السحر - علم هاروت وماروت والسحر

 

HTM

PDF

Wave

الموضوع

موضوع

السحر - علم هاروت وماروت والسحر

12043

الباب الثاني - السحر

12002

كتاب المصائب والإبتلاءات

13

 

العلم الذي يتعلمه الإنسان من هاروت وماروت

--------------------------

يقول عز وجل في سورة البقرة 2- آية 1.2 ?وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ?، لاحظ ما يلي:-

" علينا أن نبين أولاً، أن هاروت وماروت ملكين من الملائكة، ولكنهما يختلفات عن باقي الملائكة، فما ينطبق عليهما لا ينطبق على باقي الملائكة، وما ينطبق على باقي الملائكة لا ينطبق عليهما، حيث أن الله عز وجل قد زرع في نفسيهما الشهوة والتي نزعها من نفوس باقي الملائكة.

" أما بالنسبة لباقي الملائكة فإنها رسل الله لأنبيائه ورسله على وجه الأرض، ثم علينا أن نبين أن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، هو أخر الأنبياء، حيث يقول صلى الله عليه وسلم ?لا نبي بعدي?، أي أن مخاطبة الملائكة لبني البشر إنقطعت وإنتهت بموت الرسول عليه الصلاة والسلام.

" وهذا يقودنا إلى أنه إذا إدعى أي إنسان أن ملكاً من الملائكة خاطبه أو كلمه أو تنزل عليه أو أمره بفعل أمر ما أو طلب منه مساعدة شخص ما، هذا يقودنا إلى أن هذا الشخص إما أنه كاذب، يكذب وهو يعلم أنه يكذب، أو أن الجان قد خاطبته وهي تدعي أنها من الملائكة، فخدعته، فإعتقد أن الملائكة تكلمه، أي أنه إما كاذباً أو مخدوعاً.

" ?وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ?، لاحظ أن عملية الإتباع تكون ?لما تتلو الشياطين?، وليس للشياطين، وهذا يشير ويدل على أن السحرة درجات ومراتب فمنهم من يتبع الشياطين، ومنهم من يتبع كلمات الشيطان، فالسحرة وعبدة الشيطان أعلى مرتبة في سلم السحرة، يعبدوا الشياطين ويتبعوا أوامره، أما المشعوذين، فقد يتبعوا أوامر الشياطين من غير عبادته حيث أن المشعوذين يتعلمون السحر من السحرة أو من كتب السحر وينفذون الأوامر المكتوبة في هذه الكتب دون أن يعلموا معناها وخطورتها التي تخرجهم من ملة الإسلام.

" ?تَتْلُو?، أن للشياطين كلمات مخصوصة تتلوها كمفاتيح لمهام معينة تعلمها للساحر، وهذه الكلمات نطلق عليها الأقسام أو العزائم أو الطلاسم.

" ?وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا?، أن الشياطين تكفر عندما تعلم الناس طلاسم السحر، وهذا يعني أن الله عز وجل قد حرم على الشياطين تعليم الناس السحر.

" ?يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ?، أن الشياطين تعلم الناس السحر، وبالإضافة لهذا السحر فإنها تعلم الناس ما أنزل على هاروت وماروت، وهذا يقودنا إلى أن الشياطين تعلم الناس أكثر مما أنزل على الملكين، حيث أنها بالإضافة لعلم هاروت وماروت، فإنها تعلم الناس ?الغش والخداع والكذب والقسم بالله كذباً والحيل وكل ما فيه الفساد?.

" فالأصل هو علم عند الملكين هاروت وماروت الذين هبطا في منطقة بابل في العراق، إلا أن الشياطين أضافت لهذا العلم الكثير من الأساليب والخطوات مما فيه مضرة الناس، فصار سحراً.

" أن السحر هو إبتلاء من عند الله للجان وللإنسان، مثله مثل المال ومثله مثل الاولاد ومثل القوة ومثل العلم، حتى يختبر الله صدق إيمان المؤمنين في الإلتزام بأوامر الله أو يكشف كفر الكفار بمعصيتهم لأوامره عز وجل.

" أن هاروت وماروت عندما بدءا تعليم الناس كانا يبينان لهم أن تعلمهم لهذا العلم سوف يفتنهم عن دينهم، وأن من يتعلمه لا شك بأنه سيكفر وستحول في النهاية للسحر، وهذا يشير بشكل واضح إلى أن الإنسان ممنوع من تعلم ما عند هاروت وماروت ولا تعلم السحر كونه فتنه ستؤدي به للكفر.

" ?فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ?، أن هدف السحر هو إيقاع المضرة بين الناس، وبالأخص بين الزوجين بحيث يؤدي للتفريق بينهما، فالزوجين هما عماد الأسرة والأسرة هي عماد المجتمع، فإن حصل أن فرقت الشياطين بين الأبوين داخل هذه الأسرة، أصبح الأولاد فيها فريسه سهلة جداً لوسوسة الشياطين والتي تدفعهم عادة للكفر بالله والإفساد في الأرض والإضرار بالناس، وإذا ما نظرنا نظرة سريعة على سكان السجون، سنجد أن الغالبية العظمة ممن في السجن، هم لأبوين تخاصما وتشاجرا وإفترقا وضاع الأبناء بين الأَرْجُل.

