دخول آدم وحواء الجنة وخروجهما من الجنة

 

HTM

PDF

Wave

الموضوع

موضوع

تحميل

دخول آدم وحواء الجنة وخروجهما من الجنة

3237

تحميل

01 آدم

2428

تحميل

الأنبياء والمرسلون عليهم السلام أجمعين - شجرة الأنبياء

2427

الأنبياء والرسل

2411

الإيمان

9

 

دخول آدم وحواء الجنة وخروجهما من الجنة

سنبدأ أولاً بالتساؤل عن أهمية وجود شجرة المعصية في الجنة التي أمر الله كلاً من آدم وحواء عدم الأكل منها حيث يقول سبحانه وتعالى ?ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين?، ونتساءل، هل قصد الله من خلق الشجرة إخراجنا من الجنة؟ ماذا كان الحال سيكون عليه لو أن هذه الشجرة لم تكن في الجنة؟ وهل كان أكل آدم من الشجرة سبباً في خروجنا من الجنة؟ مثل هذه التساؤلات وغيرها قد تخطر على البال، فقد خطرت على بال موسى عليه الصلاة السلام فقد حدثنا صلى الله عليه وسلم أن موسى آدم عليهما الصلاة والسلام إلتقيا في السماوات فقال موسى: أنت أبونا آدم الذي أخرجنا من الجنة؟! وأجابه آدم: أنت موسى الذي أتاك الله التوراة، ألم تقرأ فيها أن الله قد قدر علي الخروج من الجنة قبل أن يخلقني بخمسين ألف سنة?، ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم ?فحاج آدم موسى?، أي كانت حجة آدم صحيحة ودامغة ومقنعة لموسى عليه الصلاة والسلام، وأقول هنا أنه لا بأس من التساؤل، بغض النظر عن السؤال طالما أننا في داخلنا نعلم أن ما يقوم به عز وجل هو أفضل ما يمكن أن يكون، فلا يأتي من الله إلا الخير، فإن نحن اعتقدنا أن ما جاء من الله هو شر، فالشر من أنفسنا، يقول عز وجل ?مَا أَصَابَكَ مِن حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَفْسِكَ? ?النساء4: 79?، وقد سأل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ربه أن يريه كيف يحيي الموتى ولم يكن هذا السؤال لضعف الإيمان أو لشك، لا بل على العكس كان لتقوية هذا الإيمان ولإدخال الطمأنينة لقلبه، يقول عز وجل ?وَإِذ قَالَ إِبْرَاهِمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَم تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي? ?البقرة2: 260? الآن دعونا نتدرج في في الإجابة عن هذا التساؤل بحسب نقاط تسهيلاً للأمر:

1. علينا دائماً أن نتذكر أن الله هو الغني وأن كل مخلوقاته فقيرة ومحتاجة له في كل لحظة من لحظات وجودها، يقول عز وجل ?يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ? ?فاطر35: 15?، فالله سبحانه وتعالى لا يحتاج منك يا إنسان أي شيء لا يحتاج منك الطعام ولا الشراب ولا حتى العبادة.

2. لنعد للبداية ونسأل أنفسنا، لماذا خلقنا الله؟، وكما قلنا في النقطة السابقة أي إجابة سنطرحها ويبدو فيها أن لله حاجة فإن هذه الإجابة ستكون غير صحيحة، قبل أن تقرأ بقية الموضوع، أغمض عينك وحاول أن تجيب عن هذا السؤال. حتى يمكنك مقارنة إجابتك مع الإجابة في هذا الموضوع والتي ستبان في النقاط القادمة.

3. نعم أعتقد أنك قلت في نفسك أن الله خلقنا لعبادته، معتمداً على قوله عز وجل ?وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ? ?الذاريات51: 56? ولكني أقول لك أن الله لا يحتاج منك العبادة، جاء في الحديث القدسي عنه صلى الله عليه وسلم أنه سبحانه وتعالى قال ?يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد. ما نقص ذلك من ملكي شيئا? ?صحيح مسلم?، وهذا يدعونا لمحاولة فهم أصح لمعنى قوله عز وجل ?وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ?.

4. إذاً ماذا يتبقى عندنا سبباً للخلق، كل سبب نذكره فيه حاجة لله فهو سبب خاطئ، ولا يتبقى إلا أنه سبحانه وتعالى قد خلقنا من كرمه ومحبته في وجودنا، نعم، نحن خُلقنا محبة من الله وكرما منه سبحانه وتعالى، لذلك كان الثواب وكانت الرحمة وكان دخول الجنة لآدم بلا عمل، ويتوافق مع هذا السبب أن يسكننا سبحانه وتعالى الجنة مباشرةً من محبته لنا.

