نبضات من التفسير في سورة الفاتحة الحلقة الخامسة عشر - الفرق ما بين الختم والطبع
HTM |
|
Wave |
الموضوع |
موضوع |
|
|
نبضات من التفسير في سورة الفاتحة الحلقة الخامسة عشر - الفرق ما بين الختم والطبع |
4404 |
|
|
|
4198 |
||
|
|
|
4 |
الفرق ما بين الختم والطبع
---------------
جاء في كتاب الفروق اللغوية للعساكري (أن الطبع أثر يثبت في المطبوع ويلزمه فهو يفيد من معنى الثبات واللزوم ما لا يفيده الختم، ولهذا يقال طبع الدرهم طبعا وهو الاثر الذي يؤثره فيه فلا يزول عنه، كذلك أيضا قيل طبع الانسان لانه ثابت غير زائل، وقيل طبع فلان على هذا الخلق إذا كان لا يزول عنه، وقال بعضهم: الطبع علامة تدل على كنه الشئ قال وقيل طبع الانسان لدلالته على حقيقة مزاجه من الحرارة والبرودة قال وطبع الدرهم علامة جوازه). بمعنى أن الختم هو إنغلاق القلب نتيجة المعاصي في حين لا زال طريق العودة للطاعة بالتوبة والإستغفار مفتوحاً، أما الطبع فيدل على أن المعصية أصبحت متأصلة في فاعلها فهي طبعه وهي طبيعته، ولا يستطيع تركها أو العودة عنها، ولتوضيح الصورة أكثر، دعونا نمر على آيات القرآن الكريم التي تحدثت عن (الطبع والختم).
1. يقول عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة2: 7). في هذه الآية يتناول عز وجل أول طريق الكفر للذين كفروا، وقبل أن يهبطوا إلى الأرض، عندما سألهم عز وجل (ألست بربكم)، وأجابوا بقولهم (بلى)، ولكنهم كانوا كاذبين، فمعنى (إن الذين كفروا) - (إن الذين قالوا بلى كذباً) هؤلاء ختم الله على قلوبهم، ليُعَلِّم هذه القلوب بأنها قلوب كاذبة ولينبهها بضرورة التوبة والعودة والأوبة لله وإخلاص عمل القلب بالصدق والإستغفار على ما بدر منها من كذب، ولقد تسبب هذا الكذب الذي صدر منهم بالغشاوة التي على سمعهم وعلى أبصارهم في الدنيا، والتي تمنع عنهم رؤية الله وعظمة الله من خلال ما يسمعونه وما يرونه، فختم القلب وغشاوة السمع والبصر جاءت من كذبهم، والختم يدل على أن باب التوبة لا زال مفتوحاً أمامهم، فإن تابوا فعلا وأحسنوا هذه التوبة يزول الختم، وتسقط الغشاوة.
2. يقول عز وجل (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) (النساء4: 155). في هذه الآية يتكلم عز وجل عن اليهود الذين (نقضوا الميثاق الذي بينهم وبين الله في توحيده) و (كفروا بآيات الله التي تذكرهم بالله وتذكرهم بالميثاق) و (قتلوا الأنبياء الذين جاءوا يذكرونهم بضرورة العودة لله والمحافظة على العهد) كما نرى هذا إصرارٌ على الكفر بالله، فجاء طبع الله قلوبهم بكفرهم، وكلمة (بكفرهم) هنا تعني كل ما تقدم من معاصي وإصرار على هذه المعاصي، والطبع هنا تفيد أنه لم يعد بإمكانهم التوبة والعودة والأوبة بالإستغفار، فهم (لا يؤمنون) - و (إلا قليلا) تفيد أن قليلا من اليهود لم يقوموا بهذه الأعمال الموجبة للطبع على القلب.
3. يقول عز وجل (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) (الأنعام6: 46). لاحظ في هذه الآية الكريمة كيف أن الله تكلم عن أخذ السمع والبصر وختم القلب، ثم بعدها تكلم عن تصريف الآيات، وتصريف الآيات إنما هي وسيلة للهداية يهدي الله بها الناس، وهذا يعني أن الختم هنا ليس نهاية المطاف، فلا زال طريق الهداية بالتوبة مفتوح.
