نبضات من التفسير في سورة الفاتحة الحلقة الرابعة والعشرون - كيف يعمل الإنسان

 

HTM

PDF

Wave

الموضوع

موضوع

نبضات من التفسير في سورة الفاتحة الحلقة الرابعة والعشرون - كيف يعمل الإنسان

201

تحميل

مطوية نبضات من تفسير الفاتحة 24

145

جدد إيمانك بالله مع أساسيات الدين الإسلامي

4

 

كيف يعمل الإنسان

-----------

الحمد لله الذي أنعم علينا بالخلق، فهو قد خلقنا من جسد ونفس، الجسد بدء من طين ثم أصبح نسله من ماء مهين، يقول عز وجل (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِن مَاءٍ مَهِينٍ) (السجدة32: 7-8)، وملأَ هذه النفس هدىً ونوراً ومكنها الفجور إن شاءت، يقول عز وجل (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) (الشمس91: 7-8) ثم نفخ من روحه في هذا الجسد وفي هذه النفس، فكانت الحياة للجسد وكانت الحياة للنفس، يقول عز وجل (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (الحجر15: 29) (ص38: 72)، وهذه الروح سر لا نعرف عنها إلا القليل، يقول عز وجل (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِن أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (الإسراء17: 85)، ثم جعل لكلٍ منا قريناً من الجان يجري في هذا الجسد مجرى الدم ويجثم على قلبه وهو وسواسٌ خناس، يخنس بذكر الله، جاء في البحر الزخار حدث به البزاز عن عبد الله بن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرين من الجن، قالوا: وبك؟ قال: وبي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم) وبالمقابل جعل على كلٍ منا عشرةً من الملائكة الحافظين الكرام الكاتبين، يقول عز وجل (وَإِنَّ عَلَيْكُم لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (الإنفطار82: 9-12)، فكانت هذه هي المركبات التي ركب منها الإنسان (الجسد، النفس، الروح، قرين الجان، والملائكة الحافظة)، يقول عز وجل (يَاأَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) (الإنفطار 82: 6-8).

وللجسد أجزاءه وأعضاءه التي تقوم على خدمته وأستمرارية بقائه حتى أجله الذي حده له سبحانه وتعالى، مثل القلب الذي يضخ الدم، والرئتين اللائي تزودان الجسد بالهواء، والمعدة التي تهضم له الطعام، والدماغ الذي يحتفظ له بالمعلومات سواءاً الصوتية أو الصورية أو الروائح أو الملامس والكليتين اللائي ينظفان له الدم، وكثيرٌ غيرها، وللحق فإن كل عضو في جسد الإنسان نعمة عظيمة وعطب إحداها يؤدي إلى معاناة عظيمة لهذا الإنسان، إذا أردت أن تعرف قم بزيارة المرضى في المستشفى، تكلم معهم، شاركهم معاناتهم، إسأل من يقوم بغسل كليتاه في الأسبوع 3 أو 4 مرات عن المعانى التي يعاني، إجلس بجانبه في إحدى هذه المرات، ثم تصور نفسك مكانه؟ كيف ستكون حياتك؟ جالس كفيف طوال يوم من الأيام، أنظر كيف يتحسس الأمور ليتعرف عليها، وكم يحتاج من الوقت للقيام بمهمة بسيطة، حاول أن تغمض عينك وتقوم بهذه المهمة، حاول أن تقطع مسافة مائة متر ليس أكثر وأنت مغمض العنينين، ثم تصور أنك مكان هذا الكفيف؟ كيف ستكون حياتك؟ حاول في تجالس مريضاً بالقلب، إسأله كيف يصعد الدرج؟ إسأله ماذا يحدث معه عندما يبذل جهد للقيام بأحد الأعمال؟ هذه حالات بسيطة من الأمراض من ملايين الأمراض المعروفة والغير معروفة للبشر، كان من الممكن أن تكون أنت مكان أيٍ منهم، فإن أنت رأيت مريضاً مبتلاً فقل الحمد الله الذي عافاني مما ابتلى به هذا وفضلني عليه وعلى كثير ممن خلق تفضيلا، عافاه الله من ذلك البلاء كائنا ما كان.

أهم أدوات الجسد على الإطلاق هي أدوات السمع والبصر والعقل أي الأذنين والعينين والفؤاد فهذه الأدوات هي وسيلة إتصالنا الأهم بالعالم الخارجي الذي يحيط بنا، فقد ذكرت هذه الأدوات كثيراً في القرآن الكريم، يقول عز وجل (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِن مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ). (السجدة32: 7). ومن خلالها نجمع معظم معلوماتنا التي من شأنها أن تدلنا على الله وعلى قدرته وعظمته، تذكر أن هذا هو المقصد الأول منها، فإن عيناك رأيت شيئاً تذكر أن خالق ومالك وصاحب هذا الشيء هو الله وتفكر وتدبر العظمة التي جعلها سبحانه وتعالى في هذا الشيء لتستدل به على ضعفك فتعظم الله وتحمده وتشكره، وهكذا ليكون كل ما تشعر به من نظر أو سمع أو أحاسيس آية دالة على الله وعظمته.