5. ومن قال أنه لو بقي آدم في الجنة، أننا كنا سنخرج من ظهره ونجد أنفسنا في الجنة؟ كان من الممكن أن نبقى في ظهره إلى أبد الآبدين، فالله يفعل ما يشاء ولا يُسأل عما يفعل.

6. هنا يطرح السؤال نفسه، فلماذا قدر الله أن يخرج كلا من آدم وحواء من الجنة وأن يهبطا ونهبط معهما للأرض؟ لماذا لم يبقهما سبحانه وتعالى داخل الجنة، وهذا هو الذي يتوافق مع محبته لنا سبحانه وتعالى والتي خلقنا بها؟

7. حتى نصل لحقيقة الأمر، دعونا نفترض جدلاً أن أبوانا آدم وحواء لم يخرجا من الجنة، وأنه سبحانه وتعالى قد أخرجنا من ظهر آدم عليه الصلاة والسلام ونحن في الجنة، فيكيف سيكون حالنا فيها؟ ما لا شك فيه أن كل واحد منا سينزل منزلته التي ارتأها له سبحانه وتعالى والتي يستحقها في الجنة من المقام والمكان والملك والنعم، وما لا شك فيه أن حكم الله هو الصواب، فالله يعلم ما نستحقه ونحن لا نعلم، وهنا ماذا سيكون قولنا نحن سكانها؟ لا بد أن كل واحد منا سينظر لمن فوقه وأعلى منه في المكان والملك والنعم ويتساءل في نفسه، لم هو أعلى مني في الجنة؟ ماذا فعل ليستحق هذه الدرجة فيها؟ ما قام به هو قمت به أنا! نعم، هذا هو الحال الذي سنكون عليه في الجنة، ولن يرضى إلا أعلى من الجنة ملكاً ومنزلة، أما الباقي فسيعتقدوا أنهم ظلموا أن كان أقل منزلة ومكانة، سواءً صرحوا وقالوا ما في أنفسهم أو كتموه كما كتمت الملائكة اعتقادها أنها أفضل من الإنسان، وهذا طبعاًَ يعلمه عز وجل قبل أن نمر فيه، لذلك كان هناك حاجة لأن نخرج من الجنة وأن نمر بامتحان يثبت فيه كل واحد منا لنفسه ولغيره أنه يستحق المرتبة التي هو فيها في الجنة، أقول لنفسه فالله يعلم ونحن لا نعلم.

8. ومن هنا خلق لنا سبحانه وتعالى ?الموت والحياة?، يقول عز وجل ?الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُم أَيُّكُم أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ? ?الملك67: 2?، وخلق لنا السماوات والأرض لنفس الغاية ?وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُم أَيُّكُم أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ? ?هود11: 7?، ورفع بعضنا فوق بعض درجات لنفس الهدف، يقول عز وجل ?وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُم خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُم فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُم فِي مَا ءَاتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ? ?الأنعام6: 165? ولهذا السبب جعلنا أمم ولم يجعلنا أمة واحدة، يقول عز وجل ?وَلَو شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُم أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِيَبْلُوَكُم فِي مَا ءَاتَاكُمْ? ?المائدة5: 48?.

9. ولكن هبوطنا للأرض مباشرة ودخولنا الامتحان مباشرةً بمجرد الخلق لا يتوافق مع ما نعرفه من رحمة الله وكرمه وعطائه وأسمائه وصفاته، لذلك كان لا بد من وجود الشجرة وكان لا بد من وجود إبليس، فبوجودهما كانت رحمة الله وكرمه التي أدخل بهما آدم وحواء الجنة، واشترط عليهما للبقاء في الجنة أن لا يأكلا من هذه الشجرة وهو يعلم أنهما لن يستطيعا الامتثال لهذا الأمر، ولكن الخروج من الجنة يجب أن يكون بفعلهما أي بمعصيتهما لأمر الله، فالله لا يجحد عطاءه الجنة التي أعطاها لآدم وحواء ويقول لهما، يكفي هذا، لقد تنعمتا وحان وقت الخروج، ليس هكذا هو كرم الله، كرم الله يكون عطاءُ بلا جحود، وهذا من تقديره عز وجل.