4. يقول عز وجل (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) (الأعراف7: 100). في هذه الآية يبدأ عز وجل بقوله (أولم يهد) بمعنى أنهم لم يهتدوا ولم يستفيدوا من تجارب غيرهم للوصول للهداية، ثم جاء بعدها طبع القلب، ليدل على أن عاقبة من أتته الآيات ولم يهتدي بها أن يطبع الله على قلبه فلا يكون بإمكانه العودة بالتوبة.
5. يقول عز وجل (تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ) (الأعراف7: 101). وفي هذه الآية أيضا، جاءت الرسل وجاءت البينات فلم يؤمنوا بها لأنهم من البدء كانوا كذبوا على الله، فماذا كانت النتيجة أن طبع الله على قلوبهم والطبع هنا هو نهاية المطاف بالنسبة لهؤلاء، فلا مجال لإستغفار ولا لتوبة ولا لعودة.
6. يقول عز وجل (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ) (التوبة9: 87). ويقول عز وجل (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (التوبة9: 93). في هاتين الآيتين يبين لنا عز وجل بأن هؤلاء الذين رضوا بأن يكونوا مع الخوالف، طبع الله على قلوبهم فلا مجال لعودتهم ولا لتوبتهم.
7. يقول عز وجل (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) (يونس10: 74). أيضاً هنا يبين لنا عز وجل بأن هؤلاء المعتدين كذبوا على الله وجاءتهم الرسل وجاءتهم البينات، ولكنهم لم يؤمنوا ولم يتوبوا، لذلك طبع الله على قلوبهم فلا مجال لهم لا لتوبة ولا لعودة.
8. يقول عز وجل (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (النحل16: 107-108). هنا نرى الغافلين الذين إستحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، طبع الله على قلوبهم فما عاد بإمكانهم أن يتوبوا ويعودوا للهداية.
9. يقول عز وجل في (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآَيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ * كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (الروم30: 58-59). يتكلم عز وجل في هذه الآية عن الذي لا يعلمون، الذين جاءهم القرآن الكريم وطلّت عليهم آياته ولكنهم ما آمنوا بها ولا إهتدوا به، فطبع الله على قلوبهم فما عاد بإمكانهم التوبة ولا العودة.
10. يقول عز وجل (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (يس36: 65). يختم الله على أفواههم حتى تشهد عليهم أيديهم وأرجلهم، فلما تتم الشهادة يزول الختم ويصبح بإمكانهم التكلم بألسنتهم من جديد.
11. يقول عز وجل (الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (غافر40: 35). يتكلم عز وجل عن المتكبرين المتجبرين الذين يجادلون في آيات الله بلا برهان ولا سلطان، هؤلاء يطبع الله على قلوبهم فلا يعود بإمكانهم التوبة والعودة.
12. يقول عز وجل (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (الشورى42: 24). لاحظ في هذه الآية بعد ختم القلب، كان محو الباطل وإحقاق الحق، وهذه سبل هداية، أي أنه لا زال بإمكان هؤلاء أن يستفيدوا من هذه الهداية، والتوبة إلى الله، والعودة للصراط المستقيم.
13. يقول عز وجل (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (الجاثية45: 23). هنا أيضاً بعد الضلال يذكر الله عز وجل أنه هو فقط صاحب الهداية، أي لا زال بإمكان هذا العالم التوبة والعودة لله.
14. يقول عز وجل (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ) (محمد47: 16). وفي هذه الآية يحدثنا عز وجل عن هؤلاء الذين يتبعون أهوائهم ولا يتبعوا أوامر الله ورسوله وهم يعلمون أنها الحق وأنه يجب إتباعها، هؤلاء طبع الله على قلوبهم فما عاد بإمكانهم التوبة والعودة لله وللصراط المستقيم.
15. يقول عز وجل (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ) (المناقون63: 3). من كفر بعد الإيمان وبعد أن عرف الله وعرف أنه الحق، طبع الله على قلبه فما عاد بإمكانه التوبة والعودة لله. |