نبضات من التفسير في سورة الفاتحة الحلقة الثانية عشر - لا يمكن تأجيل الهداية
HTM |
|
Wave |
الموضوع |
موضوع |
|
|
|
نبضات من التفسير في سورة الفاتحة الحلقة الثانية عشر - لا يمكن تأجيل الهداية |
4395 |
|
|
4157 |
||
|
|
|
4 |
لا يمكن تأجيل الهداية
------------
(الموت حق وهو آت ولا يمكن تأجيله ولا يمكن الإعتصام منه والقادم مجهول)
--------------------------------------------
مما لا شك فيه أن هذه الحياة التي نعيشها تمر سريعاً وبأسرع مما ندرك إنظر لقوله عز وجل في وصفه لكل الزمان من إبتدائه لإنتهائه، حيث يقول (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (النحل16: 77)، لقد وصف عز وجل الزمان كله بأنه أقل من لمح البصر، ولكي تدرك صدق هذا الوصف إسأل نفسك، (كم عمري؟)، ثم إسأل نفسك (كيف مر ما مضى من عمري؟)، من المؤكد أن الجواب سيكون (لا أعلم كيف مر!)، (مرَ سريعاً!)، (مرَ مثل الحلم!)، (مرَ مثل لمح البصر!)، أو أي إجابة أخرى تشير لنفس المعنى، ها أنت عدت لتستخدم قوله عز وجل (كلمح البصر أو هو أقرب) في تطبيق مرور الوقت على نفسك، وإن لم تُجب بهذه الإجابة فإنك تخدع نفسك، ثم دعنا نتسأل (كم بقي لك من الحياة؟) ونحن نعلم أن الأجل مجهول لا يعلمه إلا الله، وعندما يأتي الموعد لا يمكن تأجيله ولا بأي حال من الأحوال، يقول سبحانه وتعالى (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) (الأعراف7: 34)، ويقول في (مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ) (المؤمنون23: 53)، وما من مكان في هذا الوجود تستطيع أن تعصم نفسك فيه من الموت، يقول سبحانه وتعالى (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَة) (النساء4: 78)، فلا يوجد على وجه الأرض من يعلم متى يكون أجله على وجه التحديد والدقة، ولا يمكن لأن إنسان أن يضمن بقائه حياً ولو للحظة واحدة، ولكن دعونا نفترض أنك في منتصف الحياة، وأنه بقي لك من الحياة مثل ما مر عليك، فكم بقي لك؟ لنقارن المعلوم مع المجهول، الذي مر من حياتك وهو المعلوم، وقد إتفقنا أنه (أقل من لمحمة بصر) مع ما سيأتي عليك في المستقبل وهو المجهول، وعلى فرض أنه بقي لك مثل الذي مر فإن ما بقي لك هو أيضا (أقل من لمحة بصر)، ولنتسائل ما مجموع الإثنتين (أقل من لمحمة بصر) مضاف إليها (أقل من لمحمة بصر)، المجموع سيكون أيضاً (أقل من لمحمة بصر). فما أن تبدأ الحياة حتى تنتهي، والموت أقرب عندما تبدأ الحياة، وكل ما له بداية له نهاية، ولأهمية هذا الموضوع، فقد أبقاه الله أمامنا بشكل دائم، حتى لا يغيب عن بالنا، فكل يوم هناك من يموت ممن نعرفهم من حولنا، وفي كل يوم نقوم بفتح الجريدة، فإننا نجد في صفحة الوفيات، أناس كنا نعرفهم، كانوا حولنا، ثم قضوا، إنتهى أجلهم، ماتوا، إنتقلوا للرفيق الأعلى، ومن أجل هذا جعل الله الناس حولنا أعماراً مختلفة، فعندما ننظر للناس، نجد أن منهم من هو جنين في بطن أمه ونجد الرضيع على كفيها، ونجد الطفل الصغير الذي يحبو، ونجد الصبي الصغير الذي يلعب ونجد الولد في أول نموه، ونجد الشاب اليانع في أول رجولته ونجد الرجل الصنديد في مكتمل عمره، ثم نجد الشيخ الكبير، ونجد العجوز الهرم الذي لا يقوى على شيء، كما ونجد بين كل هؤلاء أصنافاً وأصناف، يعني نجد بين الناس من هو مثلنا في العمر، ونجد في الناس من كان مثلنا في الماضي، ونجد في الناس من سنصبح مثله في المستقبل (إن بقينا على قيد الحياة)، ثم نجد أن من يموتوا من جميع الأعمار، هناك من يموت بمثل عمرك، وهناك من هو أصغر منك، وهناك من هو أكبر منك، فالموت حق في جميع مراحل الحياة، صغيراً كان الإنسان أم كبيراً، وقد يأتي الموت بشكل فردي، وقد يأتي لجماعات صغيرة وقد يأتي لجماعات كبيرة، لماذا؟ لكي تتذكر أن الموت آتيك لا محالة، وقد يأتي في أي لحظة، لا يمنعه أنك صغير أو مهم أو غني أو قوي أو ذو صحة ممتازة، لماذا؟ لكي لا نركن للزمان ونقول سأتوب لله إذا أصبحت بعمر كذا أو بعد أن أفعل كذا، فأمر المستقبل ليس بيديك إنما بيد الله، لأجل هذا كله، عليك أن تتوب لله الآن في هذه اللحظة، وتعود الله، وتهتدي لله، وتسير على الصراط المستقيم، لا تؤجل ولا تسوف ولا تشترط ولا تستكسل ولا تبطئ، بل إشحذ همتك عالياً وقم وصلي وصوم ولبي وكبر وهلل وأذكر الله وأمر بالمعروف وإنهى عن المنكر وعد الله، عسى الله أن يتقبلك القبول الحسن، ولا تنسى أن الأعمال بخواتيمها، ولربما أتت الخاتمة وأنت لاهٍ ساهٍ لاعبٍ متقاعسٍ عن عبادة الله. |