10. فالشجرة والوسواس من تقدير الله، ولكن المعصية من فعل آدم وحواء وإبليس نفسه، الخيار بيدهم والمعصية بفعلهم ولا إجبار على المعصية، ولكن علم الله حق، لذلك كان قوله عز وجل للملائكة ?وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً? ?البقرة2: 30?، قال ?في الأرض? ولم يقل ?في الجنة?، ومع هذا فقد قال لآدم وحواء بعد ذلك ?وَقُلْنَا يَئَادَمُ اسْكُن أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ? ?البقرة2: 35?.

11. فإن نحن هبطنا للأرض، علينا أن نتذكر دائما أننا في امتحان، ابتلاء، الهدف منه أن نختار مقاعدنا في الجنة، يقول عز وجل ?وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ?.

12. وإن نحن نظرنا لمدة هذا الامتحان، كم هو؟ فعلينا أن نقوم بعملية حسابية اعتمادا على قوله عز وجل ?وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ?، نقسم هذا اليوم لساعات بأن نقسمه الألف على 24، تصبح الساعة في الجنة حوالي 41 سنة، ثم بناءاً على قوله صلى الله عليه وسلم أن أعمار أمته بين الستين والسبعين، فإن مدة الامتحان تكون حوالي الساعة والنصف فقط.

13. قبل أن يهبطنا سبحانه وتعالى للأرض بين لنا ما قد يقوله البعض منا عندما نعود للسماوات بعد الإمتحان على الأرض، يقول عز وجل في سورة الأعراف ?وَإِذ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَأَشْهَدَهُم عَلَى أَنفُسِهِم أَلَسْتُ بِرَبِّكُم قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غَافِلِينَ * أَو تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ ءَابَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِن بَعْدِهِم أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ?، فهو يحذرنا سبحانه وتعالى أن نقول أننا كنا غافلين عن قول ?لا إله إلا الله?، أو أن نقول أن أبوينا منعانا أن نقولها.

14. ومع هذا التحذير إلا أنه سبحانه وتعالى قد خفف عنا بأن قال ?مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً?، فقد أرسل فينا الرسل وأيدهم بكلماته وآياته ومعجزاته، حتى أنه يُقال أنه قد أرسل سبحانه وتعال 124 ألف نبي ورسول من لدن آدم حتى محمد عليهما الصلاة والسلام.

15. ثم أنه سبحانه وتعالى قد جعل لنا كل شيء في هذا الوجود آية دالة عليه وعلى عظمته عز وجل، فالماء آية والتراب آية والهواء آية والشجر آية والحجر آية والدواب آية والأسماك آية والطيور آية، كل شيء على الإطلاق آية، حتى أن قوانين الفيزياء تعترف بهذا الأمر، حيث القانون الشهير ?المادة لا تفنى ولا تستحدث ولكن تتغير من شكل لشكل آخر?، فمن أين أتت مادة الكون؟ ومن منا يستطيع أن يزيد نقطة ماء أو أن يهلكها؟ أو ذرة هواء، أو حبة تراب، فلا خالق إلا الله، سبحانه وتعالى،

16. ومن أعظم آياته عز وجل ما كان في السماء، نعم السماوات فيها من الآيات الدالات عليه سبحانه وتعالى ما يقف أمامه الإنسان خاضعا خانعا ذليلا معترفا بشدة ضعفه وعظمة ربه، وفي هذه الآيات أقام الله الحجة على الكفار، يقول عز وجل ?أَوَلَم يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ?، فما هو حال الكافر الذي يقف أمام الشمس فلا يرى فيها الله وعظمته سبحانه وتعالى، ما حالة عندما ينظر للنجوم والكواكب والمذنبات والأجرام السماوية وما فيها من قوة وعظمة ولا يدرك أن ورائها خالق أبدعها وسواها لنستدل منها عليه وننقذ أنفسنا من أنفسنا.

دخول آدم وحواء الجنة وخروجهما منها - الهبوط - 2

الآن وقت التساؤل، هل الجنة التي هبط منها كل من آدم وحواء هي جنة السماء أم هي جنة على الأرض بمعنى ?بستان مرتفع?؟ والصحيح أن اللفظتين ?الهبوط والجنة? أشكلا على كثير من المفسرين والمتدبرين مما أدى إلى اعتقاد البعض أن هناك جنة في السماوات وأخرى في الأرض وأن هناك هبوط موضعي وهبوط انتقالي، ولكن المتدبر حقاً لكلام الله سيجد أن الهبوط هو هبوط واحد من السماوات إلى الأرض، وأن الجنة واحدة هي في السماوات، وإليكم هذا التفصيل السريع:

1- هناك كلمة ناقصة نحتاجها لفهم كلمتينا ?الهبوط، والجنة? وهي كلمة ?الخروج? وأقصد هنا ?الخروج من الجنة?، وربما عدم فهم ?الخروج? هو الذي أشكل على البعض وجعلهم يعتقدوا أن هناك هبوطين وهناك جنتين، ولكن الصحيح أن هناك خروجين اثنين وجنة واحدة وهبوط واحد.

