الخسوفات - الخسف بالمشرق بالمغرب بجزيرة العرب بعد بيعة المهدي
HTM |
|
Wave |
الموضوع |
موضوع |
|
|
|
الخسوفات - الخسف بالمشرق بالمغرب بجزيرة العرب بعد بيعة المهدي |
9057 |
|
|
|
12 |
خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب
ومن تلك الأحداث الخسوفات الثلاثة التي أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أ
نها تكون علامة على قرب قيام الساعة، فقد روى مسلم في "صحيحه" عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(إن الساعة لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها
ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب
وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم).
الخسوفات بسبب المعاصي والسيئات
أخبرنا - صلى الله عليه وسلم - أن هذه الخسوفات الثلاثة تكون عقوبة ربانية على ظهور المعاصي وانتشارها،
كما جاء في الحديث عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
(يكون في آخر هذه الآمة خسف ومسخ وقذف، قالت: قلت يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال:
نعم إذا ظهر الخبث) رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني.
وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
(في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله ومتى ذاك؟ قال:
إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور) رواه الترمذي وصححه الألباني.
وقد جعل الله عز وجل هذه الآية نذيراً بين يدي الساعة حتى يعود الناس إلى رشدهم، ويعلموا أنهم إن أصروا
على ما هم عليه من المعاصي والذنوب فإن ما أعده الله للعاصين يوم القيامة لا طاقة لأحد به.
أين تقع الخسوفات
أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الخسوفات - والتي هي من علامات الساعة -تقع في أماكن ثلاثة،
المكان الأول: جهة الشرق والمراد به مشرق المدينة، ولا شك أن المقصود موضع بالمشرق وليس جميع
أرجائه.
والمكان الثاني: جزيرة العرب، وليس بالضرورة أن يشمل جميع أرجائها بل ربما أتى على بعض
قبائلها، كما جاء في " المسند " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل
فيقال من بقي من بني فلان)،
والمكان الثالث: جهة الغرب والمراد به غرب المدينة النبوية، والمقصود منه ليس عموم المغرب وإنما موضع منه
والله أعلم.
هل وقعت هذه الخسوفات
ما زالت الخسوفات تقع منذ بدء الخلق إلى يومنا هذا، فهي لم تنقطع عن الأرض منذ أن خُلِقت،
وقد أخبرنا سبحانه عن الخسف كعقوبة عاقب بها من عصى أمره، فقال سبحانه:
{فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من
أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} (العنكبوت:40). وعليه فينبغي حمل الكلام النبوي
عن هذه الخسوفات الثلاثة على معنى خاص، وقدر زائد تختلف به هذه الخسوفات عن مثيلاتها، يقول الحافظ ابن
حجر: "وقد وجد الخسف في مواضع، ولكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف الثلاثة قدرا زائدا على ما وجد،
كأن يكون أعظم مكاناً أو قدراً".
كانت تلك وقفة مع أحد أشراط الساعة الكبرى، وهي بمثابة النذير بين يدي الساعة، ليتنبه الغافل فيستعد بعمل
ما ينجيه من أهوال ذلك اليوم، وهذا هو الذي يجب أن يحوز اهتمام المسلم، وهو العمل الصالح والبعد عن
الفساد العقائدي والأخلاقي، فكما مر معنا في الأحاديث أن سبب وقوع الخسوفات والزلال إنما هي المعاصي
بأنواعها، وفي مقدمتها الزنا وشرب الخمر والغناء، وهذا ما نراه عيانا في زمننا هذا، حيث انتشرت هذه
المعاصي انتشار النار في الهشيم، وجوهر بها، وعدت من أسباب التمدن والتحضر، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
باب ما جاء فيمن يخسف به أو يمسخ
" خرج أبو داود [عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا أنس إن الناس
يمصرون أمصارا وإن مصرا منها يقال لها البصرة أوالبصيرة فإن أنت مررت بها أودخلتها فإياك وسباخها
وكلأها وسوقها وباب أمرائها وعليك بضواحيها فإنه يكون بها خسف ورجف وقوم يبيتون فيصبحون قردة
وخنازير].
