نبضات من التفسير في سورة الفاتحة الحلقة الثالث عشرة - أساليب التعدي في الفعل (إهدنا)

 

HTM

PDF

Wave

الموضوع

موضوع

نبضات من التفسير في سورة الفاتحة الحلقة الثالث عشرة - أساليب التعدي في الفعل (إهدنا)

4400

تحميل

مطوية نبضات من تفسير الفاتحة 13

4399

جدد إيمانك بالله مع أساسيات الدين الإسلامي

4

 

أساليب التعدي في الفعل (إهدنا)

-------------------

فعل الهداية (هدى يهدي) في العربية قد يتعدى بعدة أساليب، فإما أن يتعدى بنفسه، أو أن يتعدى ب (إلى)، أو أن يتعدى بحرف اللام.

تعدى فعل الهداية بنفسه

-------------

كما في قوله عز وجل في: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة1: 6)‏. وقوله (وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الصافات37: 118). وقوله (وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) (النساء 4: 68). وقوله (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا) (مريم19: 43). وقوله (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) (الفتح48: 2). وقوله (وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) (الفتح48: 20).

وقد يتعدى فعل الهداية بـ (إلى)

------------------

كقوله عز وجل ‏(إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ) (ص38: 22). وقوله (‏فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ) (الصافات37: 23). وقوله (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة2: 142). وقوله (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة2: 213). وقوله (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (آل عمران3: 101). وقوله (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة5: 16). وقوله (وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الأنعام6: 87). وقوله (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام6: 161). وقوله (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (يونس10: 25). وقوله (شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (النحل16: 121). وقوله (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الحج22: 54). وقوله (لَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (النور24: 46). وقوله (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى42: 52). وقوله (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) (الحج22: 24). وقوله (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (سبأ34: 6). وقوله (مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ) (الصافات37: 23).

قد يتعدى فعل الهداية بحرف اللام

-------------------

كقوله عز وجل: ‏(‏الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا) (الأعراف7: 43)‏ أي وفقنا وجعلنا له أهلاً. وقوله (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات: 17).

الفرق بين التعدية بالحرف والتعدية بالفعل نفسه

---------------------------

" التعدية بالحرف (إلى): تستعمل لمن كان خارج الهداية (الضال) بمعنى أن المهدي كان خارج الصراط فهداه الله له فوصل بالهداية إليه، يقول عز وجل (إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ) (ص38: 22)، ويقول عز وجل (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (يونس10: 35).

" التعدية بالفعل نفسه أي بدون حرف: تقال لمن يكون في الصراط، وتقال أيضاً لمن كان خارجه، كقولنا "هديته الطريق" قد يكون هو في الطريق فنعرفه به وقد لا يكون في الطريق فنوصله إليه. يقول عز وجل (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا) (مريم19: 43)، فأبو سيدنا إبراهيم لم يكن في الطريق، ويقول عز وجل (وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) (النساء4: 68) والمنافقون ليسوا في الطريق، واستعملت أيضاً لمن هم في الصراط، يقول عز وجل (وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا) (إبراهيم14: 12) قيلت في رسل الله تعالى، وقال تعالى مخاطبا رسوله (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) (الفتح48: 2) والرسول مالك للصراط، فقد استعمل الفعل المتعدى بنفسه في الحالتين.

" التعدية بحرف (اللام)، وتستعمل هداه له بمعنى بينه له، وهذه تستخدم لمن كان على الطريق ولكنه يريد الوصول للغاية الأسمى في السير داخل الصراط، ولم تستخدم الهداية مع اللام مع السبيل أو الصراط أبدا في القرآن، لان الصراط ليست غاية إنما هو وسيلة توصل للغاية، واللام إنما تستعمل عند الغاية. وقد اختص سبحانه الهداية باللام له وحده أو للقرآن لأنها خاتمة الهدايات كقوله (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) (الإسراء17: 9) وكقوله (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) (النور24: 35)، وكقوله عز وجل (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) (الأعراف7: 43) وهذه خاتمة الهدايات.

فالهداية مراحل، وليست دفعة واحدة، فالبعيد عن الطريق -الضال-، يحتاج من يوصله إليه ويدله عليه (نستعمل هداه إليه)، فإذا وصل إلى الطريق يحتاج إلى هاد يعرفه بأحوال الطريق وأماكن الأمن والنجاة والهلاك للثقة بالنفس، ثم إذا سلك الطريق في الأخير يحتاج إلى من يريه غايته.

ونلخص ما سبق على النحو التالي:

--------------------

" إنسان بعيد يحتاج من يوصله إلى الطريق نستعمل الفعل المتعدي بإلى.

" إذا وصل ويحتاج من يعرفه بالطريق وأحواله نستعمل الفعل المتعدي بنفسه.

" إذا سلك الطريق ويحتاج إلى من يبلغه مراده نستعمل الفعل المتعدي باللام.

أمثلة على كيفية تبيان معاني بعض الآيات بإستخدام مفهوم التعدية

-------------------------------------

" يقول عز وجل (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (يونس10: 35).

هل من شركائكم من يوصل (إلى الحق)، يعني أن الشركاء لا يعرفون أين الحق ولا كيف يرشدون إليه ويدلون عليه، قل الله يهدي (للحق) الله وحده يرشدك ويوصلك إلى خاتمة الهدايات.

" يقول عز وجل (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة5: 16).

يهدي الله سبل السلام: استعمال الهداية متعدية بنفسها بدون حرف هنا، إنما يدل على المقصود هم مؤمنون مهديون أصلاً، وهذا يؤكده قوله عز وجل (مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ)، ومعنى الآية انه من اتبع رضوان الله وليس بعيدا ولا ضالا، أما إستعمال التعدي بالحرف إلى في قوله (إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) إنما يدل أن المقصود من الخطاب هم ضالون وليسوا على الصراط، وهذا يؤكده قوله (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ)، فالذي في الظلمات هو بعيد عن الصراط ويحتاج إلى من يوصله إلى الصراط لذا قال يهديهم إلى صراط مستقيم (استعمل الفعل المتعدي بإلى).

" نعود إلى الآية (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، الفعل هنا كما نرى متعدي بنفسه، وكما قلنا أن إستعمال التعدي بالفعل وبدون حرف قد يكون للضال وقد يكون للمهتدي، فالذي انحرف عن الطريق يطلب من الله تعالى أن يوصله إليه أما الذي في الطريق فيطلب من الله تعالى أن يبصره بأحوال الطريق ويثبته عليه.