2- كان الخروج من الجنة على مرحلتين أولا: خروج مقامياً أي من المقام وهي المرتبة أو الدرجة أو الهيئة التي شاء الله لهما أن يكونا عليها في الجنة، وسنأخذ ?عدم رؤية كل من آدم وحواء عورة نفسه أو عورة الثاني مثلاً على المقام?، وثانياً: خروجاً مكانياً أي خروجاً من المكان أي خارج حدد الجنة. ويقابل الخروجين المقامي والمكاني دخولاً واحداً هو الدخول في المقام والمكان معاً، بنفس الوقت.

3- نعلم من الأحاديث النبوية ومن قصص الأنبياء وبالأخص من قصة آدم عليه الصلاة والسلام، أن الله قد أدخل ?طاووس الملائكة? الذي نعرفه اليوم باسم ?إبليس? الجنة لأنه كان الوحيد الباقي على الأرض مسلماً لله، عابداً ساجداً مطيعاً، بعد أن كفرت الجان جميعها، حتى أنه لم يترك بقعة على وجه الأرض إلا وسجد فيها لله عز وجل، وكان هذا الدخول دخولاً مقامياً ومكانياً.

4- نعلم أن الله قد أدخل آدم وحواء الجنة بعد خلقهما في قول الله عز وجل في سورة البقرة:2 ?وَقُلْنَا يَئَادَمُ اسْكُن أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ? ?آية 35?، وهذا الدخول دخولاً مقامياً مكانياً، أي أنهما أصبحا داخل الجنة ويستطيعان التنعم بما فيها من أنعام، بلا شعور بألم ولا جوع ولا سوء ولا حر ولا برد ولا أي إحساس من أحاسيس المرارة والألم التي يشعر بها الإنسان في الدنيا، يقول عز وجل ?فَقُلْنَا يَئَادَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَؤُا فِيهَا وَلَا تَضْحَى? ?طه20: 117-119?.

5- الدخول المقامي والمكاني للجنة لا ينفي التكليف، فالأمر لله، إذا شاء كلف، وإذا شاء أسقط التكليف، وفي حالة دخول آدم وحواء كان هناك تكليف لهما بأن يمتنعا عن الأكل من شجرة معينة بعينها دلهما عليها، وحذرهما من وسواس ?طاووس الملائكة? حينها حيث أشار الله له بكلمة ?هذا?، وكان ثمن المعصية هو الخروج من الجنة، أي باختصار كان بقاء آدم وحواء الجنة ?بشرط? عدم الأكل من هذه الشجرة، فالدخول عطاء من الله بلا عمل، والبقاء بشرط، وآدم وحواء هما المسئولَين الآن عن بقائهما أو خروجهما من الجنة.

6- حتى تلك اللحظة لا زال وجود ?طاووس الملائكة - إبليس الآن? في الجنة وجوداً مقامياً ومكانياً وحتى مع وجود هذه الكراهية الداخلية في قلبه لكل من آدم وحواء ?إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ?، فقد تم تكليفه مع باقي الملائكة بأمر سيحدث للإمام في قوله عز وجل في سورة الحجر: 15 ?وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن صَلْصَالٍ مِن حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ? ?آيات 28-29?، وهذه الآيات تكررت في سورة ص38? ?إِذ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ? ?آيات 71-72?.

7- الخروج من الجنة يكون أولاً خروجاً مقامياً ثم يتبعه الخروج المكاني.

8- في حالة خروج إبليس من الجنة، فقد ابتدأ بالخروج المقامي وذلك عندما رفض السجود لآدم، يقول عز وجل في سورة البقرة:2 ?وَإِذ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لأَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ? ?آية 34?، وكان هذا قبل دخول آدم وحواء الجنة، وخروج إبليس مقامياً من الجنة عند رفضه السجود لآدم لم يمنعه من دخول الجنة مكانياً لأنه كان بإمكانه الدخول والوصول لآدم وحواء والتكلم معهما والكذب عليهما وحتى القسم بالله كذبا ليغويهما للأكل من الشجرة.