" وخرج ابن ماجه [عن نافع أن رجلا أتى ابن عمر فقال: إن فلانا يقرأ عليك السلام فقال له: بلغني
أنه قد أحدث فإن كان أحدث فلان فلا تقرئه السلام فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يكون في
أمتي أو في هذه الأمة خسف مسخ وقذف ونحوه] عن سهل بن سعد وقد تقدمت الأخبار والأحاديث في خسف
الجيش الذي يقصد مكة لقتال المهدي خرجهما مسلم وغيره.
" وكذلك حديث البخاري وغيره في باب (إذا فعلت هذه الأمة خمس عشرة خصلة).
" وذكر الثعالبي في تفسيره من حديث جرير بن عبد الله البجلي قال سمعت النبي صلى الله عليه
وسلم يقول: [تبنى مدينة بين دجلة ودجيل وقطربل والسراة يجتمع فيها جبابرة الأرض تجبي إليها الخزائن
ويخسف بها وفي رواية: يخسف بأهلها فلهي أسرع ذهابا في الأرض من الوتد الجيد في الأرض الرخوة يقال
إنها بغداد].
الخسف الذي يتبع بيعة المهدي
" عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (عَبَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَنَامِهِ فَقُلْنَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ! صَنَعْتَ شَيْئًا فِي مَنَامِكَ لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ! فَقَالَ: الْعَجَبُ إِنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِي يَؤُمُّونَ بِالْبَيْتِ بِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ لَجَأَ بِالْبَيْتِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الطَّرِيقَ قَدْ يَجْمَعُ النَّاسَ. قَالَ نَعَمْ فِيهِمُ الْمُسْتَبْصِرُ وَالْمَجْبُورُ وَابْنُ السَّبِيلِ يَهْلِكُونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ) أخرجه مسلم برقم 2884 [مسلم بشرح النووي (9/205)] المستبصر: هو المستبين لذلك الأمر -أي غزو الكعبة بمن فيها - القاصد له عمداً. المجبور: هو المكره على المسير مع الجيش. ابن السبيل: أي سالك الطريق الذي يقدّر الله سبحانه وتعالى اجتماعه مع الجيش ساعة الخسف بالرغم أنه ليس من الجيش. النووي: شرح مسلم (9/206)
" (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنِ الْقِبْطِيَّةِ قَالَ: دَخَلَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ وَأَنَا مَعَهُمَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَسَأَلَاهَا عَنِ الْجَيْشِ الَّذِي يُخْسَفُ بِهِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:} يَعُوذُ عَائِذٌ بِالْبَيْتِ فَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَ كَارِهًا؟ قَالَ: يُخْسَفُ بِهِ مَعَهُمْ وَلَكِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ {وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هِيَ بَيْدَاءُ الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَلَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ فَقُلْتُ إِنَّهَا إِنَّمَا قَالَتْ بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: كَلَّا وَاللَّهِ إِنَّهَا لَبَيْدَاءُ الْمَدِينَةِ) أخرجه مسلم برقم 2882[مسلم بشرح النووي (9/204)].
" عن حَفْصَة رضي الله عنها أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (لَيَؤُمَّنَّ هَذَا الْبَيْتَ جَيْشٌ يَغْزُونَهُ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوْسَطِهِمْ وَيُنَادِي أَوَّلُهُمْ آخِرَهُمْ ثُمَّ يُخْسَفُ بِهِمْ فَلَا يَبْقَى إِلَّا الشَّرِيدُ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْهُمْ) أخرجه مسلم برقم 2883 [مسلم بشرح النووي (9/204)]. وفي رواية: (سَيَعُوذُ بِهَذَا الْبَيْتِ يَعْنِي الْكَعْبَةَ قَوْمٌ لَيْسَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَلَا عَدَدٌ وَلَا عُدَّةٌ) أخرجه مسلم برقم 2883 [مسلم بشرح النووي (9/205)].
