الأولياء يجد أنه نفس كلام الشيعة في أئمتهم، فانظرإلى كلام هؤلاء الصوفية فقد جعلوا منزلة الولي أعلى من منزلة النبوة والرسالة، ويقول الشيعة أن لأئمتهم منزلة لا يبلغها ملك مقرب ولا نبي مرسل.
ولذلك قال أبو الحسن الأشعري في كتابه مقالات الإسلاميين (1/289)
وفى النساك قوم يزعمون العبادة تبلغ بهم إلى منزلة تزول عنهم العبادات، وتكون الأشياء المحظورات على غيرهم من الزنا وغيره مباحاتٍ لهم، وفيهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم أن يروا الله سبحانه، ويأكلوا من ثمار الجنة، ويعانقوا الحور العين في الدنيا، ويحاربوا الشياطين، ومنهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم إلى أن يكونوا أفضل من النبيين والملائكة المقربين. اهـ
وفي الفصل في الملل والنحل لابن حزم الظاهري بعد أن ذكر طائفة النصيرية
واعلموا أنه لم تكفر هذه الكفرات الفاحشة ممن ينتمي إلى الاسلام، فإنما عنصرهم الشيعة والصوفية، فان من الصوفية من يقول إن من عرف الله تعالى سقطت عنه الشرائع، وزاد بعضهم واتصل بالله تعالى.
وفي كتاب فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها (3/ 1006)
ثم اخترعوا مفهوماً ضالاً وهو أنه قد يصل الأمر أحياناً إلى حد أن للولي شريعته الخاصة، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم تلقي شريعته الخاصة، فلا يمنع أن يحصل الخلاف بينهما، ويكون الجميع على الصواب، فالولي يتلقى شريعته عن الله مباشرة، وهي شريعة للخاصة، ومحمد صلى الله عليه وسلم تلقى شريعته عن الله مباشرة وهي شريعة للعوام.
ولذلك تجد في حلقات هؤلاء الصوفية الغلاة من الفواحش والخروج عن تعاليم الإسلام ما لا يمت إلى الإسلام بصلة؛ لأن هذه الأفعال من الاختلاط والحشيش وأنواع الفساد قد تكون مباحة في شريعة الولي مع حرمتها في شريعة النبي، ولكل شريعته.
وما دام الشيخ الصوفي قد وصل إلى حد التلقي عن الله مباشرة، واطلعه على كثير من أسرار هذا الكون، وعرف الكثير من المغيبات، فإنه والحال هذه ليس عنده طمع في جنة، ولا خوف من النار، ومن هنا تنشأ الاستهانة التامة بجميع التكاليف الشرعية.
وقد تبجح الكثير منهم بأنه لا يعبد الله طمعاً في الجنة ولا خوفاً من النار؛ لأن هذه العبادة معاوضة، والصوفي قد اتحد بالله، وفني فيه لأجله، لا لغرض آخر، والخوف من النار أيضاً طبع العبيد، لا طبع الأحرار، كما تبجح البسطامي بقوله السابق: "ما النار؟ لأسْتَنِدَنَّ إليها غداً وأقول اجعلني لأهلها فداء .
وفي كتاب مصرع التصوف = تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي وتحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد (1/ 21)
قصة موسى والخضر
يقول ابن تيمية "ولا حجة فيها -أي: في قصة الخضر- لوجهين:
أحدهما: أن موسى لم يكن مبعوثاً إلى الخضر، ولا كان يجب على الخضر اتباع موسى، فإن موسى كان مبعوثا إلى بني إسرائيل، ولهذا قال الخضر لموسى: إنك على علمٍ من علمِ الله، علمك الله إياه، وأنا على علمٍ من الله علمنيه لا تعلمه أنت. ومحمد رسول الله أُرسل إلى جميع الثقلين، فليس لأحدٍ الخروج عن مبايعته ظاهراً وباطناً، ولا عن متابعة ما جاء به من الكتاب والسنة في دقيق ولا جليل، لا في العلوم، ولا في الأعمال، وليس لأحد أن يقول له كما قال الخضر لموسى. وأما موسى فلم يكن مبعوثا إلى الخضر.