9- لاحظ أن رفض إبليس السجود لآدم أهبطة من مقامه ?طاووس الملائكة? لمقام آخر جديد هو ?إبليس?.

10- دخول آدم وحواء الجنة كان بلا عمل، فقد كان ثواباً خالصاً من رحمته سبحانه وتعالى. ولكن عندما استمع كل من آدم وحواء لوسواس إبليس وأكلا من الشجرة، وكان أكلهما معصية لآمر الله الذي حذرهما منه عندما دخلا الجنة، وكان عدم الأكل من هذه الشجرة هو شرط بقائهما ?مقامياً ومكانياً? في الجنة، فكان الجزاء أن يخرجا من الجنة، أولاً خرجا من ?مقام الجنة?، يقول سبحانه وتعالى في سورة البقرة:2 ?فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ? ?آية 36?، مما كانا فيه اي من المقام العالي الذي كانا فيه، ولكنهما لا زالا في الجنة، يقول عز وجل في سورة طه:20 ?فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَت لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى? ?آية 121?، أين بدت لهما سواءاتهما؟ الجواب في الجنة. من أي ورق طفقا يخصفان على عوراتهما؟ الجواب من ورق الجنة. ثم أن آدم فر وأخذ يركض داخل الجنة لأنه لم يعلم ماذا عليه أن يفعل، حتى ناداه الله وكلمه ثم تاب عليه، يقول عز وجل في سورة طه:20 ?ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى? ?آية 122?، ويقول في سورة البقرة:2 ?فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ? ?آية 37?، إلا أن هذه التوبة لا تنفي جزاء المعصية وهو الخروج مقامياً ومكانياً من الجنة، وكما قلنا كان الخروج أولاً الخروج المقامي، ثم تبعه الخروج المكاني، وهذا نعلمه من خلاصة أحاديث الرسول حيث أحضر الله آدم آمامه ومسح على ظهره وأخرج ذريته من ظهره وأخذ منهم العهد والميثاق بأن يقولوا ?لا إله إلا الله? وأن يتبعوا الرسل، ثم أمر عز وجل بأن يهبط الجميع إلى الأرض، ?آدم وحواء وإبليس والذرية?، يقول عز وجل في سورة البقرة:2 ?قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُم يَحْزَنُونَ? ?آية 38?.

11- الهبوط كان بمثابة امتحان يبتلينا الله به حتى يعرف كل واحد منا مقامه ومرتبته التي يستحقها في الجنة، يقول عز وجل في سورة الزمر:39 ?وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ? ?آية 74?، فمن خلال عملنا في الأرض نرث الجنة من جديد يقول عز وجل في سورة الأعراف:7 ?وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِن غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَن هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَت رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ? ?آية 43?.

12- نعم الفكرة بسيطة جداً فنحن خلقنا لنكون من أهل الجنة، يقول صلى الله عليه وسلم ?كلكم يدخل الجنة إلا من أبى، قالوا ومن يأبى يا رسول الله، قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى?، ولكن وجودنا في الجنة سيكون سبب في شعورنا بالسوء لكل كل من سينظر لمقام الذي أعلا منه ويتساءل عن سبب وجود أخوه في مرتبة أعلا منه، لذلك كان هناك حاجة لعمل نقوم به كمسابقة أو امتحان يبتلينا الله به فننقسم إلى درجات، أعلا وأقل، وكان هذا الامتحان هو عبادتنا لله على وجه الأرض، لذلك كان هناك حاجة لخروج آدم وحواء من الجنة، فكانت الحاجة للشجرة وكانت الحاجة لإبليس لان دخول الجنة بعطاء الله والخروج منها بفعل أيدينا، ثم كانت الحاجة للهبوط للأرض لنعمل وكان قول الله ?وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِن رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ? ?الذاريات51: 56-58?، وقد تكفل لنا عز وجل بطعامنا وأرزاقنا أثناء امتحان العبادة، يقول عز وجل ?وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُم وَمَا تُوعَدُونَ? ?الذاريات51: 22?، فالرزق مقدار معلوم مسجل في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، جاء في صحيح الترمذي في حديث صححة الألباني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ?لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير، تغدو خماصا، وتروح بطانا?، وهذا الرزق مقدر بمقدار محدود لن يتغير ولن يتبدل لن يزيد ولن ينقص، جاء في صحيح بن ماجة في حديث صححة الألباني عن جابر بن عبد الله أنه صلى الله عليه وسلم قال ?أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم?، وجاء في صحيح البخاري عن أنس بن مالك عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ?إن الله وكل في الرحم ملكا، فيقول: يا رب نطفة، يا رب علقة، يا رب مضغة، فإذا أراد أن يخلقها قال: يا رب أذكر، يا رب أنثى، يا رب شقي أم سعيد، فما الرزق، فما الأجل، فيكتب كذلك في بطن أمه?، فلو أن السارق أو المحتال أو الغشاش أو الكاذب أو القاتل، لو أن العاصي آمن أن رزقه على الله وأن معصيته لله لن تغير شيء في مقدار رزقه لما عصى الله، فهو عندما يعصي الله ليكسب شيئاً من مال، فإن ما دخل عليه هو جزء من رزقه الذي قدره له سبحانه وتعالى، وما كان شأن معصيته لله إلا أن حولت هذا القسم من ماله من صورته الحلال التي شاءها له عز وجل لحرام. يقول عز وجل ?قُلْ أَرَءَيْتُم مَا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِن رِزْقٍ فَجَعَلْتُم مِنْهُ حَرَاماً وَحَلَالاً قُلْ ءَاللَّهُ أَذِنَ لَكُم أَم عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ? ?يونس10: 59?.