" (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِي إِذِ احْتَفَزَ جَالِسًا وَهُوَ يَسْتَرْجِعُ فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا شَأْنُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَسْتَرْجِعُ؟ قَالَ: جَيْشٌ مِنْ أُمَّتِي يَجِيئُونَ مِنْ قِبَلِ الشَّامِ يَؤُمُّونَ الْبَيْتَ لِرَجُلٍ يَمْنَعُهُ اللَّهُ مِنْهُمْ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ خُسِفَ بِهِمْ وَمَصَادِرُهُمْ شَتَّى) أخرجه أحمد برقم 26746 (6/349)] والحديث له شواهد في الصحيح.
" (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَكُونُ اخْتِلَافٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ، فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَارِبًا إِلَى مَكَّةَ، فَيَأْتِيهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَيُخْرِجُونَهُ وَهُوَ كَارِهٌ، فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَيُخْسَفُ بِهِمْ بِالْبَيْدَاءِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَإِذَا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ أَتَاهُ أَبْدَالُ الشَّامِ وَعَصَائِبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، ثُمَّ يَنْشَأُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَخْوَالُهُ كَلْبٌ فَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بَعْثًا فَيَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ بَعْثُ كَلْبٍ وَالْخَيْبَةُ لِمَنْ لَمْ يَشْهَدْ غَنِيمَةَ كَلْبٍ فَيَقْسِمُ الْمَالَ وَيَعْمَلُ فِي النَّاسِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم، وَيُلْقِي الْإِسْلَامُ بِجِرَانِهِ فِي الْأَرْضِ، فَيَلْبَثُ سَبْعَ سِنِينَ، ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ) أخرجه أبو داود 4288 (4/175)؛ وأحمد في باقي مسند الأنصار برقم 26745 [المسند (6/349)] والحاكم في الفتن بإسنادين برقم 8323، 8324، وقد سكت عن أحد الإسناد ين وصحح الآخر [المستدرك (4/ 478)].
" عن محمد بن الحنفية قال: (كنا عند علي رضي الله عنه فسأله رجل عن المهدي فقال علي رضي الله عنه: هيهات ثم عقد بيده سبعا فقال ذاك يخرج في آخر الزمان إذا قال الرجل الله الله قتل فيجمع الله تعالى له قوما قزع كقزع السحاب يؤلف الله بين قلوبهم لا يستوحشون إلى أحد ولا يفرحون بأحد يدخل فيهم على عدة أصحاب بدر لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون وعلى عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر قال أبو الطفيل قال بن الحنفية: أتريده؟ قلت: نعم. قال: إنه يخرج من بين هذين الخشبتين. قلت: لا جرم والله لا أريهما حتى أموت فمات بها يعني مكة حرسها الله تعالى) أخرجه الحاكم برقم 8659، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي [المستدرك 4/596)] قال البستوي: إسناده حسن [البستوي: المهدي المنتظر (208)].
" عن تبيع قال: (سيعوذ بمكة عائذ فيقتل ثم يمكث الناس برهة من دهرهم ثم يعوذ آخر فإن أدركته فلا تغزونه فإنه جيش الخسف) أخرجه نعيم برقم 889، وقال محقق الكتاب إسناده حسن [الفتن (226)] - تبيع: هو بن امرأة كعب الأحبار من حمير كنيته أبو عبيد يروى عن كعب ومجاهد روى عنه أهل مصر [ابن حبان: الثقات (6/122)].