الثاني: أن قصة الخضر ليس فيها مخالفة للشريعة. بل الأمور التي فعلها تباح في الشريعة، إذا علم العبد أسبابها كما علمها الخضر، ولهذا لما بيّن أسبابها لموسى وافقه على ذلك، ولو كان فيها مخالفة للشريعة لم يوافقه بحال. فإن خرق السفينة مَضمونه: أن المال المعصوم يجوز للإنسان أن يحفظه لصاحبه بإتلاف بعضه، فإن ذلك خير من ذهابه بالكلية، كما جاز للراعي على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يذبح الشاة التي خاف عليها الموت، وقصة الغلام مضمونها: جواز قتل الصبي الصائل ولهذا قال ابن عباس: وأما الغلمان فإن كنت تعلم منهم ما علمه الخضر من ذلك الغلام فاقتلهم وإلا فلا. وأما إقامة الجدار ففيها فعل المعروف بلا أجرة مع الحاجة، إذا كان لذرية قوم صالحين" (باختصار عن مجموعة الرسائل والمسائل 4 /67).
وأقول: على فرض أن في القصة مخالفة الباطن للظاهر. فهذا بالنسبة إلى شريعتين، شريعة الخضر وشريعة موسى. أما الأمر بالنسبة إلى الخضر، فكان ما فعله هو الظاهر في شريعته، فلم يخالف ظاهر ما فعل باطن ما به أمر. فليس إذن ثمة باطن خالف ظاهراً، أما دعوى الصوفية فتفتري جواز مخالفة الباطن للظاهر في الشريعة الواحدة.
ويقول محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني، الصنعاني، المعروف بالأمير (ت 1182هـ) في كتابه: الإنصاف في حقيقة الأولياء ومالهم من الكرامات والألطاف (صـ 41)
فإنَّي وقفتُ على رسالة جواب سؤال عن شأن الأولياء الأحياء منهم والأموات، وما هو لهم من الأحوال والكرامات، فقضى الجواب فيها أنَّ للأولياء ما يريدون، وأنَّهم ممن يقول لأيِّ شيء أرادوه كن فيكون، وأنَّهم من القبور لقضاء الحوائج يخرجون، وأنَّهم لمواقف جهاد الكفار يحضرون، وأنَّ العلماء منهم بعد الموت للعلوم يُدَرِّسون، وأنَّ الخضر أخذ عن أبي حنيفة علوم الشريعة بعد أنْ ضمه الرُّخام، ولازم قبره خمسة عشر من الأعوام، وأنَّهم ينكحون في القبور، ويأكلون، ويشربون، ويطعمون، ولهم ما يشتهون، ومن هذا الكلام الذي تمجه الأسماعُ، وتقذفه الأفهامُ.
الإنصاف في حقيقة الأولياء ومالهم من الكرامات والألطاف (صـ 44)
وأقول: اعلم أنَّ الله تعالى قد عرفنا بأوليائه في كتابه العزيز فقال: {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَآءَ الله لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} ثم فسرهم تعالى بقوله: {الذِينَءَامَنُوا ... } الآية، فإنَّها مستأنفة استئنافاً بيانياً كأنَّه قيل: من هم؟ فقال: {الذِينَءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} .
يدل على ذلك ما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد: "في قوله {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَآءَ الله لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} قيل: من هم يارب؟ قال: {الذِينَءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} "
الإنصاف في حقيقة الأولياء ومالهم من الكرامات والألطاف (صـ 60)
ولقد كبرت كلمةٌ قالها شيخ شيخنا إبراهيم الكردي في كتابه "قصد السبيل" فإنَّه قال في خطبته: "إنَّ معرفة الله التي وراء طور العقول مما لا تستقل العقول بإدراكها بطريق الفكر وترتيب المقدمات وإنَّما يدرك بنور النبوة والولاية" ولم يزل هكذا يجعل الولاية قسيماً للنبوة كأنَّه يريد أنَّ الولي غيرُ داخلٍ تحت الدعوة النبوية، ولا من الأمة المحمدية، بل هو قسيمٌ له، وهذا من الجهل أولاً بدعوى أنَّ الولي غيرُ المؤمن التقي، بل له رتبةٌ غير هذه الرتبة، ثم دعوى أنَّه يستمد من غير واسطة الرسول، وهم كذا يصرحون بذلك.