دخول آدم وحواء الجنة وخروجهما منها - المعصية - 3

نعلم أن إبليس عصى الله بعدم السجود، ونعلم أن آدم عصى الله عندما أكل من الشجرة، فأي المعصيتين كانت أكبر، معصية آدم أم معصية إبليس، مع علمنا أن إبليس لما عصى الله بعدم السجود، كان لا زال بإمكانه أن يدخل الجنة، ون يوسوس لآدم وحواء للأكل من الشجرة، في حين لما عصى آدم آمر الله، فقد تم إخراجه من المقام ثم تم إخراجه من المكان، فهل هذا يعني أن معصية آدم كانت أكبر من معصية إبليس؟ دعونا نتدرج بنقاط علنا نصل لفهم أفضل للمعصية ومقابله الله لها:-

1. إبليس من الجن، والجن سكنت الأرض قبل الإنسان بألفي عام، وكان طابعها ?الإفساد وسفك الدماء?، في هذه المرحلة يُعتقد أن أسم إبليس كان ?عزازيل? ويعتقد أن لقبه كان ?أبو مرة?، ولنفترض أن هذا الاعتقاد صائب في موضوعنا، فعزازيل كان مؤمناً صالحاً يعبد الله ولا يعصي له أمراً، حتى أنه يُعتقد أنه لم يترك بقعة على وجه الأرض إلا وسجد فيها لله عز وجل، وهكذا جنيٌ واحدٌ صالحٌ مقابل البقية كلها العاصية المفسدة، في اعتقادك ما هو التقدير اللائق لمثل هذا الجني عند الله؟

2. ما نعرفه من أحاديث الرسول وقصص الأنبياء وبالأخص قصة آدم عليه الصلاة والسلام في كتب التفسير، أن الله قد أرسل أربعة فرق من الملائكة قاتلت الجان المفسد والعاصي فقتلت من قتلت والباقي أسرتهم في الجزر البعيدة وفي قيعان المحيطات وتحت الأرض، الآن لم يبقى إلا عزازيل الصالح العابد، ماذا ستفعل الملائكة بهذا العبد الصالح؟

3. المدة التي عبد عزازيل فيها الله وهو على الأرض غير معروفة، ذلك أننا لا نعرف متى ولد إبليس في صنف الجان، ما نعلمه أن الجان خلق قبل الإنسان بألفي عام، وهذا يقودنا أن نعرف أن أقصى مدة قد تكون لعزازيل على الأرض هي هذه الألفي عام.

4. رفعت الملائكة عزازيل معها إلى السماوات حيث كان ثوابه أن ارتقى في رتبته من ?عبد صالح - عزازيل? إلى ?طاووس الملائكة?.

5. عاش طاووس الملائكة بين الملائكة ومعها وكأنه فرد منها، حتى أن خطاب الله له مع باقي الملائكة كان ?فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ? ?الحجر15: 29?، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الآية تكررت في سورة ?ص38: 72? لاحظ كلمة ?فقعوا? بصيغة الجمع مع أن الخطاب لنوعين من مخلوقات الله، الملائكة من جهة وطاووس الملائكة ?عزازيل? من جهة أخرى. وفي هذه الآيات جاء أمر الله للملائكة ومعها طاووس الملائكة بالسجود لآدم، عندها بدأت علامات الكراهية من ?طاووس الملائكة? تظهر لآدم مع أن آدم لم يخلق بعد، على شكل غيرة وحسد وغل.

