نبضات من التفسير في سورة الفاتحة الحلقة الحادية والعشرون - أُسميّ الله السميع والبصير
HTM |
|
Wave |
الموضوع |
موضوع |
|
|
|
نبضات من التفسير في سورة الفاتحة الحلقة الحادية والعشرون - أُسميّ الله السميع والبصير |
4426 |
|
|
4165 |
||
|
|
|
4 |
أُسميّ الله السميع والبصير
---------------
ما نراه عند إجتماع أسمي الله (السميع) و (البصير) أن اسم السميع يقدم على اسم البصير، يقول عز وجل (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (النساء4: 58)، ويقول (مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) (النساء4: 134)، ونذكر أنفسنا أن أسماء الله وصفاته كلها متساوية ولا يمكن تفضيل أي منها على الآخر، فلا يمكن أن يكون سمع الله أفضل من بصره، فكل ما لله من صفاته مكتمل وحسن، أما تقديم السمع على البصر إنما يدل على تقرب العباد من الله هو بالكلام أكثر منه بالأفعال، أي أن الناس تقول أكثر مما تفعل، وبما أن الله يسمع ويرى، فإن كمية الإستماع من كثرة الكلام أكبر من كمية البصر من قلة الأفعال. وفي قوله عز وجل لموسى وهارون عليهما الصلاة والسلام (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (طه20: 42-46)، لاحظ ما يلي:
" قال عز وجل لموسى وهارون (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا)، فالكلام هو طريق الهداية، وبالتالي فالإستماع هو سبيل هذه الهداية، والأصل أن يكفي الكلام للهداية، ذلك أن الكلام ما هو إلا تذكير بهداية الله لنا في السماوات قبل الهبوط للأرض أَنه هو الله، وأَنه هو الواحد الأحد الفرد الصمد، يقول عز وجل (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (الأعراف7: 172).
" وفي قوله عز وجل (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ)، أي لعله يتذكر هذا التكليف بتوحيد الله الذي تم في السماء، ولذلك كانت الأديان والرسالات للتذكر قبل أن تكون للتكليف.
" عندما أعطى الله موسى الآيات والتي محطها النظر والمشاهدة، فلم يكن المطلوب منه عليه الصلاة والسلام أن يبدء بها ثم يُلحقها ويتبعها الكلام وطلب الإيمان والتوحيد، إنما كان المطلوب منه أولاً الكلام والتذكير، فإن ابى المستمع أن يتذكر، أو أنه تذكر ولكنه أعرض، تأتي بعدها الآيات الكبرى المؤيدة بالكلام لتكون أدعى للتذكر وخشية الله والعودة له سبحانه وتعالى.
" فالتركيز في الدعوة يجب أن يكون على الكلام والذي هدفه التذكير، وهذا أكثر ما في الحدث الذي دار بين موسى وهارون من جهة وبين فرعون من جهة أخرى، ولكن لما أصر فرعون أن لا يتذكر، كان من رحمة الله أن جاء (الحدث) أو (الفعل) الذي محطه النظر والذي تمثل بالعصى التي تتحول إلى ثعبان (فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ) (الأعراف7: 107) أو (الشعراء26: 32) وجاء الحدث الثاني والذي تمثل بالضوء الذي يخرج من يد موسى (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) (النمل27: 12) - (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ) (الأعراف7: 108) أو (الشعراء26: 33).
" إذا معظم الحدث الذي دار هنا هو عبارة عن (حوار وكلام) و في أخره جاءت الحركة والمشاهدة، لذلك قال عز وجل (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) ولم يقل (إنني معكما أرى وأسمع).
" قد تحدث الهداية من خلال الكلام الذي يُذّكر الإنسان بربه، وقد تحدث الهداية من خلال آيات الله الكبرى التي يقف الإنسانَ أمامها مُسَلماً بالأمر بأن الله حق، أي أن الهداية قد تحدث إما لأننا تذكرنا الله بما سمعناه أو لأننا خشينا الله مما رأيناه وهذا قوله عز وجل (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) أي لعله يتذكر من القول، أو يخشى من الآيات المؤيدات التي أيد الله بها موسى.
" ونخلص هنا أن الثواب الذي يتحصل عليه الإنسان من تذكره واهتداءه بالكلام أعظم وأكبر من الثواب الذي يتحصل عليه نتيجة المشاهدة والرؤية، ذلك أن التذكر من الكلام إنما يدل على تقوى في القلب، أما الخشية التي تحدث نتيجة الرؤية، إنما تدل على فجور وقسوة في القلب، إحتاج معها هذا القلب لآية معجزة قوية جداً لحلحلت هذا القلب وزحزحته عن عذاب جهنم، يقول عز وجل (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (آل عمران3: 185). |