وفي المرجع السابق صـ 62
في "جمع الجوامع" لابن السبكي وشرحه للمحلي ما لفظه: "وكرامات الأولياء حقٌّ؛ أي: جائزةٌ وواقعةٌ. قال القشيري: "ولا ينتهون إلى نحو ولد بلا والد، وقلب جماد بهيمة". قال المصنف وهذا حق يخصص قول غيره: ما جاز أن يكون معجزةً لنبي جاز أن يكون كرامة لولي، لا فارق بينهما إلا التحدي
وفيه صـ 63
قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني: "كلَّما جاز تقديره معجزة للنبي لا يجوز أن يكون ظهور مثله كرامة لولي، وإنَّما مبالغ الكرامات إجابة دعوته أو موافاة ماء في بادية في غير موقع المياه، أو نحو ذلك مما ينحط عن خرق العادات"
وفيه صـ 65
وأما قولهم: "إنَّ كلَّ معجزة لنبي تصح أن تكون كرامةً لولي" فهذه دعوى لا دليل عليها
وفي شرح المقاصد للسعد التفتازاني3/327
ثم المجوزون ذهب بعضهم إلى امتناع كونها على قضية الدعوى، حتى لو ادعى الولي الولاية، واعتقد بخوارق العادات لم يجز، ولم يقع، بل ربما سقط عن رتبة الولاية، وبعضهم على امتناع كونها من جنس ما وقع معجزة لنبي، كانفلاق البحر، وانقلاب العصا حية، وإحياء الموتى.
الإنصاف في حقيقة الأولياء ومالهم من الكرامات والألطاف صـ 66
فلقد ألف الحافظ السيوطي رسالة سماها: "المنجلي في تطورات الولي"، وأتى فيها بحكايات باطلة، وأقوال عن الأدلة عاطلة، حتى كأنَّه ما عرف السنة والكتاب، ولا ملأ الدنيا بمؤلفاته التي أتى فيها بكلِّ عجاب، فلا يغتر الناظر بنقل ما يخالف السنة والكتاب، وإن حكاه من العلماء بحرُ علمٍ عبابٍ.
وفي المرجع السابق صـ 71
أقول: علل وقوع الكرامة للأولياء بعد موتهم بعموم قدرة الله تعالى المتعلقة بجميع الممكنات، وقدرة الله على جميع الممكنات مما لا نزاع فيه بين المسلمين، فإنَّه قد علم من ضرورة الدين أنَّ الله على كلِّ شيء قدير، ولكن ما كلُّ مقدورٍ واقعٌ اتفاقاً وقطعاً عقلاً وسمعاً، قال الله تعالى: {إِن يَّشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} (فاطر16) قال: {وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلاَئِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ} (الزخرف60)، {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَآءِءَايَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} (الشعراء4)
وفي بعضها بيَّن الله تعالى الحكمة التي اقتضت عدم إيجاده المقدور، كقوله: {وَلَوْلاَ أَن يَّكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَّكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ ... } (الزخرف33) الآية، وجميع ما تمدَّح به تعالى من هذه الأمور المقدورة لم يقع، والبحث عن وقوع المقدور لا في إمكانه.
وفي شرح العقيدة الأصفهانية (صـ 141) المكتبة العصرية - بيروت
"فليس كلّ ما علم إمكانه جوز وقوعه، فإنَّا نعلم أنَّ اللهَ قادر على قلب الجبال ياقوتاً والبحار دماً، ونعلم أنَّه لا يفعل ذلك ... ".
وفي الإنصاف أيضاً (صـ 75)
ولا يقول قائل: إنَّ هذا منَّا إنكارٌ للكرامات. فإنَّا قد قدمنا أنَّه لا ينكرها بإجابة الدعوات وتيسر المطلوبات ودفع المحذورات إلا جاهلٌ بالحقائق، لكنَّا لا نخصها بفريق معين مثل هؤلاء الذين ينصون عليهم من الشيخ أحمد البدوي وغيره، بل نقول عطاء ربنا غير محصور.