6. أمر الله الملائكة فأحضروا مادة صنع جسد آدم، أي الطين من الأرض، فسواه عز وجل جسدا من صلصال كالفخار، وفي هذه المرحلة ظهرت على طاووس الملائكة علامات الأذية لآدم حيث أنه كان يحاول أن يلقيه أرضاً فيكسره، ولكنه فشكل، ثم تحولت بأن حاول ثني الملائكة عن النظر له والطواف حوله وتسبيح الله وهي تنظر له، وذلك عندما بدأ يصدر الأصوات من جوفه ليخيف بها الملائكة.

7. لغاية الآن الصورة تبدو كأن عبداً صالح ضَعُفَ إيمانه ونقص، فلعله يستغفر الله، الامتحان الحق سيكون بعد نفخ الروح، فلا زال هناك متسع من الوقت لطاووس الملائكة بالعودة والأوبة والاستغفار لله، نعم فالله يمهل ولكنه لا يهمل.

8. جاءت لحظة الحق، لحظة نفخ الروح في آدم، ونفخت في آدم النفس ونفخت فيه الروح، وصار آدم كائناً حياً يسمع ويرى ويعقل ويتحرك، وجاء أمر الله ?وَإِذ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لأَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ? ?البقرة2: 34?.

9. سجدت الملائكة كلها إلا إبليس لم يسجد، لاحظ أن أداة الاستثناء ?إلا? لما جاءت مع إبليس تكفي لتخبرنا أن إبليس لم يسجد، ولكن ?إلا إبليس? أتبعها الله ب ?أبى? وأتبعها ب ?وأستكبر? وأتبعها ب ?وكان من الكافرين?. على ماذا يدل هذا؟ يدل على أن الله قد طلب من إبليس السجود لآدم أكثر من مرة، أو أنه أتاح له التوبة والعودة بالسجود لآدم مرارا وتكرارا، ولكن النتيجة كانت هي هي، رفض إبليس السجود لآدم.

10. حتى أن الله قد سأل إبليسَ عن سبب السجود يقول عز وجل ?قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ? ?الأعراف7: 12?، وفي سورة ص ?قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَم كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ? ?ص38: 75?.

11. سبب معصية إبليس لله وعدم سجوده لآدم ظهرت في الحوار بين إبليس وبينه عز عزل في قوله سبحانه وتعالى ?قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ? ?الأعراف7: 12?، وفي قوله عز وجل ?قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَم كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ? ?ص38: 75?.

12. الآن نتساءل، لماذا كل هذا التهاون مع إبليس؟ لماذا يمهله الله أكثر من مرة؟ لماذا يكرر الله الطلب والخطاب لأحد مخلوقاته؟ لماذا يُخرج اللهُ إبليس من المقام ولا يخرجه من المكان ويصبر على خطأه ليخطئ من جديد حتى يخرجه من المكان؟ والجواب بسيط، ألا يتوافق هذا مع رحمة الله وصفاته بالعفو والمغفرة والمسامحة والإمهال! ستسألني الآن لماذا لم يكن هذا هو الحال مع أدم؟! فأقول لك قارن بين عمل آدم وعمل إبليس في هذه المرحلة، أين عمل آدم؟! نعم لم يكن لآدم عمل بالمقارنة مع إبليس الذي عبد الله ولم يترك بقعة على وجه الأرض إلا وسجد له فيها لله، وهذه هو السبب نفسه الذي جعل الله يعطي إبليس النَظِرَة إلى آخر الدنيا، نعم، لا زال باب التوبة مفتوح أمام إبليس وسيبقى إلى يوم القيامة، حتى أنه يروى أن إبليس طلب من كليم الله موسى عليه الصلاة والسلام أن يسأل له ربه المغفرة، فطلب منه عز وجل أن يسجد لقبر آدم مقابل المغفرة، إلا أن إبليس رفض من جديد قائلاً لم أسجد له حياً أفسجد له ميتاً.