شرح
هذه أهم النصوص التي تتحدث عن بيعة المهدي رضي الله عنه، وما يتبع ذلك من أحداث، ولنا مع هذه النصوص عدة وقفات:
1. الوقفة الأولى: يتضح من بعض الأحاديث - خاصة حديث أم سلمة - أن بداية التحرك لبيعة المهدي تكون بعد موت خليفة، وقد جاءت اللفظة غير معرفة (نكرة) مما يشير إلى أن هناك مُلك في ذلك الزمان يقوم على التوارث واستخلاف الملوك لبعضهم لبعض، وليس المراد بهذه الكلمة خليفة المسلمين جميعاً ؛ إذ لو كان كذلك لجاءت كلمة خليفة معرفة بأل (الخليفة) للدلالة على الخليفة المعهود للمسلمين. كذلك يتضح من نفس الرواية أن التحرك الذي يحصل في مكة يتبعه تحرك جيش من الشام للنيل به، مما يشير إلى أن هناك نوع ولاية للشام على الجزيرة العربية، وهذا يوحي بأن الخريطة السياسية التي نعهدها في زماننا ستتغير، ولا تبقى على حالها. كذلك في الحديث إشارة إلى أن الناس يقعون في تهارج واختلاف شديد بعد موت ذلك الخليفة، وهذا التهارج يصل إلى المدينة المنورة، فيهرب منها الإمام المهدي رضي الله عنه، وهذا يُظهر لنا أنه يكون حريصاً على اجتناب الفتن، وقد ورد في بعض الآثار أن من أوصافه أنه لم تلبسه فتنة. كذلك يشير الأمر إلى أنه ليس من طلاب الملك، ولا ممن يسعون له ؛ أي أن المهدي يكون خارج الأضواء، ويعزز هذا الرأي أنه ورد في رواية أنه يبايَع وهو كاره للأمر، وفي روايات أخرى تشير إلى أنه يهرب من الناس عدة مرات قبل أن يبايع. ويتضح من نفس الرواية أن هناك تحركات من بعض أفراد الأمة ممن اجتباهم الله، ويريد أهل هذه التحركات إخراج الأمة مما هي فيه من اختلاف وتهارج، ويتنسمون في نفس المرحلة خروج الرجل الموعود به والمنتظر ؛ وهذا يشير إلى أنهم أهل علم بالكتاب والسنة ممن رزقوا البصيرة في تعيين وقت خروجه وصفاته، وقد جاء في رواية أم سلمة أنهم من أهل مكة، وفي رواية أخرى أنهم علماء من أقطار شتى يجتمعون على غير ميعاد بينهم، ويتفقون على أوصاف محددة، ويجدّون في البحث عنها، ووقوع هذا الأمر ليس بغريب، ولن تعدم الأمة في أصعب ظروفها من الهداية لهذا الأمر العظيم، بل تساق إليه تحقيقاً لوعد الله سبحانه وتعالى، وليس اجتماعهم بأغرب من اجتماع موسى بالرجل اللدني عند مجمع البحرين، ولا بأغرب من خروج سلمان الفارسي من معبد النار في فارس والتقائه بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا بخروج تميم من لجج البحر بعد أغرب رحلة في الحياة واجتماعه برسول الله صلى الله عليه وسلم.
2. الوقفة الثانية: يتضح من رواية الإمام علي أن المهدي يخرج في مرحلة تكون الحرب على دين الله سبحانه وتعالى على أشدها لدرجة أن من يقول الله الله يقتل، و يعزز هذا الأثر ما ورد من انتشار الظلم والجور في الأرض، وأعظم الجور هو بمحاربة أهل الله سبحانه وتعالى في الأرض.
3. الوقفة الثالثة: يتضح من أكثر الروايات أن بداية خروج المهدي رضي الله عنه ومعرفته يكون عند بيعته بين الركن والمقام، أما قبل ذلك فيكون رجلاً مغموراً، وهذا لا يتعارض إلا ظاهرياً مع الحديث الوارد بأن الرايات السود التي تخرج من خراسان فيها خليفة الله المهدي رضي الله عنه ؛ لأنه يمكن حمل تلك الرواية على أن هذا الجيش الذي يخرج من خراسان فيه الأنصار والممهدون لتمكين خليفة الله المهدي في الأرض وقد سبق بيان ذلك.