ثم يقول في صـ 83
والكرامةٌ بإجابة الأدعية ونحوها ثابتة بأدلة القرآن والسنة، وغيرُها من الخوارق ممنوعٌ صدوره عن الأولياء كما تقدم نقله عن ابن السبكي والقشيري والأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني. إذا عرفت هذا فإنَّه لم يثبت دليلٌ على ما ادعاه من أنَّ الأنبياء عليهم السلام يأكلون ويشربون وينكحون. غاية ما في ذلك أنَّه ثبت للشهيد منهم الرزق الذي ذكره الله تعالى.
ثم في صـ 84 يرد على قوله:
"والشهداء أيضاً أحياءٌ عند ربهم شوهدوا نهاراً وجهاراً يجاهدون الكفار".
أقول: يُكَذِّب هذه الدعوى ما أخرجه الحاكم وصححه عن جابر رضي الله عنه أنَّه قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا جابر إنَّ الله أحيا أباك وكلمه كفاحاً، قال: ألا تمنى؟ قال: أتمنى أن ترد روحي وتنشئ خلقي كما كان وترجعني إلى نبيك فأقاتل، فأقتل في سبيل الله مرة أخرى، قال إنِّي قضيت أنَّهم إليها لا يرجعون". (مستدرك الحاكم2/120، وفي إسناده أبو حماد المفضل بن صدقة، نقل الذهبي في تلخيص: المستدرك عن النسائي أنَّه قال: "متروك"، والحديث رواه ابن ماجه 1/68 وابن أبي عاصم في السنة 1/267 من طريق موسى بن إبراهيم بن كثير، قال: سمعت طلحة بن خراش قال: سمعت جابر بن عبد الله، وذكره بلفظ قريب من هذا. قال الألباني: "إسناده حسن، رجاله صدوقون على ضعفٍ في موسى بن إبراهيم بن كثير" وله طريق أخرى في السنة لابن أبي عاصم: عن صدقة أبي معاوية عن عياض بن عبد الله عن جابر. قال الألباني: "حديث صحيح وإسناده ضعيف، رجاله ثقات غير صدقة، وهو ابن عبد الله السمين أبو معاوية، وهو ضعيف كما في التقريب، لكنَّ الحديث صحيح يشهد له ما قبله".).
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وهنَّاد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الدلائل عن مسروق قال: "سألنا عبد الله ابن مسعود عن هذه الآية {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ... } (آل عمران169) الآية. وفيه: أنَّه تعالى اطلع على الشهداء اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أيُّ شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث نشاء، ففعل بهم ذلك ثلاث مرات فلما رأوا أنَّهم لم يتركوا من أن يسألوا قالوا: يارب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى. فلما رأى أن ليس لهم حاجةٌ تركوا" (رواه عبد الرزاق (5/263) وهناد في الزهد (1/120) ومسلم (3/1502) والترمذي (5/231) وابن ماجه (2/936) وابن جرير (3/172) والطبراني في الكبير (9/237) والبيهقي في الدلائل (3/303) ، وقد أورده السيوطي في الدر المنثور (2/373) وعزاه لجميع المصادر التي أوردها المؤلف عدا ابن ماجه).
وأخرج أحمد والنسائي والحاكم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول له الله يا ابن آدم كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أيْ ربِّ خيرُ منزل. فيقول له: سل وتمنه. فيقول: ما أسألك وأتمنى: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك عشر مرات. لما رأى من فضل الشهادة" (رواه أحمد في المسند (3/208) والنسائي (6/36) والحاكم (2/75) واللفظ له وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (2/664)).
وأخرج أحمد والنسائي عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مامن نفس تموت ولها عند الله خيرٌ تحب أن ترجع إليكم إلا القتيل في سبيل الله فإنَّه يحب أن يرجع فيقتل مرة أخرى" (رواه أحمد (5/318) والنسائي (6/35) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة (5/269)). |