" وهدف الشيطان قريب جداً من هدف اليهود، وهم شياطين الإنسن، عندما يقومون بوضع السلطة بيد الزوجة ومنع الرجل من إستخدام سلطته داخل بيته، بل وحبسه في حالة أنه حاول تقويم هذا البيت حسب ما تقتضيه الحياة الصحيحة السليمة وحسب ما يرتضيه الدين الإسلامي السمح الشريف، ثم إنظر للتناقض الواضح في عملهم، فهم عندما يعاقبون الرجل ويسجنونه فإنهم يستخدمون السلطة القصرية والعقاب الجسدي والنفسي لتنفيذ قوانيهم، في ماذا، في منع الرجل من تنفيذ قوانين الأسرة داخل بيته.

" أن الساحر قد يكذب ويدعي أنه سيقوم بعمل سحر نافع، ولكنه عز وجل يبين أنه لا يوجد ما هو نافع بالسحر، فإدعاء السحرة هذا ما هو إلا كذب وتمويه للتغطية عن الهدف الحقيقي وهو مضرة الناس.

" ?وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ?، أن الخير والمضرة من عند الله، ولا يجوز الإعتراض على حكم الله عز وجل بأي شكل من الاشكال، لأن الإعتراض على حكم الله كفر صريح يظلم به الإنسان نفسه، فيخرج نفسه من رحمة الله.

" أن الساحر عندما يقرر أن يتعامل مع الشياطين يكون قد باع آخرته وجنته بهذه الدنيا الفانية، وهذا بيع خاسر، يخسر فيه الساحر آخرته، وهذا يؤكد أن الساحر يتعامل مع الشياطين بمحض إرادته، وأن الشياطين لا تجبر السحرة على التعامل معها.

" مع أن الساحر يعلم أن مصيره نار جنهم، إلا أنه لا يعلم مدى شدة العذاب في نار جنهم، ولو أنه علم هذه الشدة وهذه الغلظة وعلم ما ينتظره من صنوف العذاب لما رضي أن يتعامل مع الشياطين ولما إختار أن يكون ساحراً.

" وقد جاء في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام من مسند أحمد حيث جاء فيه ?إن آدم عليه الصلاة والسلام لما أهبط إلى الأرض قالت الملائكة أي رب أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون قالوا ربنا نحن أطوع لك من بني آدم قال الله لملائكته هلموا ملكين من الملائكة قالوا ربنا هاروت وماروت قال فاهبطا إلى الأرض فتمثلت لهما الزهرة امرأة في أحسن البشر فجاآها يسألانها نفسها فقالت لا والله حتى تكلما بهذه الكلمة من الإشراك قالا والله لا نشرك بالله أبدا فذهبت عنهما ثم رجعت إليهما ومعها صبي تحمله فسألاها نفسها فقالت لا والله حتى تقتلا هذا الصبي فقالا والله لا نقتله أبدا فذهبت ثم رجعت بقدح من الخمر تحمله فسألاها نفسها فقالت لا والله حتى تشربا هذا الخمر فشربا فسكرا فوقعا عليها وقتلا الصبي فلما أفاقا قالت المرأة والله ما تركتما من شيء أبيتماه عليّ إلا فعلتماه حين سكرتما، فخيرا عند ذلك بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا?، وكما نرى من الحديث، أن الله عز وجل قد خير هاروت وماروت بين البقاء على وجه الأرض وبين الرفع للسماوات والعذاب في نار جهنم، فإختارا أن الحياة الدنيا بما فيها من كبد ونكد وعناء وهم، وقد شاء عز وجل أن يقوم هاروت وماروت بتعليم الناس السحر أثناء وجودهما على وجه الأرض.

" قال ابن كثير في تفسيره: ?قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن قيس بن عباد عن ابن عباس قال: فإذا أتاهما الآتي يريد السحر، نهياه أشد النهي، وقالا له: إنما نحن فتنة فلا تكفر، وذلك أنهما علما الخير والشر والكفر والإيمان، فعرفا أن السحر من الكفر قال: فإذا أبى عليهما، أمراه أن يأتي مكان كذا وكذا فإذا أتاه، عاين الشيطان فعلمه فإذا علمه خرج منه النور فنظر إليه ساطعا في السماء فيقول: يا حسرتاه يا ويله ماذا صنع?. وقال السدي: ?إذا أتاهما إنسان يريد السحر، وعظاه وقالا له: لا تكفر إنما نحن فتنة، فإذا أبى قالا له: إئت هذا الرماد فبل عليه، فإذا بال عليه خرج منه نور فسطع حتى يدخل السماء، وذلك الإيمان، وأقبل شيء أسود كهيئة الدخان حتى يدخل في مسامعه وكل شيء، وذلك غضب الله، فإذا أخبرهما بذلك علماه السحر?، وقال سعيد عن حجاج عن ابن جريج في هذه الآية ?لا يجترئ على السحر إلا كافر، وقد استدل بعضهم بهذه الآية على تكفير من تعلم السحر، واستشهد له بحديث عبد الله: "من أتى كاهنا أو ساحرا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم? ?صحيح الجامع 5939? ?تفسير القرآن العظيم - باختصار - 1 / 136، 137?. وقال - رحمه الله -: ?قال قتادة: ?كان أخِذ عليهما أن لا يعلما أحداً حتى يقولا إنما نحن فتنة أي بلاء ابتلينا به فلا تكفر? ?تفسير القرآن العظيم - باختصار - 1/136، 137?.

" عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: ?قدمت امرأة من أهل دومة الجندل جاءت تبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته حداثة ذلك تسأله عن شيء دخلت فيه من أمر السحرة لم تعمل به، قالت عائشة لعروة: يا ابن أختي فرأيتها تبكي حين لم تجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيشفيها حتى أني لأرحمها وهي تقول: إني لأخاف أن أكون قد هلكت، كان لي زوج فغاب عني فدخلت على عجوز فشكوت إليها فقالت: إن فعلت ما آمرك فلعله يأتيك، فلما إن كان الليل جاءتني بكلبين أسودين فركبت أحدهما، وركبت الآخر، فلم يكن مكثي حتى وقفنا ببابل، فإذا أنا برجلين معلقين بأرجلهما، فقالا ما جاء بك، فقلت: أتعلم السحر، فقالا: إنما نحن فتنة فلا تكفري وارجعي، فأبيت وقلت: لا، قالا فاذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه، فذهبت وفزعت فلم أفعل، فرجعت إليهما فقالا لي: فعلت، قلت: نعم. قالا: هل رأيت شيئاً فقلت لم أر شيئاً، فقالا: لم تفعلي ارجعي إلى بلادك ولا تكفري فأبيت، فقالا اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه، فذهبت فاقشعر جلدي وخفت ثم رجعت إليهما فقالا: ما رأيت؟ فقلت لم أر شيئاً، فقالا: كذبت لم تفعلي ارجعي إلى بلادك ولا تكفري فإنك على رأس أمرك فأبيت، فقالا: اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه، فذهبت فبلت فيه، فرأيت فارساً مقنعاً بحديد خرج مني حتى ذهب في السماء فغاب عني حتى ما أراه، فأتيتهما فقلت: قد فعلت، فقالا: فما رأيت؟ قلت رأيت فارساً مقنعاً بحديد خرج مني فذهب في السماء فغاب عني حتى ما أرى شيئاً، قالا: صدقت ذلك إيمانك خرج منك فاذهبي، فقلت للمرأة والله ما أعلم شيئاً، وما قالا لي شيئاً، فقالت بلى إن تريدين شيئاً إلا كان، خذي هذا القمح فابذري فبذرت، فقلت: اطلعي فطلعت، وقلت: احقلي فحقلت، ثم قلت: افرخي فأفرخت، ثم قلت ايبسي فيبست، ثم قلت: اطحني فطحنت، ثم قلت: اخبزي فخبزت، فلما رأيت أني لا أريد شيئاً إلا كان سقط في يدي وندمت والله يا أم المؤمنين، ما فعلت شيئاً قط ولا أفعله أبداً، فسألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حداثة وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يومئذ متوافرون فما دروا ما يقولون لها، وكلهم هاب وخاف أن يفتيها بما لا يعلم إلا أنهم قالوا: لو كان أبواك حيين أو أحدهما لكانا يكفيانك? ?رواه الحاكم بلفظه، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي وصححه، ورواه أيضاً البيهقي بنحوه - المستدرك على الصحيحين للحاكم وبذيله التلخيص للذهبي - 4 / 155، 156?.

فالسحرة أناس ضالون متعلقين بحب الشر والإفساد، تقودهم أهواؤهم وشهواتهم، دون رادع ولا وازع، ويستعينون على تحقيق أغراضهم الفاسدة بالشياطين، فيتقربون إليها بكل ما هو بغيض لله عز وجل، ولذلك ترى وجوههم قاطبة عابسة، يعلوها البؤس والشقاء، والذلة والمهانة، بيوتهم ممتهنة، وقلوبهم خاوية، حرموا لذة الإيمان، وعاشوا في كدر وعناء، ولا بد للمسلم أن يحذر منهم ومن أفعالهم، خاصة أن فيها خروجا عن الملة والإسلام، وهذا موجب لغضب الله تعالى وعقوبته، وفيه كذلك ضياع للمال بغير حق، وخسران للمرأة التي تطرق أبوابهم لشرفها وعفافها وطهارتها، فيجب الحذر من الذهاب إليهم، والاستعانة بهم على قضاء الحوائج، وأن يجعل المسلم حاجته لله سبحانه وتعالى وحده، ويتوكل ويعتمد عليه. وخطورة اللجوء للسحرة في أمور الحياة الخاصة والعامة من إلحاق ضرر، أو جلب منفعة، أو درء مفسدة، دون اللجوء إلى مسبب الأسباب كفر بالله عز وجل، كما أن اللجوء إليهم والاستعانة بهم مع اللجوء إلى الله تعالى شرك مؤدي للكفر.