نبضات من التفسير في سورة الفاتحة الحلقة الرابعة عشر - ماهية الهداية
HTM |
|
Wave |
الموضوع |
موضوع |
|
|
|
نبضات من التفسير في سورة الفاتحة الحلقة الرابعة عشر - ماهية الهداية |
4401 |
|
|
4158 |
||
|
|
|
4 |
ماهية الهداية
-------
أين كنا قبل الخلق؟ هل كنا شيئا؟ هل كان لنا ذكر؟ لا، لم نكن شيئا، وما كان لنا ذكر، يقول عز وجل (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) (الإنسان76: 1)، ويقول عز وجل (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا) (مريم19: 9)، فقد خلقنا سبحانه وتعالى من العدم، من اللاشيء، ما كنا موجودين، ولا كانت لنا أحاسيس، ولا كان لنا شعور، لم تكن لنا أجساد ولا كانت لنا نفوس، ولا كانت فينا الروح، ما كان لنا عقول، ولا كان لنا قلوب، ولا كانت لنا عيون ولا كانت لنا آذان ولا كانت لنا ألسنة، ولا كان لنا ذكر، لم نكن شيئاً، ولم نكن نعلم أي شيء، فعلمنا الله كل ما نعلم، وفقهنا كل ما نفقه، وأعطانا كل ما نملك، يقول عز وجل (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) (النساء4: 113)، ويقول (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) (البقرة2: 31)، وخلق لنا الجنة لتكون دار مقرنا، دار سلامنا، يقول عز وجل (وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ) (النحل16: 30)، ويقول (وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) (غافر40: 39)، هذه الدار التي كلها هناء، لا هم فيها ولا غم ولا تعب ولا نصب ولا وصب ولا مصائب ولا إبتلاءات، يقول سبحانه وتعالى (الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) (فاطر35: 35)، هذه الدار التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشر، هذه الدار التي فيها قاب القوس خير من الدنيا وما فيها وخير مما طلعت عليه الشمس، هذه الدار التي لهم فيها ما يدعون، هذه الدار التي فيها الحياة خالدة سرمدية لا نهاية لها، هذه الدار التي فيها ترضى عن الله ويرضى الله عنك فلا يغضب عليك بعدها أبداً، هذه الدار التي فيها لذة النظر لوجه الله الكريم، ومن واسع رحمته عز وجل فإنه لا يريد لنا أن نظن أننا نستحق أكثر من الدرجة التي أعطانا إياها في الجنة، فهذه هي طبيعة الإنسان، يحسب نفسه يستحق أكثر مما بين يديه، لذلك خلق لنا سبحانه وتعالى الموت والحياة، يقول عز وجل (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) (الملك67: 2)، خلق لنا الموت بأن إستودعنا في ظهر أبينا آدم، وخلق لنا الحياة بأن نفخنا في أرحام أمهاتنا، وخلق لنا السماوات والأرض كقاعة لتقديم هذا الإمتحان، يقول عز وجل (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) (هود11: 7)، وقبل أن يُهبطنا إلى الأرض أخرجنا من ظهر أبينا آدم ونثرنا أمامه كالذر وخاطبنا وكلمنا وعلمنا وأرشدنا وهدانا لكل ما نحتاجه في رحلتنا لهذه الحياة الدنيا، يقول عز وجل (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا) (الأعراف7: 172)، وأخذ منا العهد والوعد والميثاق أن نقول (لا إله إلا الله)، ومن هنا بدأت الهداية، بدأت في السماء، وقبل أن نهبط إلى الأرض، فوحدانية الله في قولنا (لا إله إلا الله) هي أعظم هداية، هي العروة الوثقى وهي مفتاح الجنة وهي الرحمة والنور الذي غلف الله قلوبنا بهما، هذا النور وهذه الرحمة التي نحتاجهما كي نرى الله في كل ما حولنا، نراه في كل مخلوقاته، نراه في كل نعمه، نراه في كل أفعاله وتدابيره، نراه في كل شيء، ثم أهبطنا عز وجل إلى الأرض لتقديم الأمتحان والتأهل عند العودة للجلوس في الدرجة المناسبة في الجنة، يقول عز وجل (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) (البقرة2: 36)، فمستقرنا في هذه الحياة الدنيا إلى حينٍ قصير جداً ما يلبث أن يبدأ إلا وينتهي كما لو كان لمحة بصر، يقول عز وجل (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ)، ويجب أن لا ننسى أن وجودنا في هذه الحياة لإختيار المقعد والدرجة التي نستحقها في الجنة، يقول عز وجل (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ) (الزمر39: 74)، وقد وعدنا عز وجل في هذا المستقر في هذه الحياة الدنيا في هذا الوقت القصير الذي نحياه أن يمدنا بالهداية التي نحتاجها للعودة إلى الجنة يقول (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة2: 38)، فنحن لا نعرف الصواب من الخطأ ولا الحلال من الحرام، أي أننا في ضلال مبين، يقول عز وجل في الحديث القدسي (كلكم ضالٌ إلا من هديت)، وإن سألنا أنفسنا، كيف أتت الهداية من الله؟ فالجواب عن طريق الأنبياء والرسل والكتب السماوية، وبالأخص القرآن الكريم، ففي أول سورة البقرة يقول عز وجل (ألم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)، ومن خلال الأنبياء والرسل والكتب علمنا عز وجل كل ما نعرفه، وأرشدنا إلى ما فيه صلاحنا ونبهنا إلى كل ما فيه ضررنا، فأحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث، يقول عز وجل (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) (الأعراف7: 157)، وأمرنا عز وجل بإتباع الرسل والكتب وبعبادته عز وجل حيث يقول (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة2: 21)، وعلينا أن لا ننسى أن مردود العبادة ليس لله، فالله هو الغني، مردود العبادة إنما هو لنا نحن البشر، فمن يعبد الله ينال الثواب على العبادة، والله لا يحتاج لنا ولا يحتاج لعبادتنا، ولأننا نحن المستفيدين من هذه العبادة، فقد نبهنا عز وجل إلى وجوب إستغلال كل لحظة في حياتنا في عبادته عز وجل، وبأن نحول كل أفعالنا لعبادات، يقول عز وجل (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات51: 56)، وأعاننا سبحانه وتعالى على عبادته بأن تكفل لنا بالرزق، يقول عز وجل (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) (الروم30: 40)، وتأكيدا على أنه هو الرازق وأنه لا رازق غيره، فقد كتب لنا أرزاقنا في اللوح المحفوظ، أي قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف عام، يقول عز وجل (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) (الذاريات51: 22)، فالله هو الرازق والله لا يحتاج لطعامنا ولا لشرابنا ولا لمالنا ولا حتى لعبادتنا، يقول عز وجل (مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات51: 57-58)، وأعطانا سبحانه وتعالى من كل ما سألناه، يقول عز وجل (وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ) (إبراهيم14: 34). |