نبضات من التفسير في سورة الفاتحة الحلقة الثانية - يوم

 

HTM

PDF

Wave

الموضوع

موضوع

نبضات من التفسير في سورة الفاتحة الحلقة الثانية - يوم

4350

تحميل

مطوية نبضات من تفسير الفاتحة 2

4147

جدد إيمانك بالله مع أساسيات الدين الإسلامي

4

 

يوم

---

في (مالك) وفي (ملِك)، كان كل المكان لله، وكانت كل الأحكام والأفعال لله، وفي (يوم)، كان الزمان لله أيضاً، فالزمان مخلوق ضعيف محتاج لله، فالله هو الغني، أي أنه غني عن الزمان، كما هو غني عن المكان، وكما هو غني عن المخلوقات، ولا يصح أن نعتقد أن الله يحتاج الزمان بشيء من أموره عز وجل، فليس للزمان تأثير على الله، ولا ينطبق على الله ما ينطبق علينا بتغير الزمان، كتغير الصفات والقدرات والتبدل مثل الكبر والهرم والموت والنسيان، فهذا التغير إنما ينطبق على المخلوقات، ولكنه لا ينطبق على خالق الزمان. ومن ناحية قدرتنا على الزمان فليست كقدرة الله عز وجل عليه، فنحن نستطيع أن ندرك (لحظة) من الزمان هي اللحظة الحالية، ولا نستطيع أن نعود لا للخلف ولا نستطيع أن نتقدم للأمام. في حين أن الله عز وجل (خالق الزمان) (ورب الزمان) يرى كل الزمان دفعة واحدة، اي أنه عز وجل يرى الماضي والحاضر والمستقبل بنفس الوقت، لذلك نرى أنه عز وجل يتكلم احيانا عن الماضي بصيغة المستقبل أو عن المستقبل بصيغة الماضي، فلا فرق بين الماضي والحاضر والمستقبل عنده عز وجل. وفي هذا المقام، لو أننا سألنا أنفسنا أيهما أعظم في علم الله (العلم المشهود) أم (علم الغيب)، يكون من فهمنا الصحيح لما سبق، أنه لا فرق بين علم الله المشهود وبين علم الغيب، وإنما تم قسمة العلم بهذا الصورة من أجل الإنسان، فالفرق هو للإنسان، وهذا الفرق كان ليستدل الإنسان من خلاله على ضعفه ومحدودية وضآلة قدرته في علمه وعمله وفعله. فلو أننا طلبنا من إنسان أن يعيد الكلمات التي تكلم بها خلال 5 دقائق ماضية مثلاً لعجز، ولو أننا طلبنا منه أن يعيد حركاته التي تحرك به خلال الخمسة ثواني السابقة لعجز أيضاً، ولو أننا طلبنا منه أن يخبرنا بما حدث داخل جسده في آخر لحظة من الزمن لعجز.

قلنا أن الزمان مخلوق ضعيف محتاج لله في كل لحظة من لحظات وجوده، والسؤال المطروح، متى خُلق هذا المخلوق؟ ومتى ينتهي؟ أما الجواب فنبدأه من قوله عز وجل في سورة الحج 22 - آية 47 (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)، من قوله عز وجل (مما تعدون) يعيد لنا سبحانه وتعالى الوقت لحياتنا الدنيا، فمتى بدء الوقت عند الإنسان؟ ما نعلمه أن اليوم عند الإنسان يولد نتيجة دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس، أي أن الزمان بدء بخلق السماوات والأرض. وأما نهاية الزمان فتكون بذبح الموت على صورة كبش أملح وعندها ينادى (يا أهل الجنة خلود ولا ممات، ويا أهل النار خلود ولا ممات). وأما طول الزمان من إبتدائه لإنتهائه فهو أقل من لمحظة بصر، وهذا يظهر في قوله عز وجل في سورة النحل 16 - آية 77 (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ)، ويستطيع كلٌ منا أن يختبر هذه الحقيقية في نفسه، إسأل نفسك عن عمرك، ثم إسأل نفس كيف مر هذا العمر، ستجيب وبلا ريب بقولك (مثل لمح البصر)، والشيء الغريب أن الإنسان يعترف أن ما مر من عمره إنما هو (لمحة بصر)، ولكن يصعب عليه أن يعترف أن ما تبقى من العمر هو ايضاً (لمحة بصر).