13. لنعد لآدم وحواء مرة أخرى، وننظر، سنجد اولا: أن دخول آدم وحواء للجنة كان بلا عمل بل برحمة الله، وسنجد ثانياً: أن دخول آدم وحواء للجنة كان بشرط، أن لا يأكلا من هذه الشجرة المحددة، فالدخول برحمة الله، أما خروجهما من الجنة فكان بما اكتسبت أيديهما من المعصية، فالله أدخلهما الجنة بلا عمل، وهما أخرجا نفسيهما من الجنة بالمعصية.

14. قد تسألني الآن ?هل هذا يعني أن آدم وحواء أخرجانا من الجنة؟ وسأجيبك، بالطبع لا، فأنت لم تدخل الجنة حتى يخرجك آدم منها، صحيح أنك كنت محمول في ظهر أبونا آدم عليه الصلاة والسلام، ولكن لم يقدر الله لك العيش في الجنة حينها، وهذا هو أمر الله.

15. ستسألني الآن، ولكن لو لم يخرج آدم من الجنة لخرجنا من ظهره ووجدنا أنفسنا في الجنة! وسأقول لك وما يدرك؟ كيف تعلم أن الله سيخرجك من ظهر آدم وآدم في الجنة؟ من أخبرك بهذا؟ وما الذي يمنع أن تبقى في ظهره إلى أبد الآبدين فأنت في ظهره ما كان لك إحساس ولا كان لك شعور ولا كنت تدري أين أنت!

16. ولكني سأفترض معك جدلاً أن هذا كان من الممكن أن يحدث، تعال نفترض أن الذرية خرجت من ظهر آدم وهو في الجنة، وأننا جميعنا الآن في الجنة، فماذا سيحدث. تذكر أن الذرية الآن في الجنة بلا عمل، والجنة درجات ومراتب، وأن كل واحد منا قد جلس في مرتبةٍ من مراتب الجنة، ما لا شك فيه، أن الجالس في المرتبة الأدنى سينظر للجالس في المرتبة الأعلى ويقول، يا الله، لما أجلسته في هذا المقام؟ وأجلستني في هذا المقام؟ أهو أفضل مني؟ ماذا فعل ليكون أفضل مني؟

17. حتى لو لم تقل هذا الكلام بصريح العبارة ستكتمه في نفسك كم كتمته الملائكة، وهذا معناه أنك ستعتقد أن الله قد ظلمك!!! وهذا هو الأمر الخطير، أن نعتقد الظلم على الله. أرأيت، لم يكن مقدر لنا دخول الجنة مباشرةً، لأن في هذا حيرة لأنفسنا وعذاب لها، لذلك فقد خلق الله الموت والحياة والسماوات والأرض، وأهبطنا من السماء للأرض لنعمل ونعود للجنة ونجلس في مقاعدنا بناءا على عملنا وفي هذا راحة عظيمة لأنفسنا.

18. وهذا هو السبب نفسه الذي جعل معصية آدم سبباً في خروجه مقامياً ومكانيا بنفس الوقت، لحاجةٍ خدم فيها آدمُ ذريتَه، فخروجه كان مصلحةً للناس أجمعين.

الخلاصة: نحن نؤمن أن الله هو صاحب القدر، وكان من تقدير الله على آدم وعلى إبليس التواجد في الجنة، وكان من تقدير الله وجود الشجرة، وكان من تقدير الله أن يوسوس إبليس لآدم ليأكل من الشجرة، وكل هذا التقدير لخير الإنسان، فالحاجة كانت أن نخرج من الجنة ونعود لها بعد الإمتحان على الأرض، وكما قلنا فإن فترة الإمتحان على الأرض بسيطة تقرب من ساعتين من زمن الجنة، وكل هذا حتى ترتاح نفوسنا في الجنة في مدة مقدارها ?الخلود? الذي لا ممات بعده.

دخول آدم وحواء الجنة وخروجهما منها - 4

- الكِبْر -

يصف لنا عز وجل الحوار الدائر بينه وبين إبليس سائلا إياه عن سبب رفضه السجود لآدم في عدة مواقع من القرآن الكريم، يقول عز وجل ?قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُن لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِن حَمَإٍ مَسْنُونٍ? ?الحجر15: 32-33?، ويقول عز وجل ?قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَم كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ? ?ص38: 75-76?، ويقول عز وجل ?قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ? ?الاعراف7: 12?. ويقول عز وجل ?وَإِذ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لأَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ ءَأَسْجُدُ لِمَن خَلَقْتَ طِيناً * قَالَ أَرَءَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِن أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً? ?الإسراء17: 61-62?.