نبضات من التفسير في سورة الفاتحة الحلقة الثالثة والعشرون - النوافل سبيل من سبل الهداية

 

HTM

PDF

Wave

الموضوع

موضوع

نبضات من التفسير في سورة الفاتحة الحلقة الثالثة والعشرون - النوافل سبيل من سبل الهداية

192

تحميل

مطوية نبضات من تفسير الفاتحة 23

144

جدد إيمانك بالله مع أساسيات الدين الإسلامي

4

 

النوافل سبيل من سبل الهداية

----------------

جاء في الحديث القدسي الذي رواه سيدنا محمد عن ربه (إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) (صحيح البخاري). من هذا الحديث الشريف نرى أن النوافل التي يتقرب بها العبد لله، تؤدي إلى أن يحب الله هذا العبد، وهذه المحبة تجعل الله سمعَ هذا العبد، وليس معنى هذا ان سمع العبد يصبح أقوى، مع أنه لا يوجد ما يمنع من حدوث هذا الأمر، ولكن عندما يسمع هذا العبد صوتاً، أي صوت، يصل من هذا الصوت إلى الله وعظمة الله، فيحمد الله ويشكره على نعمة السمع وعلى نعمة الخلق، فيزداد هدايةً وقرباً من الله، وإذا سمع العبد ما فيه معصيةً لله، إستغفرَ الله وإستعاذ بالله، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، لذلك عليك يا مسلم يا حبيب الله أن تتفكر بخلق الله، كيف خلق الله الصوت؟ وكيف خلق الأذن التي تسمع الأصوات؟ وكيف خلق الهواء الذي ينقل الصوت؟ وكيف جعل الصوت ينحني حول الحواجز ويخترقها ليصل للسامع؟ عليك أن تتفكر في الاذن البشرية وما فيها من عجائب وغرائب! وكيف جعل لها الخالق البارئ القدرة على جمع الأمواج الصوتية وتحليلها وتحويلها لنبضات كهربائية؟ ثم عليك التفكر كيف جعل الله الأعصاب داخل جسدك التي تقوم بنقل هذه النبضات للدماغ؟ وعليك التفكر كيف يقوم الدماغ بفهم هذه النبضات الكهربائية؟ فسبحان الله (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (المؤمنون23: 14). وفي الحديث أيضاً يبين لنا سبحانه وتعالى أن النوافل تجعل الله العين التي يرى بها العبد، وليس هذا معناه أن نظر العبد يصبح أقوى، مع أنه لا يوجد ما يمنع من حدوث هذا الأمر، ولكن المقصد هنا أن عيننا عندما ترى صورةً، أيةُ صورة، فإننا نرى من خلال هذه الصورة الله وعظمته وقدرته وبديع صنيعه سبحانه وتعالى، ومن هنا عليك يا مسلم يا حبيب الله أن تتفكر كيف جعل الله لك البصر؟! وكيف خلق لك الضوء الذي يمكنك من الإبصار؟! وكيف جعل سبحانه وتعالى هذا الضوء يسير بخط مستقيم لا يستطيع الإنحاء ولا إختراق الحواجز؟! فلا يستطيع أحد أن يراك وأنت داخل بيتك تستتر عن أعين الناس بحيطان وجدران! ولا يستطيع أحد سماعك عندما تخفض صوتك أو تسكت! ثم عليك يا مسلم أن تتفكر في كيفية حدوث البصر؟! فالعين تستطيع أن تبصر إثنين وعشرين صورةً في كل ثانية، كل صورة من هذه الصور تدركها العين وهي مقلوبة، ثم تقوم بتحليلها وتحويلها لنبضات كهربائية ثم ترسلها الأعصاب للدماغ الذي يقوم بتعديلها وفهمها، فيدرك منها الأبعاد ويدرك منها الألوان ويدرك منها الأشكال، ويدرك منها ما قدر الله له أن يدرك. ثم عليك أن تتفكر في كيفية مقارنة الدماغ لهذا الصورة مع ما لديه في مكتبته من ملايين الصور؟! وكيف يعقل ويربط الدماغ هذه الصورة مع ما عنده؟! وكيف يقوم الدماغ بتحضير الخطط المناسبة للرد على ما رآه؟! كل هذا في هذا الجزء البسيط من الثانية، ثم عليك يا مسلم يا حبيب الله، أن تتفكر فيما رأته عيناك؟! في ماهيته وعمله ومهمته وخلقته وصنعته وقوة وعظمة هذا الصنعة! فإن فعلت لن يسعك إلا أن تقول (سبحان الله، والحمد لله، تبارك الله أحسن الخالقين) مع كل صورة تراها عيناك، فالعبد المسلم يصل لله مع كل صورة تراها عيناه، وهو بالتالي لا ينظر إلا إلى حلال، فإن رأى مع يغضب الله، إستغفر الله وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر. ثم أن النوافل تجعل الله يد هذا العبد الذي يبطش بها، بمعنى أن هذا العبد ينظر ليداه وينظر لأصابعه وينظر إلى الجلد الذي يكسوهما، والعظم الذي فيهما، والمرافق التي تحركهما، والحبال التي تشدهما وترخيهما، ويتلمس بأصابعه الأجسام التي خلقها الله، فيشعر بها ويحس بها ويدركها ويدرك عظمة خالقها، فلا يسعه إلا أن يشكر الله ويحمد الله، فلا تلمس