4. الوقفة الرابعة: يتضح من الروايات أن الذين يبايعون المهدي - ويقال أن عددهم الأولي كعدة أهل بدر - يلجأون إلى البيت الحرام بقصد المنعة والأمان على أنفسهم بحرم الله سبحانه وتعالى،ويلحظ أن هؤلاء عند بداية بيعتهم لا يكونون من أهل المنعة والسلاح والعدة، بل يكونون مجردين من السلاح والمنعة، مما يشير إلى أن هذه البيعة قد وقعت دون إعداد مسبق، أو حساب للنتائج المترتبة عليها، ويحتمل الأمر أنهم يكونون على بينة من أمرهم لدرجة يقينية تعزز عندهم أن هناك نصرة ربانية خاصة لهم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لذا لم يلتفتوا للنتائج، ولم يعدوا العدة لها، وإنما لجئوا إلى بيت الله وفي كنفه، وكذلك يمكن استنباط فائدة في غاية الأهمية، وهي أن هؤلاء هم أصحاب رسالة، وليسوا أصحاب أغراض سياسية أو مآرب شخصية ؛ وهم أولى الناس في احترام تعاليم الإسلام وقدسية البلد الحرام ؛ لذا يحرصون على عدم استحلال البيت أو جعله ساحة للقتال، وهذا الالتزام المبدئي عندهم كان سبباً في أن يتوكل صاحب البيت بعقاب المعتدين على بيته بخسف الأرض من تحتهم. ويتضح أن هذه البيعة يكون لها ضجتها في الأرض حتى يحرك لأجلها جيش من الشام يتضمن ثلاثة أصناف: الصنف الأول هم المستبصرون، وهم علية القوم ممن يحادون الله ورسوله، ويجتهدون لتبكيت أهل الله في الأرض أينما كانوا، والصنف الثاني: المجبورون على السير مع الجيش حسب أنظمة ذلك الزمان، وهؤلاء هم الكارهون لغزو بيت الله الحرام. والصنف الثالث: عابرو السبيل ممن يقدر الله سبحانه وتعالى أن يكونوا قريبين من هذا الجيش ساعة الخسف. ويتضح من الروايات أن هذا الخسف يحصل في بيداء المدينة بعد ذي الحليفة (آبار علي)، أي قبل وصولهم لمكة بقرابة الثلاثمائة وخمسين ميلاً أو يزيد. ويتضح أن هذا الخسف ينالهم جميعاً، وفي روايات لا ينجو إلا من يخبر عن الجيش، وفي روايات أن الناجي من الخسف يخرج بصورة مشوهة. ويتضح من مجموع أحاديث أن هذا الخسف هو الخسف الثالث المقصود في الآيات العظام العشر بعد خسفي المشرق والمغرب. وكذلك يعتبر هذا الخسف هو العلامة الأقوى في الدلالة على أن العائذين بالبيت هم المهدي وأنصاره كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لذا يتحرك أهل الله خاصة من الشام ومن العراق نحو مكة لبيعة المهدي، وبذلك تتم البيعة، وتكتمل البذرة الأولى لجيش العالمية الثانية للإسلام في آخر الزمان، ولا ننسى أنه يكون للمهدي أيضاً أنصار من جهة المشرق يتحركون صوب إيلياء ويمهدون له الإمامة في نفس الوقت.
5. الوقفة الخامسة: غنيمة كلب. الملاحظ في حديث أم سلمة أنه أشار إلى وقعة تقع بين المهدي رضي الله عنه وأنصاره من جهة وبين رجل قرشي أخواله من قبيلة كلب، وهذه الوقعة تعتبر أولى الملاحم التي يخوضها المهدي رضي الله عنه، ويتضح من سياق الحديث أن المعركة عظيمة ومفصلية، ولعله يترتب عليها انتقال ملك المهدي للشام أو تكون ممهدة لذلك، ويتضح أيضاً أنه يترتب عليها بعد انتصار المهدي رضي الله عنه غنائم كثيرة تنالها الطائفة المنصورة من المعركة ؛ لذا جاء الترغيب في خوض هذه المعركة والمشاركة فيها بقول النبي صلى الله عليه وسلم " الخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب". وقد أشار الحديث إلى أن الإسلام يلقي بجرانه في الأرض للدلالة على التمكين الذي يحظى به المهدي بعد ذلك حتى يعم الإسلام الأرض. |