فنحن عندما نجلس في مجلس علم، تنظر أعينونا للمدرس لهيئتة وجِلسته وشفتيه وحركاته وتنظر أعينونا أيضا لباقي الجالسين فتختبر ردات أفعالهم، وتستمع أذنينا لكلمات هذا المدرس فتجمع أقواله ونبراته متى تعلو ومتى تنخفض متى تشتد ومتى تجهش، كذلك تجمع آذاننا ما يدور حولنا من كلام، للجالسين في الحلقة وفي خارجها، ثم تُرسَل كل هذه المعلومات التي تجمعت للدماغ الذي يختزنها ويعرضها على الفؤاد، فيقوم الفؤاد بتحليلها ومقارنتها مع ما في الدماغ من معلوماتٍ مختزنةٍ تجمعتْ لديه خلال حياته وتجاربه، فيحصل الفهم، فيعرف مثلا اسم هذا المدرس ومنهاجه وفرقته وهدفه من كلامه، أو أنه قد يتساءل بينه وبين نفسه أو بينه وبن غيره عن اسم هذا المدرس. ولعل أهم مهمة للفؤاد تكمن في فرز الصواب عن الخطأ من المعلومات المتدفقة، يقول عز وجل (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) (النجم53: 11)، فقد نرى مشهداً بأم أعينونا ثم نقول هذا المشهد قد تم التلاعب فيه، وقد نسمع صوتاً ونقول هذا الصوت تم الحذف منه أو الإضافة عليه وهكذا، تجميعٌ للمعلومات وتخزينٌ لها وتحليلٌ وإسترجاعٌ للمتشابهات لها وتصديق أو تكذيب، ثم يتم تحضير ردات الفعل المحتملة التي يمكن أن يتخذها الإنسان، وتُرتب خيارات ردة الفعل هذه لأولويات بحسب أهميتها من الأفضل فالأقل وهكذا، ولكن وقبل تنفيذ أي من هذه الخيارات، يجب الموافقة عليها من قبل النفس وبالأخص من أداتها الهامة ألا وهي القلب، ونعني هنا قلب النفس وليس قلب الجسد الذي هو مضخة للدم، فللنفس قلب ولها سمع، ولا يستطيع الإطلاع على ما يجري في النفس إلا الله أو فؤاد هذا الشخص، فتنتقل المعلومات بين الجسد والنفس من خلال تخاطب القلب والفؤاد، والنفسُ تكون حاضرةٌ ما كان الإنسانُ مستيقظاً فنقول عنه واعٍ في هذه الحالة، أما إذا نام الإنسان فإن الله يتوفى نفس هذا الشخص ويقبضها قبضة مؤقتة لحين الإستيقاظ، أو أنه قد يمسك هذه النفس فيموت هذا الإنسان في النوم وتبقى النفس مقبوضة عند بارئها، يقول عز وجل (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُت فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الزمر39: 42)، وفي صحيح البخاري جاء (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين).