يداه ما حرام الله، ولا تفعل يداه ما حرم الله، فهاتان اليدان التي أنعم الله بهما على عبده، تترفع عن أذية الناس أو الكسب الحرام أو الغش أو السرقة، ولا تمتد هاتان اليدان للتسول وسؤال الناس، ولكنهما تسعيان بالخير والحلال وطاعة الله وخدمة الناس والدفاع عن الإسلام والمسلمين والبطش بأعداء الله والرسول والإسلام إبتغاءً لمرضاةِ الله في كل لحظة وفي كل حين. كما أن النوافل تجعل من الله قدم العبد الذي يمشي بها، أي أن العبد المسلم عندما تخطو قدماه خطوةً واحدةً فإنه يتفكر بما أعطاه الله من نعم حتى يتمكن من القيام بهذه الخطوة، فقد خلق الله لك يا مسلم يا حبيب الله، الأرضَ التي تمشي عليها، ثم أنه خلق لك الجاذبيةَ الأرضية التي لولاها لطِرتَ في السماء ولما أستطاعتْ قدماكَ الثباتَ على الأرض، ثم أن الله قد جعل لك هذه الأرضَ يابسةً كفايةً حتى لا تغوص فيها، وجعل لك الأرض طرية كفاية حتى لا تهلك إذا وقعت عليها، وجعل حجمها بالدرجةِ المناسبة حتى يكون الهواء خفيف عليك، ولكن ليس لدرجة أن يفر من الارض، ولا ثقيل لدرجة أن يشق عليك السير فيه! ثم أنظر كيف جعل الله موضع الكرة الأرضية مناسب في المجرة بحيث لا تجذبك باقي الأجرام السماوية وتقتلعك منها! ثم أنه عز وجل جعل لك الارض مستويةً كفاية بحيث تستطيع السير فيها بسهولة فتقطع المسافات بزمن قليل، فكيف لو أنه جعل الأرض ودياناً سحيقةً وجبالاً شاهقةً؟ كم ستحتاج عندها لتقطع مسافةً قصيرة إذا كان عليك أن تمر خلالها بثلاثة أودية وجبلين أو حتى أكثر؟! ثم عليك يا مسلم أن تتفكر في نفسك، كيف جعل الله لك الفخذين والركبتين والساقين والقدمين، كيف تستطيع تحريك قدميك للإنتقال خطوة فخطوة؟ او كيف تستطيع القفز؟ أو كيف تستطيع صعود الدرج أو هبوطه؟ أو كيف تستطيع الركض؟ أو كيف تستطيع تسلق الجدران والجبال؟ فهذه كلها نعم عظيمة من الله، نعمة السمع، ونعمة البصر، ونعمة اليد ونعمة القدم، ولتدرك عظمة هذه النعم يا مسلم يا حبيب الله، دعنا نسأل أنفسنا هذا السؤال، لنفترض أن الله قد أخذ منك إحدى هذه النعم، بغض النظر أيها، السمع أم البصر أم اليد أم القدم، ثم لنفترض أنك بحثت عند كل الأطباء للعلاج فكان الجواب (لا علاج لك)، ثم بعدها وبعدما تملكك اليأس، جاءك أحدهم وقال أنا عندي العلاج، ولكن عليك دفع الثمن، السؤال هنا، كم أنت مستعد أن تدفع ليعود لك سمعك؟ أو كم أنت مستعد أن تدفع ليعود لك بصرك؟ أو كم أنت مستعد أن تدفع لتنبت لك يد بدل اليد التي بُترت منك؟ أو كم أنت مستعد لتدفع ثمن قدم تزرع لك بدل التي بترت منك؟ إذا اردت حقاً أن تعرف الإجابة، إسأل من فقد حقاً إحدى هذه النعم، إسأل الأخرس، إسأل الأعمى، إسأل الأكتع، إسأل المقعد، إسأل من فقد النعمة حقاً، كم هو مستعد أن يدفع ثمن عودة هذه النعمة؟ ما أعلمه أنا، أنني مستعد أن أدفع كل مالي، لتعود لي نعمةٌ فقدتها، فكم أنت مستعد أن تدفع؟ إن كنت مثلي مستعد أن تدفع كل ما عندك لتعود لك النعمة التي فقدتها، فسؤالي الآن، كم أنت مستعد أن تدفع لله ثمن النعمة التي أنعم بها عليك؟ فلماذا ننسى أن الله قد أنعم علينا بالبصر، وأنعم علينا بالسمع، وأعطانا لساناً وشفتين، وأعطانا يدين وقدمين، وأعطانا دماغاً وفؤاداً وعقلاً ونفساً وقلبا، أعطانا أنفاً ورئتين، أعطانا قلباً وشرايين وعروقا، أعطانا الدمَ والهواء، وأعطانا الماء والطعام، أعطانا كل شيء، فكم أنت مستعد أن تشكر الله على ما آتاك الله، والله يقول (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم14:7)، ويقول الحق عز وجل (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (سبأ34: 13)، ويقول سبحانه وتعالى (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) (عبس80: 17)، إذن علينا أن نشكر، وفي الشكر زيادةُ في النعمة، لذلك كان ختام الحديث القدسي الشريف الذي إبتدأنا الكلام عنه أن الله يقول (وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)، أي أن الشكر هو إما عطاءاً من نعم الله التي لا حصر لها وزيادة في هذا العطاء، وإما حمايةً من شرٍ من شرور الدنيا والنفس والناس والشياطين، وربما كان الشكر عطاءاً وحمايةً معاً، بقدر الشكر.