يقوم الفؤاد وهو كما قلنا جزءٌ من الدماغ بعرض معلوماته وقرارته المحتملة على النفس ليختار القلب أيها يتم تنفيذه، أما إذا كانت النفس غائبة فيتولى الفؤاد تنفيذ أفضل هذه الإحتمالات بذاته، فهو بمثابة الوزير إن أعتبرنا أن القلب هو الملك، فالذكاء صفة للفؤاد، وكلما كان الفؤاد أسرع بإستحضار المتشابهات للمعلومات الآنية كان الشخص أكثر فطنة وأسرع بديهة، وكلما كانت الخيارات التي يتم تنفيذها أوسع وأكثر كان هذا الشخص أوسع حيلة وأشد دهاءاً، وكلما كانت الخيارت التي يأتي بها الفؤاد أشد صواباً كان هذا الشخص أكثر ذكاءاً، لذلك يمكن أن نقول أن الذكاء فطري ولكن يمكن أن نقويه ونعززه ونجعله مكتسباً بالتدريس والتدريب وكثرة الممارسة وتوسيع المدارك والإشارة والتنبية إلى ما قد يغفل عنه الشخص، أي بالمراس والتكرار يزداد الشخصُ ذكاءاً وحيلةً وتتحسن ردةُ فعله وسرعةُ بديهته، وقد يسبق غبيٌ تم تدريسه وتدريبه ذكياً تراخى وتكاسل وقعد، قلنا أن الفؤاد يعرض معلوماته على القلب إن كان حاضراً، ليتخذ القلب قراره ماذا يفعل، فالقرار هو للقلب ما كان حاضراً، فقد يأمر القلب جسداً ضعيفاً هزيلا بالهجوم على جيشٍ جرار، فيكون هذا الشخص شجاعاً، وقد يأمر القلب جسداً قوياً يافعاً معافاً بالفرار من نحلة، وقد يأمر القلب رجلاً غنياً صاحب مالٍ عريض أن يبخل فلا يعطي المسكين الذي يمد يده له أي شيء، وقد يامر القلب رجلاً فقيراً مسكيناً أن يتصدق بكل ما يملك مع أنه يحتاج ما تصدق به، وقد يأمر القلب صاحبه أن يسافر مسافة مائة كيلومتر للصلاة في الأقصى، وقد يأمر القلب من يسكن بجوار الأقصى أن يغلق نوافذ بيته كي لا يسمع المؤذن ينادي للصلاة، نعم هذه هي أعمال القلوب، الصدق والكذب والشجاعة والجبن والكرم والبخل كلها من أعمال القلوب، وكل أعمال القلوب على الإطلاق مرتبطة بما أستودع الله هذا القلب من فجور أو تقوى، يقول عز وجل (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) (الشمس91: 7-8). وبأمكاننا أن نعالج قلوبنا من أمراضها التي تؤدي بها للقيام بأعمال سيئة مثل الكذب والغش والإحتيال والسرقة والغيبة والنميمة والحسد والغل والخوف والجبن والرياء والسمعة وغيرها كثير من أمراض القلوب بطريقة سهلة وبسيطة ألا وهي الإيمان الحق بالله، أقول (الإيمان الحق)، نعم الإيمان بالله هو علاج للقلوب من كل أمراضها، فمن كان يؤمن بالله آمن بكلامه وصدقه، ثم عمل بمقتضى هذا الإيمان، دعونا نضرب بعض الأمثال، لنأخذ مثلاً الكذب، ونسأل أنفسنا لماذا يكذب الإنسان؟ قد يكذب الإنسان ليسخر من شخص آخر، أو يكذب ليدفع أذى شخص، أو قد يكذب ليتحصل على نفع دنوي، في الحالة أنه كذب ليسخر من شخص آخر، لو كان الكاذب يؤمن بالله حقاً، لعرف ما في السخرية من أخوه المسلم من سؤء يعود عليه في الدنيا والآخرة، يقول عز وجل (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا يَسْخَر قَوْمٌ مِن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُم وَلَا نِسَاءٌ مِن نِسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُم وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُب فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات49: 11)، نعم بالكذب سخرية من غيرك ظلمٌ لنفسك، يقول عز وجل (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) (الهمزة104: 1)، وفي حالة كان الكذب خوفاً من الذي تكذب عليه، ولو كان الكاذب مؤمناً حقاً بالله لما خاف غير الله، جاء في سن الترمذي حديث صححة الألباني يحدث به عبد الله بن عباس قال فيه (كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما قال يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، (رفعت الأقلام وجفت الصحف))، فكما نرى الكذاب الذي كذب خوفاًَ من ضرر يقع عليه أخطأ في إعتقادة فلا ضرر إلا بإذن الله، كما أنه لا نفع إلا بإذن الله، ولو أننا آمنا حقاً لما كذبنا خوفاً، ويحتمل أن يكذب الكاذب لتحصيلِ مكسبٍ دنويٍ من مال أو أنعام، ولو كان هذا الكاذب مؤمنا حقاً لنظر لقوله عز وجل (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم ثُمَّ رَزَقَكُم ثُمَّ يُمِيتُكُم ثُمَّ يُحْيِيكُم هَل مِن شُرَكَائِكُم مَن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الروم30: 40)، فالله هو الرازق وهو الرزاق، ويقول عز وجل (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُم وَمَا تُوعَدُونَ) (الذاريات51: 22)، فهذا الرزق مقدار معلوم مسجل لك في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، جاء في صحيح الترمذي في حديث صححة الألباني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير، تغدو خماصا، وتروح بطانا)، وهذا الرزق مقدر بمقدار محدود لن يتغير ولن يتبدل لن يزيد ولن ينقص، جاء في صحيح بن ماجة في حديث صححة الألباني عن جابر بن عبد الله أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قال (أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم)، وجاء في صحيح البخاري عن أنس بن مالك عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن الله وكل في الرحم ملكا، فيقول: يا رب نطفة، يا رب علقة، يا رب مضغة، فإذا أراد أن يخلقها قال: يا رب أذكر، يا رب أنثى، يا رب شقي أم سعيد، فما الرزق، فما الأجل، فيكتب كذلك في بطن أمه)، فلو أن الكاذب آمن أن رزقه على الله وأن كذبه لن يغير شيء في مقدار رزقه لما كذب، فهو عندما يكذب ليكسب شيئاً من مال، فإن ما دخل عليه هو جزء من رزقه الذي قدره له سبحانه وتعالى، وما كان كذبه إلا أن حول هذا القسم من ماله من صورته الحلال التي شاءها له عز وجل لصورة حرام. وعلى هذا قسم كل أمراض القلب، فالسرقة عن تزيد في مالك إنما يقوم السارق بتحويل جزء من رزقة الحلال لحرام، والغش لن يزيد في مالك، إنما يحول ما دخل عليك نتيجة الغش من حلال لحرام. اللهم علمنا ما ينفعنا وإنفعنا بما علمتنا، أللهم ارنا الحق حق وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا إجتنابه، اللهم اطب مطعمنا ومشربنا وملبسنا وكل ما رزقتنا، وأجعل رزقنا حلالا ترضاه، اللهم طهر ألسنتنا من الكذب، وطهر أعيننا من النظر إلى حرام، وطهر قلوبنا من كل أمراض القلوب.